رواية جديدة جبل النار لرانيا الخولي - الفصل 19 - 1 - الخميس 12/12/2024
قراءة رواية جبل النار كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية جبل النار
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل التاسع عشر
1
تم النشر الخميس
12/12/2024
مرت الأيام وكل منهم في وادي سحيق
لا يستطيعون الخروج منه
يتظاهرون بالقوة وأن ما حدث ولىٰ وانتهى لكن ذلك أبعد بكثير
فقلوبهم تلتهب شوقاً إلى بعضهم البعض رغم قسوتهم
يعاتب كلاً منهم الآخر من القلب للقلب
حتى تعبت القلوب وسيطر العقل على كل مشاعرهم ليحل محلها الانتقام
وكلما ازداد الشوق كلما ازداد الكره بداخلهم حتى وصل ذروته
ثم تحول إلى رغبة في الثأر
بدأ الحمل يظهر عليها فبدأت تتدرى أكثر كي لا يلاحظ أحد حملها
"حور" تلك التي اخذت أسمها فلا تريد أن تدنسه لذا كان عليها ان يظل الحمل طي الكتمان
فقط تكتفى بالجلوس قليلًا في الشرفة ثم تعود مسرعًا حينما تهاجمها الذكريات وتتنفس بعمق وتخرجه متمهلاً
هكذا اخبرتها الطبيبة النفسية التي وصاها عاصم عليها.
أما هو فقد زهد كل شيء وتصالح مع ظلامه
لكن لم تترك صورتها مخيلته لحظة واحدة
حاول بشتى الطرق ان يخرجها لكن قلبه العاصي تشبث بها يأبى الرضوخ له وأعلنها مستسلماً أن لا ملجأ له سواها.
مازال عاشق ولن يرضخ لسطوة عقله.
جاء موعد تدريبه والذي أصر عليه عمه كي يشغله قليلًا، حاول الرفض لكن هو يريد الاعتماد على نفسه فقد أصبح واقع وعليه الرضا به
دلفت الفتاة وهي تضع حقيبتها على الأريكة التي يجلس عليها وقد كان خافضاً رأسه يستند بمرفقيه على ساقه
_صباح الخير مستر داغر.
رد داغر باقتضاب ومازال على وضعه
_صباح الخير.
علمت من هيئته بأنه لا يريد التحدث وأن تبدأ عملها مباشرة
بدأ الفتاة عملها
_اين وضعت حقيبتي.
رد داغر بثبوت
_على يميني بمقدار خطوة واحدة.
عادت هي خطوة للوراء دون ان تصدر أي صوت.
_وأنا؟
_ابتعدتِ عنها خطوة واحدة بعد أن كنتِ بجوارها.
ابتسمت لفطنته وتعلمه السريع
_لقد تعديت المرحلة الأولى في وقت وجيز.
هل انت مستعد للمرحلة الثانية.
اومأ لها مستسلماً فقالت بروية
_إذا علينا الخروج من الغرفة.
رفض داغر قائلاً
_لن أخرج خارج هذه الغرفة.
_لكن لابد من ذلك، لن تظل داخل تلك الغرفة للأبد عليك الخروج من تلك الدائرة التي وضعت نفسك داخلها، لقد أخبرك الطبيب أن حالتك الآن نفسية وليست طبية، فعليك أن تساعد نفسك كي تخرج من ذلك الظلام الذي أحاطك.
تمتم داغر وهو على وضعه
_لم تعد للحياة أهميها.
جلست الفتاة على المقعد قبالته وقالت برتابة
_من قال ذلك، هل معنى فقدانك لشخص عزيز ان يجعلك بذلك اليأس!
الحياة لا تقف عند أحد إذا اختارت هي البعد فكن مثلها وإختار الصمود ومع الوقت ستكون ماضي عابر مر يوماً بحياتك.
قم معي وابدأ أولى خطواتك خارج هذه الغرفة ولا تسمح لشيء أن يهد ذلك الجبل الشامخ، كن كجبل النار لا يستطيع أحد اطفاءه.
وافقها مجبرًا ليس لطوي صفحات الماضي ولكن كي لا يشكل عبء على أحد بعد الآن
خرج من الغرفة ثم واصلت الفتاة عملها
_عليك ان تخلع حذاءك بما انها المرة الأولى سيساعدك ذلك باكتشاف المكان أفضل.
فعل ذلك وبدأت ترشده كيف ينزل الدرج بعصاه وكيف يقيس الدرجات مع كل درجة وكذلك الصعود
تدرب على كل شيء حتى الأنفاس التي تخرج ممن بجواره هل رتيبة تكون عادية أم لاهثة ام مرتبكة
حتى الخطوات وكل شيء متعلق بالحياة من حوله.
انتهى تدريبه مع انتهاء مدة حملها وجاء موعد ولادتها.
