رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 38 - 3 - الخميس 5/12/2024
قراءة رواية حان الوصال كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حان الوصال
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الثامن والثلاثون
3
تم النشر يوم الخميس
5/12/2024
داخل منزل صفاء ، والتي كانت واضعة طبق كبير من الفاكهة بحجرها الآن تتناول منه باستمتاع امام شاشة التلفاز، التي تشاهد عليها بصحبة اولادها، وكل فرد منهم يحمل واحد مثلها، واصوات مضغهم المستمر ترافق الفوضى التي يحدثونها في مزيج يجعل فرد مثل ذاك الغريب وسطهم ، لا يكف عن متابعتهم بغيظ شديد وحسرة تكتنفه لما أوقع نفسه به:
- في ايه يا خميس؟ عايز تاكل ما تاكل خير ربنا قدامك كتير ، بدل ما انت حاطط عينك على الولاد ، براحة عليهم لا يزورو.
قالتها بقصد استفزه ليخرج عن صمته في رد لها:
- مش هحسد عيالك يا صفاء اطمني، انا بس مضايق عشان البهدلة اللي بيعملوها في الصالة وهما بياكلوا، فيها ايه يعني لما الواحد فيهم ياكل حتة الفاكهة ويطلع البذرة في الطبق، بدل التفتفة على الارض، والسجاد اللي اتغير لونه من البقع اللي فيه.
صدر من فمها صوت استنكار سبق ردها اليه بقوة واستهزاء:
- وما يتغير لونه ولا يخلوها زريبة حتى، امهم بصحتها وتنضف من وراهم ، يعني محدش قالك انت نضف
فغر فاهه في تعبير عن ذهول تام لردها الذي جعله يردد خلفها بدهشة:
- محدش قالي انضف! في ايه يا صفاء؟ انا بتكلم ع الزوق عشان العيال تتعلم، يعني عجبك من شوية لما الواد تف لب البطيخ من بقه، لزق في خدي؟
ردت ببساطة:
- طب وفيها ايه؟ ما هو عيل يعني مش قاصد، انت اللي مش طايقهم ولا متحمل اي حاجة منهم، وع العموم يعني لو مش عاجبك، محدش غصبك على القعاد معاهم
قالتها بقصد واضح فهم عليه، لتندفع الدماء برأسه مغمغمًا بغيظ منها:
- امال هقعد فين يعني؟ بعد ما سودتي وشي بعملتك الاخيرة مع العيال وامهم، يعني لو كان بس ربنا هداكي ووافقتي ع الصلح من اول مرة، من غير ما تنشفي راسك ع الفلوس وتعملي عمايلك مش كان احسن برضو، على الاقل كان هيبقالي فرصة اتكلم معاهم، بدل ما انا لازق هنا جمبك، لا قادر اروح بيتي ولا أدير الوكالة اللي باكل عيش منها.
استمعت حتى إذا انتهى من كلماته اشتدت ملامحها بضيق واضح مخاطبة له:
- انا جيبت حقي يا خميس، وبلاها منه التقطيم فيا ع الرايحة والجاية، اما بقى عن وكالتلك يا غالي فدي لازم ترجعلها من تاني وتكمل فيها، وتشوف لك صرفة، عشان انا مش فاتحاها تكية، عيالي يعتبر يتامي، يعني عايزين اللي يجيبلهم مش يشاركهم لقمتهم.
❈-❈-❈
داخل النادي الاجتماعي الخاص بعدد مشتركيه من اسر محدوده من علية القوم ، كانت بهيرة مع منظمة الندوة التي تقام اليوم بالنادي من أجل التعريف بأهداف الجمعية امام الأعضاء به، تتناقش معها قبل ان بدأ الفاعليات لتفاجأ باقتراب احد النساء فجأة تخاطبها :
- باهي حبيبتي مشيتي بدري النهاردة ولا مجتيش من الجمعية من اساسه؟ اصل انا ماشوفتكيش نهائي.
اغمضت عينيها الأخيرة بغضب جلي، لتلتف إلى شقيقتها المتأنقة، وقد زادها الإشراق بهاءًا، واضعة النظارة السوداء فوق عينيها، وشعرها المفرود على الجانبين، وكأنها امرأة في عمر الثلاثون، تصطنع ملامح الأسى، وتسحب خلفها تلك الفتاة في ذيلها:
- لا يا نجوان، انا مروحتش، مكانش ليا نفس اروح النهاردة، اصلي بقيت اتخنق من الجمعية واللي بيتحدف عليها.
قالت الأخيرة موجهة ابصارها نحو بهجة التي تماسكت بصعوبة حتى لا ترد عليها، اما نجوان والتي أظهرت امامها عدم اكتراث:
- اه يا قلبي اكيد تعبتي كمان من المجهود، الله يكون في عونك بقالك كتير في العمل الخيري، على العموم انا قاعدة وهسد مكانك في اي وقت، انا والمساعدة بتاعتي، احنا يهمنا راحتك يا روحي.
وارتفعت رأسها نحو المرأة الأخرى توجه الحديث لها:
- مدام ايفون انا وبهجة المساعدة بتاعتي مستنينك عند المنصة الرئيسية للقاعة، متتأخريش علينا،
اومأت المرأة رأسها بطاعة، وتحركت هي:
- ياللا بينا يا بهجة.
