رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 18 - 1 الأثنين 16/12/2024
قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حارة الدخاخني
للكاتبة أسماء المصري
قراءة رواية حارة الدخاخني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء المصري
الفصل الثامن عشر
1
تم النشر يوم الأثنين
15/12/2024
يبدأ دوامها يوميا بعد منتصف الليل وبالرغم من صعوبة الأمر إلا أنها أكثر من شاكرة لفرصة العمل بذلك المشفى الذي يعتبر من أفضل المشافي بالإسكندرية كلها.
دلفت من البوابة وطبعت بصمة حضورها بهذا الجهاز وارتدت الزي المخصص لفريق التمريض وبدأت تباشر عملها.
صعدت الطابق الرابع حيث مكان توزيع مهماتها، ولكنها لمحت جارتها تقف متوترة ويبدو عليها القلق ويبدو أنها لمحتها فهرعت من أمامها قبل أن تلمحها جيداً لتتأكد أنها هي جارتها وليست شبيهة لها.
خطت بممر الطابق، ذلك الطابق المخصص لحالات الوضع وأمراض النساء وقابلت زميلتها بالعمل فسألتها وهي تنظر لباب الغرفة التي دلفتها سالي للتو:
-هو الحالة اللي في 402 ايه؟
أجابتها الممرضة الأخرى:
-إجهاض.
تعجبت، كيف لها أن تجهض وتقف على قدميها بهذا الشكل وكل الظن أن المريضة هي سالي، ولكن ذكائها ومعها حضورها لحفل زواج ابنة حارتهم وما رأته من نزيف أصاب سهر جعلها تستنتج بعض الأمور فسألت:
-الحالة دي اسمها ايه؟
نظرت الممرضة بالكشف المعلق على الحائط وأخبرتها:
-مكتوب أهو سهر أنور عبدالتواب.
اتسعت حدقتيها وتعجبت عندما استمعت لزميلتها:
-يا عيني عرسان جداد لسه والجنين نزل، دي جوه مموته نفسها من العياط وجوزها وأختها مش عارفين يسكتوها.
تأكدت من ظنونها فابتسمت لزميلتها وابتعدت تنأى بنفسها وتفكر بصوت غير مسموع سوى لنفسها:
-يادي الفضيحة، دول كاتبين كتاب بس ودخل عليها وحبلها كمان! أكيد لا أمها ولا أبوها يعرفو وإلا كان زمانهم هنا.
حكَت رأسها تفكر قليلا ماذا عليها أن تفعل:
-أتصل أقول لأمها ولا استر عليها وخلاص؟
لاعبها عقلها بأفكاره المترددة:
-أنا لو مكان أمها هبقى عايزة أعرف، أعمل ايه بس؟
سحبت نفسا عميقا وطردته بتمهل واتخذت قرارها:
-أنا هعمل نفسي معرفش حاجه وهتصل بيها كأني بتطمن عليها.
بالفعل هاتفت والدتها فأجابت من الرنة الأولى فالحارة كلها تقف على قدم وساق بعد ما حدث وجميع الرجال بالشارع يتباحثون بأمر المداهمة:
-ازيك يا نجلاء، في حاجه ولا ايه؟
أجابتها الأخرى بتوتر:
-ﻷ يا أم سامح بس زي اللي اختيلت بسالي وسهر هنا في المستشفى فخوفت تكون تعبت تاني.
انتفضت بذعر وقلق:
-بتقولي ايه؟ شوفتيهم بجد؟
أكدت حديثها بمكر:
-ايوه والله وقولت أكيد سهر تعبت تاني وبحسبك عندك علم، يقطعني قلقتك.
صرخت بخوف:
-طيب طمنيني عليها الله يكرمك.
أجابتها بمراوغة:
-أنا معرفش عندها ايه بس لو عيزاني أسألك زمايلي اللي ماسكين الدور اللي هي فيه...
قاطعتها بهياج:
-انتي لسه هتسألي يا نجلاء أخص عليكي، هم مش زي أخواتك.
أومأت مبتسمة بسمة صفراء فهي دائما ما تضايقت منهما بسبب تعاليهما على أهالي الحارة وكأنهما من عالم آخر، وبالأخص سهر التي دائما ما تباهت بتعليمها الجيد وزيجتها التي تمنتها أغلب فتيات الحارة من أوسم شاب بها والأكثر أنه لا يخفي مشاعره عن أهالي حارته ويغازلها بمرئى ومسمع من الجميع حتى بات أهالي الحارة يعلمون أنها لا تحتاج لتطلب منه أمراً بل تشير له فينفذه بالتو واللحظة:
-طبعا اخواتي يا أم سامح، أطمني أنا هشوف الحكاية ايه وأكلمك تاني.
أغلقت معها وابتسمت بسمة واسعة وهي تعلم أنها حشرتهما بركن ضيق لن تستطيعا الهروب منه.
بنفس اللحظة التي أغلقت معها هاتفت ابنتها وفور فتحها للخط صرخت بجزع:
-بت يا سالي اختك مالها؟
تلعثمت وابتلعت ريقها بحذر:
-تعبت شويه وجبتها المستشفى.
علمت بالطبع أنه تم رصدها من جارتها التي ظنت أنها استطاعت الهرب منها، وقبل أن تصيح والدتها أكثر كانت الأولى تطمئنها:
-متقلقيش، دي طلعت الزايدة ودخلوها العمليات وشالوها الحمد لله.
اعترضت بصوتها الصارخ:
-لوحدك! ليه؟ ملكومش أهل عشان تاخديها لوحدك، طيب مكلمتنيش ليه؟
أجابتها فورا:
-ابدا يا ماما الموضوع حصل بسرعة وما أخدتش ربع ساعه لقيتها دخلت وخرجت ويادوب بتفوق أهي، وأنا مش لوحدي، جوزي معايا.
بنفس التوقيت كانت سهر تبكي متألمة وحسن بجوارها يربت عليها ويقبل رأسها:
-أنا هقول ﻷبوكم وهنجيلكم، مع إن الشارع والع نار ومش عارفه هيعرف ييجي ولا ﻷ!
قادها فضولها لمعرفة الأمر:
-ليه يا ماما حصل إيه؟
أجابتها تقص عليها الأمر كله فلمعت عينيها:
-انتي بتقولي ايه يا ماما؟ يعني قبضوا على المعلم رشوان؟ ده بجد!
أكدت عليها الخبر وهي تظن أنه تم القبض عليه برفقة رجال الحارة، أغلقت معها والتفت ﻷختها تهذي بزعر:
-مفيش غيرها الزفته نجلاء شافتني وتلاقيها جرت كلمت أمك.
ارتعدت سهر وبدأت أطرافها بالتجمد وهي بين راحتي حسن فدلكها بلطف يطمئنها:
-أهدي يا حبيبتي، أنتي مراتي ومحدش له عندنا حاجه.
جلس عماد أمامها وبدأ بالتحدث بعقلانية:
-بس يا حسن العيار اللي ميصبش يدوش وأنت عارف الحريم ورغيهم وكل واحده هتحط شطه ع الكلام من عندها وتزوده لحد ما تبقى سمعتكم في الأرض، أنا من رأيي نطلعو أنا وأنت نكلموها وندوها قرشين عشان تسكت ﻷن الواضح أنها لسه معرفتش سهر عندها ايه.
ضحكت سالي ساخرة:
-قلبك أبيض، دي عرفت وعرفت، ده احنا في قسم الولاده يا أخويا، ده هي بس اللي بتتلائم عشان متبقاش هي اللي نشرت الخبر.
صرت على أسنانها غيظت:
-بنت كل* بس هقول ايه إن كان لك عند الكلب حاجه، روحولها وأدوها قرشين سكتوها بيهم لحد ما نشوفو هنعملو ايه، بس بسرعه قبل امي وأبويا ما يجو
❈-❈-❈
صرخت بقهر وهي تجد صغيرتها تساق داخل سيارة الشرطة وتنظر ورائها بنظرة حزن وانكسار وكم تمزع قبلها فهي أم عندما رأت عبراتها التي أغرقت وجهها تزامنا مع ابتعاد سيارات الشرطة وابنتها مكبلة بداخلها.
أسرعت بخطواتها لتبحث عن نجدة تنجدها وتساعد صغيرتها التي كبرت قبل أوانها فأشارت ﻷقرب سيارة أجرة لتقلها للحارة فهناك عالمها وجيرانها وكل من يستطيع مساعدتها.
وصلت مدخل الحارة فترجلت وهرعت بسرعة لا تناسب سنها وصعدت منزل زوجته الأولى وطرقت على الباب طرقات عنيفة فهرعت صفية تفتح بجزع:
-مين اللي بيخبط دلوقت؟ في ايه؟
فتحت لتتفاجئ بجارتها وشكلها المبعثر فهتفت بلهفة:
-في ايه يا أم يوسف؟
أجابتها وهي تدفعها من أمامها لتدلف:
-بنتي ضاعت يا أم محمد وجوزك السبب، الراجل اللي ميعرفش ربنا ضيع البت منه لله.
لم تفهم عما تتحدث ولكن نسج عقلها آلاف السيناريوهات بلمح البصر عن ليلة زفاف سوداء جرت بين متصابي يكبر عروسه الطفلة بأربعين عاما:
-اهدي بس وفهميني بالراحة
أجابتها فورا وهي تضرب على قدمها تندب وتعول حظ ابنتها:
-قبضو عليها ياختي لحد المحروس جوزك ما يسلم نفسه.
تجعدت ملامحها فعما تتحدث تلك، من يسلم نفسه وكيف حدث إن كان ما فهمته منها صحيحا:
-وربنا ما فاهمة حاجه ياختي، هو رشوان مش مع ملك في بيتهم الجديد؟
نفت بقهر وصياح ايقظ ورد فهرعت للخارج على تلك الأصوات لتستمع لها تعدد:
-جت الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح، وقال أنا اللي فرحت انه مدخلش عليها ومشي من عندها وبعت جابني ابات معاها.
