-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 17 - 2 - الثلاثاء 31/12/2024

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل السابع عشر

2

تم النشر الثلاثاء

31/12/2024


أما هو فقد صعد شقته حيث فتحت له يسرا تستقبله بحبٍ كبير  ،  عانقته ترحب به كعادتها ولكنها لاحظت تجهم ملامحه لذا ما إن دلف وجلس يستريح حتى اتجهت تجلس أمامه وتتساءل بقلقٍ  : 


- مالك يا دياب حصل حاجة  ؟ 


زفر بقوة ونظر لها نظرة عميقة يفكر هل يخبرها أم لا  ،  إن أخبرها ستحزن خاصةً وأنه يدرك جيدًا حساسية الأمر بالنسبة لها لذا زفر بقوة ومد ذراعه يسحبها إليها ويعانقها بحنانٍ لتبادله بحب ولكن القلق نهش جدران قلبها لينتزعه بقبلة على رأسها أتبعها بجملة طيبة جابرة للقلب  : 


- مهما كنت زعلان حضنك قادر يمحي أي زعل جوايا  ،  ربنا يخليكي ليا  ،  إنتِ كل حاجة في حياتي يا يسرا  ،  بنتي واختي وصاحبتي وامي ومراتي    ،  إنتِ قيمتك عندي غالية أوي  . 


تعلقت في عناقه بقوة وشعرت أنها على وشك البكاء من فرط فرحتها واحتواءه لذا أردفت بنبرة مماثلة تفشى الحب في ثناياها  : 


- ما إنت كمان أهلي وعزوتي وناسي كلهم  ،  أنا بحبك جدًا بطريقة أنانية أوي بس مش زعلانة لإنك تستاهل حبي ده  ،  تستاهل كل حاجة وأي حاجة أعملها علشانك  . 


بكت سعادة واخترق سعادتها شيئًا من الحزن خاصةً وهي تتذكر خوف تلك الرحمة منها على ابنها فتابعت بنبرة مختنقة  : 


- علشان كدة نفسي ربنا يرزقنا بطفل علشانك إنت مش علشاني  ، نفسي  ــ


- هشششششش  . 


قطع حديثها يبعدها عنه ويمسك بكتفيها محدقًا بها بقوة يوضح مسترسلًا  : 


- بقولك إنتِ بنتي  ،  مش عايز بقى الكلام يحود ويروح في حتة تانية  ،  أنا راجع تعبان وعايزك تحتويني بحضن وأكلة دافية  ،  ها طابخة إيه  ؟ 


تساءل ونهض يتحرك نحو المطبخ ونهضت تتبعه وتبتسم براحة وتجفف دموعها مجيبة بترقب : 


- طاجن ورق عنب بالكوارع  . 


- أيوا بقى هو ده المطلوب للأداء المرغوب . 


نطقها بعبثية وهو يقبض على كفه بحماس فضحكت عاليًا واتجهت تجاوره يحضران الطعام سويًا  . 


❈-❈-❈


تركها أسبوعًا تفكر ولم تعطهِ ردًا  ،  لم يعد يرسل لها مرارًا كالسابق حين شعر برفضها  ،  هل تخاف من تجربة الارتباط به  ؟  من المؤكد الأمر ليس سهلًا خاصة وأن عالماهما مختلفان  ،  هو من بلدٍ آسيوي بعيدة وهي من هنا  . 


طباعه وعاداته وأسلوب حياته لا يشبهها ولكنه لديه استعدادًا للتأقلم خاصةً وأن عمله هنا ولفترة طويلة  ،  لمَ لا يرتبطان لفترة ويجرب كلٍ منهما الآخر  ،  هو يؤمن بأن الحب يصنع المعجزات خاصة وأن ديانة واحدة تجمعهما . 


أما هي تجلس في مكتبها تؤدي عملها بشرود  ،  لم تنسَ عرضه أو تهمله  ،  تفكر به طوال الأسبوع من اتجاهات عدة أهمها ردة فعل عائلتها  ،  من المؤكد أن الأمر سيلقى رفضًا خاصةً من داغر ولكنها بدأت ترى إيجابيات الموضوع  . 


شاب غني من عالمٍ آخر بعقلٍ آخر وفكرٍ متطور وناضج وهذا واضحًا كالشمس من خلال عمله  ،  من المؤكد لا يشبه والدها على الإطلاق  ،  وكذلك لا يشبه كمال  ،  ولكنه أيضًا لا يشبه داغر  . 


ومن يشبه داغر  ؟  هكذا فكرت وابتسمت على أثر مرور شقيقها على عقلها  ،  شقيقها المميز الحنون الذي يغمرها بالدفء والذي تمنت لو حظيت بزوجٍ يكون مثله  . 


