-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 11 - 1 - السبت 21/12/2024

  

 قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل الحادي عشر

1

تم النشر السبت

21/12/2024



"صراعات الحياة كثيرة، تعيق طريقنا في كل لحظة. توقفنا أمامها، مجبرين على الوقوف. في تلك اللحظة، يكون الخيار بين الاستسلام أو خوض معركة قوية، حرب تستحقها كل عقبة تواجهنا."

❈-❈-❈

انتفض كمن لدغه عقربٌ وهو يراها تناظره بعيون مفتوحة بالكامل، كأنها تفاجأت أيضًا بوجوده.

بادلها النظر بعيون متسعة تشابهها.

كان كل منهما يحاول أن يفهم ماذا يفعل الآخر هنا.

وقف في مكانه متخشبًا، ينظر لها بقرف واشمئزاز، أوقف الكلام في حلقه.

ارتفع صدره بسرعة وهو يتنفس بضيق، يبتعد خطوة تلو الأخرى للخلف.

والأخرى تقف ببطء، كأنها ستنقض عليه فجأة في أي لحظة.

قبل أن يجد صوته ليصيح بصوتٍ عالٍ غاضب، بل غاضب جدًا، مناديًا على المبجلة زوجته: "فريييييدة!"

اتسعت عينا لوزة أكثر، وتوتر جسدها بشدة.

قبل أن تقفز ببطء مختبئة أسفل الأريكة، باحثة عن الأمان بعيدًا عن ذلك الغاضب.


كانت فريدة تضع الطعام الذي أحضره في الأطباق،

قبل أن تنفض إثر صيحته المفاجئة والعالية جدًا،

أوقعت الطبق أرضًا برعب،

وحمدت الله أنه فارغ.

قبل أن تهرع للخارج، تتعثر في اللا شيء،

محاولة اكتشاف ماذا يحدث.

اصطدمت بعمر فجأة لترتد للخلف، محاولة موازنة جسدها من تلك الصدمة،

وهي تراه يلتفت يناظرها بانفعال لم تفهم سببه، وهو يردد بعدم فهم: "إيه اللي كان على الكنبة ده يا هانم؟

إزاي أصلاً دخل هنا؟"

نظرت للأريكة الفارغة،

تناظره بعدم فهم،

قبل أن يصيح، وهو يشير أسفلها على القطة تحديدًا: "إيه ده؟"

نقلت عيناها بينه وبين ما يشير إليه،

قبل أن نحدجه بنظرة مليئة بالاستغراب، كأنه صاحب سبعة رؤوس.

لكنها أجابته ببساطة، كادت أن تصيبه بذبحه صدرية تناسب ما تفعله به: "دي لوزة."

اتسعت عيناه، يريد قذفها بأقرب شيء تطاله يده، عله يرتاح ولو قليلًا، قبل أن يقول بعصبية: "إيه لوزة يعني؟

مش فاهم.

بنت أختي وأنا معرفش.

القط ده بيعمل إيه هنا؟ مش فاهم.

دخل إزاي؟

خرجيه بسرعة، يلا.

إزاي تسمحي لقط أصلاً يدخل الشقة؟"

قاطعته مصححة بسرعة وغضب: "بقولك لوزة،

دي بنوتة.

قط إيه؟"

زم شفتاه، وهو يرد: "قط قطّة، هو أنا هتجوزها؟

بقولك طلعيها فورا

 حالًا يا فريدة.

دقيقة والأقي البتاعه دي بره، فاهمة؟"

كاد أن يتركها ويتحرك، إلا أنها أوقفته قائلة برفض : "تطلع فين؟

لا طبعا.

أنت بتهزر يا عمر؟"

التفت لها، يرد بتأكيد: "هزار؟

إنتي شايفة الموقف في إي دليل علي الهزار؟

القطّة دي تطلع حالًا يا فريدة.

وحسابك معايا بعدين."

طالعته بصدمة، وهي ترد برفض قاطع: "لا طبعا.

لوزة صاحبتي وخلاص، هتعيش معانا.

إزاي تطلب مني طلب زي ده؟

ترضي أقولك أطلع بره؟

أكيد لا.

لوزة هتبقى بنتي وأنا هربيها هي والبيبي بتوعها."

اتسعت عيناه، وهو يحاول إيجاد كلمات مناسبة لكي لا يسبها، وهو يردد: "لوزة إيه؟

وبيبي إيه؟

وتربي مين؟

مفيش قطط هتفضل في البيت ده.

القطّة دي مستحيل تفضل هنا.

وهتخرج حالًا.

ويا أنا يا القطة دي يا فريدة في البيت ده."


ظلت تناظره لعدة ثوانٍ قبل أن تتجه إلى لوزة، تحملها وتضمها إلى صدرها مربّتة عليها، وهي تخبره بقرارها القاطع الذي لا رجعة فيه: "تمام يا عمر،

وأنا مش همشيها أبدًا أبدًا.

ده قراري النهائي.

ويا نفضل أنا ولوزة سوا،

يا نخرج سوا.

اختار."

❈-❈-❈

حرك رأسه غاضبًا حقًا من هذا الحوار.

"إي قطة ومن أين ظهرت أصلاً؟"

كأنه بحاجة للمزيد من القرف ليزين حياته الرائعة.

تبا، تبااا.

ناظرها بغضب لعدة ثواني ، قبل أن يلتفت،

متوجهًا للخارج،

تاركا المنزل بأكمله،

وتاركا إياها تناظر مغادرته بعينٍ متسعة.

❈-❈-❈


تخشبت محلها، تضم لوزة إلى صدرها بقوة

كأنها تحتمي بها مما حدث،

والدموع تملأ عينيها وهي ترى مغادرته من المنزل.

غادر دون أن يعيرها اهتمامًا،

أو حتى أن يخوض نقاشًا معها.

غادر بكل بساطة،

كأنها غير مهمة.

أليس من حقها أن تأتي برفيق يؤنس وحدتها؟

هو بالخارج طوال اليوم،

يتركها تحادث نفسها.

ولا قريب تذهب إليه،

ولا بيت تلجأ إليه.

لا بيت ولا أهل،

هم أصلاً لا يريدونها.

هو وعدها أن يحتضن قلبها،

أن يكون لها كل شيء،

ألا يكون أبداً سببًا في دموعها.

ماذا الآن؟

ماذا تفعل هي؟

هي تكره الوحدة،

وهو يعلم.

ألا يحق لها بعض الرفقة؟

كيف له أن يطلب منها أن تطرد لوزة؟

هي أحبتها،

وتنتظر ولادتها لترعاها هي وصغارها.

انفجرت في بكاء حارق ليس فقط بسببه،

بل لأنها لا تعلم لم تبكي.

تحثها نفسها على البكاء،

أن تبكي وتبكي،

وتخرج خلفه لا تعود أبداً.

تململت لوزة من بين يديها متزمرّة،

منزعجة من صوت بكائها،

لتنزل أرضًا،

مختبئة أسفل الأريكة

من تلك الباكية التي تضمها.

هي تريد الهدوء،

وواضح أن هذا المنزل يفتقر له.

نظرت لها فريدة بقهر، وهي ترى تخليها  عنها هي الأخري،

لتنفجر مرة أخرى في بكاء حارق.


❈-❈-❈

كان يسير يستغفر ربه،

غير قادر على الهدوء بعد.

مسح وجهه بضيق،

يشعر كأنه يغلي من شدة الانفعال.

بحمد الله أنه لم يفعل ما يندم عليه فيما بعد.

كان لوهلة يشعر أنه حقًا سيلقي في وجهها كلمات لا يحمد عواقبها أبدًا،

أو حتى أن يضربها.

أغمض عينيه عند تلك الخاطرة

يضربها؟

فريدة زوجته،

حبيبته وأمانته.

كيف له أن يفكر هكذا؟

لا يعلم من أين أتت تلك الأفكار البشعة برأسه،

لكنها أتت،

ولم يحبها أبدًا.

لكنه لم يتحمل ما حدث.

كان اليوم ينقصها،

تزيد همه فوق ما لديه.

تثير غضبه ثم تقف تتبجح أمامه.

تضعه والقطّة بنفس الكفّة.

كيف لها أن تفعل ذلك؟

هو لا يحب القطط،

يشمئز منها.

نعم هي لا تعلم،

ولم يخبرها يومًا.

لكن هذا ليس بمبرر.

كيف لها أن تأخذ هذا القرار وحدها؟

أتنسي أنه رجل هذا المنزل؟

رجل يجب أن تُراعى مكانته،

ولا يجب أن تأخذ خطوة واحدة دون الرجوع إليه.

