رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 8 - 2 - الثلاثاء 3/12/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الثامن
2
تم النشر الثلاثاء
3/12/2024
في هذه الآونة
وبعد أن رآها وهي تغادر المنزل مع صغيريه من النافذة أسرع يخبر زينة بما حدث ويطمئنها ، فها هو المظلوم قد انتصر وبات يحق له الزواج بكل أريحية .
جلس يتحدث معها عبر الهاتف يشكو لها قسوة ما يعيشه وجراحه الملتهبة وهي تداويها بكلماتها المعسولة وتتعهد له بأيامٍ تعوضه بها عما رآه .
بنبرة منكسرة أردف يشتكي :
- عملتلها كل حاجة ، عمري ما بخلت عليها بأي حاجة ، هدايا وهدوم وعطور ومن أغلى حاجة وفي الآخر تقولي أنا مابشوفش منك أي حاجة !
- اخص عليها نكّارة خير ماتستاهلش ضفرك ، ماتزعلش نفسك يا كمال بكرة تندم ، دي ماتعرفش قيمتك .
هذه الكلمات تغذي نرجسيته أكثر وأكثر فيشتكي أكثر وأكثر مسترسلًا :
- علمت ولادي مايحترمونيش ، الواد اللي عنده خمس سنين وقف في وشي وبيقولي ماتزعلش ماما ، كرهتهم فيا يا زينة ، مابقاش ليا حد ولا عيلة ولا سند بعد أمي .
تضاعفت طاقتها وأردفت بغضب وعتاب خبيث :
- اخص عليك ماتقولش كدة وانا روحت فين ؟ أنا عمري ما هسيبك أبدًا ، ياريتني جنبك دلوقتي كنت خدتك في حضني وطيبت خاطرك .
صمتت لبرهة تترقب ردة فعله ثم طرقت على الحديد المنصهر مسترسلة باندفاع ظاهري :
- كمال خلينا نتجوز بكرة ، أنا مابقتش مستحملة اللي بيحصل فيك ده .
تنبهت حواسه وانقشعت غمامة مسكنته ليتساءل مستفهمًا :
- نتجوز بكرة إزاي يا زينة ؟ أنا لسة ماجهزتش أي حاجة والشقة دي ناقصها حاجات كتير .
جُل ما تريده هو الحصول عليه وعلى ممتلكاته لذا أسرعت تردف متلهفة :
- مش مهم ، المهم ابقى جنبك في وقت زي ده ، أنا مش هعرف أنام وانت في الحالة دي ، خلينا نروح نكتب الكتاب ونبقى نجهز الشقة واحدة واحدة ، وخليها عند أهلها علشان تعرف قيمة الراجل اللي معاها وتخلي أهلها ينفعوها .
فكر سريعًا وراق له اقتراحها ولكنه يحمل بعض القلق مما ينتظره لذا أردف ليطمئن نفسه أكثر :
- أهلها مين اللي ينفعوها ؟ أخوها البلطجي اللي ماشي يخوف في الناس ولا أبوها اللي اتجوز وزهق منهم ؟ هتعمل إيه عند أهلها وهتعرف تصرف على العيال منين ؟ هترجع تاني بكرة ولا بعده .
- أبوها معاه حق طبعًا ، راح دور على راحته مهو تلاقي أمها زيها كدة ، ياخويا بلا هم .
تجاريه في الحديث وهذا ما يريده ليثبت لها ولنفسه أنه يعيش جهنم على الأرض لذا أخذ نفسًا قويًا وقرر أن يتخذ الخطوة التي أمرته أن يخطوها قائلًا :
- خلاص يا زينة خلينا نتجوز بكرة ، بس عرفي أمك بقى وأنا هظبط أموري كدة ع السريع واجيلك .
لا مثيل للنصر الذي تشعر به الآن ولم تستطع منع نفسها من إطلاق زغرودة عالية تعبر بها عن سعادتها وهي تردف بصياح :
- يا مامــــــــا ، أنا وكمال هنتجوز بكرة .
ضحك عليها كأنه شاب عشريني أعزب ليقول بنبرة ضاحكة خرجت منه تثير الاشمئزاز :
- يا مجنونة هتعرفي الناس كلها .
أجابته بسعادة وتزين النصر فوق تقاسيم وجهها :
- فرحانة أوي أوي يا كمال بكرة هبقى معاك ومش هسمح لأي حاجة تزعلك تاني أبدًا .
شرد يتخيل حياته الجديدة الرائعة والتي سعى لها والتي أخيرًا ستتحقق غدًا .
❈-❈-❈
لن تترك الحزن قابعًا داخله ، ستفعل جُل ما بوسعها لتنتشله ، لا تحتمل ذلك الغلاف الذي يحدثها به لذا .
جهزت كل شيء كالعادة وعلى غير عادة ، فاليوم كان مميزًا بعض الشيء ، بملابس جديدة وأكلة بوصفة جديدة ، وحتى الموسيقى التي صدحت داخل جدران الغرفة جديدة .
