رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 43 - 2 - الأربعاء 25/12/2024
قراءة رواية حان الوصال كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حان الوصال
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الثالث والأربعون
2
تم النشر يوم الأربعاء
25/12/2024
قاعدة صواريخ ولا دمار شامل حتى، أنا البنت دي مش مريحاني من الأول، وعندي إحساس قوي إني أعرفها مش فاهمة ليه، هروح أشوفها وأنتِ يا بهجة حصليني مدام كرامتك واجعاك أوي.
قالت الأخيرة بغيظ لم تعطي بهجة له بالًا ، وقد نبت الحماس داخلها لترجوها:
يا ريت الله يخليكي، أجي وراكي ولا أروح معاكي، المهم أطب فوق روسهم. وما أن أنهت كلماتها وهمت نجوان بالتحرك، حتى فاجأها حضور مصطفى:
إيه يا ست أنتي وهي قاعدين هنا ليه والناس كلها بتسأل عنكم؟ قالها ليمسك بأيدي الاثنتين زوجته وخالته الحبيبة، يبتغي سحبهما كما يفعل منذ بداية الحفل، فحاولت نجوان الاعتراض متحججة ببهجة:
استني يا مصطفى، البنت سايباها طول الوقت لوحدها.
وتقعد لوحدها ليه؟ تعالي يا بهجة اتعرفي ع الناس معانا، هو أنتي لزقتي ليه في الكرسي يا بنتي؟ تلقت دعوته الكريمة لترفضها ببعض الذوق، وقد تسلل الإحباط داخلها:
لا روحوا أنتم، أنا أساسًا جاية مع صاحبتي وخطيبها الدكتور هشام. وأشارت نحو الطاولة التي تجمع الإثنان بالقرب منها، حتى إذا تحركوا في الأخير لتركها، ألقت إليها نجوان بوعدها:
خمس دقايق إن شاء الله ورجعالك، إنتظريني.
منتظراكي. تمتمت بها على مضض، وداخلها فوران وغليان، تعد نفسها إنها إذا تأخرت عن خمس دقائق، سوف تذهب إليها ولو تسببت حتى بفضيحة لهذه الأفعى المتلونة وله أيضًا، فهو يستحقها.
❈-❈-❈
بجمودٍ يحسد عليه، كان جالسًا أمامها غير مكترثٍ بأفعالها المقصودة في إظهار فتنتها الطاغية، تغمرها الثقة وهي تمثل كتلة أنوثة متفجرة أمامه، ولا يكلف نفسه بإرضائها ولو بنظرة إعجاب.
تتخذ أدم حجتها في حديثٍ عنه غير مفهوم، بمماطلة حتى لا ينتهي الحديث سريعًا، والحق يقال، هو في الأصل لا يحتملها وكاد بالفعل أن ينهض من بداية جلستها ولكن يمنعه ذلك الشعور بالانتشاء الذي أصبح يتشعب داخله، منذ أن انتبه لنظرات بهجة من خلفه، تظهر احتراقًا يستمتع به، بعد تحديها له منذ دقائق وعدم إكتراثها، ينتظر رد فعل منها إذا زاد الوضع بينه وبين نادين عن ذلك، ولكنه أيضًا قد أصابه الملل.
مدام نادين، ممكن توضحي أكتر؟ ما كدبش عليكِ، أنا لحد دلوقتي ما فهمتش حاجة . ماله آدم بقى؟ هو اشتكالك من أكل جوليا؟
ضيقٌ واضح ارتسم على ملامحها، وهي تجده يغلق عليها بكلماته المحددة، إسهابها في الحديث عن أمر آدم الذي لم تشرح حالته حتى الآن كما يجب بقصد منها، لتواصل بطريقتها المائعة:
يا رياض باشا، هو ما اشتكاش من جوليا، بل بالعكس، الست قايمة بالواجب وزيادة معاه في كل الأكل اللي بيطلبه منها، بس الطفل زي ما انت عارف مش كل حاجة يحبها ننفذهاله، وأنا بعرض عليه يجي عندي ولا أجي أنا بنفسي أشرف على الأكل اللي بتعمله عشان الأكل يكون صحي.
قطب جبينه وتحركت رأسه باستفهام، قائلًا بحدة:
أنا ملاحظكِ كذا مرة تكرري في حكاية الأكل الصحي دي، آدم بياكل أكل بيتي ومصري مع اللي بتعمله جوليا من أكلات إيطالية، مفيش أكل من برا عشان تخافي عليه؟
متزعلش مني يا رياض باشا، بس أنا فعلاً لازم أخاف عليه، دا مريض مناعة يعني أقل حاجة تضيعه....
