-->

رواية جديدة سرداب الغرام لندا حسن - الفصل 9 - 1 - الأحد 22/12/2024

  

قراءة رواية سرداب الغرام كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية سرداب الغرام

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ندا حسن


الفصل التاسع

1

تم النشر يوم الأحد

22/12/2024



شعرت أن تلك النظرات كانت الأكثر خوفًا منه على الإطلاق على الرغم من أنها لم تظهر إلى الآن ما المحتوى بداخلها حزن أم سعادة أو غيرهما، قلقت أكثر وشعرت بالتوتر لما فعلته ولكن السهم قد نفد، نظراته نحوها جعلتها تبتلع ما وقف بحلقها لتنظر إليه متسائلة بابتسامة مهزوزة:


-مالك! دي أثر الفرحة 


أبعد يده من على خصرها ونظر إليها بعينان حادة وكأنه استفاق من دلو الماء البارد الذي ألقته على رأسه:


-فرحة؟ 


حركت كتفيها برقة ومازالت تحاول الاحتفاظ بتلك اللحظات السعيدة:


-اومال ايه 


دفعها عن قدميه لقف ناصبة عودها يتبعها ليقف أمامها مباشرة شامخًا في وقفته ونظرته إليها وخرج صوته كالسيف الذي نحر عنق تفكيرها:


-ده حصل إزاي وامتى 


تابعته بتوجس حاولت عدم إظهاره ومع ذلك كانت مستغربة من كلماته فكررت:


-يعني ايه حصل إزاي وامتى


أبتعد منفعلًا صائحًا بصوتٍ عالٍ ولا يجول بخلده سوى ذلك الكابوس الذي لم يراه مرة واحدة فقط:


-يعني زي ما سمعتي حصل إزاي ده ومن امتى بالظبط 


رمقته وهناك علامة استفهام حلت على وجهها ليتحول من وجهة فاتن إلى آخر عجوز:


-حصل إزاي أكيد أنت عارف هو أنا متجوزة حد غيرك 

كانت نيران قلبه مشتعلة خوفًا من القادم بعد كثرة الأخطاء، جنود عقله تلعب على أوتار خيوطها بأفكار خبيثة قاتلة جعلته يود الفتك بها بعدما تكرر مشهد موتها هي وطفله أمام عيناه لأكثر من ثلاث أو أربع مرات خلال الشهرين بطرق مختلفة داخل كوابيسه.. لم يكن الأمر عاديًا إذًا؟:


-بلاش لف ودوران.. أنتي مش عامله حسابك مش بتاخدي زفت 


أردفت مجيبة بهدوء وهي ترى انفعاله الزائد:


-آه باخد بس ده حصل غصب عننا بقى أعمل ايه


نظر إليها بعمق واستشعر الغرابة بها ولكن ما يشعر به الآن لم تكن سوى نيران مشتعلة فاقترب منها بعنف صائحًا:


-تعملي ايه يعني ايه أنتي بتتكلمي بالبرود ده إزاي 


سألته مجددًا باستغراب:


-أنت عايزني اعمل ايه 


أخذ نفسٍ عميقٍ وزفره بحدة وعصبية شديدة يناظرها صائحًا:


-أنتي بتستهبلي يا مهرة مش كده؟ ردي عليا بتستهبلي ولا لأ، أنتي عارفه كويس أوي أن ماينفعش خلفة وده أول حاجه اتفقت معاكي عليها ماينفعش تخلفي الاتفاق ده 


أقتربت منه خطوة للأمام قائلة بملامح بريئة مُصطنعة:


-أنا مخلفتش حاجه يا يوسف ده حصل غصب عني أعمل ايه 


أجابها بغلظة:


-ده اهمال منك 


حركت كتفيها ببرود قائلة:


-أنا مأهملتش بس ربنا عايز كده 


وجد أنها لا تفكر في أي شيء، فقط تتحدث وبكل هدوء وبساطة فألقى عليها قنبلته التي فجرت داخلها:


-الحمل ده لازم ينزل.. لازم 


اتسعت عينيها من هول الصدمة فلم تتوقع أبدًا أن يقول هذا الحديث أو يفكر في الإجهاض:


-أنت اتجننت.. بتقول ايه


نظر إليها بحدة، بغرابة لم تراها به يومًا واستمعت إلى صوته الذي كان يخرج بكل ثقة:


-بقول اللي لازم يحصل وهيحصل يا مهرة


ضيقت عينيها عليه وملامح وجهها مُجعدة أكثر من السابق من بعد صدمتها به ليأتي صوتها مُرتعش: 


-أنت هتقتل ابنك 


أردف بعصبية مهتاجًا ثم أكمل بنظرة ذات مغزى:


-أنا بحميه.. وأكيد لسه صغير مكملش حاجه 


أجابته بقوة وحدة تماثله بعدما أدركت مدى الخبث في نظرته وكلماته:


-أنا حامل في شهرين.. يعني هدخل في التالت 


أقترب منها في لحظة خاطفة بعدما كان يبتعد كل لحظة والأخرى ليقف أمامها يبصرها بذهول:


-أنتي بتقولي ايه 


ابتلعت غصة أشعرتها بمرارة العلقم كانت محتجزة بحلقها وهي تنظر إلى تغيره المفاجئ الذي لعب على أوتار أعصابها:


-بقول اللي سمعته 


حجزها بكفي يده أمامه متمسكًا بذراعيها بقسوة وأتاها صوته الغليظ:


-أنتي كنتي مخططة لده؟ عارفه وســاكتة علشان متنزليهوش 


تهكم ساخرًا ضاغطًا بيده أكثر على ذراعيها بقسوة مدفونة داخله لا يستطيع أن يخرج الأكثر منها فقط خوفًا عليها:


-قوليلي بقى إنك مكنتيش تعرفي شهرين وداخله في التالت 


حاولت الإبتعاد عنه بعدما ألمها بتمسكه بها وضغطه على ذراعيها بعنف صائحة:


-اوعا يا يوسف 


استنكر نظرتها المتضايقة منه وحديثها الذي لا يفهم إلا أنه برود ولا مبالاة، ارتفع صوته بانفعال شديد وقد وصل إلى ذروة غضبه:


-اوعا يا يوسف؟ ردي عـلـيـا


اضطرت للكذب مؤكدة حديثه الذي تفوه به وهي داخلها حديث آخر غيره يختلف عنه تمامًا ولم تكن تتوقع من الأساس أن يأتي على خلده فكرة الإجهاض ولم تأتي على خلدها أيضًا:


-أيوة كنت عارفه ومردتش أقولك غير لما تعدي الفترة دي علشان متقوليش أنزله أنا عايزة الطفل ده يا يوسف 


تابعها بذهول، يرمقها بغرابة وحدة في آن واحد لا يستطيع حتى التعبير عما بداخله من تلك الغبية التي تريد أن تذهب بحياتهم إلى جهنم.. دفعها للخلف بقوة صارخًا:


-أنتي اتجننتي صح؟ أنا متفق معاكي من أول يوم.. أول يوم ايه من قبل ما اتجوزك قولتلك مافيش خلفة إلا في حالة أن الكل عرف أننا متجوزين أو رضوان بيه مات والاتنين محصلوش


أجابته بقوة وصوت حاد بعدما دفعها لتتماسك أمامه ولكن حديثها قد خانها وأدلت أمامه بما كانت تخطط له من البداية:


-وأنا بقالي سنتين وأكتر معاك ومتكلمتش ولا اعترضت بس.. أنا دلوقتي محتاجه ده وهو ممكن يكون سبب أن أبوك يحن عليك وعليا ويخلينا مع بعض


ضحك ساخرًا ضاغطًا على أسنانه والذهول أصبح الشعور الأكثر سيطرة عليه وهو ينظر إليها وكأنها اليوم تتعرف عليه:


-أنتي بتقولي ايه.. اوعي تكوني بتفكري إنه يعرف بوجود الطفل ده اوعــي


أردفت بجدية وتعقل من وجهة نظرها:


-ليه لأ.. لو ده ممكن يحل مشكلتنا كلها ونخرج من الضلمة دي 


أومأ إليها برأسه وأجابها بتهكم:


-أنتي فعلًا هتخرجي أنتي واللي في بطنك للنور بس النور بتاع السما فـوق


رمقها بنظرة ذات مغزى حادة واثقة، غريبة عن عيناه وعلاقته بها وخرج صوته الذي نحر عنقها كسيف حاد:


-اللي في بطنك لازم ينزل.. وهينزل يا مهرة 


حركت رأسها بالنفي رافضة ثم أكملت بلين:


-مش هنزله يا يوسف.. ده مش أسلوب أتكلم معايا خلينا نفهم بعض 


تفوه بغيظٍ وغلظة:


-قبل ما تعملي الكارثة دي متكلمتيش ليه؟ ها جايه تتكلمي دلوقتي لأ بقى مافيش كلام يا مهرة واللي هقوله هيتنفذ 


نظرت إليه بقوة، للحظة والأخرى وهي تتابعه بعد الاستماع إلى حديثه بالكامل ونظراته نحوها وتحوله الذي فاجآها:


-غصب عني يعني ولا ايه 


كيف كان شعوره؟ قهر؟ ذل؟ العجز والضعف أو غير ذلك؟ هل هي لا تعلم أن كل ما يفعله خوفًا عليها؟ هل هي لا تدرك أن ما يفعله الآن خوفًا على طفله؟:


-غصب رضا المهم أنه هينزل.. هو أنا عارف احميكي لما احمي اتنين.. أنتي مش حاسه بيا ولا عارفه أنا بعاني إزاي عايزاني اجيب عيل لايه بالظبط يستخبى معانا هنا ولا ايه 


أقتربت منه قائلة بهدوء:


-أبوك لو عرف....


لم تستطع إكمال حديثها حيث قاطعها بصراخ قوي مدرك لما يقوله ومتأكد منه مئة بالمئة:


-هيقتله.. لو عرف هيقتله أنتي مش عارفه حـاجـه.. حاول يقتل ابنه مش هيقتل ده؟


ترجته بعدما رأت أن الأمر أشبه بالمستحيل معه، كيف هذه المرة لا تستطيع السيطرة عليه:


-يوسف علشان خاطري.. ادي لنفسك فرصة تفهم 


وقف ناصبًا عودة على الرغم من آلامه التي تكاثرت عليه ولكنه قال بقسوة ذات مغزى:


-مافيش فهم هينزل يعني هينزل وبعدين بقى نبقى نتحاسب 


وقفت أمامه أيضًا بعدما لم يعيطها فرصة للحديث والنقاش وظهر رفضه القاطع لتواجد طفل بينهم بعدما تخطى الشهرين:


-أنا مش هنزله يا يوسف 


رمقها بنظرة حادة متسائلة:


-يعني ايه 


أجابته بنبرة خافتة وهي تقف كالمتعرية أمامه:


-يعني زي ما سمعت 


صمت ولم يتحدث، أبعد وجهه عنها وابتعد يجمع أغراضه الشخصية ثم وقف أمامها بعد تفكير لم يتوصل إلى حل واحد خرج منه بمنتهى العنف والقسوة:


-ماشي.. ابقي دوري على أب يكتبه على اسمه 


أقتربت منه بخطوات بطيئة خائفة:


-أنت جوزي على سنة الله ورسوله 


وقف شامخًا، ليخرج منه حديث لأول مرة بحياتها تستمع إليه ولأول مرة هو يتفوه به لكنه كان يعلم أن للضرورة أحكام:


-وأنا يوسف رضوان.. عندي جزء شيطاني بيطلع في الوقت اللي زي ده ولو فاهمه إن علشان بحبك مش هقدر أعمل حاجه تبقي غلطانه يا مهرة.. مع إن في الآخر لو قسيت فده بردو حماية ليكي وليه 


جعلته يتحول إلى شخص آخر، رأت ما لم تراه به من قبل خرج صوتها من بين شفتيها مُرتعشًا:


-يعني ايه يا يوسف 


تحدث بأشياء من المستحيل أن يفعلها ولكن لاخافتها فقط كي تعلم أن ما يفعله هو الصواب، الصواب لحمايتها وحماية طفله حتى وإن كان بقتله وهو ليس بقاتل:


-يعني لو منزلتيش اللي في بطنك مش هيبقى في وجود لجوازك الرسمي ده.. هشيله من كل السجلات همحيه من الدنيا كلها وابقي روحي لأهلك ببطنك قدامك ولما يسألوكي ايه ده ابقي دوري على إجابة تنفعك 


لم تكن فتاة ضعيفة، جريئة وبنظرتها قوية ولكنه طعنها بخنجر مسموم جعلها تتلوى من الألم على نيران مشتعلة وجمر يحترق أسفل أقدامها:


-أنت بتقول ايه.. مامتك شاهدة عز وآية وجدتي


أردف ببساطة:


-أمي وعز يعني أهلي آية مراته مش هتخسر جوزها علشانك.. وابقي خلي جدتك بقى تثبتلهم جوازك بكلامها 


أقتربت أكثر لتبقى أمامه مباشرة، ترقرقت الدمعات بعينيها محاولة اخفاءها عنه ولكنها لم تستطع فقد فعل أسوأ الأشياء وأحقرها:


-أنت اتجننت.. يوسف بتقول ايه 


قال بحدة وعصبية شديدة ثم أكمل بتهكم:


-بقول اللي سمعتيه.. لما قررتي تعملي كده من ورايا غلطتي غلطة عمرك.. وحاليًا بترفضي تنزليه وأنتي مش فاهمه أي حاجه على الرغم من أنك عارفه كل شيء حصل مفكرة أن بكلمتين حلوين منك مع دمعتين إبليس هيبقى ملاك 


أمسكته من ملابسه تقترب منه ناظرة إليه برجاء عله يحن ويعود عما يريد فعله وينفي حديثه الذي لم تستطع تصديق أنه يفعله:


-يوسف ده ابنك


وضع يداه الاثنين فوق خاصتها ضاغطًا عليهما بقوة ونظر إليها بلين ورجاء كي تتفهم ما يمر به خاصة بعد كوابيسه المتكررة:


-علشان ده ابني أنا لازم احميه.. مش هستنى يجي الدنيا وأقول يا قاتل يا مقتول أنا مش ضامن هعيش لبكرة ولا لأ وأنا ورايا رضوان بيه.. بعد كده ايه اللي هيحصل؟ تقدري تقولي؟ جاوبي يا مهرة 


أكمل يحاول أن يقنعها بحديثه بطريقة أخرى:


-هتخلفيه ولما اروح أول حاجه اعملها إني أرفض جوازي من نورا هتاخد على خوانه ولنفترض يعني قولي موت أنا هتعملي ايه أنتي وابنك 


نظرة إليه للحظات عينيها ملئية بالدمعات التي تريد الفرار هاربة ولكنها لا تستطيع الخروج من مقلتيها، حديثه خربش قلبها لا بل طعنه وتلك الفكرة التي قالها قتلت روحها على الرغم من كل ما قاله قبل قليل ولكنها تعلم أن ذلك ليس هو:


-على الأقل هتسيبلي حاجه منك 


ضحك ساخرًا بعدما تركها يناظر عيناها الرمادية بارهاق:


-ده تفكيرك الأهبل.. أنتي مش هتشوفيه أصلًا يا إما يموت يا إما ياخده منك 


أردفت تتعلق بآخر آمالها:


-قولتلي أن أبوك نفسه في ولد علشان زيدان مش بيخلف.. ده مش كفيل يحنن قلبه علينا 


أجابها بقوة صارخًا بصوتٍ مرتفع بعدما نفذ صبره والحزن يتغلغل داخله:


-نفسه في ولد من زيدان... مش من يوسف 


أبتعد يذهب ناحية باب الشقة تاركًا إياها وحدها واسترسل في حديثه بغلظة يقسم كي يدلف حديثه عقلها وتقوم بتصديقه:


-أنا هامشي.. معاكي مهلة لحد بكرة فكري كويس علشان قسمًا بالله ما هرجع في كلامي ولو سيف على رقبتي 


هرولت خلفة لتتمسك به تناظرة بعينان مليئة بالدموع الحبيسة والمشاعر المتناثرة بين دمعاتها من قهر لحزن لذهول تام لما يحدث بينهم الآن:


-يوسف رايح فين وسايبني 


دفعها يبعدها عنه مكملًا في طريقه:


-رايح في داهية تاخدني 


ارتفع صوتها بكسرة كانت ظاهرة إليه بوضوح:


-لو هتعمل كده يبقى أنت مش بتحبني.. أنت بتقضي وقت حلو وخلاص 


استمع إلى حديثها فاستدار لها معاتبًا إياها بعيناه وأجابها ببرود بعدما أشعرته أن الملجأ الوحيد له في الدنيا قد أغلق بابه أمام وجهه وجعله يشعر بالخذلان:


-لو أنتي شايفة كده يبقى أنتي صح 


فتح باب الشقة ليخرج منها دافعًا الباب من خلفه بعصبية وعنف تمكنوا منه، ذهب وهو يشعر أن لا مكان له ولا أحد يفهمه، أشعرته وكأنها تعرفه اليوم ليس منذ أعوام!.. كيف لها أن تراه هكذا هل لأجل ما تفوه به؟ يحاول أن يجعلها تشعر بالخوف فقط لكي تتراجع فحيات العالم وهو معهم بكفة وهي وحدها بكفة أخرى؟ لما فعلت ذلك لما أضاعت كل ذلك هباءًا، يقسم أنه لا يريد من الدنيا سواها ولا يريد التكملة مع سواها، يقسم أنه لم يعشق ولن يعشق بحياته امرأة غيرها مهما ألقت أسفل أقدامه النساء ويقسم أيضًا أنه يريد أن يكون له ولدًا منها اليوم قبل غد ولكن كيف وهو عاجز؟ ضعيف أمام جبروت والده وليس ضعيف أمام والده؟ لقد حاول قتله سابقًا، ويعرف أنه فقط لن يكتفي بهذا ويعرف أنه له أشياء عدة بشعة قد فعلها.. 


أنه مدركًا حجم خطورة والده لذا لا يستطيع أن يقف أمامه مجردًا من كل شيء هكذا حتى أقل سبل الدفاع.. لو كانت انتظرت فقط أنه كان يحاول.. يحاول المواجهة بعدما رفضت الهروب ولكنها تحتاج إلى أشياء كثيرة لن تأتي بيوم وليلة.. وقفتها أمامه كانت من الممكن أن تجعله يلين ولكن ماذا عن كوابيسه التي تكررت معه في خلال الشهرين الماضيين بأشكال مختلفة لمقتلها والأهم من هذا أنها كانت في كل مرة تحمل طفل داخلها!؟ إنها بمثابة إشارة له أن لا يفعل ذلك أبدًا وهو لن يلقي هذه الإشارات المتكررة بعرض الحائط لارضاءها أنها أهم عنده من محاولة ارضاءها.. لم يكن يعرف بوجود الحمل إذًا كوابيسه كانت إشارات وليست كوابيس لن يكن أحمق ولا يلتفت إليها.. لن يكن ذلك الشخص حتى ولو تحول إلى أحد أفراد عائلة "رضوان" ذو النبتة الشيطانية..


بينما هي تركها تنظر في أثره، دون حديث، دون صراخ من الذي داخلها يملأ جوارحها، دون أي شيء تنظر إليه بعيون معاتبة، تعلم أنه لن يفعل ما قاله مؤكد أنه يحبها ولن يتركها أبدًا ولكن لما قد يفعل ذلك؟ لما لا يتحدث معها، لما لا يترك الطفل الذي تريده.. 


سيكون هو السبيل الوحيد لنجاتهم من سفينة غارقة، إنها متأكدة من أن والده إذا علم بوجود حفيد للعائلة لن يفعل لهم شيء بل على العكس تمامًا.. 


نعم فعل والده ما قال وحاول قتله ولكن هل يقتل طفل؟ أجابها الصوت الآخر داخل رأسها بأنه قد حاول قتل ولده بنفسه!..


فعادت تحاول التفكير والألم يزداد داخلها فقط من فكرة أنها الآن وحدها، دون "يوسف" الذي تركها في مهب الريح فقط لأنها أرادت فعل أفضل شيء على الإطلاق..


ما تشعر به داخلها ليس مرتب وحديثها ليس مرتب ولكن! القهرة داخلها تتسع ويزداد شعورها بالقهر منه.. منه فقط لقد فعلت كل ما أراده، الزواج بالسر عدم الإنجاب الحب الذي لم تحبه امرأه لأي رجل من قبل.. كل ما عندها قدمته له كل ما كان يسعده لم تبخل عليه به.. لما قد يفعل بها هكذا وينظر إليها بعين الخيانة!؟ لما قد يخون العهد بينهم؟


بعد كل ذلك أدركت أنه لا مكان للحديث عن الإجهاض، أي طفل هذا الذي تجهضه وهي ستبدأ الشهر الثالث، أي طفل تقتله بعدما عانت به وحدها منذ اليوم الأول عندما علمت بوجوده كي لا تشعره بأن هناك خطب ما بها.. لقد ذهبت للطبيب وحدها وعافرت لكي يأتي هذا اليوم وتعترف به بأنها ستكون أم... 


جلست على الأرضية بفستانها الأحمر وزينتها الرقيقة وملامحها.. ملامحها التي باتت حزينة مطعونة بقلبها لتبدأ عينيها الآن في البكاء المرير، ربما يشعرها بالتحسن ولكن كيفً كيف والطعنة بداخلها؟ تلطخ وجهها بكحل عينيها وتلطخ قلبها بنظرته القاسية عليها والتي استمرت طوال حديثه معها لأول مرة.. وكأن المأوى الذي حصلت عليه بعد مرارة أيامها قد اكتفى منها ومن وجودها يحاول طردها لتجد مأوى آخر لها.. 


سرداب الغرام بجماله المعهود من الخارج يجذبنا لندلف بأولى خطواتنا به، ليتحول إلى كهف مظلم ملئ بأطراف سيوف متقطعة على الأرضية وآثار دماء لمارين غيرنا تتناثر حولها، لتنحر أقدامنا وتنزف دمائنا وليبقى القلب هو أول الباكيين بعد تحطم آماله بالولوج إلى حياة وردية داخل السرداب.. 

الصفحة التالية