الاعتيادي هنا هي الورود الحمراء والشموع وزينتها ، اعتادت أن تتزين له لأنها ترى في عينيه الحب الكبير وتستشعر، بلمساته كم هو عاشقٌ لها ، وتسمع همساته التي تنعش فؤادها بكلماتٍ خاصة لا تقال إلا لها .
تعلم أنها محظوظة بزوجٍ مثله ، زوجًا عوضها عن وفاة أبيها ، زوجًا تمنت نصف مميزاته ولكنها تمنت أن تكوّن أسرة معه ، تحبه وتتمنى طفلًا منه ، تحبه وتسعى كي ترى بذرة حبهما في جنين يحصلان عليه .
تعلم أن الله يرزق من يشاء وحاشاها أن تعترض ولكنها تتمنى وتسعى .
دلف منزله وما إن وقعت عيناه على إضاءة غرفته حتى علم بما تجهزه له لذا ابتسم بتلقائية وتنهد يخطو نحوها وينادي باسمها فنهضت من فوق المقعد تلتفت لتقابله وتبادله الابتسامة قائلة بنبرة لينة :
- حمد الله على السلامة يا حبيبي .
تفحصها بدقة من رأسها لأخمص قدميها ليقترب منها أكثر ويتناسى أي حزنٍ سكن قلبه منها لذا رفع يده يزيح خصلاتها الطويلة للخلف ويردف بعيون يغمرها العشق غمرًا :
- قميص جديد ؟
انحنى يستنشق رقبتها بحالمية مغمضًا عينيه ثم همس عند أذنها :
- وبرفيوم جديد ؟ ناوية تعملي فيا إيه ؟
احتلها جيش مشاعر لا مثيل له فجعلها تسبل أهدابها وانسحبت أنفاسها فأردفت بتحشرج :
- ناوية أحبك أكتر وأكتر ، ناوية أصالحك علشان أنا عارفة إنك زعلان مني .
ابتعد عن بيته ولم يبتعد عن محيطها بل لف ذراعيه حولها وتمعن النظر فيها ثم أردف :
- مابعرفش أزعل منك .
هزت رأسها وهجمت عليها الغيوم تسكن مقلتيها وهي تردف :
- بس أنا موجوعة إني زعلتك ، إنت فهمتني غلط ، أنا بس بخاف أوي يا دياب ، بخاف تبعد عني .
قطب جبينه واسترسل مستنكرًا :
- أبعد عنك إزاي يا يسرا ؟ أنا ماقدرش أبعد عنك .
برغم المشاعر الحاضرة بينهما الآن إلا أنها لم تستطع إخفاء ما يكمن في جوفها لذا أردفت موضحة مخاوفها :
- لاء ممكن تبعد ، لما تشك إن العيب مني ممكن تفكر تتجوز ، أكيد إنت نفسك تكون أب ، نفسك يكون عندك ولد ، هتتحمل إزاي تعيش معايا وأنا في احتمال إني مش هخلف ، هو إنت ممكن فعلًا لو طلع عندي عيب تفكر تتجوز عليا ؟
سألتها وقد سُحبت الدماء من وجهها لذا أسرع يضمها ويردف باستنكار :
- إيه الكلام الأهبل ده ؟ مستحيل طبعًا ، إنتِ هتفضلي مراتي وحبيبتي الوحيدة طول العمر ، ولو ربنا رزقني بأطفال هيكونوا منك إنتِ غير كدة هنقول الحمد لله راضيين ، وشيلي الأفكار دي من راسك يا يسرا لإن بجد كدة غلط .
ليتها تستطيع نزعها من عقلها ، ليت الشخص يستطيع نزع مخاوفه بعيدًا عنه ولكن كلما حاول إبعادها تلتصق به وبعقله أكثر وأكثر وكأنها بقعة خبيثة على نسيج أبيض .
لم تجبه بل ظلت تستشعر دفء عناقه ليبتعد قليلًا محدقًا بها فبادلته فتنهد بعمق واسترسل موضحًا :
- يعني ينفع تعمليلي مفاجأة حلوة كدة وبعدين تزعلينا ؟ فين الضحكة اللي بتهوّن عليا ؟
أهدته ابتسامتها فأومأ يردف :
- أيوة كدة .
ابتسم لها وانحنى يقبلها باشتياق ولهفة وحب صادق ، تبادله بمشاعر مماثلة وتهبه كل ما يحتاجه ليشعر بالكمال معها وربما تحاول تعويضه بهذا الجزء عن الشيء الذي تفتقده .
❈-❈-❈
كلما اشتدت المعاناة اعلم أن الله يؤهلك لشيء عظيم ولا تحزن ولا يضيق صدرك وكن على يقين إن ما أصابك شطرًا سيصيبهم أضعافًا .
وقفت أسفل دُش المياه الدافئة تغتسل ، أرادت أن تنزع هذه الأفكار من رأسها لذا رفعت كفيها تجوب هبوطًا وصعودًا على خصلاتها .