تأتي بقطّة،

وترفض أن تطردها أيضًا،

بل وتخبره أنها ستخرج معها.

هزلت.

استغفر ربه مرة أخرى وهو يجلس بأول قهوة تقابله،

مقررًا ولأول مرة منذ زواجه بفريدة،

بأنه لا يريد العودة.

❈-❈-❈

طلب قهوة لتخفف حدّة هذا الصداع المقرف،

ورفع هاتفه يطالع بعض الأعمال المتراكمة عليه،

روفيدا تحاصره حد الغرق.

تراكم الأعمال فوق رأسه دون توقف،

وها هو يغرق في العمل يومًا بعد آخر.

وفي النهاية، بدلًا من أن يجد أجواء منزله هادئة مسالمة،

تجلب له قطّة.

ألا يكفيها أنها لا تصنع له الطعام؟

لا تتعلم ولا تريد، هو يعلم.

تضع الحجج الفارغة،

وهو يدفع دم قلبه.

لقمة دافئة لا توفرها له.

هي امرأة ككل النساء،

يجب أن تهتم به،

كما كانت عمته تهتم بزوجها رحمه الله.

يأتي للمنزل يجد طعامًا ساخنًا وشهيًا،

وليس ما يحدث معه أبدًا.

يومًا بعد آخر،

يشعر بعدم قدرته على التكيف.

غير قادر أبدًا.

تنهد بضيق وهو ينظر للهاتف،

لم تعره اهتمامًا

حتى ولو لمرّة.

أخرجته غاضبًا،

ولم تحاول أن تراضيه حتى.

ألقى الهاتف على الطاولة الصغيرة بغضب،

قبل أن يلتقطه مرة أخرى حينما تعالى رنينه،

مرددًا بنبرة هادئة محاولًا جعلها هكذا:

"مساء الخير يا حبيبتي."

وأكمل معتذرًا:

"معلش، إنتي عارفة الظروف.

حاضر،

حاضر.

بإذن الله في أقرب وقت.

معلش سامحيني.

حاضر يا حبيبتي.

وإنتي من أهل الخير.

سلام عليكم."

وأغلق الخط،

وبداخله،

يشعر بأن الوضع أصبح يزداد سوءًا،

من أسوأ لأسوأ.

❈-❈-❈

لم يتحرّك من تلك القهوة،

حتّى أُغلِقَت في وجهه،

ليعود مُضطرًا.


دلف إلى المنزل يبحث عنها بعينيه،

ولكن الهدوء أخبره أنّها لم تكن في انتظاره.

خيبة أمل أصابته وهو يدلف،

يضع ما بيده على الطاولة الصغيرة.


في طريق عودته، قابله محلّ حلوى جديد،

فجلب لها،

لكنّها لم تكن تنتظره.

مخطئة كانت أم كان هو؟

لم يعد يعلم،

من فيهما المخطئ.

أكان خطأها أم خطأه،

وهو يغفل: من أين أتت هي؟


❈-❈-❈


دخل إلى غرفتهم ليجدها تغطّ في نوم عميق،

وبجانبها تلك "اللوزة"،

تنام مكانه بكل قلّة أدب.

ناظرها بغيظ وهو يراها تتقلّب على فراشه،

بجانب زوجته.


لكن، والغريب،

أنّها لم تكن في جانبه، بل "فريدة"

نامت هي محلّه،

وضعت القطة محلّها،

بشكل أو بآخر، لم تحاول إزعاجه،

بل راعت اشمئزازه،

وأبعدتها عن طرفه من الفراش.


اقترب منها،

وكاد أن يوقظها ليحلا هذا الخلاف،

لكن مظهرها المُتعب،

كان كفيلًا بأن يجعله يتوقّف،

ولا يوقظها،

مُقرّرًا مصالحتها صباح الغد.


وغادر الغرفة،

بعد أن أهداها قبلة.

لم يدرِ أنّها مستيقظة،

لكنّها لا تريد الحديث،

ببساطة،

لا تريده.


❈-❈-❈

صباح يوم جديد،

استيقظت آلاء ولم تحظَ حتّى بكوب قهوة ليفيقها قبل أن تبدأ في دورة طويلة من الأعمال المتتالية ومتطلّبات الصغار التي لا تنتهي،

غير كلمة "ماما" التي تُقال سبعة آلاف مرّة في الدقيقة.


