-->

رواية جديدة رواية في فبضة فهد لهالة زين - الفصل 15 - 2 - الثلاثاء 17/12/2024


قراءة رواية في قبضة فهد كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية في قبضة فهد

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هالة زين


الفصل الخامس عشر

2

تم النشر الثلاثاء 

17/12/2024 


يتعالى من ساحة النجع، وصوت الطبول يقرع بقوة، وكأنها تنبض مع دقات قلبها المتسارع. أغلقت عينيها للحظة، وكأنها تحاول الهروب من الواقع، لكن عبثًا... فالواقع كان يطاردها، حتى وهي وحيدة في هذه الشرفه  أما في الأسفل، كان الجميع يستعد لليلة الكبرى ، بينما  في الأعلى، فكانت ميلا وحدها في معركة مع مشاعرها... مع خوفها من القادم، ومع السؤال الذي لم يفارق عقلها

ميلا :  هل هذه حياتي؟ أم حياةٌ خُططت لي دون أن يكون لي فيها رأي؟

الناس فرحانة... بيحتفلوا بحاجة مش شايفين إنها زي الجبل طابق علي  صدري ، كل ده بيحصل وانا مجرد متفرجه ، أنا اللي المفروض أكون البطلة في الحكاية دي، بس ليه حاسة إني مجرد مجرد أداه بيحركوها علي هواهم ،  هل الفرحة دي فعلاً بتاعتي؟ كيف أوصلتني الأيام لهذا المكان؟ كيف أصبحت حياتي حكاية تُروى بين الناس، بدل أن تكون لي وحدي وقرار مفروض عليا ؟


كان يمان يخرج من دوار العمّارية بعد أن فرغ من ترتيب كافة التفاصيل مع كبار العائلة بشأن زواجه الوشيك. خطواته كانت ثابتة، لكنها تحمل ثقلًا لم يشعر به من قبل، وكأنّ روحه تخشى القادم أكثر مما ترجوه.


وقبل أن يغادر، قادته عيناه نحو نافذة علوية مطلّة على الساحة. كانت تلك نافذة غرفة ميلا، حيث انعكست أشعة الشمس الخافتة على ستائرها، ارتفعت عينا يمان نحو الغرفة مرة أخرى، وكأنه يبحث عن أثرها بين الجدران. الشعور بالغياب كان يطغى على المكان، لكنه في الوقت ذاته، بدا وكأن وجودها ما زال يحوم في الهواء 


كانت ورد تراقب يمان من بعيد، تتابع نظراته التي تجوب الأرجاء وكأنها تبحث عن شيء مفقود، أو شخص غائب يملأ فراغه. عرفت أن قلبه، رغم كل القسوة الظاهرة، يلفّه القلق والحيرة، وأنه لن يهدأ حتى يجد  ميلا او يراها غلي الاقل .


اقتربت منه بحذر، وكأنها تخشى أن يلفت أحدهم انتباههم. نظرت في عينيه التي لم تكن بحاجة للكلمات لتكشف عما بداخله. ثم قالت بصوت خافت، أشبه بالهمس


ورد : تعال ورايا... هخليك تشوفها، بس من غير ما حد يآخد باله .


نظر إليها يمان بدهشة ممتزجة بالامتنان. لم يسألها شيئًا، فقط تبعها بخطوات ثقيلة، وكأن كل ما يريده الآن هو رؤيتها بأي ثمن.


قادته ورد عبر طريق جانبي ضيق، بالكاد يتسع لشخصين. كان الدرب مغطى بأشجار كثيفة تحجب الأنظار عنهم، وكأنه طريق سرّي لا يعلمه أحد.


عندما وصلا إلى باب خشبي صغير في الجهة الخلفية للدوار، فتحت ورد الباب بخفة وهمست


ورد : هي جوا...  وإنت خارج أبقي إرجع من نفس الطريق واخرج من البوابه اللي ورا منغير   ما حد يلاحظ. 


تركته ورحلت بينما دخل يمان إلى الغرفة بخطوات مترددة، وكأن روحه تسبق جسده. وما إن وقعت عيناه عليها، حتى تجمدت كل الأفكار في رأسه.

كانت ميلا جالسة على كرسي قرب النافذة، تحملق في الأفق وكأنها تهرب بعينيها إلى عالم آخر، بعيد عن كل ما يحيط بها. لم تشعر بوجوده في البداية، لكنها استدارت فجأة عندما شعرت بخطواته.


ارتبكت للحظة، ثم تماسكت وهي تنظر إليه نظرة مشحونة بكل ما لم يُقال. كان المشهد صامتًا، لكن العيون نطقت بكل ما عجزت الشفاه عن التعبير عنه.


ظل الصمت يخيم على الغرفة للحظات طويلة، كل منهما ينظر إلى الآخر وكأن الكلمات تخشى أن تتسرب. كانت عينا يمان مليئتين بمزيج من الندم والحنين، أما ميلا، فقد ارتسمت على وجهها ملامح الحزن والعزّة الممزوجة بالخذلان حتي قطعت ميلا هذا الصمت 


ميلا : إنت دخلت هنا إزاي ؟


رغم معالم وجهها الشاحبه الا  أن حمرة وجنتيها جعلتها كحبات الفراوله الناضجه في موسم الحصاد وشفاهها الكرزيه تتمتع بحمره طبيعيه  من نوع خاص التصقت بها كصبغه كرمزيه تتحرك بإغراء كلما لامسها اللسان لترطيبها ، حقا أنها كانت جميله بشكل لا يصدق  ورغم أنها  كانت بملابس منزليه عاديه  الا إنها كانت تبدو فاتنه وشهيه تدعوه لتناولها كوجبه لذيذه للتحليه ، حاول ان يخرج من أثر تأثيرها عليه وأردف .