كانت ولادة عسيرة أرهقتها واستغرقت وقت كبير، شعرت بوحدة قاتلة ولم يخفف من حولها من حدتها
فمن تحتاج لوجودهم لم تجد احدًا منهم، بل تخلى عنها الجميع
لم تستطيع أمينة ولا هايدي تعويضها في تلك اللحظة
لم تحتاج لغيره
تريده في ذلك الوقت معها لا أحد غيره يستطيع التخفيف عنها
ستغفر وتسامح فقط يعود
فليعود من حاربت الكون لأجله، من تحملت ويلات العذاب لعشقه
صدحت صرخة قوية باسمه وبعدها أعلن الصغير خروجه للحياة
وفي ذلك الوقت كان داغر يشعر بغصة مؤلمة حادة بقلبه لا يعرف سببها.
يشعر بها تناديه، تستغيث به لكن أين؟
وضع يديه على اذنه ربما يخفف من ذلك الصوت الذي اقتحمه فجأة وكأنها بجواره
يشعر بقلبه الملتاع يأن ألمًا ولا يعرف سبباً لذلك.
يصرخ بدوره باسمها يناشدها أن تعود هي وحدها من لا يخجل من اظهار ضعفه أمامها
وهو الآن في اكثر أوقاته ضعفاً
جثى بركبتيه على الأرض وسمح لنفسه بالانهيار
يصرخ ويصرخ ويناجيها أن تعود
سيغفر بدوره ويسامح فقط تعود
ولم يدري شيئاً عن حالة عمه وهو يسمع صرخاته ولا يستطيع الإقتراب منه
يرفض أن يواسيه احد حتى لو كان عمه
وانزوى ذلك اليوم داخل غرفته ولم يستطيع أحد اخراجه من تلك الحالة.
❈-❈-❈
دلف عاصم الغرفة فيجد أسيل تحمل طفلها بين ذراعيها تتطلع إليه بشرود
_عاملة ايه يا حور دلوقت؟
رفعت عينيها إليه وابتسمت له بامتنان
_الحمد لله أحسن، متشكرة اوي يا عمي مش عارفة لولا وجودك كنت عملت ايه.
جلس على المقعد بجوارها وقال
_بصراحة لو حد يستاهل الشكر ده فهو حازم، انا معملتش أي حاجة تذكر جانب اللي عمله.
التزمت الصمت ولم تجيبه فقال عاصم
_ها مقولتيش هتسميه ايه؟
عادت تنظر لطفلها الذي تمسك بقبضته الصغيرة اصبعها وتمتمت بحزن
_على قد ما وجوده خفف عني كتير على قد ما تعبني وهزني وانا حتى مش عارفة اسجله زي أي طفل، بفكر اسجله باسم بابا بس خايفة يعرف بأي طريقة ويكتشف إني لسة عايشة، وفي نفس الوقت مش هينفع اسيبه كدة.
تحدث عاصم بعقلانية
_يبقى تعملي اللي العقل بيقول عليه وتروحي لأبوه تعرفيه، على الأقل يسجله باسمه ولو بعقد عرفي وبعدها كل واحد يروح لحاله.
تطلعت إليه بوجل وقد اهتزت نظراتها وعادت إليها ذكريات حاربت كي تنساها
ارتعش جسدها وبدأت الدموع تتجمع بعينيها وهي تهز رأسها برفض
_لأ… مستحيل.
_بس انتِ مجبرة يا أسيل مش عشانك عشان خاطر ابنك من حقه يكون له اسم وعيلة
مش بقولك ارجعيله كل اللي بقوله إنك تروحي لأبوه وتعرفيه انه له ابن ولازم يحمل اسمه.
_ممكن يرفض.
قالتها بقلب ملتاع لكن عاصم نفى بثقة
_مستحيل أب يشوف ابنه ويرفضه
على العموم فكري كويس وخلي ابنك مصلحته فوق الجميع.
تركها وخرج من الغرفة فيصادف خروجه دخول امينة وهايدي التي تحمل الطعام بيدها
_معلش يا حور اخرنا عليكِ.
مسحت دموعها سريعًا وتظاهرت بالابتسامة لهايدي التي لم تتركها لحظة واحدة وظلت بجوارها
فقاات بامتنان
_مأخرتيش ولا حاجة انا اللي تعبتك أوي.
أخذت أمينة الطعام من يدها وقالت
_تعبك راحة يا بنتي متقوليش كدة.
اخذت هايدي الطفل من يدها وقالت
_سيبيلي انا القمر ده واتغدي انتِ.
تطلعت أسيل للطعام وقالت برجاء
_ارجوكِ يا دادة مليش نفس بلاش تغصبي عليا.
ردت أمينة بإصرار
_مش هينفع لازم تاكلي انتِ ما أكلتيش حاجة من امبارح.
تحدثت هايدي بحزم
_لازم تاكلي يا حور عشان خاطر ابنك.