أما لو تشو فهو بارد بعض الشيء ،  المشاعر لدى الآسيويين متجمدة قليلًا  ،  فهل هي أولوياتها  ؟  


الحياة تتطلب منها أوليات أخرى كالمال مثلًا  ،  كالتوافق الفكري أو العقلية العملية وهي تشبهه في هذه النقطة  ،  كلاهما يحب العمل كثيرًا لذا ربما هذا تحديدًا ما سيجعلها تقبل عرضه ولكن لتترك أمر عائلتها على عاتقه أولًا ثم ستساعده في إقناعهم  . 


زفرت بقوة وقد قررت أخذ قرار ولكن لن تخبره به اليوم ولا الغد  ،  ستنتظر إلى أن ترى ماذا ستفعل ديما في مسألتها حتى تهدأ الأمور قليلًا  . 


كل هذه الأفكار تتصارع داخل عقلها أمام عيون فرح وشريف اللذان ينظران لها تارةً ولبعضهما تارةً أخرى  . 


❈-❈-❈


بعد ساعة 


تحرك داغر خارج نطاق المصنع ليتسنى له الحديث مع ثائر  . 


وقف في مكانٍ هادئ وقام بالاتصال به وانتظر إجابته  . 


على الطرف الآخر رن هاتف ثائر فالتطقته وعلم أنه رقم مصري لذا أجاب بترقب ولهجة مصرية : 


- ألو  ؟! 


أجابه داغر  : 


- أيوة  ،  معاك داغر الصابر  ،  أخو ديما الصابر  . 


زفر ثائر وأدرك ماذا يريد ليرحب به بهدوء قائلًا  : 


- أهلًا وسهلًا  ،  اتفضل سامعك  . 


تشتت عقل داغر بين رفضٍ وقبول وخوفٍ من الرفض وخوفٍ من القبول لذا أردف بحيرة ملحوظة  : 


- أنا كنت بكلمك علشان أبلغك برفض عرضك لأختي بس دلوقتي عايز أعرف منك ليه ديما  ؟ اشمعنى هي اللي تقدملها عرض زي ده  ؟  


أجابه ثائر بتركيز تام  : 


- يفترض إنك تكون عارف إن أختك أول مرة تنشر عمل ورقي ليها وبرغم كدة قدرت تعمل اللي كُتاب كتير بيحاولوا يعملوه في سنين  ،  أختك قدرت تخاطب شريحة كبيرة جدًا من الناس جوة مصر وبرا كمان وعرفت تعمل ده بقلمها  ،  ده معناه إنها مميزة وتستحق فرصة مميزة  .


صمت داغر يعترف بصحة كلماته ليسترسل ثائر موضحًا  :


- ديما دلوقتي من الناس اللي شايلة أمانة ولازم توصلها ودي مهمتها  ،  هي بتدافع عن حاجة مؤمنة بيها وانت لازم تساعدها تعمل ده بدون ضغوطات أو خوف أو تقييد  ،  ولو حدسي سليم فأنا أظن إنك بتدعمها في قرارات كتير  ،  ليه خايف من قرار زي ده  ؟ 


تنهد داغر بعمق وأردف موضحًا ما يعتليه  : 


- طبيعي أخاف عليها  ،  دول مش مجرد يوم أو يومين ده سفر وشغل وغربة وحياة تانية بعيدة عننا  ،  وديما أم ومسؤولة عن طفلين صغيرين  ،  الموضوع صعب جدًا ومقلق جدًا  ، أنا أصغر من ديما أيوة بس هي مسؤولة مني وحمايتها هي وولادها عهد عليا  ، أنا مش عايز غير إنها تكون بخير وبس ومسألة السفر لدولة أوروبية زي فرنسا مسألة صعبة جدًا  . 


أيده ثائر بتفهم مردفًا  : 


-  طبعًا صعبة  ،  محتاجة تفكير ومغامرة ومثابرة وللأسف أنا ماعنديش كلام ضامن أقولهولك لإنك ماتعرفنيش ومش صح تثق في كلامي لكن لازم تثق في قدرات أختك كويس وتشجعها على الفرص اللي زي دي لإن بعدها ديما هتثبت للعالم كله إنها اختارت الفرصة الصح  . 


تعجب داغر من ثقته في ديما  ،  من إيمانه بموهبتها  ،  من رغبته في شهرتها وإظهارها للعالم لذا قابل كلماته بصمتٍ دام لثوان ثم أردف بتوتر  : 


- مش عارف أقولك إيه  ؟ 


- ماتقولش حاجة  ،  فكر كويس وقرارك عرفه لديما وسيبها تختار بنفسها  وماتقلقش عندي هنا في المجلة بنات من مصر ومن بلاد عربية   ،  والسكن المجلة هتوفرهولها وهيكون في منطقة أمان تمامًا ،  يمكن دي حاجة تطمنك  . 


- تمام  . 


قالها داغر بعد ثوانٍ وأغلق معه وتحرك عائدًا للمصنع بعقلٍ حائر لا يعلم ماذا يقرر ولكن ربما كلمات ثائر تحمل على متنها الاقتناع . 


