رواية جديدة سرداب الغرام لندا حسن - الفصل 10 - 2 - السبت 28/12/2024
قراءة رواية سرداب الغرام كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية سرداب الغرام
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ندا حسن
الفصل العاشر
2
تم النشر يوم السبت
28/12/2024
رآها "يوسف" الذي كان متوجهًا نحو مكتب والده، رمقها بعيناه البنية وبنظراته الغرامية حاول أن يتشبع من ملامحها وكل ما بها، بدأ يُسير بنظراته على ملامحها ببطء وتروي يروي ظمأ قلبه من فراقها يأخذ منها أبسط الأشياء ولو كان حتى نظرات مسروقه..
كم اشتاق إليها واشتاق إلى لمستها الحنونة وعناقها الدافئ الذي كان يجد به نفسه مبتعدًا عن زحام أفكاره وجنود قلبه المتربصة له بالقلق، اشتاق إلى كل ما بها وإلى أن يكون جوارها كما كانت في السنوات الماضية.. يستغرب ويحتار في نفسه فلا يقل حبها ولا يتحرك من قلبه بل يزداد ويتسع ليأخذ أكبر بقعة به وكأنه مجرد من كل البشر في العالم سواها هي.. هي الوحيدة الموجودة أمامه في أماكن فارغة تملأها بضحكاتها ونظراتها الجريئة..
لم يظهر عليها أي تغيير سوى النحافة، خسرت القليل من وزنها! ربما بسبب فراقهم وحالتها النفسية ولكن أين بطنها التي من المفترض أن تكون تحمل طفل في الشهر الرابع! لا يوجد لها أي أثر أيعقل أن تكون قد أجهضته؟!
لحظة والأخرى ثم أدرك أنه الأن في الشركة الخاصة بهم وأنها تخرج من مكتب والده متوجهة إلى الخارج!؟ كيف!
صعق بعدما توصل إلى هذه المعلومة التي لم يكن يدركها جيدًا حينما رآها نسي كل شيء وفكر بها هي وباشتياقه لها ولم يتدارك ما الذي يحدث وأين هم وكأن الزمن توقف من حوله ليراها هي فقط.. ويعمل قلبه وعقله بشكل موحد تجاهها..
سار سريعًا نحوها بعدما دق قلبه بعنف خوفًا عليها ومنها، عليها من والده وبطشه منها لأنها متهورة غبية لا تستمع إلى حديثه وكأنه من أكبر أعدائها..
وجدت من يقبض على معصم يدها فاستدرات سريعًا لتنظر إليه بعدما وقع قلبها بين قدميها حيث أنها اعتقدت أن والده كان يكذب عليها واوقعها في فخة ولكنها تنفست بعمق حين رآته هو، لم تستطع أن تقف وتأخذ أنفاسها للأخير وتشبع عيناها منه كما فعل بل وجدت نفسها تسير خلفه بقوة عنوة عنها بعدما قبض على يدها وسار بها مبتعدًا عن هنا نحو مكتبه ليعلم ما الذي أتى بها وما الذي فعلته بتهور..
دلف بها إلى داخل مكتبه وأغلق الباب من خلفه ليجعلها تقف أمامه ولم يعطي إليها الفرصة لفعل أي شيء بل هبط عليها بسؤاله الذي جعل عقله سيجن:
-أنتي بتعملي ايه هنا؟ وكنتي جوا عند رضوان بيه بتعملي ايه وإزاي تظهري أصلًا
أجابته بجدية شديدة بعدما تعمقت بعيناها على ملامحه:
-أنا هنا علشان أعمل اللي أنت موافقتش تعمله يا يوسف
ضيق ما بين حاجبيه مستغربًا متفوهًا:
-قصدك ايه يا مهرة.. هببتي ايه
حركت يدها ببساطة تُشير إليه تتحدث بصدق أوقعها أمامه:
-بالعكس مهببتش حاجه.. اللي عملته انقذنا إني أحمل وأبوك يعرف ده الطريق الوحيد اللي ينقذنا
أقترب منها ليبقى أمامها دون فاصل بينهم وخرج صوته حادًا بعدما أدرك فعلتها الغبية من بين كلماتها التي خرجت بعفوية:
-يعني أنتي كنتي مخططة إنك تحملي أصلًا مش زي ما قولتي أنه غصب
أومأت إليه بعدما تنهدت بقوة تخرج ما بصدرها قائلة بحزن:
-آه يا يوسف.. كنت شيفاك بتتعذب كل يوم في كابوس وكل لحظة بنقضيها سوا في خوف.. العمر بيعدي وإحنا لسه مكانا مستخبين يا أما نهرب وده مش هيحصل يا أما نفضل بنتعذب مستنين أبوك ربنا يفتكره مثلًا
تحركت تبتعد عنه تهرب من مواجهته على الرغم من أنها تفضل المواجهة دومًا ولكن تعريها وتجردها من كل الأسلحة السلمية أمام معارضته الكبيرة تجعلها تود الهروب:
-مقدرتش استحمل كده خصوصًا في الفترة الأخيرة، خصوصًا إنك بتتاخد مني يا يوسف ومكنتش هعرف اوقف ده حتى لو كنت وافقت أنا من جوايا بموت وكان هيجي الوقت اللي تتجوزها فيه يا يوسف
نظرت إليه بعمق قائلة:
-ده كان الحل الوحيد آه مكنتش أعرف النتيجة بتاعته بس كانت مخاطرة بالنسبة ليا نسبة نجاحها كبيرة أوي وأهي نجحت
سألها بثبات:
-عملتي ايه
أجابته بجدية:
-قولتله إني مراتك وإني حامل
صرخ بعنف عليها وهو يقترب منها بهمجية:
-اتجننتي... اتجننتي يا مـهـرة
تحركت هي الأخرى تجاهه تحاول أن تشرح له ما الذي تم في الداخل وما ردة فعل والده في البداية كي تقنعه بأن حديثها هو الصواب وما فعلتهم أخرجهم من الظلمات:
-أبوك في البداية كان هيدفني جوا في المكتب يا يوسف قالي فعلاً مكنتش هخرج وأشوف الشمس تاني وأنت كمان معايا.. بس لما عرف إني حامل اتغير خالص وكلامه اتحول قال هيعلن جوازنا وقال هيروح لاهلي بنفسه يطلبني منهم كأن مافيش أي حاجه وقالي أروح البيت أعيش معاكم فيه... يوسف اللي توقعته حصل أبوك مستني الطفل اللي جاي أكتر مننا
قبض على ذراعيها بين قبضتي يده بقوة وعنف يصرخ أمام وجهها يجعلها تستنشق أنفاسه اللاهثة:
-أنا مش مستنيه.. أنا مش عــايــزة.. اللي في بطنك ده هيبقى سبب موتك يا بنت المجنونة
أردفت بجهل فلم تكن على دراية بكل ما يعلمه هو:
-يوسف بلاش تعمل كده مبقاش في حاجه تخاف منها
جذبها بقوة وسار متجهًا نحو الباب قائلًا بلهفة وقلق:
-يلا أمشي معايا أنتي لازم تختفي نهائي
وقفت في مكانها جاذبة ذراعها منه بعدما حرر الآخر من قبضته هو تسأله مستنكرة:
-أمشي فين؟ أنت بتقول ايه اوعا كده بقولك الموضوع خلاص انتهى
وقف أمامها ينفي حديثها بجدية بالغة ظاهرة على كافة ملامحه:
-ده بدأ.. بدأ يا مهرة وأنتي هتروحي فيها وأنا معرفش دماغه فيها ايه غير الأذى دلوقتي أو بعدين