يمان : إنتي كويسه ؟؟


نظرت إليه ميلا طويلاً، عيناها تفضحان معركة داخلية بين الرغبة في تصديق ما تراه من لهفه داخل مقلتيه وبين الخوف من تكرار الألم. ولكنه الكبرياء الذي يتحكم بها الآن كأنثي أبيه لا تقبل بالإهانه .أدارت وجهها نحو النافذة مجددًا، تُبعد عينيها عنه كي لا يرى الدموع التي بدأت تتجمع بها .


فتفآجأت به يجذبها نحوه بكل قوته ويديرها إليه .


كانت اللحظة تحمل ثقل الشوق والحنين الذي ظل مكبوتًا في الصدور لوقت طويل. لم ينتظر يمان المزيد من الكلمات، ولم يعطِ لعقلها فرصة للرفض أو التراجع. بخطوات ثابتة وبعينين تفضحان نار الحب المشتعلة داخله، اقترب منها، يختصر المسافة التي بينهما بعزم من لا يقبل الفراق مجددًا.


وقبل أن تتفوه ميلا بحرف، أحاطها بذراعيه بقوة، وكأن العالم بأسره يتلاشى من حولهما. ارتسمت دهشة خفيفة على وجهها، لكن سرعان ما استسلمت لأنفاسه القريبة ودفء احتضانه الذي اختزل كل الكلمات.


رفع يمان وجهها إليه برفق، لتلتقي عيناهما أخيرًا في نظرة مليئة بالاعتراف والضعف، ثم أطبق شفتيه على شفتيها بقبلة طويلة وصادقة، قبلة لم تكن مجرد تلامس، بل وعدًا غير منطوق بأن الشوق لن يفرق بينهما مرة أخرى.


كان العناق بينهما شديدًا، وكأنهما يعيشان في تلك اللحظة كل ما مضى من أيام الفراق والشوق. لم يكن هناك صوت سوى نبضاتهما المتسارعة التي تردد صداها في المكان .


أما يمان، فكان يحتضنها كما لو أنه يستعيد روحه بعد ضياع طويل، وكأن كل ما عاشه من ألم قد تبدّد في لحظة اقترابه منها.


وحين أرادت هي الابتعاد  أخيرًا ببطء، بقيت يداه تحيطان بوجهها، وعيناه تبحثان في ملامحها عن يقين ما. ارتجفت أنفاسها، لكنها لم تستطع أن تخفي دمعة خائنة انسابت على وجنتيها من قهر ما تتعرض له . 


دفعته بعيدا عنها وإستدارت  تخفي حرجها لإستسلامها المخزي له ، لم يضغط عليها لعلمه ما تمر به الآن ؟  لم يكن الموقف  بحاجة للكلمات الآن. ولكنه كان يعلم أنها ستفهم، مع الوقت، وستعطيه العذر عندما تعلم بالحقيقه ، أن كل ما فعله كان نتيجة حرب إنتقاميه لم ينتصر فيها أحد، وأنه اليوم، اختار أن يُلقي سلاحه ليُصارح قلبه بحبه لها.


يمان : ده تليفوني هسيبهولك لو إحتاجتي حاجه كلميني من  الرقم المتسجل عندك بإسمي .


نظرت له بحيره من تصرفه بينما وقف هو  أمامها للحظات، عيناه تقرأ ملامحها بدقة كأنه يحاول أن يحفظها في ذاكرته للأبد. بدا وكأنه يريد أن يقول شيئًا، لكن الكلمات خذلته. لم يكن هناك مجال لشرح مشاعره أو تسويغ تصرفاته، فقد اختار أن يترك كل شيء لزمن قادم ربما يكون أكثر رحمة من الان 


بخطوات ثقيلة ولكنها  واثقة، استدار عنها ومضى نحو الباب. ترك خلفه فراغًا كبيرًا، لكنها شعرت بشيء مختلف في قلبها، شعور لم تعتد عليه مؤخرًا.


كانت ميلا تقف مكانها، لا تعرف إن كانت تريد أن توقفه أو أن تتركه يمضي. لم تستطع فكّ عقدة الحيرة التي غمرت عقلها، لكن قلبها الذي أثقلته الهموم شعر أخيرًا بنوع من الراحة.


بينما كانت أفكارها تتصارع، كانت تتابع خطواته وهو يبتعد، ظهره يختفي تدريجيًا خلف الباب، لكنه ترك خلفه شعورًا عميقًا لا تستطيع تفسيره.


في تلك اللحظة، أدركت ميلا أن يمان قد زعزع جدار الغضب الذي كانت تحتمي خلفه. لم تستطع أن تمنع قلبها من الارتياح، ولو قليلًا، رغم أنها تعلم أن القادم قد يحمل لها الكثير من التعقيد.


الصفحة التالية