❈-❈-❈


ابتاعت كتابها وقرأت بدايته  .


قرأته ولم يتوغلها حقدٌ كهذا من قبل وتساءلت بعقلٍ كاد أن يصاب بالجنون  .


كيف لتلك الديما التي كانت زوجة كمال لسنوات أن تكتب هذا الكتاب  ؟ من المؤكد هناك خللًا ما وهناك أيادٍ خفية ساعدتها  ، هي لن تستطيع كتابة مثل هذا الكتاب بمفردها قط  ، الأمر يفوق مستوى ذكاءها  .


ولكنها لن تعترف بذلك أبدًا بل ستقتص منه ما يشوه صورتها في عين زوجها خاصةً وأنها باتت تشعر به يعيش على أطلالها  . 


لم تصبر إلى أن يعود بل ارتدت عباءتها السمراء التي أخفت ملامح حملها واتجهت لتراه في محل عمله  .


لم يكن ينتظر مجيئها لذا كان يتصفح صفحة ديما بأريحية وهو منفردًا على مقعده لينتفض فجأة ويسقط الهاتف من يده حينما اخترق صوتها أذنه وهي متجهة نحوه تتساءل بصياح  :


- بتعمل إيه يا كمال  ؟ 


طالعها بصدمة ونهرها سرًا ثم أردف يتساءل بتذمر  : 


- هكون بعمل إيه  ؟  إنتِ إيه اللي جابك  ؟ 


لوحت بالكتاب أمام عينيه تسترسل بنبرة عالية وهي ترتد على المقعد وقد حمد ربه أنها لم تلاحظ تصفحه لصفحة ديما  : 


- الهانم اللي كنت متجوزها مخلية صورتك زي الزفت  ،  مخرجة أسرار بيتها وكاتبة عنك فضايح  . 


نظر حوله ليجد أن العمال قد اعتادوا على أفعالهما الهوجاء لذا لم يعقبوا على الأمر فعاد يحدق بها وتساءل بملامح متجهمة حانقة حيث تأهب  : 


- قايلة إيه عني بنت محسن الصابر الحرامي  ؟ 


لوحت بيدها تجيبه بطريقة نمطية  : 


- يااااختي على اللي قيلاه  ،  قايلة فيك وفيك وفيك  ،  دي مطلعاك مريض نفسي وقال إيه ياخويا نرجسي  . 


أشار نحوه وبتعالى ونرجسية مفرطة قال مستنكرًا  : 


- أنا نرجسي  ؟ كمال الوراق بعد كل اللي عمله يطلع في الآخر نرجسي  ؟! 


وهنا تذكر ما كان يشتريه لها ولطفليها من هدايا ثمينة وشعر أنه يُظلم لذا هز رأسه بأسف ولعن عقله الذي كان يتابع أخبارها منذ قليل والذي أوهمه أنها ربما حنت له  ،  ولكن خطر على عقله سؤالًا وأراد أن يصدقه لذا تساءل  : 


- طب واش عرفك يا زينة إن الكلام ده عني  ؟  مش يمكن على أبوها  ؟  


لعنت غباءه أو غروره المفرط الذي غلف عقله عن تصديق الحقيقة فأجابته بنزق  : 


- وهي أمها كانت خلعت أبوها بردو  ؟  


هز رأسه مرارًا ثم سلط أنظاره للبعيد واسترسل بتوعد  : 


- حلو أوي  ،  سبيها بقى وأنا هعرفها مين هو كمال الوراق  ،  وبإذن الله ربنا يجيب حقي وكتابها يتوقف  ،  وتبقى توريني شطارتها بنت محسن النصاب . 


هذا ما جاءت لتسمعه لذا استراحت على مقعدها تتحسس معدتها وتنظر حولها بتفحص ثم عادت تتساءل بتلاعب  : 


- يعني هتعمل إيه يا كمولتي  ؟ 


أجابها بغمزة وهو يشبك كفيه ويستند عليها بذقنه  : 


- هتشوفي  ،  بس يالا قومي روحي علشان ماتتعبيش وهقولك بليل هعمل إيه وابقي جهزيلنا ليلة حلوة  . 


نهضت تزفر بقوة ثم تغنجت في وقفتها تجيبه بمغزى لتصل لغايتها  : 


- عنيا يا نن عنيا  ،  قال نرجسي قال  ،  فشرت بنت محسن الشحات  . 


تحركت تغادر والانتصار يعم ملامحها وتركته ينفش كتفيه بتباهٍ حقنته به ليرى نفسه لا مثيل له ولكنه تذكر هاتفه لذا انحنى يلتقطه أرضًا فظهرت صورة ديما أمامه لذا ضغط يحذفها ويحذف قائمة بحثه ويردد من بين أسنانه  :


- بقى أنا نرجسي  ؟ دا لو لفيتي الدنيا كلها مش هتلاقي زيي  .


الصفحة التالية