رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 10 - 1 - الثلاثاء 17/12/2024
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل العاشر
1
تم النشر الثلاثاء
17/12/2024
"لحظاتُ الخوفِ التي تهزُّنا، قد تدقُّ الرعبَ في قلوبِ غيرِنا.
خوفُ الفقدان... خوفُ الفراق... خوفٌ يقلبُ الموازين،
ويهزُّ الثباتَ في أعمقِ أعماقِنا.
مرحبًا بالرعبِ في اللحظةِ الأولى،
حين يصبحُ الصمتُ صدى لنبضِ القلوبِ المرتجفة."
❈-❈-❈
خرجت من الغرفةِ تتحدثُ في الهاتفِ متمتمةً بضيقٍ بعباراتٍ غيرِ مفهومةٍ.
تنهدت وهي تستمعُ إليه.
اتصل بها عمرُ منذ قليلٍ مُخبِرًا إياها برغبتهِ
في حلوى من صنعِ يديها.
كأنها الشيف بوراك مثلاً!
ما الجميلُ في صنعِ يديها باللهِ عليه؟
تكادُ تقطعُ يدها ولا تصنعُ الطعام.
نعم، يجبُ أن يمدحَ الشخصُ نفسه،
وأن تُمدحَ في شخصها.
لكن شخصها فاشلٌ في إعدادِ الطعام.
هي لا تريد.
ردت عليه بصوتٍ خافتٍ وهي تسمعُ إصرارهُ الرهيب:
"أوك، تمام، حاضر يا عمر.
سلام.
وأنا كمان."
حسنًا، هو طلبُ نوعٍ معينٍ،
وهي لا تأكله من الأساس.
لا تحبُّ تلك الحلوى
ولا تعرفُ صنعَها.
لكنها مجبرة.
ارتدت حذاءها ومعطفها.
وما إن فتحت الباب حتى اتسعت عيناها
وهي ترى قطةَ الأمسِ
تجلسُ أمام بابها.
كأنها تنتظرُ خروجها.
❈-❈-❈
انفرجت شفتاها بابتسامةٍ رقيقةٍ وهي تراها تقترب منها، تتمسحُ بساقها، تلتفُّ حولها بحبٍ.
انحنت مستندةً إلى ساقيها تُلاعبها برفقٍ وحنان.
كأنها أتت لترسمَ ابتسامةً على شفتاها.
مسَّدت على فرائها بحنانٍ وهي تهمسُ كأنها ستفهمها:
"عاملة إيه النهاردة؟"
وأكملت بلطف:
"والبيبي كمان؟"
ظلت معها لعدةِ دقائقَ تتحدثُ معها
قبل أن تستقيمَ وهي تقول:
"استني هنا، هيجيبلك مية وأجي."
وللمرةِ الثانيةِ، تقفُ في انتظارها.
كأنها حقًا تفهمها.
دلفت إلى المطبخ، أحضرت أحدَ أطباقِ البلاستيكِ،
وضعت الماء لتضعه لها.
بدأت تشربُ بعطشٍ شديدٍ،
ولم تخرجْ رأسها من الطبق
حتى اكتفت.
أهدتها ابتسامةً حنونةً وهي تجلسُ أرضًا بجانبها،
تحملُها على ساقها والأخرى هادئةٌ مسالمةٌ،
تمسدُ عليها.
ببساطةٍ، واضحٌ أنها أحبَّتها.
قبل أن تقول بتفكيرٍ:
"الجو سقعة عليكي.
إيه رأيك نكشف عليكي ونديكي التطعيمات اللازمة الأول
عشان أقدر أتعامل معاكي براحة؟"
بدأت القطة تُخرخر برفقٍ، معبرةً عن رضاها.
قبل أن تقفَ، تنفضُ ملابسها وهي تنظرُ لها بحيرة،
كيف ستأخذها للطبيب؟ هل تتحملها؟
أم ماذا تفعل؟
وقفت تناظر القطة بتفكير،
والأخرى تلتفُّ حول ساقها براحة.
❈-❈-❈
هبطت للأسفل تنظر خلفها كل دقيقةٍ وأخرى.
كانت القطة تسير خلفها ببطءٍ تتبعها أينما ذهبت.
ابتسمت براحةٍ، فهي ليست بحاجةٍ لحملها،
الجميلة لوزة.
ابتسمت وهي تتذكر، لقد أطلقت عليها لوزة.
أعجبها الاسم.
ويناسبها كثيرًا.
