رواية جديدة أنا لست هي مكتملة لبسمة بدران - الفصل 21 - 1 - الخميس 5/12/2024
قراءة رواية أنا لست هي كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية أنا لست هي
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة بسمة بدران
الفصل الحادي والعشرون
1
تم النشر يوم الخميس
5/12/2024
عبر الهاتف
كانت تتحدث معه وسعادة كبيرة تلمع في عينيها.
فهي بعد أسبوعين من الآن ستصبح معه في منزل واحد.
يا الله كم تعشق هذا السالم كثيرًا! لو أنها تستطيع إخباره بأنها عاشقة له منذ الصغر لكنها كانت تخشى أن يفهمها بشكل خاطئ.
تنهدت بلهفة وقالت بصوت ناعم وصل إلى مسامعه: "الأيام مش عايزة تمشي ليه؟"
قهقه بصوت مرتفع واجابها: "يا بنتي اتكسفي كده واتقلي شوية هاقول عليك إيه بس؟"
ردت بمزاح: "هتقول علي إيه يعني يا سي سالم؟ ما أنت عارف اللي فيها! يعني أنت مش عايز تفهمني أنك مستعجل على الجواز زيي ويمكن أكتر!"
تلعثم قليلا لكنه أجاب بسرعة: "أيوة طبعًا أمال إيه يلا كفاية رغي بقى وروحي نامي الصنايعية جايين من بدري الصبح عشان النقاشة."
هتفت بعبوس مصطنع: "طب مش هتاخد رأيي الأول؟"
"رأيك؟ لا. بصراحة ذوقك وحش يا ندى!"
ردت بسخرية: "طب بلاش تقولها في وشي استنى لما أقفل."
ضحك مرة أخرى وقال ممازحًا: "هقولها من وراك يعني يلا تصبحي على خير يا مجنونة."
ردت بابتسامة عريضة: "وانت من أهله."
ثم أغلقت الهاتف وراحت تقـ بله بجنون كأن الهاتف يحمل بعضًا من روحه.
قلبها كان يرقص من السعادة وأخذت تمني نفسها بأن تمضي تلك الأيام بسرعة شديدة.
كانت تتخيل كيف سيكون منزلها معه؛ ضحكاته، كلماته، وحتى تلك اللحظات الصغيرة التي ستجمعهما معًا.
أخذت نفسًا عميقًا وابتسمت ثم همست لنفسها: "ربنا يجعلها أيام حلوة يا سالم أنا مستنية اليوم ده بفارغ الصبر."
لم تستطع النوم بسهولة تلك الليلة حيث أخذ خيالها يجوب بين تفاصيل لا تنتهي عن حياتهما القادمة.
كلما أغمضت عينيها وجدت نفسها في مكان آخر معه يتحدثان ويضحكان كما كانا يفعلان اليوم لكنها لم تكن مكالمة هاتفية هذه المرة بل كانت حياة حقيقية تجمعهما تحت سقف واحد.
❈-❈-❈
فوق الأريكة كان وليد جالسًا واضعًا سـ اقًا فوق الأخرى في يده اليمنى كأس، وفي اليسرى سيجارة محشوة
إلى جواره جلس حسام يدخن الأرجيلة وينفث الدخان في استرخاء.
ألقى حسام نظرة جانبية عليه ثم قطع وصلة تفكيره بسؤال: "سرحان في إيه يا وليد؟"
سحب وليد نفسًا من سجارته ثم نفثه ببطء وأفرغ الكأس دفعة واحدة قبل أن يلقيه جانبه مجيبًا بضجر: "فبنت نصار."
قهقه حسام قائلاً: "يوووه ما تشيلها من راسك بقى يا وليد وخليك في الصـ اروخ اللي إحنا شفناه في النادي! دي بنت كده مخلصة ونوع جديد أنت ما جربتوش قبل كده."
أنهى وليد سيجارته حتى آخرها وأطفأها في المنفضة الكريستالية ثم رد بغضب مكتوم: "مش عارف أطلعها من دماغي يا حسام من ساعة ما شفتها آخر مرة صورتها مش راضية تطلع من نفوخي البت أحلوت بزيادة وقلوظت كده والغـ بية رايحة تتحامى في رائف نصار!"
صمت للحظة ثم تابع بحدة: "أنا مش عارف إيه اللي في دماغها دلوقتي ما كانت ما بتطيقهوش وأنا الحب كله! إيه فجأة كده بقت عاشقة؟ أنا مش مقتنع بالموضوع ده يا حسام وحاسس إنه فيه إنّا."
اعتدل حسام في جلسته مستفسرًا بفضول: "إنّا إيه دي بقى يا وليد؟ عادي ما يمكن البت ما بقتش طايقاك بعد ما فضـ حتها عند ابن عمها ما لهاش تفسير غير كده."