وتحركتا الاثنتنان تاركة بهيرة تفور من الغيظ لتضرب بعصاها على الارض موجهه اعتراضها نحو المرأة:
- مكنش له لزوم يا ايفون توجهي ليها دعوة، من امتى حد غيري اصلا بيتكلم بإسم الجمعية؟
جاء رد المرأة على تردد:
- ما هي بقت النائب بتاعك يا بهيرة هانم يعني شيء طبيعي تحضر، دا غير انها مستنتش دعوتي بمجرد ما عرفت لقيتها على طول مبلغاني بحضورها .
- اه وتسحب في ديلها البنت الدخيلة دي، لأ وكمان تدمجها مع أعضاء النادي المميزين، دا شيء بقى لا يحتمل.
تطلعت المرأة نحو ما تنظر نحوه بهيرة، في تلك الجهة الموجودة بها نجوان وسط عدد من الفتيات الصغيرات والسيدات تتحدث معهم بتباسط كعادتها، وتخطف الاضواء كعادتهت، وتشرك مساعدتها في الاندماج معهن في خطة زكيه تتبعها الاولى، لتعبر المرأة عن إعجابها:
- بس منقدرش ننكر يا بهيرة هانم ان البنت بقت حاجة تانية عن أول يوم دخلت لنا فيه، لمسة نجوان واضحة اوي في لبسها وفي طريقتها في الكلام، دي واقفة وسط البنات ولا اكنها منهم .
- ما هو دا اللي هي عايزاه
غمغمت بها بهيرة داخلها، يغمرها الغيظ الشديد نحو أفعال شقيقتها
❈-❈-❈
كان الوقت يقارب على الساعة الخامسة عصرًا حينما استيقظت على هزهزة عنيفة، وصوت والدتها تحاول معها:
- بت يا صفية، قومي يا بت قومي يا منيلة، قومي يا بت شوفي الضيوف اللي جم عشانك.
فتحت عينيها اليها مجفلة:
- اقوم فين يا ماما؟ وضيوف مين؟ انتي بتصحيني ليه اساسًا؟
هتفت بالاخيرة تعيد شد الغطاء عليها للعودة الى النوم، مما دفع والدتها لرفعه من عليها بأكمله تلقيه ارضًا، لتشدد عليها بغيظ:
- قومي يا بت انا مرارتي مفقوعة اصلا مش كفاية عليا ابوكي اللي طب عليا بالناس الغريبة فجأة، قومي اخلصي.
اذعنت صفية تعتدل بجذعها على تخوف، يكتنفها الاجفال بعدم الفهم:
- ضيوف.... وناس غريبة! هو في ايه؟ وانا مالي اصلا؟ انا قدامي ساعتين على ميعاد المكتب عايز اريح شوية .
دنت منها سمية تزوم كازة على اسنانها بحنق شديد ، تحاول التوضيح مرة أخرى علًها تستوعب هذه المرة:
- ما هو يا هبلة يا بت الهبلة، الضيوف جاين عشانك، عريس كلم ابوكي عليكي ودلوقتي هو وأمه قاعدين في الصالة في انتظارك..
سمعت منها ليعود اليها الوعي كاملا، وروح التمرد تكتسحها ، فتتحفز كل خلاياها وكأنها على وشك الدخول في معركة.
- نعم! عريس واتفاق على جوازة صالونات مع ابويا وانا نايمة على وداني، ليه؟ هي بهيمة والشاري بيتفق مع صاحبها عليها من غير ما يتاخد رأيها، انا اعترض.... قصدي أرفض النوع ده في ترخيص الأنثى والمساس بكينونتها .
تجمدت سمية لبرهة من الوقت فاغرة فاهها بعدم فهم للكلمات التي وصلت لأسماعها، ثم سرعان ما نفضت رأسها تجليها من هذا العته، لتأمرها بضجر:
- نيلة ولا زفت على دماغك انتي وابوكي، تقومي حالًا تحضري القعدة اللي برا دي، يمشو التاس واتفلقو انتو الاتنين، توافقي بيه ولا ترفضي ولا تعنسي حتى، في ستين داهية حتى، المهم اخلص الورطة الزفت دي، جاتك القرف، قومي يا بت.
صدرت الأخيرة بقوة جعلتها تنتفض ناهضة من الفراش على غير ارادتها، لتتمتم بتوعد:
- ماشي يا ماما، عشان خاطرك انتي بس، انما عريس الهنا ده هطفشه هو وأمه ان شاء الله.
❈-❈-❈
ما أبشعها من مفاجأت، تلك التي تباغتك على حين غرة بالأسوء. في الوقت الذي غمرك احساس ما، بنفض الهموم وراء ظهرك كي تلتفت للأمام وتمر على احزانك يأتي الماضي ويطل عليك، فيتصدر امام كل تقدم .
ما كان يكتنفه في هذه اللحظة اقوى من اي شيء وكل شيء، مشاعر لا يعرف لها اسم تجتاحه الآن وهو واقف خلف اللوح الزجاجي في المشفى، بعد وصوله منذ ساعة إلى أرض البلدة الأوربية الجليدية.