فقط كانت صاحبة لونٍ شبيهٍ بلون اللوز، حيث يمتزج البيج الفاتح مع درجاتٍ كريميةٍ ناعمةٍ،
كاللوز الطبيعي، خاصةً عندما يكون ناعمًا وفاتحًا.
وصلت للعيادة، وهناك فحصها الطبيب وأعطاها اللقاحات الضرورية والمناسبة لحملها،
وأيضًا التغذية اللازمة لها.
اشترت لها أيضًا حقيبة نقل لتحملها،
وأيضًا صندوق رمل.
وحملتها وخرجت،
بعدما دفعت مبلغًا وقدرًا من مصروفها الخاص، تقريبًا انتهى المصروف.
ابتسمت براحةٍ، لا يهم،
فقط وجدت من يونس وحدتها ويخفف عنها.
وقبل أن تدلف للبناية،
ضربت جبهتها قائلةً بتذكر:
"Oh my God"
نسيت طلبات الحلويات التي طلبها عمر.
وأسرعت لتحضرها وتركض للمنزل،
فلم يتبقَّ الكثير،
وقد سرقها الوقت برفقة لوزة.
❈-❈-❈
في المطبخ، وقفت تنظر لعبوة الكريم كراميل بتفحصٍ شديدٍ،
تنظر لها تارةً وللوزة الجالسة بجوار ساقها أرضًا تارةً.
حسنًا، الموضوع يتضح أنه سهل،
نضع هذا على ذاك،
وتصبح الحلوى جاهزة.
وضعت عبوة الحليب كاملةً،
وهي تضع بداخلها عبوات المسحوق،
وتمزجها.
نظرت للقوام الخفيف بشكٍ،
قبل أن تضعه بالكاسات الصغيرة،
وتضعهم في الثلاجة.
نظرت لهم برضى،
وهي تفكر بجديةٍ،
أنها صنعت الحلوى قبل أن تصنع الطعام نفسه.
تبا للمسؤولية.
❈-❈-❈
قررت في النهاية أن تطلب من عمر أن يجلب الطعام معه، فهي لا تريد الطبخ،
أو بمعنى أدق، هي لا تعرف.
ولا تحب إهدار المواد،
حرام عليها.
ستأخذ وذر بهذه الطريقة.
ورغم ضيق صوته في البداية،
إلا أنه وافق مُرغمًا.
كما وافقت هي على صناعة الحلوى.
فالحياة مشاركةٌ على كل حال.
تنهدت بابتسامةٍ اختفت وهي ترى حالة المطبخ.
هزت رأسها بيأس،
تنتهي مسؤولية تظهر أخرى.
إنه الزواج يا سادة،
تسع عشرة ألف واجبٍ على عاتق المرأة وحدها،
فقط وحدها.
حسنًا، ليس وحدها، فهو في الخارج أيضًا يحارب لأجلها.
❈-❈-❈
ظل ينظر للإشعار لبضع ثوانٍ.
ماذا تريد منه؟
تجاهل طلبها فأرسلت رسالة.
ما غايتها تلك الآسيا؟
ولماذا تريد التواصل معه؟
هو فعليًا لا يعرفها،
لا يعلم من هي أصلًا.
هي فقط بالنسبة له
قريبة قطعة السكر خاصته.
غير هذا هو لا يعرف،
وللحق حتى لا يريد أن يعرف.
ورغم هذا، فضوله يخبره أن يفتحها
يرى ماذا تريد
ولماذا تصر على محاصرته.
لماذا تبعث له من الأساس؟
ظل ينظر للرسالة في حيرة،
قبل أن يعزم على أنه
يجب أن ينهي تلك المهزلة
وإبعاد الأمر من أمام عينيه.
وبالفعل، حذف رسالتها
وتجاهل وجودها،
محاولًا فقط أن يجد الفرصة
لقاء قطعة السكر.
يريد أن يراها
ويعرف
هل إذا أتى هذه المرة
ستكون الإجابة مختلفة
أم ستكون نفسها هي؟
هل ما زال عالقًا بعقلها
كم علقت هي بلقبه
وتخللت أعماق روحه؟
أم كان لها مجرد عابر سبيل
لم يترك حتى أثرًا؟
وسيكون الرفض
هو الصفعه المؤلمة لقلبه المحب،
وكلمة النهاية لعلاقةٍ حكم عليها قبل أن تأخذ فرصة.
أخرجه من شروده المحتار
صوت مكالمة.