وافقت أسيل على مضض وتناولت القليل ثم اصرت على عدم إكماله
اخذت هايدي تشرح لها كيفية التعامل معه
وهي شاردة في حديث عاصم
لا تعرف ماذا تفعل هل توافقه وتذهب إليه لأجل طفلها؟
لكن ماذا إن رفض الاعتراف به؟
سيزيد ذلك من بغضها له وربما وقتها يهدئ ذلك القلب الملتاع لمعذبه وتنطوي تلك الصفحة للأبد.
اعادها لشرودها حازم الذي دلف مرحباً بالجميع
_السلام عليكم.
رد الجميع
_وعليكم السلام
تابعت هايدي
_ممكن اعرف حضرتك كنت فين كل ده؟
رد وعينيه تتطلع إلى أسيل
_معلش كانت في حالة صعبة ومكنش ينفع اسيبها
عاملة ايه يا حور دلوقت.
ابتسمت له بامتنان
_الحمد لله أحسن.
تطلع لهايدي وتحدث بجدية
_هايدي خدي الولد اكشفي عليه واتأكدي إن كل أموره تمام.
شعرت هايدي بأنه يود التحدث مع اخته لذا قررت تركهم وخرجت به من الغرفة
_حاضريا حبيبي بعد اذنكم.
خرجت هايدي وتطلع إلى أسيل يسألها
_ها يا اسيل فكرتي فاللي قولتلك عليه؟
قررت أمينة تركهم كي لا تخجل أسيل من وجودها رغم رفضها لذلك القرار الذي اتخذه ابنها
ليس لأنها ترفض أسيل لكن لأجل زوجته التي لم يرى منها سوى كل خير.
خرجت أمينة وتطلعت أسيل إليه بعرفان
_شوف يا حازم انا فتحت عينيه على الدنيا دي لقيتك قصادي
كنت بتعوضني عن جفاء سليم معايا حتى قسوة بابا كنت بتعوضني عنه
لما كنت بعيط محدش كان بيواسيني غيرك عشان كدة كبرت وانا شيفاك أخ، كنت بتمني إن الانسان اللي هرتبط به يكون زيك، بطبتك بحنيتك بقلبك الكبير بس بصراحة صدمتني لما جيت صرحتني بمشاعرك
كان لازم أرفض لأن مينفعش البنت تتجوز أخوها، ولا حتى النهاردة ينفع.
_بس انا لسة بحبك.
_وانا لسة شيفاك حازم اخويا، وبعدين انا حبيت هايدي واتعلقت بها أوي ومستحيل أكون سبب في دمار حياتها
انا لسة محتجالك ويمكن النهاردة اكتر من اي وقت، انا وابني محتاجين لوجود أخ نعتمد عليه مش أكتر من كدة، ابني مش هيتسجل غير باسم ابوه، انا قررت اروح وأعرفه بوجوده عشان يسجله وبعدها هاخده واسافر ايطاليا ومش هرجع هنا تاني.
حاول الاعتراض
_بس…
قاطعته أسيل
_ده قراري الأخير ومش هغيره، ارجوك يا حازم ساعدني وبلاش تقف قصاد لأن مبقاش ليا غيرك.
طرق الباب ودلفت هايدي وهي تطمئنهم بابتسامة حاولت بها إخفاء مشاعرها وهي تعيد الطفل لأسيل
_اطمني يا حور ابنك زي الفل ربنا يخليه.
تطلعت لحازم الذي لم يلاحظ نظرات العتاب بعينيها وقالت
_ها يا حبيبي هنروح دلوقت ولا ايه الدكتور طمنا وقال إننا نقدر نروح.
اوما لها وقال
_ساعديها تغير هدومها وانا هشوف الدكتور قبل ما نمشي..
❈-❈-❈
بعد مرور شهر
وقفت سيارة الاجرة أمام المنزل الذي شهد على لحظات لم تمحيها السنين
هنا قضت معه أسعد أيامها وتغنى كثيرًا بعشقهم.
لم تتخيل يوماً أن تأتي إلى ذلك المكان بتلك الطريقة بل كانت تحلم بأن تأتيه بثوب زفافها وهي تحمل كعروس وليس طفلاً بيدها آتية كي تتضرع له بالاعتراف به
انتبهت على صوت السائق يسألها
_هستنى حضرتك ولا أمشي.
فكرت قليلًا ثم قالت
_استنى متمشيش.
اومأ لها السائق وهمت بالترجل لكن لم تقوى على ذلك
لا تملك القوة لمواجته لن تستطيع الدخول ورؤيته
عليها الهرب الآن قبل ان تراه أمامها
تطلعت لطفلها الذي أخذ يبكي كأنه يعترض على ذهابها.
مما جعلها تزدرد جفاف حلقها بصعوبة ثم تمسكت بطفلها وترجلت من السيارة وقد ازدادت وتيرة دقاتها
تقدمت من المنزل بأقدام واهنة حتى وصلت للبوابة الكبيرة
تفاجئت بالحارس يخرج منها وسألها
_في حاجة يا هانم.