هز وليد رأسه نافيًا وقال بشرود: "لا لا لا الموضوع مش داخل دماغي وعشان كده لازم أفهم إيه اللي بيحصل بالظبط وما حدش هيفيدني في الموضوع ده غيرها."
تساءل حسام بدهشة: "غير مين يا وليد؟"
أجابه وليد بسرعة وعيناه تلمعان: "نورسين طبعًا"
❈-❈-❈
صدمة شلت حواس الجميع بعد أن فـ جّر رائف قنـ بلته الموقوتة.
وقف ماجد فجأة يهتف بصـ راخ غاضب: "بتقول إيه يا حيوان؟ اتجوزت مين؟"
ارتجفت ليلى في مكانها، بينما تابع رائف حديثه المستفز بنبرة هادئة: "إيه يا عمي هو أنت ما بقيتش بتسمع ولا إيه؟ بقولك اتجوزت سيلا بنتك."
كسر صوت هيام الحاد صمت الجميع وهي تهتف بغضب: "ما تتكلم كويس يا رائف! ولاحظ إنك بتتكلم مع عمك."
رد رائف ببرود: "ما أنا باتكلم كويس أهو يا عمتي هو أنا قلت إيه يعني؟"
نظرت نهال إلى عيني ابنتها بعتاب صامت، لكن ليلى أشاحت بوجهها بعيدًا غير قادرة على مواجهة نظرتها.
فجأة شهقت بقوة عندما قطع ماجد المسافة التي تفصل بينهما وصفـ عها بكل ما أوتي من قوة.
سقطت ليلى أرضًا، ثم انحنى ماجد أمامها يسحبها من حجابها وهو يهتف بغضب لا مثيل له: "إنتِ إيه اتجننتي خلاص ما بقاش لكِ عقل رايحة تتجوزي من ورايا وكأن ما لكِيش أهل؟! وقولي لي اتجوزتِ عرفي ولا رسمي؟ أصل مش معقول تكوني اتجوزتِ رسمي من غير ما يكون لكِ وكيل!"
قاطعه صوت حسن الذي دخل فجأة بعد أن أبلغه مختار بما حدث عبر الهاتف.
وقف في منتصف الغرفة وقال بهدوء حازم: "ومين قال لك إن ما لهاش وكيل يا ماجد أمال أنا رحت فين؟"
تطلع ماجد إلى شقيقه ثم هتف بعتاب ممتزج بالخذلان: "كده برضه يا حسن أنت وابنك تجوزوا بنتي من ورايا؟"
وضع حسن رأسه أرضًا عاجزًا عن الرد أراد أن يخبره بالحقيقة ويكشف أن ليلى ليست ابنته ليتخلص من هذا العبء الثقيل لكنه خشي من الصدمة التي قد تؤثر على شقيقه وزوجته.
رفع رأسه في النهاية بشموخ وقال: "أنا عارف إن لك حق تزعل بس أنا لقيتهم داخلين عليّ ومعاهم المأذون وأصروا إنهم يتجوزوا.
سيلا طلبت كتير إنها تكلمك بس رائف كان مستعجل فما كانش قدامي حل غير إني أوافق."
علم حسن أن كذبته لن تكون مقنعة لكنه لم يجد مخرجًا آخر أمام عناد ابنه وتصرفاته غير المتوقعة.
رمقه ماجد بحدة ثم ألقى نظرة متوعدة نحو ابن أخيه قبل أن يصعد إلى غرفته تتبعه زوجته بصمت.
أما رائف فنظر إلى والده بتحدٍ ثم اقترب منه وهمس بجانب أذنه: "برافو عليك يا حسن بيه عرفت تلمها كالعادة."
رد حسن بنفس الهمس لكن بنبرة مشوبة بالقلق: "لعبتها صح المرة دي يا رائف بس البنت دي مش من لحمك ولا دمك وانت بتحب سيلا ما بتحبش ليلى قل لي بقى يا فالح هتعمل إيه؟"
قهقه رائف بلا مرح ثم غمغم بصوت خافت وصل إلى مسامع والده: "أول مرة أشك في ذكاءك يا حسن بيه."
اقترب من ليلى التي كانت ما تزال جالسة على الأرض ومد يده نحوها.
وضعت يدها الصغيرة في كفه تلقائيًا ونهضت بصعوبة.
كانت تسير والدموع تتسابق فوق وجنتيها فهي من المفترض أن تكون أسعد فتاة على وجه الأرض الآن فقد تزوجت الرجل الذي أحبته.
لكنها شعرت وكأن السعادة تنقلب إلى لعـ نة فالرياح لا تأتي دائمًا بما تشتهي السفن.
الرجل الوحيد الذي أحبته لم يكن يحتـ ضنها حبًا بل كان ينتقم بها من الجميع.
❈-❈-❈
دلفت من المرحاض وهي تحمل اختبار الحمل في يدها، فوجدته يقف أمامها بتوتر.
