رواية جديدة راهبات الحب لهالة محمد الجمسي الفصل 53 - الثلاثاء 24/12/2024
رواية رومانسية جديدة راهبات الحب
من روايات وقصص الكاتبة
هالة محمد الجمسي
رواية جديدة
راهبات الحب
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الثالث والخمسون
تم النشر الثلاثاء
24/12/2024
انوار السيارة الخاصة بآسر كانت قد رحلت بالفعل، الحديقة مظلمة والنبات والأشجار مثل أشباح هلامية سوداء تشاهد ماذا يحدث في مكر ودهاء ولا تريد التدخل فقط تريد أن يشتعل الموقف فيلقى بعواقبه وتزداد حلكة الليل، هتفت ود في عدم تصديق وهي تحاول تخليص يدها من قبضة سليم:
ـ أنت اتجننت؟! أنت اكيد اتجننت٠
صرخ سليم وهو يزيد من قبضة يده على ذراع ود:
ـ أنا شايف عربية آسر وهو خارج وبيتمنى ليك نوم هادئ، اي هتكدبي عيني كمان؟ مش محترمة البيت ولا الناس اللي عايشة هنا٠
نزعت ود يد سليم عنها بيدها الأخرى وقالت في صوت غاضب:
ـ لحد هنا وكفاية اوي اوي اوي، اللي انت بتعمله دا فوق اني أتحمل، أنت فعلاً إنسان لا تطاق، وإذ كان تجربتك اللي انت عشتها مقدرتش تخرج منها، دا ذنبك أنت، مش ذنب اي حد انت تعرفه، ومش هسمح لك يا سليم تنفث فيا اللي انت مقدرتش تعمله معاها، مش هكون كبش فدا ليك، انت بقيت إنسان همجي شخص همجي، شخص فيه من البلطجة أنه يطلع شحنه الغضب جواه على ناس عمرهم ما أذوه، وخيالك بقا بيتبني قصص وحوارات عايز الكل يكون فيها، علشان تبرر تصرفاتك، اللي فيها من الجنان والاشمئزاز اللي فاق حد، آسر وصلني لحد هنا، دا صحيح وعينيك شافت آسر، آسر كان دكتوري في الجامعة، دكتور آسر وهو حاليا صاحب الشركة اللي أنا شغالة فيها، وصلني لحد هنا فعلاً ومافيش حاجة تخليني انكسف منها، جابني من الشركة للبيت لأن شاف أن المواصلات في الوقت دا ممكن تكون خطر عليا، آسر اللي معرفته بيا سنة بس حاسس أنه مسئول عني، آسر نفسه تاريخه نضيف، حياته مشرفة مافيهاش إساءة لأي شخص جانبه أو بعيد عنه ، وأنا كمان مافيش أي حاجة أتحرج منها لاني عمري ما غلطت، بس تعرف الغلط الحقيقي اي؟ الغلط الحقيقي اني أقف هنا أبرر لك أو أوضح لك اي حاجة أنت عايز تشوفها كدا، عايز تشوف كل الناس غلط، لأنك انضميت فعلاً للناس الغلط، كل حياتك بقت كدا، يبقى خسارة فيك الكلام وخسارة فيك اي حزن عليك، أنت مش سليم اللي اتربيت معاه، أنت حد تاني يا ريتني ما عرفته ابداً، أنت مسخ متوحش معرفش سيطر عليه ازاي؟
أسرعت ود الخطى إلى الداخل وهي وكيانها يرتجف، فور أن دخلت إلى غرفتها، أزاحت ملابسها في هدوء عن ذراعها، الحرارة المنبعثة من يدها والبقعة ذات اللون الأحمر، جراء قبضة سليم، جعلها تبكي في صمت وهي تشهق وتضع يد على فمها،
المنزل الذي كان به من الأمان والدفء ما يجعل قلبها الغض ينبض بالسعادة، الأسرة التي عاشت في كنفها سنوات وسنوات بعد رحيل الأم،
تهدم كل شيء، ضاعت كل الاوقات واللحظات الجميلة، تهدم كل شيء فوق رأس ود، رحل الماضي بكل ما به من جمال، وظل هنا حاضر مؤلم، لم يعد هناك سوى شخص واحد فقط،
شخص أقسم أن يجعل التعاسة من نصيب ود، في البداية كان الاتهام مرسل باللسان و النظرات
ثم أصبح الأمر أكثر حدة
سليم يمارس عنف بدني
لا مبرر له على ود، الأمر أكثر خطورة من ذي قبل