استني عندكِ وقفي... مين دا اللي مريض مناعة؟
قاطعها بغضب شديد يريد التأكد من المعلومة التي سقطت منها ببساطة وكأنها تتحدث عن الطقس، حتى جعلها ترتبك في الرد:
آآ، إيوه، مرض مناعي عنده، هو مش صعب يعني على فكرة، كل الحكاية إنه بيحتاج كشف دوري وتحاليل كل مدة يشوفها الدكتور المختص، واهتمام زيادة بالأكل الصحي وبعض التعليمات اللي يمشي عليها، هو آدم ما قالكش؟
هتف بها، وبأنفاس خشنة يحاول السيطرة بصعوبة على غضبه:
لأمتزفتش... مرض مناعي يا أستاذة وأنتِ جاية تكلميني عنه دلوقتي؟... ولا إيه لزومه الكلام معاكِ أصلاً؟
ثم نهض من أمامها فجأة، يهم بالمغادرة دون استئذان، فنهضت هي الأخرى تلحق به:
طب أنت ماشي دلوقتي ورايح فين؟
وصله صوتها المستفز بالتساؤل، وهو في قمة غضبه منها الآن حتى كاد أن يفحمها برد يخجلها لتساهلها في أمر هام كهذا ولكنه انتبه على قدوم بهجة بصحبة والدته فتراجع عما في رأسه ليلتف إليها يجيب بنبرة متوازنة بعض الشيء:
هاخده وأطمن عليه طبعًا، دي مش محتاجة إنتظار، إحنا عندنا المستشفى بتاعتنا يا نادين.
طب أنا رايحة معاك.
همّ أن يرفض ولكن منعه التساؤل الذي صدر خلفه من نجوان:
رياض...، ما جِتش ليه تسلم عليا؟
استدار إليها ينتقل بالنظر نحوها ونحو بهجة قلبه وسر عذابه:
معلش بقى، ما أنا شايفكِ من ساعة ما وصلتِ مشغولة مع مصطفى بيه في الترحيب بالضيوف، ومرة تانية مع بهجة هانم، على العموم أنا كمان ماشي دلوقتي.
ماشي رايح فين؟ ومين دي؟ عرفنا بيها الأول.
صدرت من بهجة بتسارع ودون إنتظار، حتى كاد أن يتهكم في حديثه لها، ولكنه التزم الجمود حتى ينتقم منها لإنتظاره لها كل هذا الوقت، مغلبة العناد عليه كالعادة:
دي خالة آدم وهي جاية معايا دلوقتي تطمئن عليه وتشوفه، عن إذنكم بقى معلش.
وتحرك دون أدنى تفسير آخر، يغادر أمام صدمة بهجة التي اتبعت بعينيها تلك المرأة التي ترمقها بانتصار وهي تلحق به، لتتمتم هي بانهيار:
شايفة عمايله، قاصد يشلني أنا فاهماه والله فاهماه.
وعلى عكس ما توقعت من تجاوب منها في هذا الأمر الحيوي والقاسي، تفاجأت بتغير نجوان، وقد اعتلى ملامحها شيء من الحزن تغمغم وكأنها تحدث نفسها:
خالة آدم، يعني دي أخت ناريمان؟ وأنا اللي كنت بكذب إحساسي من ساعة ما شوفتها، يعني هي فعلاً قاصدة ابني دلوقتي.
التقطت قولها لتضيف بعصبية وعدم توازن:
أهو بقى، أديكي فهمتيها لوحدك، هتسكتيلها ها؟ هتسكتيلها بقى هتسكتيلها؟
ردت نجوان بتعب وقد فاض بها:
اسكتي أنتِ الأول يا بهجة وخليني أفكر.
❈-❈-❈
داخل غرفة الطبيب المختص، وبعد أن أجبر شقيقه على الذهاب معه إلى المشفى وفحصه، كانت الساعة تتعدى الواحدة ليلاً في انتظار نتائج التحاليل والأشعة التي تم عملها، والصغير لا يكف عن التذمر بجوار خالته التي لم تتركه حتى الآن.