كأنها تسقط عنها الألم والذكريات والكتمان والقهر وكلماته ، ليتها تفقد الذاكرة وتنسى هذه السنوات الثمان .
دموعها تتسابق أيها سترطم في الأرض أسرع هي أم مياه الدُش ، تبكي بصمت وتسعى لتظهر بالصورة التي عُرفت بها دومًا .
لا يمكنها أن تفصح عما بها لشقيقها فيذهب ويقتص من كمال فيضيع حقها منه ، ولا يمكنها أن تبوح لوالدتها التي تحمل هموم سنوات على عاتقها ، لا يمكنها أن تسرد لشقيقتها التي تستقبل الحياة حديثًا .
حتى يسرا يكفيها من الهموم ما تعيشه لذا فاختارت أن تغتسل عل الهموم تتساقط أو تسقط واحدة منهم فقط .
بعد وقتٍ أغلقت الصنبور واتجهت تلتقط المنشفة وتجفف جسدها ثم استلت ملابسها وارتدتها وخطت نحو الخارج ثم إلى غرفتها بعدما نام الجميع ، وهذا ما ستفعله .
كل ما ستفعله الآن هو النوم ، كُفي أيتها الروح عن التمزق وتوقف أيها العقل عن التفكير .
أنا فقط أشتهي نومًا طويلًا أصحو منه على أملٍ جديد يبعث لروحي روحًا ترممها .
قرر داغر احتضان ابن شقيقته بدلًا عن الوسادة الباردة وقررت منال احتضان حفيدتها أيضًا ليعطيا ديما الراحة لتنام على السرير المجاور لسرير دينا التي نامت بالفعل .
أغمضت عينيها وترجت النوم كي ينتشلها مما هي فيه وبالفعل رأف لحالتها وغمرها سريعًا .
ليكن النوم أحن عليها من قلوب بعض البشر
❈-❈-❈
في الصباح .
استيقظ كمال على رنين هاتفه ليتقلب في سريره ثم مد يده يلتقط الهاتف ويجيب بنعاس :
- مين ؟
أجابته زينة بلهفة وانشراح :
- يالا يا كمولتي فوق ورانا حاجات كتير نعملها النهاردة ، كفاية نوم الساعة بقت تسعة .
مسح على وجهه ونهض يستند على ظهر سريره مردفًا بعدما تذكر قراره الليلي :
- تمام يا حبيبتي صحيت أهو .
تنهدت بارتياح تسترسل بنبرة متغنجة جريئة :
- مش مصدقة إننا هنام في حضن بعض الليلة ، أخيرًا يا كمولتي .
شرد يفكر في أمرين بجانب ضيقه الذي يستيقظ به إحداهما ممتعًا وحالمًا والآخر قلقًا من ردود الأفعال وأهمها ردة فعل داغر لذا تنفس بقوة وأردف بنبرة يشوبها القلق :
- طب يالا اقفلي علشان اقوم اشوف ورايا إيه .
اغتاظت من طريقته وأسلوبه ولم تعتد أن تكظم غيظها لذا تابعت مندفعة بتوبيخ :
- مالك يا كمال ؟ هو إنت مش مبسوط ياخويا ولا إيه ؟ ولا كلام الليل مدهون زبدة ؟ لا بقولك إيه أنا مبحبش اللي بيرجع في كلامه فوق كدة معايا .
تراجع عن نبرته وانتزع قلقه يلقيه بعيدًا وسعى لينتعش حيث أردف بنبرة سعى ليضخ بها اللهفة :
- يابت ارجع إيه بس دانا ماصدقت ، انا بس أول ما بصحى من النوم ببقى مضايق شوية .
- لاء معايا غير ، إنت تنسى كل اللي كنت بتعمله قبلي ، أنا هخليك تعرف طعم السعادة .
كان ردًا منها على حديثه ووعدًا تلقاه بلهفة كبيرة كطفلٍ ألهته حلوى العيد ليجيبها وهو ينهض :
- عرفته أصلًا يا زينة ، يالا يا حبيبتي أنا فوقت أهو هدخل آخد شاور وانزل اشوف اللي ورايا إيه وبليل هاجي واجيب معايا المأذون والشهود .
انتعشت كليًا واستيقظ التحدي داخلها تردف :
- ايوة كدة هو ده كمال اللي أعرفه ، وبعدين ماتقلقش من حاجة طول مانا في ظهرك .
- هقلق من إيه ؟ هي اللي جابت آخرها معايا .
قالها باستنكار زائف لتجيبه بنبرة متلاعبة تتلاعب بها على أوتار ذكورته :
- صح كدة يا روح قلبي ، يالا قوم غير ريقك وشوف وراك إيه .
أرسل لها قبلة عبر الهاتف وأغلق معها وخطا نحو الحمام يدندن أن السعادة الحقيقة تفتح له ذراعيها استقبالًا .