هتفت بسعادة: "أنا حامل يا سي مختار"
خفق قلبه بجنون غير مصدق ما يسمعه منها للتو فغمغم متلعثمًا: "بتقولي إيه يا نرجس؟"
أجابته وهي تهز رأسها بإيجاب: "أيوة يا يا سي مختار حامل!"
هتف بفرحة غامرة: " بتقولي حامل هيجي لي الواد اللي نفسي فيه ومن صلبي؟ والله ما مصدق نفسي!"
ثم أطلق ضحكة عالية بسعادة مبالغ فيها وصوتٍ مرتفع جعل والدته تخرج من غرفتها متسائلة: "إيه الغاغة اللي عاملها دي يا مختار؟"
ابتعد مختار عن زوجته بسرعة ثم ركض باتجاه والدته واحتـ ضنها بحماس مردفًا بلهفة: "افرحي يا أما خلاص هبقى أب هيجي لي الواد اللي نفسي فيه نرجس حامل يا أما!"
تجمدت الحاجة سميحة في مكانها، لم تكن تريد أن ينجب ابنها من تلك "الحية" كما كانت تسميها في سرها لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
ها هي نرجس تحصل على ما أرادت وبهذا الخبر ستجعل ابنها لعبة بين يديها.
رمقتها بنظرة حادة ثم تمتمت بخفوت: "مبروك يا ابني."
قالتها وعادت إلى غرفتها تجر أذيال الخيبة تاركة مختار في حيرة.
نظر مختار إلى أثرها بتعجب مردفًا: "معقول أمي مش فرحانة عشاني؟ مش طول عمرها بتقول لي نفسي يبقى لك ابن من صلبك؟"
استدار ليجد نرجس تقترب منه وتربط على منكبه وهي تخاطبه بمواساة: "سيبك منها يا حبيبي أنا مش عارفة والله أمك حطاني في دماغها ليه؟ ده بدل ما تيجي تاخدني في حضـ نها وتقول لي ارتاحي وما تشليش هم حاجة أنا مش عارفة هي ليه ما بتحبنيش كده؟"
قالتها وانخرطت في بكاء مصطنع جعل مختار يشعر بالقلق عليها.
ضمها إلى صـ دره بحنو وقال: "ما تبكيش يا ست البنات سيبك منها خالص تعالي ارتاحي واللي انتِ عايزاه أنا هعمله لك."
شعرت نرجس بالغبطة في داخلها وابتسمت خفية فهي بهذا الطفل ستحقق ما تشاء وستحصل على كل ما أرادت منذ أن وطأت قدماها هذا المنزل.
❈-❈-❈
جالسًا فوق فـ راشه واضعًا وجهه بين راحتي يديه وحزن عميق يكتسح روحه.
تقدمت زوجته نهال وجلست بجواره تمسد على خصلات شعره بحنو بالغ.
رفع عينيه إليها بصمت ثقيل وكأن حديثهما يجري دون كلمات وفي أقل من دقيقة ارتمى ماجد بين أحضـ انها مغمغمًا بحزن شديد: "شفتي سيلا عملت إيه يا نهال؟ كسرت قلبي وضيعِت فرحتي بيها.
لو كانت جت وطلبت مني إنها عايزة تعيش مع رائف وإنها اختارته بكامل إرادتها كنت هرفض ليه؟
أنا وقفت ضد ده عشان معاملة رائف السيئة ليها كنت بحميها بس لو كانت فرحتني وقالتلي إنهم كويسين مع بعض كنت هسلمها له بإيدي.
ليه عملت كده؟ ليه وجعت قلبي بالشكل ده؟"
كلمات ماجد قطـ عت قلب نهال نصفين فهي تشعر بمدى ألمه وتدرك أن لديه كل الحق في الغضب لكنها كانت تشعر بألم مضاعف فسيلا ابنتها حرمتها من أبسط حقوقها كأم أن تكون بجانبها في أهم لحظة بحياتها أن تشاركها فرحتها يوم زفافها.
لم تجد نهال سبيلاً للتعبير عن حزنها سوى بذرف دموعها التي انهمرت بصمت على وجنتيها بينما استمرت في احتـ ضان زوجها بحنان.
كان ذلك العنـ اق الطويل يوحي بأنهما يستمدان قوتهما من بعضهما وأنهما لن يتخليا عن بعض مهما بلغت قسوة المواقف.
لكن الغريب في تلك القصة أن حسن كان شريكًا في هذه الجـ ريمة.
بعد مرور وقت طويل ابتعد ماجد عن أحضـ ان نهال فجأة وهب واقفًا.
سار باتجاه المرحاض عازمًا على الانفراد بنفسه قليلاً تاركًا زوجته وحيدة غارقة في حزنها الذي لا يوصف وحالة يرثى لها.