أووف بقى، عايز أرجع أنام على سريري في أوضتي، أنا هفضل سهران لحد إمتى؟
تطلع عليه رياض بحنق، يمنع نفسه بصعوبة علي ألا ينفجر به، ذلك الصغير الأحمق وخالته المستهترة، تبا لهذا الحظ الذي أوقعه مع هذه العائلة.
أووف تاني بقى، عايز أمشيييي.
إلى هنا وفقد السيطرة ليهدر به بغضب عاصف:
وبعدين بقى؟ يعني مش كفاية إنك خبيت عني موضوع مهم زي ده؟ مش قادر تصبر علي ما تطلع نتيجة التحاليل ويطمنا الدكتور عنك؟
عادي وافرض ما طلعتش كويسة ودا المتوقع، إيه اللي هيحصل؟
قالها ببساطة أثارت دهشة شقيقه وضاعف من غضبه، فتدخلت نادين تزيد الطين بلة:
متستغربش، أصله ياما تعب منه الموضوع ده مع مامته، وفي كل مرة كان بياخد كام يوم في المستشفى وتحت الرعاية وبعدها يخف عادي...
عادي!!
تمتم بها بذهول يكاد أن يطيح بعقله، لا يصدق هذا البرود الذي تتكلم به، وشقيقه متضامنًا معها وكأن الأمر يخص شخصًا آخر غيره:
كلامها حقيقي، أنا فعلاً مرات كتير بدخل المستشفى لما بتعب، كام يوم وبيعدوا، أنا أصلاً راجل وبتحمل.
صاح به رياض بنفاذ صبر:
راجل في المرض؟! إنك تستهتر بيه وتاخدها عافية إنك ما يهمكش... مين مفهمك الكلام ده أصلاً؟ الأحسن إنك تسكت يا آدم ومتعصبنيش، أنا فيا اللي مكفيني.
سمع آدم ليزعن لأمره ويكف عن الكلام، يشيح بوجهه للناحية الأخرى، ولا يعطي بالًا ولا أهمية لهذا الأمر الجلل، حتى دلف الطبيب كي يخبرهم بنتائج التحاليل، طارقًا على الباب بخفة قبل أن يتحدث:
رياض بيه، ممكن كلمتين على انفراد لو سمحت؟
سبقه آدم بهدوءه الغريب:
وتكلمه ليه على انفراد؟ أنا صاحب الحالة، يعني لو في حاجة تبلغهالي أنا مش هو.
سهم الطبيب بارتباك، ولم يعرف بما يجيب، فجاء الرد الحازم من رياض الذي يمسك نفسه بصعوبة على الانفجار:
اتكلم هنا قدامه يا دكتور، متخبيش عنه أي شيء الله يخليك.
سمع منه الطبيب ثم اقترب يتحمحم، مزعناً لامره، يقول:
طيب أنا هتكلم بشكل مبسط عشان توصل لدماغ طفل بعمرك، وبما إنك شجاع هقولك بكل صراحة إن التحاليل مش مبشرة، لابد من الرجوع لعلاجك ومراعاة الاهتمام بأكلك الصحي، وبالنصائح اللي هكتبهم دلوقتي، ماشي يا بطل.
تمام عادي.
قالها ببساطة كادت أن تجلط شقيقه، ولكنه لا ينكر إعجابه بالبأس الذي يتميز به ذلك الصغير رغم عدد سنواته القليلة، والأجمل من كل ذلك أنه أيضًا لا يملك فقط الصفات الشكلية لوالده الراحل، بل والشخصية كذلك، بالمميزات والعيوب، وما أصعب الأخيرة حينما يتعلق الأمر بالصحة، وقد علم بعد ذلك من الطبيب حينما انفرد به بالفعل بعد ذلك بعيدًا عنهم، بحقيقة المرض، الذي يستوجب اهتمامًا مضاعفًا وإلا تطور الأمر إلى أشياء غير محمودة على الإطلاق.
❈-❈-❈
وصلنا يا بهجة، ناوية تنزلي ولا تكملي معانا؟
قالها الطبيب هشام بعد أن توقف بسيارته أمام البناية التي تسكن بها، يقصد بمزاحه أن يفك جمودها، وذلك الشرود الذي يتلبسها منذ البداية، لتضيف صديقتها أيضًا:
أنا بقول تكمل معانا أحسن، بس نروح على بيتنا بقى نرغي براحتنا للصبح، إيه رأيك يا بيبو؟
تبسمت بهجة، تترك الهاتف الذي انشغلت به منذ استقلت السيارة معهما، وتضعه في حقيبة يدها: