رواية جديدة سرداب الغرام لندا حسن - الفصل 9 - 2 - الأحد 22/12/2024
قراءة رواية سرداب الغرام كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية سرداب الغرام
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ندا حسن
الفصل التاسع
2
تم النشر يوم الأحد
22/12/2024
في اليوم التالي، تحدث معها عبر الهاتف في انتظار أن يستمع إلى الحديث الذي يُرضيه، يشعره بأنه الأهم والأول والأولى لديها على الرغم من أن كل ما قاله وما أراده لم يكن يصب إلا في صالحها هي وخوفًا عليها هي ولكن باتت طموحاته مضروبة عرض الحائط عندما أجابته بأنها لن تجهض جنينها وكأنها تقف أمامه رافعة شعار التحدي والخصوم قائلة له أفعل ما تريد وإن كنت حتى تريد التخلي وعدم الإعتراف بنا، بي كزوجة وبه كولد..
لم يجد تفسير آخر لما فعلته سوى ذلك بعد أن قال كل شيء يجعلها تشعر بخوفه عليها وعلى جنينها في بطنها هذا الطفل الذي إن رأى الدنيا لن تراه أبدًا، لم يجد سوى أنه لا يهمها، لم يفهم لما وكيف ومتى وما الذي أصابها حتى تفعل ذلك وتختلف موازينهم سويًا ولكن هو كل ما يعلمه جيدًا أنها تخطأ وأنه لن يعود عن قراره بعد أن تحالف عليه وهي شاهدة وضربت به عرض الحائط كأنها تختبره تنتظر هل سيفعل أو لا.. ما الحل الآن معها بعدما أصبحت في الطرف الآخر بينها وبين والده..
لا يدري كيفية التعامل معها بعد الآن وهو قد قال كل ما عنده، مرة ليخيفها ومرة حديث صادق نابع من قلبه، مرة يقول كل التوقعات البشعة ومرة أخرى يقول كل ما هو متأكد منه والذي كان بشع أيضًا ما السبيل للوصل إلى الخلاص إن كانت بيته الأمن وذراعيه الذين يربتون عليه في لحظات الضعف والأسى تقف أمامه رافعة شعار العناد في حياتها دون النظر إلى العواقب التي لن تأتي إلا بمقتلها!..
بعد عدة أيام حاولت جدتها كثير من المرات التواصل معها لكنها لا تُجيب على الهاتف فتحدثت إلى "يوسف" الذي أجابها وهو في عمله مُعتقدًا أنها ستتحدث معه عما حدث بينه هو و "مهرة" وانتهز الفرصة ليُشكيها على الرغم من أنه لم يكن يريد أن يتدخل بينهم أحدًا
-ازيك يا يوسف يا بني عامل ايه
أجاب بنبرة هادئة:
-الحمدلله بخير والله حضرتك عامله ايه
تحدثت على الطرف الآخر تُجيبه ثم تسائلت:
-الحمدلله يا حبيبي.. اومال أنت فين كده
تحدث بإيجاز:
-في الشغل
تغيرت نبرة صوتها وتحولت إلى القلق عندما تحدثت موضحة سبب اتصالها وهو ابنة ولدها التي قلقت عليها وبشدة عندما قطعت الإتصال عنها ليوم واحد:
-أنا بكلم مهرة بقالي كتير مش بترد عليا.. انتوا كويسين
كيف له أن يُجيب وما هي الإجابة المناسبة؟ هل يقول لها أنه لا يعرف عنها شيئًا منذ أن تركها ورحل عندما اشترت عنادها مقابل حياتهم، وما الذي من الممكن أن يكون حدث لها؟ لماذا لا تُجيب.. طال صمته ولكنه أجاب وهو يجمع أشياءه الخاصة
-الحمدلله كويسين تلاقيها مش سامعة ولا حاجه
استغربت قائلة:
-إزاي يابني أنا بكلمها من امبارح
وقف سريعًا عندما أردفت بتلك الكلمات التي أصابت قلبه بالجنون ليجيبها بقلق هو الآخر محاولًا السيطرة عليه:
-طيب أنا هقفل معاكي وماشي على طول أهو هروحلها وأخليها تكلمك
تفوهت قائلة بقلق بالغ:
-ياريت يابني طمني عليها
أومأ إليها برأسه وهو يذهب للخارج مردفًا:
-حاضر
لم تشعر بالراحة بعدما استمعت إلى صوته وحديثه الذي لم يأتي على لسانه خاص بـ "مهرة" أو أي من الأشياء التي تزيد من اطمئنانها بل بالعكس عندما قال إنه ذاهبًا إليها شتت عقلها فهو من الأساس لم يراها؟ جعلها تتسائل:
-المهم انتوا كويسين
قال بإيجاز:
-الحمدلله تمام
ثم من بعدها حاول سريعًا إغلاق المكالمة ومهاتفتها فهو منذ أيام لم يتحدث معها حيث أن المرة الأخيرة كانت عندما تحدث معها عن الحمل ورفضت للمرة التي لا يعلم عددها.. محاولًا من بعدها الحفاظ على أعصابه التي لا يريد أن تنفلت عليها..