وكالعادة، لم يعد زوجها حتّى الآن.

العمل والمسؤولية،

هما حجته الدائمة.

حجج كثيرة،

والغريب أنّها لم تعد تهتم،

إذا كان هو لا يهتمّ بها.


أيَتوقّع منها أقلَّ ما يقدّمه؟

هي قدّمت أيّام الأسبوع كلها،

ولم يُعطها هو حتّى ساعة واحدة.

هي لم تعد تلك المُعطاءة،

أصبحت النسخة المعدّلة على يده:

النسخة القاسية والهشّة في ذات الوقت.


أصبحت غير ما كانت،

بفضله، أصبحت ترى نفسها خاوية،

غير قادرة على منح الحب،

والمؤلم أكثر: ولا حتّى تقبّله.

حتّى هذا أصبح صعبًا جدًّا.


أفاقت من شرودها على تلك الكرة التي أصابت وجهها،

جعلتها ترتدّ للخلف،

تحاول أن تتمسّك بأوّل ما تطاله يدها،

ولم تتوقّع تلك اليد التي حاوطت خصرها فجأة.

كانت يد رامي، زوجها.


انتفضت في اللحظة نفسها مبتعدةً كمن لُدغ بعقرب،

مُبعدةً كفّه، رافضةً إيّاه،

قبل أن تخلع خُفّها مُلقيةً إيّاه على ابنتها التي ركضت ضاحكةً من أمامها.

تنهدت بضيق، تُمسّد رأسها المتألم،

قبل أن تتابع لملمة الغرفة، وكأنّها لم تره،

وكأنّها لم تكن بين أحضانه منذ عدّة ثوانٍ.


هو لم يُلقِ السلام حتّى.

فكّرت لوهلة أنّه أصبح يظنّ المنزل فندقًا للنوم فقط وبعض الأشياء التي لم تعد تقبل بها.


تحرّكت حاملةً تميم الباكي، وهي تُربّت على ظهره محاولةً إسكاته بشتى الطرق.

الصغير مستيقظ بمزاج عَكِر كمزاجها.

مدّ يده الصغيرة، يحاول الوصول إلى والده الذي لم يعد يراه سوى القليل.

انتظرت أن يأخذه منها، يحتضنه ويقبّله مُشتاقًا،

لكنّه لم يفعل.


ورغم أنّ هذه الأمور الصغيرة تؤلم قلبها على صغارها،

لكنّها لم تهتم.

فدلفت به إلى غرفتها لكي تُطعمه وتُبدّل له ملابسه،

ولم تُلاحظ ذلك الذي أتى خلفها.


طالعها لدقيقة قبل أن يُكمل عملها،

ليقاطعها بنبرة مُستهزئة:

"ده منظر تقابلي بيه جوزك بعد ما يرجع من الشغل تعبان وشقيان؟"


وحينما لم تردّ،

زاد من قسوته وهو يُردّد ساخرًا:

"إيه المنظر ده؟

انتِ تقريبًا ما بتشوفيش الستّات عاملة إزاي،

ولا بتعمل في نفسها إيه؟

في شعرها وجسمها؟"


رفعت رأسها تُقابل حديثه الساخر بنظرة حادّة،

قبل أن تُضيف بسخرية:

"مش كفاية انتَ بتشوف،

هيبقى أنا وانت؟

لأ، عيب يا حبيبي.

لو سمحت، أنا دماغي مصدّعة من العيال،

مش حابّة أتخانق دلوقتي.

لما أبقى رايقة إن شاء الله."


اقترب منها يشدّها من ذراعها لتقف مُجبرة،

تاركًا صغيرها على الفراش، وهو يقول بحدّة:

"إيه البرود اللي انتِ فيه ده؟

من إمتى المعاملة دي؟

إيه، ما بقاش فارق معاكي ولا إيه؟"


أزاحت يده وهي تقول مؤكّدة:

"من زمان،

بس انتَ أعمى القلب والبصيرة.

قبل ما تيجي تطالب بحقوقك،

شوف واجباتك،

واجباتك اللي انتَ ما تعرفش عنها حاجة.

أنا مش جارية يا رامي،

ولو انتَ ما تعرفش قيمتي،

دي مشكلتك،

وخسارتك، صدّقني."


وحملت ابنها وغادرت.

فالخسارة خسارته في كل الأحوال.


الصفحة التالية