رفع الهاتف أمامه
قبل أن يبتسم براحةٍ، كانت من عزيزته ملك.
أميرة العائلة المدللة
وصديقته الصغيرة،
ابنته
قبل أن تكون شقيقته.
تلك التي تحطم قلبها ولم يُصلح بعد،
لم يُصلح أبدًا.
رد عليها وهو يصيح بسعادةٍ متوجهًا لغرفته
لكي يرتاح:
"يا هلا يا هلا،
أهلاً أهلاً،
بالي نسيني خالص،
صح من لاقي أحبابه.
أيوة يا ستي،
شكله كده أنس خدك مننا.
ماشي أما أشوفه بس،
أنا هوريه."
قهقهت بسعادةٍ وهي تهديه قبلة في الهواء
وهي تقضم تفاحتها
لتقول بعدها بشتياقٍ حقيقي:
"وحشتني قوي يا تيمو.
وحشتني بجد.
لو تعرف وحشتني قد إيه
ونفسي النهاردة قبل بكره
أنط في أول طيارة
أجي وأترمي في حضنك إنت وبابا.
حقيقي الحياة من غيركم مش حلوة أبدًا."
ابتسم لها وهو يقول بشتياق هو الآخر:
"والله وإنتِ أكثر يا لوكه،
وحشتني قوي.
وحشني صوتك."
وأكمل ممازحًا مذكرًا إياها:
"وطلباتكم اللي مبتخلصش.
تيمو هاتلي شوكولا.
تيمو عايزة مارشملو.
تيمو اقنع بابا أسافر مع أصحابي."
ضيقت عيناها وهي تردف بتنمر:
"على أساس كنت بتقنعه قوي،
ده إنت كنت بتصر إنه يرفض أكثر.
إنت أخ مش جدع."
أرجع رأسه للخلف يضحك بقوة
متذكرًا تلك الأيام.
آه كم اشتاق لها.
كم اشتاق لتجمعهم.
كانت جلسة
في حد ذاتها تحمل لقلبه الكثير.
كانت أجمل الأيام
ولن تعوضها أيام
أبدًا.
تنهد وهو يمزحها قائلاً:
"قوليلي بقى،
عامل إيه قلب خالو من جوه؟
طمِّنيني على الشقي ده."
قالها وهو يشير على بطنها الذي بدأ في الظهور حديثًا.
اختفت ابتسامتها وهي تمسد على بطنها بحب وخوف دائم يلازمها بشدة:
"بخير الحمد لله.
دعواتك يا تميم."
ابتلع تلك الغصة المرّة بحلقه
وهو يدعو من كل قلبه مرددًا بصدق:
"هتقومي بالسلامة إنتِ وهو إن شاء الله.
ثقي في الله بس، أهم حاجة
ما تشيليش الهم.
إحنا كلنا لله، وربك هيدبرها.
قوليلي طمّني عن صحتك، أخبار الحمل إيه؟
بتابعي من الدكتور وملتزمة باللي بيقوله؟"
أومأت بابتسامة مهزوزة،
قبل أن تخبره مرةً أخرى:
"ادعيلي كثير يا تميم.
ادعيلي لو سمحت، ربنا يتمم على خير."
وأخذته في حضني
أشم ريحته.
نفسي قوي يا تميم.
يا رب."
اهتزت ابتسامته لوهلة،
كأنه يرغب في ضمها إلى أحضانه
مربتًا على قلبها المتهالك
قبل
أن يهديها ابتسامةً واثقةً وهو يقول:
"أنا واثق إنك هتبقي بخير،
وهو هيكون بخير.
والسنة دي لما تنزلي إنتِ وأنس مصر
هتكونوا ثلاثةً إن شاء الله.
ثلاثة بإذن الله.
ثقي في ده،
والأهم ثقي في الله."
ابتلعت دموعها وهي تردد برجاء:
"يا رب يا رب يا تميم."
وظل طوال المكالمة
يضحكها ويحكي لها مواقفه مع شيقتهم آلاء.
حاول أن يخرجها من تلك الحالة.
حاول أن يرسم ضحكةً جميلةً تناسب وجهها.
هو يحاول دائمًا.
لكن المشكلة هنا
أن خوف ملك
كان أكبر من كل تلك المحاولات.
مهما حاولوا،
كانت خائفةً.
خائفةً بحق.
❈-❈-❈
أغلقت مع تميم وتحركت بحرص شديد للغاية.
حرص هي حتى لا تحتاجه، ليس لتلك الدرجة.