لم تجيب عليه هو الآخر فنهش القلق قلبه بتزايد مستمر وعقله يعبث به بكل الأفكار الخبيثة خوفًا من أن تكون قد فعلت بنفسها شيء!.. أسرع بسيارته متوجهًا إليها يسابق الوقت والرياح وكل ما يقابله فقط لكي يطمئن عليها.. وأن يحالفه الحظ ويستطيع أن يأخذها بأحضانه ينعم بوجودها الذي أضحى به غريب لا مكان ولا مأوى له به..
وصل إليها فتح باب الشقة بالمفتاح الخاص به ودلف إلى الداخل بخطوات سريعة بعدما أغلق الباب من خلفه، سار إلى الداخل وهو يبحث عنها في طريقه إلى أن وصل إلى غرفة النوم، وجدها جالسة على الفراش تعطي إليه ظهرها يبدو أنها تتمسك بشيء ما بيدها، دلف ببطء وتروي ليطل عليها من الخلف فلم تكن تمسك بيدها سوى هاتفها تتطلع به على صورته..
عبثت به أفكاره ولعبت على أوتار قلبه بطريقة حزينة جعلته يود البكاء على رؤيتها هكذا إذًا لما العناد!. تنحنح بصوتٍ رجولي فوجدها تنتفض واقفة تبتعد للخلف ناظرة إليه بعينين متسعة خائفة ولكنها لم تقوى على الصراخ ككل مرة سابقة توبخه لأجل أنه يقوم باخافتها..
وقفت تلتقط أنفاسها الضائعة بعدما انتشلها من شرودها بطريقة جعلت الرهبة تتمكنها تبعثر نظراتها على ملامحه، عيناه البنية أو السوداء لا تدري ملامحه الباهتة ونظرته التي لم يكن بها سوى الرجاء التي شاهدته ولكنها لن تتخلى مهما حدث..
بينما هو، غرامه ورغباته، نظراته ودقات قلبه، وقفته التي كانت دومًا شامخة الآن منحنية أمامها بكل ما يملك هو أمامها فقط يريدها أن تعود كما كانت تفعل ما يريد وهو لا يريد سواها.. نظر إليها بعيناه فلم يجد إلا ملامح حزينة شفتان ترتعش وعينيان بريقها انطفأ فأدرك أنها تعاني وكان سريع الفهم منذ أن رأى صورته بيدها..
خرج صوته بعد وقت مر بينهم كان الصمت سيد الموقف بينما النظرات تتشاجر:
-جدتك بتكلمك مبترديش عليها ليه
تنهدت بعمق تبتلع غصة وقفت بحلقها منذ أن رأته أمامها وأتى صوتها مبحوحًا:
-مش عايزة أتكلم مع حد
أومأ إليها مُتفهمًا ما الذي تتحدث به ويعلم أن ما حدث بينهم يؤثر عليها كثيرًا، أردف برفق وعيناه تجردها من كل مشاعرها ينظر بعمق إلى داخلها:
-قلقتيها عليكي مش هيجرا حاجه لو رديتي عليها علشان تطمن
أومأت برأسها بإيجاز:
-هبقى أكلمها
اعتدل في وقته ونظر إلى البعيد ثم إليها متسائلًا:
-أنتي كويسه؟
رفعت كتفيها وأخفضتهما مرة أخرى تتابعه بتهكم مجيبة:
-زي ما أنت شايف
أقترب خطوة وبقيٰ الفراش عائق بينهم كل منهما في طرف ولكنه تابع بعدما تحدثت محاولًا برفق ولين:
-اسمعي كلامي وخلينا ننزله بلاش العناد يا مهرة
هاجمته بشراسة ولم تعطي للأمر أهمية كبرى ولم تحاول فهم ما الذي يفكر به بقوله أنها تعاند:
-أنا مش بعاند يا يوسف أنت اللي مدتش فرصة لأي حاجه بينا ومشيت وعاندت
أشار إليها بيده وتجعدت ملامح وجهه بالصدق وهو يُجيبها:
-أنا عملت وبعمل ده علشانك وعلشان اللي في بطنك
ابتسمت ساخرة منه:
-إنك تقتله وتقتلني
حكى عن عجزه للمرة التي لا يعلم عددها معها، على الرغم من أنها الوحيدة التي شاركها آلامه وأحزانه منذ للوهلة الأولى والتي قص عليها كل شيء منذ أن كان صغيرًا إلى حين أن بقيٰ رجل وتزوجت منه يخلد للنوم جوارها، تُصر على أن تذكره بضعفه أمام أفعال والده القاسية المتجبرة:
-أنا بحميكي وبحميه من الدنيا اللي هيجي فيها وأنا مش قادر أظهره للناس ولا أقول إنك مراتي حتى
حركت رأسها رافضة:
-مش هنزله يا يوسف
أشار إليها بعدما تنفس بعصبية:
-لأخر مرة.. هديكي مهلة تانية تفكري في كلامي
قالت بنبرة جدية للغاية لا تحتمل النقاش منه:
-مش محتاجة أفكر ده آخر كلام عندي أنا مش هنزله مهما حصل
أومأ إليها وبقيٰ ينظر إلى عيناها الرمادية بعمق وقوة يعز عليه أن يقفا أمام بعضهم البعض بهذه الطريقة:
-أنتي اللي اختارتي
أتاه صوتها الذي هدأ وكأنها تسترق قلبه:
-أنا اختارت يوسف رضوان مش النبتة الشيطاني
أجابها بقوة وحدة فلم يعد يفهمها:
-لو خرج يبقى أنتي السبب في ده
ترقرقت الدمعات بعينيها حاولت التحالف معها ضده فلا تخرج ولا يراها ولكنها كان خائنة عندما تفوهت بكلمات رق قلبها لها وأشعرتها بالحزن على نفسها:
-لحد دلوقتي مش متخيلة أنه ممكن يكون موجود ولو ده حقيقي أكيد مش عليا.. لأني مهرة
تنهد ونظر إلى ملامحها، شفتيها المرتعشة ونظرتها التي ترمقه بها، تلك الكلمات دلفت على قلبه بعود ثقاب مشتعل على الرغم من صغر حجمه وسرعة انطفاءه إلا أنه أشعل قلبه بالكامل فلم يستطع التحمل حين قال:
-كل ده علشان مهرة.. اللي مش مقدرة أي حاجه بعملها بسبب غبائها
أومأت إليه قائلة:
-لو أنت شايف كده براحتك
مرة أخرى أقترب بخطوة واحدة محاولًا إزاحة العازل بينهم ليقترب منها ويتحدث بلين عكس المرة السابقة ويضمها إلى صدره:
-ادي لنفسك فرصة يا مهرة وخلينا...
لكنها لم تعطي له الفرصة حيث قاطعته قائلة برفض واضح وصريح:
-مش هنزله متحاولش وده آخر كلام عندي يا يوسف
وقف في منتصف الطريق ليتقدم إليها، رمقها بقوة وبعنف، بخذلان وفقد، فقد أغلى ما يملك فلم يفعل سوى أنه عاد يقطع طريقه إليها تاركًا إياها قائلًا بغلظة:
-ماشي.. زي ما تحبي
تركها لتتوجه إلى الفراش تجلس عليه ناظره في أثره تود الصراخ عليه أن يعود وتتحدث معه باللين كما كان يفعل منذ قليل، أن تصل معه إلى حل ولكنها لن تتنازل عن طفلها وخلاصها من سرداب الغرام التي ألقت نفسها به وأغلقت الباب عليها تلتف حول عنقها سلاسل حديدية لن تخرج من بينها إلا وهي قاطعة للنفس تلقي حتفها بينما الهمسات واللمسات تخفف عنها الألم..
لن تعود عما أرادت وهو لن يعود عما يريد، يرى الحل في الإجهاض وأن يكمل الدرب معها هكذا ثم يقف أمام والده ويجعله رغمًا عنه يتزوج فتخسر كل شيء، يتحدث عن الحماية لا يعلم أنها تريد المخاطرة لأنها أسلم الحلول حتى ولو عرضت حياتها للخطر.. الآن ليس مثل الأوقات السابقة ولن تكون لن تكمل حياتها خوفًا وهلعًا من معرفة والده بزواجهم.. لن تبقى هكذا إلى الأبد..
ذهب هو صافعًا الباب من خلفه فلم يجد أي شيء تغير بل ازداد عنادها وكأنه أكبر الأعداء لديها وأكثرهم سمًا، ماذا إن لم يكن زوجها وحبيبها ماذا إن لم يكن لا يريد أي شيء من الدنيا سوى راحتها وأن تكون معه معافاة..
لما تفعل ذلك هو حقًا لا يدري، هل لأنها ترى أن "رضوان" سيكون رحيمًا بهم إن علم أن هناك حفيد له منه؟ يا لها من غبية لم تدرك أي كلمة قالها عنه في تلك السنوات التي مضت بينهم، وتقريبًا لن تدرك أيضًا أنه كان السبب في الحادث الذي تعرض إليه!..
سيتركها، سيتركها ويعتصر قلبه وحتى إن مات من الألم كي تعود لرشدها فلم تترك فرصة للين أو حتى القسوة، بل تخطت كل شيء ووقفت على أعتاب باب النقاش تغلقه قبل أن يُفتح بالقوة الجبرية، تغلق بوجهه طريق النجاة أو الهروب أو أي مما كان ليلوذ بالفرار وهي معه، رفضت الهروب وأقنعته ورفضت التضحية بذلك الطفل الذي أتت به دون علمه وأخلفت عهدها معه وكأنه ليس له وجود من الأساس... سيتركها ويحارب كل ما يدفعه نحوها إلى أن تأتي هي ولكنه سيحافظ على كل ما بينهم إلى المنتهى وما بعده فليس هناك سوى "مهرة" له روحه وبيته وحياته وكل ما ملكه من بعد قسوة العائلة والعالم.. "مهرة له" وستظل إلى الأبد..