ترى ما هي الخطوة القادمة؟ هل هناك طاقة لتحمل المزيد؟ استمعت إلى صوت سيارة سليم وهي تغادر المنزل، و نهضت من مكانها في سرعة، كان وجود عنان يخفف من هذا الضغط ويقلل حدة الانفعال ولكن غيابه جعل كل الأمور تتدهور وتنحدر إلى الأسوأ، ولماذا عليها أن تظل هنا؟ أنه نوع من فقد الكرامة أن تظل في المنزل هنا، لقد شعرت في تلك اللحظة أنها لا تنتمى إلى هذا المكان، لم يعد هنا منطق أن تجلس مع سليم في نفس المنزل تحت سقف واحد، بعد سيل الاتهامات التي وجهها لها علانية، حزمت حقيبتها وغادرت المنزل، توقفت سيارة الأجرة أمام منزل عمرو السيوفي، دقت ود الجرس بعد تردد، فتحت رينو الباب ثم ابتسمت وهي تفرد ذراعيها تحتضن ود التي قالت في حياء وخجل:
ـ أنا آسفة يا رينو بجد٠
رينو جذبت يد ود إلى الداخل وهي تقول:
ـ يا ود من اول ما سمعت صوتك في الفون وأنت بتعتذري، وأنا بقولك مافيش داعي للإعتذار، عمرو مسافر عنده تصوير في تونس، وأنا هنا لوحدي لمدة أسبوع، وجودك معايا أنا محتاجة، علشان كدا مافيش داعي للحرج أو الاعتذار، بالعكس دا انا بشكرك لأن ديما عندها امتحانات ومش قادرة تيجي تقعد معايا والحركة الكتير ممنوعة عندي وكمان فكرة اني اسافر مع عمرو، فكرة مستحيلة في الوقت دا من الحمل، انت جيتي ليا هدية ونجدة من السما٠
جرت ود حقيبة الملابس التي تحملها إلى الداخل في حين تابعت رينو:
ـ تعرفي كان نفسي نهال تيجي الاسبوع دا معاي كمان ، ونعيش أجواء بيت الطلبة٠
إبتسامة ود كانت شاحبة، تذكرت تلك الأيام التي كان سليم يقلها من أمام بيت الطلبة إلى المنزل، وهذا الشيء لمسته رينو جيداً لمست حزن صديقتها، ولكنها لم تستطع أن تقوم بالضغط عليها لمعرفة سبب الحزن هذا، وسبب قرارها بترك المنزل، لقد اكتفت بكلمات ود التي تخفي وراءها الكثير وهي تريد فقط أن تبث إلى ود أنها ترحب بها، وان كل شيء بخير همست ود في خفوت:
ـ أيام مميزة فعلاً٠
ثم استدركت قائلة وهي تشرح لها أسباب قدومها في هذا الوقت:
ـ بابا عنان مسافر، والمنطقة أنا حاسة بحركة غريبة فيها، حركة مش مطمئنه، مش هقدر اقعد في البيت وانا جوايا مش حاسة بأمان٠
هتفت رينو في لهجة توبيخ:
ـ احنا أخوات يا ود، ودا بيتك٠
اعقبت ود في لهجة توضيح :
ـ أكيد اخوات وعلشان كدة قلت انت انسب شخص اكون معاه، وبصراحة كدة السبب التاني اللي خلاني اجي هنا٠
صمتت ود دقيقة ونظرة رينو موجهه لها في إهتمام فتابعت ود:
ـ أن بيتك قريب من الشغل بتاعي٠
ابتسمت رينو وتابعت:
ـ مين أد ود؟! شغالة مع دكتور آسر ودكتور كارولين ودكتور عاطف كمان، انت شغالة مع أعمدة الجامعة كلها، يا ترى الشغل فيه شغف ولا رهبة في التعامل وخصوصاً دكتور آسر؟؟
هزت ود رأسها علامة النفي وتابعت:
ـ بالعكس أنا مافيش عندي رهبة في التعامل مع دكتور آسر، دكتور آسر عملي من الدرجة الأولى، ودقيق جداً ودي حاجة لازم تكون مطلوبة في العمل علشان يكون ناجح، يعني ادي المكان حقه علشان أقدر اشوفك و أقدرك، واي شغل فيه رهبة مش ممكن ينتج ابداع، دا بيكون عذاب لصاحبه٠
رينو نظرت لها في هدوء واعجاب وقالت:
ـ طيب كفاية كلام كدا، يا لا نقوم نتعشى، عشا خفيف لطيف وبعدين ننام، أنا مبقتش اعرف اسهر من اول يوم حمل، وكمان مش بصحى بدري، عندي كسل كدا غريب، عايزاك تتصرفي كانك في بيتك٠
أعقبت ود وهي تنهض إلى جوار رينو:
ـ فعلاً لازم ننام لأن شغلي هيكون من بدري٠
❈-❈-❈