الحرص واجب كما أخبرها الطبيب، لكن المبالغة قاتلة للمرأة،
تقتلها حيّة، تجعلها ترجف بكل وهلة، متوقعة الأسوأ دائمًا.
أغلقت أضواء الشقة وتوجهت نحو غرفة واحدة، الأقرب والأوجع لقلبها.
وضعت يدها على المقبض، لا تريد أن تدخل، وتريد من كل قلبها أن تظل هناك.
فتحته ووقفت لعدة لحظات في الظلام، قبل أن يضيء الضوء.
تنظر لكل شبر بتلك الغرفة، لا تحتاج النظر، فهي تحفظها عن ظهر قلب.
جهزتها على مدار أشهر، خطوة خطوة، وقطعة قطعة، بطريقة مهوسة.
كانت تختار كل شيء بعناية فائقة، تعد اللحظات لتلك اللحظة،
أن تحمل طفلها، ثمرة حبها وإنس، تضمه لصدرها، تعطيه كل حنانها.
ذاك الذي زرعته أمها فيهم جميعًا، وحان موعد الولادة.
وقبل أن تضمه هي، ضمه التراب، توفي قبل أن تأخذه في أحضانها.
ولن تنسى أبدًا تلك اللحظة البشعة، وهي تمسك بين يديها جسد ابنها المتوفي.
تبكي وتبكي حتى سقطت مغشيًا عليها.
شهران كانت صامتة ساكنة، أتى الجميع وظل بجوارها، لم يتركوها لحظة.
تميم، حسام، أمير، حتى آلاء بأطفالها، لم يتركها أحد.
لن تنسى أول من أخذها بين أحضانه، كان تميم.
ضمها ولم يسمح لغيره، حتى غفت بين ذراعيه وهي تستمع إلى صوت القرآن يتلو عليها بحنان.
ترك كل شيء لأجلها، كان أول الحاضرين وآخر الراحلين.
لكنها لم تعد كما كانت منذ تلك اللحظة.
وبإصرار شديد حملت مرة أخرى.
رفض إنس، أخبرها أنه ببساطة يرفض أن تضع نفسها في هذا الوضع مرة أخرى.
لكنها تمردت، أرادت عوضًا لطفلها رغم أنها تعلم أنه لا عوض له.
أرادت آخر تضمه لصدرها، ويتغذى بحليبها، آخر تخشى عليه قبل أن تحمل به.
والآن تعيش بجحيم في كل لحظة، كل لحظة خوف ورعب من أن تفقده.
بكل دقيقة تتلمس بطنها، كأنها تطمئن أنه ما زال هنا.
تنهدت بألم وهي تقترب من فراشه المبطن، تتلمس وسادته الصغيرة.
غطاء الفراش الناعم، الألعاب والدببة المحشوة.
اقتربت من واحد فقط، كانت تحفظه بعيدًا عنهم جميعًا.
كان خاصًا به، كان معها طوال فترة الحمل، وكان معها يوم مولده ويوم غادر الحياة قبل أن يحياها.
❈-❈-❈
دَلفَ لمنزله بعد يوم عملٍ شاق وطويل.
ظلمة الشقة أخبرته أين يجدها.
تقريبًا كل يوم يأتي بها من هناك.
غرفة طفلهم.
تشعره أحيانًا أنه لم يتألم، وكم هذا يؤلمه.
لكن يعلم كم هي تتألم فيقدر ويصمت.
تحرك نحو الغرفة ووقف ببابها.
كانت تبكي تحتضن دبَّ صغيرهم المحشو.
تضمه بقوة.
اقترب منها ضمها بقوة.
ضمهم معًا.
وكان طفلهم يشاركهم اللحظة.
لتنتفض تنظر له بعيون حمراء منتفخة.
وهي تردد بقهر: "وحشني أوي يا أنس.
وحشني أوي وكان نفسي أخده جوه حضني."
رفع يده يمسح دموعها وهو يضمها هامسًا بأذنها:
"مينفعش يا ملك.
مينفعش اللي بتعمليه ده.
فين إيمانك بربنا؟
فين رضاكي؟
مينفعش صدقيني.
استودعيه عند الله.
صدقيني، إنتي بس محتاجة تصبري.
وتحتسبي صبرك خير.
عشان خاطري يا ملك.
متعمليش كده لو سمحتي.
عشان خاطري."
قالها وهو يضمها إلى صدره.
وصوت بكائها يعلو أكثر،
وألمها لا ينضب.