انتبهت صفية لحديثها فابتسمت نصف ابتسامة وهي تظن أن خطتها بوضع تلك الزيوت التي تؤثر عليه بطعامه، ولكنها لم تستكمل فرحتها عندما تابعت الأخرى:
-مفيش يادوب روحتلها وقلعت عبايتي ولقيتلك الرزع ع الباب، اتاريهم البوليس جايين يقبضو عليه وأخدو بنتي في الرجلين.
اتسعت حدقتيها متعجبة هل حقا صدر قرار بالقبض عليه؟! كيف يحدث ذلك وهي تعلم تماما مقدرة تلك الشبكة التي يعمل معها منذ أن كان شابا صغيرا:
-يعني هو مشى قبل البوليس ما يروح لملك؟
سألتها وهي تجلس بجوارها متعجبة فأجابتها:
-ايوه ياختي وقافل تليفونه أكـنه عارف بالحكاية وهربان والظابط عايزه يسلم نفسه فأخد ملك رهن لحد ما يمسكوه.
انعقد حاجبي ورد تتمتم بذعر:
-أبويا هيتقبض عليه؟ ازاي ده حصل؟
لحظات واستمعن ثلاثتهن ﻷصوات الصراخ والعويل بالحارة بعد أن وصل الخبر وانتشر كالنار في الهشيم، فأكثرية الرجال الذين تم القبض عليهم بتلك المداهمة هم من أبناء الحارة رجالا وشبابا فهرعن ناحية النافذة المطلة على الشارع فوجدن النساء تبكي وتصرخ والرجال يضربون كفا على كف غير مصدقين لما حدث، وبنفس الوقت قرع جرس الباب فكان أحد العاملون لدى رشوان يخبرها بالخبر اليقين وعن تلك المداهمة التي اعتقل بها العشرات من رجال الحارة.
تسائلت بجزع ورهبة:
-في حد منهم جراله حاجه يا قباري؟
نفى بسرعة:
-لا الحمد لله، الرجالة لما لقوا البوليس عمل عليهم كماشه من كل الجهات، سلمو نفسهم على طول ما هو يا روح ما بعدك يروح.
ربتت على كتفه فغادر وعادت هي للداخل فوجدت والدة ملك تجلس أرضا تنوح وتصيح فنظرت لابنتها تصيح بها:
-هاتي الزفت المحمول خليني أشوف ابوكي فين يلحق المصيبة اللي وقعت على روسنا ويلحق البت الغلبانه دي.
❈-❈-❈
ارتمت أرضا أسفل قدميه تضع راحتيها على ركبتيه تستدر عطفه وتتوسله بكل نفيس وغال:
-عشان خاطري يا رشوان، وحياة البنات عندك تسامحني.
بكت وانتحبت حتى شوشت عبراتها رؤيتها وهو جامد أمامها صلبا لا يتحدث:
-والله العظيم مكنتش أعرف إن بابا هيعمل كده، أنا كل اللي قولته أني مش عيزاك تتجوز عليا وعيزاه يوقف الجوازه دي، بس متخيلتش أنه يبلغ عنك عشان يوقفها.
ظل صامتا لا يسمع له حسا إلا صوت اصطكاك أسنانه بعضها ببعض وهي لا تزال تتوسله:
-سامحني، أنا محبتش ولا هحب غيرك وغيرتي عمتي ومكنتش أعرف انه هيعمل كده.
رمقها بنظرة حادة وأسنان مطبقة بشكل مخيف وتحدث من بين إطباقهما:
-حسابي مع ابوكي هيكون تقييييل أوي يا ماهيتاب.
ارتعدت وهي تجده يتوعد لأبيها:
-ابوكي يعمل فيا أنا كده؟ ده أنا أبو أحفاده بعيد عن الشغل والعشرة اللي بينا، بس سهلة وحسابه معايا هيكون عسييير ومش هضرب من الظهر زي ما عمل، الضرب هيكون في الوش وراجل لراجل يا ماهيتاب.
بكت ترتمي بحضنه:
-سامحه عشان خاطري وهو هيصلح اللي عمله، ده جد بناتك.
زم شفتيه بحنق:
-زي ما هو نسى اني أبو حفيداته أنا هنسى أنه ابوكي وجد بناتي.
صدح هاتفها بالرنين فلمعت عينه يسألها:
-ده هاشم؟
نفت بعد أن نظرت لشاشته:
-ﻷ دي صفية.
أومأ وتمتم وهي تجيبها:
-أكيد الخبر وصل، ما الرجالة اللي اتاخدت في الرجلين دول من الحارة.
أجابتها:
-ايوه يا صفية.
صرخت بها بدون مقدمات:
-المعلم عندك؟
أومأت تؤكد:
-ايوه بس....
قاطعتها بسرعة:
-أديهولي.
أجابها يتحدث بدون أن يسمعها:
-طمني أهل الحارة إن الرجاله كلها هتخرج، ميخافوش.
علقت عليه متعجبة:
-وملك كمان هتخرج معاهم يا معلم؟