( تهاجر الطيور أوطانها، تفرد جناحيها على صفحة السماء، مسافات ومسافات، رحلة ذهاب شاقة، مؤلمة، ولكن ما يجعل الأمر قابل للتحمل وهي لذة العودة إلى إلى الديار، إلى المنبع، إلى المنشأ، إلى هذا المكان الذي حمل عطر الأم ودفء وجود الأب، وشعور القوة مع الأخوة، الذكريات، الكنز الذي نكتنزة داخلنا، الذي يدفء قلوبنا بعد صقيع الفقد، حتى نكمل في الحياة ولكن ماذا عن االذي لفظته الديار؟ ماذا عن طريد الأمان؟ هل من الممكن أن يختار ديار أخرى؟ هل تستبدل الأوطان؟؟ هل من الممكن أن تعطيه الديار الجديدة هذا الأمان؟ كيف يمكن أن نتخلى عن سنوات وعمر وأغلق تلك الديار؟ كيف ننزعها من داخلنا ونمضي؟ كيف؟ كيف سوف تكون الخطوات؟ كيف سوف يكون النهار والليل؟ كيف ؟ لا مفر فليس لدينا أختيار)
ود لم تستطع أن تنام على الاطلاق، رغم هدوء المكان، كانت تشعر بتعاسة حقيقة، أنها الآن تشعر باليتم التام التي لم تشعر به في طفولتها، أدركت في تلك اللحظة أنها لا يحب أن أضع عنان وسليم في مواجهه ، ولا تضع الأمر يصل إلى حد التعنيف من عنان ل سليم، ربما آلت الأمور إلى الأسوأ، عنان للتو عاد إليه حفيده الوحيد، عادت له روحه، كاد أن يرحل عن هذا العالم بسبب هجر سليم المنزل وهو آخر ما تبقي له من عائلته، وهي هي الدخيلة على العائلة، هي التي يجب أن ترحل عن المكان حتى يعود له الهدوء، علاقة سليم وعنان طيبه الآن، أن الدم ما يربط بينهم، وهي أين دماءها؟ عائلتها؟ فكرت في أخت والدتها التي تستقر في كندا منذ سنوات وسنوات، وفكرت كذلك في العم رجل الأعمال الثري الذي تشغله تجارته عن أولاده أيضا، كيف في استطاعتها أن تخبره أنها تحتاج له، أنها في حاجة إلى وقت حتى تقرر أما أن تهاجر إلى كندا هناك مع الخالة وتستقر بها إلى الأبد، أو تستقل بحياتها بعيد عن عنان، ولكن الأمر لن يأتي بتلك السهولة على مسمع عنان، يجب أن يقتنع أن ود تريد هذا الأمر دون أي ضغط من سليم، لهذا قررت أن لا تخبر عنان بما حدث، هي لا تريد أن تفسد عليه متعته في المناسك الدينية بأمورها يكفيه سنوات وسنوات من تحمله مسئولياتها هي، في الصباح تركت رسالة إلى عنان تخبره أنها تشتاق له وتسأل عن أحواله وأرسلت له عدد من الصور الخاصة بالحديقة الخلفية التي قامت على زراعتها، لقد قررت أن تكون هي من تبدأ بضخ الرسائل في الصباح حتى لا يسألها عن سليم وأحواله، وكان رد عنان سريعاً أنه يشعر بالفرحة ويشعر أن صحته قد تحسنت إلى حد كبير وأنه يشتاق لها ول سليم ويتمنى أن لو كانوا إلى جواره يتمتعون بالمناسك، ثم اختتم حديثه معها بأنه ذاهب الى المسجد النبوي مع رفاقه وهو لم ينساهم من الدعاء،
وحين غادرت أخيراً إلى وكالة الاعلانات، كانت الساعة تقترب من الثامنة، أخبرت صديق هاتفياً أنها سوف تذهب الى العمل بذاتها ولا حاجة لها إلى السيارة، استقلت المترو وانتهى بها المطاف في الوكالة الإعلانية، دخلت الى مكتبها مباشرة بعد القاء تحية الصباح على زملاءها، بعد مرور ساعة كان رنين هاتفها يصدح في الغرفة ولم تكن في مزاج جيد حتى تشاهد من المتصل، فأكملت العمل ولم تجد في ذاتها شغف أن تعرف من هو المتصل؟
(منزل عنان)
توقف سليم أمام درجات السلم، ونظر إلى غرفة ود، النور لا يزال مضاء منذ الأمس والباب مفتوح على مصراعيه
كاد أن يغادر المنزل، ويتجاهل هذا الإحساس بالريبة والشك أن هناك أمر غير طبيعي، صعد درجات السلم وهو يقول في صوت مرتفع بعض بعض التردد:
ـ ود٠
وقف في منتصف الدرج وشاهد الغرفة الخالية تماماً، صعد في سرعة ونظر إلى داخلها، خزانة الملابس الفارغة أخبرته أن ود لم تعد هنا، أنها ليست هنا منذ الأمس
طرد الفكرة من رأسه، لا ريب أن ود هنا، قد تكون في الحديقة الخلفية أو المطبخ، ولكن عينيه كذبت له ظنونه، ضرب بقدمه الأرض في حدة
كيف لم ينتبه إلى هذا الأمر منذ الأمس؟ حين عاد في منتصف الليل ووجد الغرفة مفتوحة والضوء مضاء، لقد ظن أن ود في الغرفة وقد جافاها النوم، لم يكترث كثير دلف إلى غرفة المكتب وأستسلم إلى النوم، ولكن هذا الصباح اختلف عن الأمس، رغم أن الحدث منذ ساعات ولكن طبيعة اكتشافه أشد وطأة على النفس، بعد أن تنهرك ذاتك على الأمر ويعنفك ضميرك على سؤء ما فعلت، وتنظر إلى جرمك في حزن، كيف استطعت أن تكون بتلك القسوة مع من رأف بحالك منذ التقت بك؟! شعور الذنب الآن يحتل كيانه، يحيل صباحه إلى جحيم، شعر بالخزي أيضاً وهو يتذكر معاملة مسك له؟ حنانها، لطفها، اهتمامها به، شعور الأمومة الذي تذوقه كله معها، كيف كان رد الجميل؟ وشعور مضاعف بالعار من أن هذا رد الجميل لها؟ ابنتها الوحيدة، لم يظللها جدران منزل أوقدت داخله الفرح سنوات وسنوات، اين ذهبت في ظلام الليل هروب من بطش سليم؟ و كيف لم تنتبه إلى هذا الأمر ؟ كيف؟ بعض الأشخاص
فراغهم ثغرات و بؤر خاوية في النفس، يصعب منها التنفس، بل يصعب منها مواصلة الحياة، اتخذ سليم قراره واستقل سيارته متجهاً إلى الوكالة الإعلانية،
كانت سيارته تنهب الطريق نهب، ولكن ماذا اذا لم تكن هي هناك؟ التقط هاتفه في سرعة
وضغط على الرقم الخاص ب ود مرات ومرات دون أن تجيب،
ولكن هذا لم يثنيه عن عزمه أن يواصل الطريق الى هناك، حين وصل إلى هناك ألقى نظرة سريعة على المكان، وشاهد ود وهي منكبة على عدد من الأوراق أمامها، وجهها كان حزين، به انطفاء واضح استطاع أن يلمسه جيداً،
ثم نظر إلى كارولين التي اقبلت نحوه بلهجة ترحيب :
ـ أهلا وسهلاً، اي المفاجآت الحلوة دي؟ اتفضل٠
ابتسم سليم ثم قال وهو يبرر حضوره:
ـ كنت في مكان قريب من هنا، وخلصت بدري، قلت أعدى اشوف المكان٠
هتفت كارولين وهي تشير إلى ود:
ـ اتفضل اكيد، انت في مكانك، مش محتاج مني أوجهك، ود هناك في مكتبها، أنا هخلي الساعي يعمل لك قهوة مظبوطة، اتفضل يا سليم٠
هز سليم رأسه علامة الموافقة، وهو ينظر إلى ود التي لا تهتم كثيراً بما يدور في خارج مكتبها الزجاجي ، فهي بين أوراقها تعيش، دخل سليم المكتب ثم وقف خلفها تماماً، قال في صوت منخفض :
ـ ود٠
وضعت ود الورقة أمامها، دون أن تنظر إلى الخلف، دون أن تنظر إلى سليم قالت في لهجة استهزاء:
ـ في حاجة نسيت تقولها امبارح جاي تقولها النهاردة؟
وقف سليم أمامها ثم قال:
ـ نمتي فين امبارح؟
نظرت له ود في حدة وحافظت على صوتها منخفض وقالت:
ـ في نفس المكان اللي هبات فيه الأيام اللي جاية٠
جلس سليم أمامها ثم قال وهو ينظر إلى وجهها الغاضب :
ـ ود، مش معقول علشان خلاف بينا، تسيبي البيت وتمشي، مش معقول يكون دا رد فعلك٠
اعترضت ود في لهجة تحمل استنكار ودهشة:
ـ خلاف؟ انت بتسمى اهاناتك لي اللي بقالها كام شهر دي خلاف؟ واتهامي بالاتهامات دي خلاف؟ والعنف دا كله خلاف؟ دا مش خلاف يا سليم، دي حرب٠
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية