رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 19 - 1 الجمعة 20/12/2024
قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حارة الدخاخني
للكاتبة أسماء المصري
قراءة رواية حارة الدخاخني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء المصري
الفصل التاسع عشر
1
تم النشر يوم الجمعة
20/12/2024
استقر بغرفته نائما منذ عودته لا يشغل باله بعمله ولا بصوت والدته المنادي له، جل ما يفكر به هو معضلته التي أوقع نفسه بها؛ فلا مفر ولا هروب من القادم وهو يعلم تماما نتيجة فعلته وإلى ما ستقدوه.
دلفت والدته بعد أن بح صوتها من استدعاؤه:
-يبني صوتي اتنحر قوم بقى، من امتى نومك تقيل كده؟
نظرت فوجدته ساهما ينظر لسقف الغرفة مجحظا عينيه شاردا بصمت لا يتحدث:
-مالك يا حسن؟
لم يجب بل ظل على حالته وقد ترقرقت عينيه بالعبرات فجلست والدته بجواره تربت عليه بحنو:
-معلش يا حبيبي، ربنا هيعوض عليك إن شاء الله، وقضى أخف من قضى.
لم يبدر عنه أي ردة فعل عن مواساتها:
-ربنا رحيم بيك وحب يديك فرصة تانية تصلح اللي عملته من غير سربعه وجري هنا وهنا عشان تخبي حملها.
رمش بأهدابه وتنهد تنهيدة عميقة وهو بعيد كل البعد عن الحزن عن نطفته التي خسرها توا، بل حزنه يكمن في شيئا آخر:
-مش أحسن ما كان أبوها عرف لا سمح الله وساعتها شكلك كان هيبقى وحش أوي قدامه، أنا محبش ابدا إن أنور الحافي يحط عليك يا حسن.
قضم شفته السفلى وأغلق عينيه فتضايقت من تجاهله لها:
-يا بني رد عليا عيب كده.
جلس مستقيما على فراشه وهتف بحدة خرجت رغما عنه:
-يا أمه سبيني في حالي.
قوست فمها تزم شفتيها ممتعضة:
-أنت اللي عملت كده في نفسك وده اختيارك و...
قاطعها صائحا بعصبية:
-عارف أنه زفت اختياري وعارف كل كلمه عايزه تقطميني بيها، فسبيني بقى في اللي أنا فيه.
وضعت كف على كفه تهتز بجسدها ساخرة:
-وهو ايه اللي أنت فيه بقى يا عين أمك؟ ما خلاص المشكلة اتحلت وأبوها وافق ع الجواز الأسبوع الجاي ومن غير صرف ولا فرح ولا هيصة، يبقى مالك بقى؟
رأت عبراته المكتومة ففطنت على التو بحال نجلها فاقتربت منه تسأله بتوجس:
-اللي فيك ده بسبب ملك؟
لم يجب بل أطرق رأسه ينظر للأرض فابتسمت هي تطمئنه:
-اطمن.
رفع وجهه لها بلهفة وانتظار أن تعطيه أي أمل فلم تبخل عليه:
-مكانش لحق يدخل عليها.
لمعت عينيه متسعة بشكل أضحكها وهو يتسائل:
-عرفتي منين؟
أجابته وهي تربت على كتفه:
-خالتك أم يوسف قالتلي، وقالتلي كمان أنه أول ما يتحكم عليه هيرفعو قضية طلاق للضرر وهتتطلق من أول جلسه.
تعجب من ثقتها وهي تكمل:
-خالتك مكدبتش خبر وأول ما خدت ملك في حضنها ودخلت تنام أخدتني وروحنا للمحامي اللي على أول الشارع، ولما سألناه أكد لنا إن القضية سهله وهتاخد حكم من أول جلسه كمان.
ابتلع ريقه وتنهد:
-هو انتي فاكره إن المعلم رشوان هيأبد في السجن؟ ده مش بعيد تلاقية خارج انهارده.
ضحكت ضحكة عالية ساخرة منه:
-ما اللي ميعرفش يقول عدس، أصلك أنت كنت مشغول مع اسم النبي حارسها في المستشفى ومشوفتش البوليكة اللي اتعملت هنا امبارح بالليل لما حصل اللي حصل.
جلس بانتباه يستمع لها لعلها فعلا تعلم حقائق غائبة عنه:
-البوليس مسك كمية بضاعه كبيرة أوي والعيال اللي اتمسكت أهاليها مسكتتش وهاجو في الحارة لما حاولو رجالة المعلم يهدوهم، بس طلع عليهم ابن الحاج صابر... الواد سمير.
أومأ يؤكد لها معرفته:
-أنت عارفه مخلص حقوق وشغال في مكتب كبير أوي في المنشية، هو بقى أكد لهم إن الكمية دي حكمها إعدام مش مؤبد حتى، يعني هنخلصو خالص منه ومن شره وبكره ملك تبقى خاليه يا حبيبي.
شرد قليلا في مخيلته وهو يمني حاله بحديث والدته ولكنه تسائل بصوت مسموع:
-وهي ملك هترضى بيا وأنا متجوز، منا مبقاش ينفع اسيب سهر يا امه حتى لو عايز ده.
تذمرت بصوت خرج من شفتيها معترضا:
-منا ياما قولتلك إن البت دي مش نزلالي من زور ولا هي قيمتك ولا ابوها يتناسب، بس خلاص بقى الطوبه جت في المعطوبه ومبقاش ينفع على قولك عشان عملتك السوده بس...