ثم أكمل بعدما نظر إليها بعمق، لم يتخيل أبدًا أن تفعل هذا وتتهور إلى هذه الدرجة ولكنه سيكون فداء لروحها، مهما كلفة الأمر وإن انتهى في سبيل حياتها:
-دلوقتي أنتي بوظتي الدنيا ماشي مواجهة كانت هتحصل أنا مستعد أواجه واشيل الليلة كلها بس أنتي لأ يا مهرة.. أنتي لأ لازم تختفي
أومأت إليه برأسها ولم تعطي بالًا بكل ما قاله فحديث والده وأفعاله تربعت داخلها:
-طيب هسألك سؤال ولما تجاوب عليه هعمل اللي أنت عايزة
تابعها ينتظر ما الذي تريد قوله فاستمع إلى سؤالها الغريب:
-قولتلي قبل كده أبوك لما بيوعد وعد عمره ما يخلفه لو هيموت صح
أجابها بصدقٍ مردفًا:
-دي حقيقة
ابتسمت بهدوء تبعثه إليه ولكنه لم يستقبله منها قائلة برفق:
-وهو وعدني أنه هيحميني من أي حد حتى أنت ومش هيخلي أي حاجه تحصلي
استنكر غبائها، وناظرها بذهول يُشير إلى نفسه بقوة:
-أنتي بتقولي ايه؟ مصدقاه ومكدباني؟
صرخت بوجهه بعدما احتارت في الوصول إلى بر أمان معه، لا بالكتمان ولا بالبوح:
-أنت كده بتهرب من غير أسباب.. خلاص كل حاجه اتحلت أهرب ليه وتتنازل عن ابنك ليه؟
ينظر إليها مباشرة، يؤلمه قلبه لما حدث ولكن كان سيحدث مهما طالت المدة، يؤلمه قلبه أنها لا تستمع إليه تسير خلف عنادها وكلمات والده الغبية التي خدرتها.. يؤلمه أنها تقف أمامه توجه إليه الاتهامات بعينيها:
-علشانك.. يلا يا مهرة أنتي لازم تمشي
تابعته كما فعل معها، لحظات من الصمت مرت بينهم ولحظات من الألم والقسوة عبرت بين أنفاسهم اللاهثة، ترقرقت الدمعات بعينيها دون داعي الآن ونظراتها نحوه غريبة لكنها لم تستطع الصمت حيث انفجرت بصوت عالي تشير إليه بقسوة وغلظة:
-أنت كده بتهرب مني يا يوسف! كده بتتخلى عن مسؤوليتك كزوج وأب تجاهي أنا واللي في بطني.. كده العيب مش في أبوك ده فيك أنت
لم يصدق ما الذي تقوله، لم يستوعبه ولم يعبر على عقله من الأساس أعتقد أنها تتفوه بكلمات جنونية لغضبها ولكنه ألقاه بعيدًا واستمر في محاولة إنقاذها ونيل العقاب وحده:
-أنتي بجد اتجننتي.. أقسم بالله حصل في مخك حاجه.. ده أنا عارفه، حـافظـه، يلا يا مهرة أنا لازم احميكي لازم اخفيكي عنه علشان خاطري بلاش تعملي كده
ابتعدت ثانيةً تنظر إليه بشك، حيرة وربما القليل من الاشمئزاز وأجابته:
-مش هقدر أسمع كلامك يا يوسف.. أنا لقيت الايد اللي تخرجني برا سردابك المخفي عن العالم.. بس الظاهر أن أنت اللي مش عايز
أقترب المسافة التي ابتعدتها عنه وناظرها بحبه المعهود ولمس وجهها بكفه الحنون ولم يتحدث سوى بصوته الهادىء الرزين يقسم صدقًا:
-أقسملك مش عايز غير أن العالم يعرف بجوازي منك وإنك مراتي وحبيبتي وحياتي كلها ورفضي الأول والأخير للخلفة بسبب خوفي عليكي وعلى اللي في بطنك أنتي متعرفيهوش مهما حكيتلك عنه مع إن مافيش أكتر من أنه حاول يقتلني
أجابته نافية:
-بس هو اداني الامان
عقب بصدق ينبع من داخله:
-كدب.. يلا يا مهرة، يلا
وقفت شامخة بعدما توصل إليها عكس ما يريد ووجدت أنه يريد الهرب منها، ربما كان يعيش معها لحظات رومانسية ويأخذ ما يجعله سعيدًا معها ولكن.. إنه "يوسف" كيف!:
-أنا آسفة مش هقدر أسمع كلامك ده واضحي باللي وصلتله.. على الأقل متجيش في مرة تقولي أنا همحي جوازنا من السجلات
زفر مبررًا موقفه مقتربًا يجذبها خائفًا للحد الذي أبعد من خوفه من الموت ولكن عليها:
-كنت بخوفك صدقيني.. يلا يا مهرة علشان خاطري
أبعدت نفسها عنه بهدوء وقالت بنبرة هادئة:
-مبقاش ينفع يا يوسف أنا بدأت طريق وهكمله.. بيك أو من غيرك على الأقل علشان ابني
أكملت وهي تنظر إليه بخيبة أمل:
-مش عايزة غيرك معايا.. مش عايزاك تخزلني
ثم ذهبت تاركة المكتب تخرج منه مغلقة الباب من خلفها، تُسير بعيون مشوشة بعدما تجمعت الدمعات بها تزين مقلتيها بعدما وقفت أمامه ووجدته مصرًا على ما يريد، لما قد يفعل هذا وهي تقول إن والده قد لان قلبه ناحيتهم، لقد أعطاها الأمان بكل الطرق دون أن تطلب، أراد الذهاب لعائلتها لو ينوي شر لما فعلها، وأراد الإعلان عن زواجهم دون طلبها وأراد ذهابها إلى منزلهم لتكن بخير ولكن كل ذلك مشروط بتأكده من صحة حديثها إذًا هو لا يكذب، كانت على حق عندما فعلت ذلك كانت تفكر بعقلية سليمة عندما أتى إلى خلدها فكرة أن يكون له حفيد فقد حكى لها "يوسف" كثيرًا عن كونه يريد ذلك بكل جوارحه وها هي قد حقتت له أمنيته وستأتي إليه بحفيد للعائلة وهو قد وعدها أن يحميها حتى من "يوسف" لما قد تخاف لما؟
تتسائل الآن هل كان "يوسف" يكذب؟ هل كان يريد منها غرض معين ثم يتركها ويكمل طريقة أو كان يريدها دومًا مخفية عن العالم ولا يحق لها الخروج من سردابه أو أن يكون لها ولدًا!.. لكن كيف هذا "يوسف" حبيبها له أكثر من عامان متزوج منها لم يكل ولم يمل ولم يتراجع في حبه وأفعاله لها، لم يأتي الوقت التي تراه قد مل منها وأراد البعد بل يريد أن يكون داخل أحضانها دومًا هي سر سعادته ومكانه الأمن!.. تخبطت كثيرًا وتشوش عقلها أكثر وهي لا تعلم ما الذي من المفترض أن تفعله ولكن المؤكد أنها لن تتراجع عن السير خلف "مراد رضوان" بعد أن ألقى بجعبتها كل ما تريد دون أدنى مجهود منها.. فقط لتحقق حلمه وحلمها..
بينما هو وقف حائرًا بين أن يأخذها رغمًا عنها بالقوة والعنف ويخفيها عنه أو يتركها كما تريد؟ كيف له أن يتركها إنه يعرف والده جيدًا، لم يحبه يومًا ولم يجد منه نظرة حنان أو عناق حتى ولو كان عن طريق الخطأ، فعل أصعب الأشياء أمامه رأى بعيناه قوته وتجبره، وحتى لو لم يكن يرى أو يحدث كل ذلك فسيكون مجنون إن لم يشعر بكل هذا بعدما حاول قتله.. هل هناك من يحاول قتل ولده؟ وإذا كان هل هو فعل به شيء مشين إلى هذه الدرجة كي يقتله؟!
رفض الزواج من ابنة شقيقته؟ لما ترك شقيقه يختار الفتاة التي يريد الزواج منها وهو لا على الرغم من أنها جشعة وانتهازية والجميع يعرف ذلك وهو على رأسهم!.. ولكن الآن فليفكر بـ "مهرة" ما الذي عليه فعله؟ كيف له أن يتركها. لا لن يفعلها
جلس على المقعد خلفه يضع رأسه بين كفيه، الآن عليه أن يحسب كل ما يفعله، لو حاول أخذها ليخفيها عنه لا يضمن حقًا أن والده لن يعلم بمكانها خصوصًا الآن، من الممكن أن يراقبه أو حتى يراقبها ومن الممكن أيضًا تلك الغبية هي من تخبره وتقف بمواجهته تعارضه تقف جوار والده معتقدة أنه سيفعل ما تريد ولن يؤذيها.. غبية يا لها من غبية أبعد كل هذا الحديث عنه في ليالي طويلة كانت كوابيسه عنوانها لا تصدقه؟ تأمن له؟ حقًا غبية يا مهرة..
الآن ما الذي من الممكن أن يكون دائر في رأس والده بعيدًا عن حديثها الابلة التي قالته؟!