صمتت تنظر لحماسه وهو يترقب حديثها:
-لما ييجي وقتها يحلها الحلال واللي وافقت تتجوز راجل أد ابوها ومتجوز غيرها 3، مش هتمانع تتجوز الراجل اللي بتحبه من وهي في اللفة حتى لو متجوز غيرها.
وضعت تلك الفكرة برأسه فجلس ينسج أحلامه بداخله عن خلاصها من رباطها برشوان واجتماعهما سويا بالقريب العاجل.
التفت ملهوفا يسألها بعد أن انتبه للوقت:
-الدكان! هو حسين فين؟
ابتسمت بسمة حنونة:
-أخوك لما لقاك مش قادر تصلب طولك من وقفة المستشفى نزل هو جاب نقلة السمك زي العادة وواقف في الدكان مكانك.
استحسن فعلته ووقف متجها للمرحاض بنفس توقيت فتح والدته لنافذة غرفته المطلة على غرفة ملك فوجد نافذتها مغلقة، فلم يفعل سوى أن تنهد تنهيدة عميقة جعلت والدته تنتبه له فزفرت هي الأخرى زفرة استسلام:
-كانت قدامك وبتتمنى تراب رجليك بس هقول ايه؟ النصيب لسه مجاش يا حبيبي.
❈-❈-❈
على الجانب الآخر ظلت سهر نائمة بفراشها تبكي حتى دلفت أختها تنهرها:
-كفايه عياط بقى أمك وابوكي هيحسو بيكي.
ناظرتها بعبرات مسالة على وجهها والأخرى تربت عليها:
-مش كنتي عايزه تنزليه! أهو نزل من فضل ربنا عليكي.
حركت رأسها باكية حزينة:
-كنت عايزه أنزله في الأول وبعد كده فرحت لما لقيت حسن موافق وعايزه، بس دلوقتي بقيت خايفه، خايفه أوي يا سالي.
نظرت خلفها لتتأكد أن الباب مغلق والتفتت تهمس:
-بطلي خوف، حسن بيحبك والخيالات اللي في دماغك دي مش هتحصل، أنتي مشوفتيش كان ملهوف وخايف عليكي ازاي.
بكت بحرقة فصاحت بها:
-يا بنتي أنتي عدوة نفسك، بقولك شيلي ملك والأوهام اللي من ناحيتها من دماغك، لا المعلم هيتسجن ولا حسن هيسيبك ويروح لها، أنا مش عارفه أنتي ازاي بقيتي كده وانتي اللي عارفه حسن بيحبك ازاي.
بللت شفتيها وقد تملك منها الحزن والرهبة من فقدانه:
-انا عشان بحبه عرفاه وعارفه كل تفصيله فيه، أنتي مشوفتيش شكله عمل ازاي لما بابا قاله أنه موافق نتجوزو من غير فرح...
قاطعتها فورا :
طار من الفرحه وكان هايل عليه يشيل ابوكي فوق دماغه ويلف بيه المستشفى.
أومأت تتابع:
-وبعدها لما سأله ايه اللي جد وخلاه يوافق وابوكي قاله السبب.
لم تفهم مقصدها فعلقت:
-قاله عشان المعلم اتسجن هو وشوية شباب من أهل الحارة وهتبقى عيبه في حقنا لو عملنا فرح، هيبقى كأننا بنحتفلو بسجنه.
هزت رأسها فضحكت سالي:
-طيب ايه الغريب في كلام أبوكي؟
ردت تبكي بانهيار:
-ماهو مش كلام بابا اللي غريب، رد فعله حسن هو الغريب يا سالي لما تنح وعقله على طول راح عندها، حسن بيحب ملك يا سالي وده مش تخمين هو اعترفلي بده وقالي ساعديني أنساها.
ضربت على صدرها متفاجئة من حديثها:
-يا نهار ابوكي اسود! بقى اعترفلك بحبه لملك ومكمله معاه وروحتى اتهببتي كمان وحملتي منه؟ أنتي مخبوله يا بت؟
انهارت فورا تبكي بقهر:
-قولت لنفسي هينساها وهي خلاص بقت مرات المعلم رشوان ومستحيل ترجع، بس نحسها الدكر رجعها بعد كام ساعه بس، ورجع الأمل لحسن من تاني بعد ما...
صمتت تمسح بيدها على بطنها الذي فقدت نطفته منها:
-وبدل ما كونت خايفه أخسر حسن وبس، بقيت خايفه أخسر حسن واتفضح بعد اللي حصل.
ربتت عليها تهدأها:
-متخافيش، ابوكي اتفق معاه ع الدخله يوم الخميس وانتي بقى بشطارتك تعرفي تنسيه ملك واللي جابو ملك ﻷن باللي حكتيله عنه فده راجل شهوته عاليه اسأليني أنا، يعني في نوع رجاله كده متقدرش تقعد من غير علاقه وحسن من الرجاله دي.
عقبت عليها:
-منا عشان كده سبته يدخل عليا، بس دلوقتي ممكن يسبني عشانها.
نفت سالي على الفور:
-متخافيش ﻷن حتى لو المعلم رشوان اتسجن فملك لسه مراته.
سحبت نفسا عميقا بداخلها وطردته بتمهل وهي تتضرع للمولى:
-يارب.