-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 45 - 3 - الجمعة 3/1/2025

  

قراءة رواية حان الوصال كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الخامس والأربعون

3

تم النشر يوم الأحد

3/1/2025

دا حتى سؤال بطل يسأل علينا، ولا يشوف محتاجين إيه؟ والعيال على حطة يدك، كل واحد ليه دنيته. اللي مراته شغلاه بعيا ابنها، واللي طالع على رأسه بيلف ورا بنت البهوات. وأما أقوله اتجوزها، يقولي أنا فين وهي فين؟

 طب لما هو كده ماشي معاها ليه طيب؟!


أكيد هو أدرى يا حماتي، ومدام مستريح يبقى إحنا ما يلزمناش نتدخل في خصوصياته.

قالها يلقي إحدى الأدوات التي يعمل بها على الأرض بضيق، لتقع أبصاره على الأصابع المطلية خارج الخُف البيتي، والأقدام البيضاء المكشوفة منه أسفل العباءة الضيقة، والتي لا يمل من تحديد تفاصيلها كلما رآها، وقد أتت الآن بحجة جديدة:


الشاي يا مّا زي ما طلبتي... ليكي انتي والمعلم.

تبطأت في الأخيرة لتثير بزاوية فمه ابتسامة كسولة في متابعتها والرد عليها:


من إيد ما نعدمها يا سامية.


حطيه هنا يا بت.

قالتها درية تشير على المقعد البلاستيكي القريب من مدخل الحمام، حيث كانت جالسة بالقرب منه، تردف بأمر:


روحي كملي طبيخك.


وانتي بقى اللي هتفضلي قعدالي؟



صدرت منه نحو درية بسخط، يجفلها بحدته حينما لم تستوعب الأولى:


ما تقومي يا حماتي شوفي انتي الطبيخ اللي وراكي، ولا هتفضلي اليوم كله موقفة حالك قصادي؟


أنا يا بني؟


أمال أمي يعني؟ قومي، وأنا لما أحتاج حاجة هبقى أندهلك.



أومأت رأسها بصدمة تزعن لأمره:


حاضر يا بني، حاضر.

وذهبت من أمامه، ليتوجه هو بأبصاره نحو خطيبته أو زوجته المستقبلية، يأمرها هي الأخرى:


وانتي تعالي دخلي الغسالة دي جوا الحمام.



تخصرت باعتراض تقارعه بغرض استفزازه:


ليه بقى إن شاء الله؟ المعلم ما يقدرش يحركها، ولا يدخلها لوحده؟



قلد طريقتها بتسلية يميل ويتخصر هو الآخر:


لا، مقدرش أحركها يا سنيورة... حاكم تعبان، دا غير إن أعصابي سايبة، ورجليا شايلاني بالعافية.



وصلها المغزى الذي يقصده، ولكنها ادعت عدم الفهم، تزيد بمصمصة شفتيها:


أما دي حكاية والله! صعبت عليا يا معلم شيكاغو. على العموم أنا هساعدك عشان تعبك معانا في التصليح وتعطيلك عن مصالحك.



قالتها وتحركت أمامه لتساعد بتحريك الغسالة، فعقب هو يتأملها عن قرب بجرأة:


تسلمي يا غالية صاحبة واجب.



أبصر منها ابتسامة تحاول إخفاءها، ليتنشي داخله في متابعتها وهي تحرك الغسالة الثقيلة، يشجعها بضمير:


براحة، براااحة يا سامية. على أقل من مهلك خالص، لا دراعك ينخلع، ولا ضهرك... يحصل فيه طقطقة.



استقامت تطالعه بتحدي:


لا، متخفش. أنا شديدة وعفية أوي يا معلم شيكاغو.



تبسم بوسع فمه قائلًا، وقد أعجبه ردها:


وانتي لو ضعيفة، أنا كنت بصيتلك أصلًا؟ شرسة وقوية، دا اللي عاجبني فيكي.


❈-❈-❈


وبعدين بقى في قلة النوم

واليوم الملخبط ده ،ده

في حد يحب كده من يوم

ويتعلق بكده الله


شاغلني قوي ونسيت اسمي،

وأنا اللي فيه ده جنان رسمي،

شاغلني قوي ونسيت اسمي

وأنا اللي فيه ده جنان رسمي

ثواني ورماني في بحره ومليش في العوم

(وبعدين بقى في قلة النوم (بعدين

(واليوم الملخبط ده (ده

في حد يحب كده من يوم

ويتعلق بكده الله،


تلك الأغنية التي كانت تدوي بصخب على أسماعها، داخل البيت المزدحم عن آخره ببشر تعرفهم وآخرين لا تعرفهم، وهي بداخل غرفتها الآن أمام مرآتها تتأمل نفسها.


هذا يومها، هذا يوم خطوبتها الموعودة لهذا الشخص الغريب عنها، والذي فُرض عليها فرضًا.


تتطلع إلى المرآة بصورتها الجديدة بعد تزيينها ووضع المساحيق على وجهها بحرفية. لطالما كرهت هذه الأشياء لظنها الأكيد أنها لا تليق بها، ولكنها اليوم تشعر أنها مختلفة، جميلة كما سمعت من الجميع. ومع ذلك لا تنكر توترها، هذه الخطوة وهذه الأشياء الجديدة، لا تدري كيف ستتعايش معها.


صفية، زهرة جت.

وصلت إلى أسماعها على حين غرة من إحدى شقيقاتها الصغار حينما اقتحمت الغرفة دون استئذان لتجفلها، ثم تركض عائدة كما ذهبت لتضع هي يدها على قلبها متمتمة:


يخرب بيتكِ، خضتيني.


هي مين اللي خضتك يا بنت؟

هتفت بها زهرة تلج بمرح إلى شقيقتها، ثم تتقدم نحوها بفرحة طاغية:


مبروك يا سيادة المحامية، مبروك يا روح قلبي.

قابلت غمرتها باحتياج شديد، وكأنها كانت تبحث عن شيء ضائع ووجدته الآن:


حبيبتي يا زهرة، أنا كنت مشتاقالك أوي.

شعرت الأخيرة بارتجافها، لتنزع نفسها عنها، ثم تمسك كفها وتجس حرارتها لتصيح بها بدهشة:


إيه يا بنت؟ إيدك متلجة كده ليه؟ دي خطوبة مش دخلة يا منيلة.


وكتب كتاب، ولا نسيتي أن أبوكي ورطني وقبِل باقتراح الزفت خطيبي؟

قالتها بنبرة ساخطة تُظهر احتجاجها الشديد، مما ضاعف من تسلية زهرة التي سخرت تمازحها:


زفت من دلوقتي يا أستاذة؟ أمال بعد الجواز هيبقى إيه؟ هتقطعوا بعض بقى.



عبست صفية تترك يدها لتجلس على مقعدها ببؤس مرددة بإقرار:


ممكن، ليه لأ؟ أنا حاسة إنه ممكن يحصل. صدقيني لما تشوفيه أو تتكلمي معاه أكيد هيوصلك الإحساس ده.



سمعت منها لتصدح ضحكاتها معقبة على قولها بذهول:


طب وربنا أنا اشتقت أشوفه من كلامك. ده شكله عريس عسل اللي مبرجلك ومجننك يا سيادة المحامية.


أنا محدش يقدر يبرجلني ولا يجنني، خلي بالك من كلامك يا زهرة.

هتفت بها بانفعال ضاعف من دهشة شقيقتها، وجاء التساؤل من بهجة التي دلفت الغرفة لتنضم معهما:


إيه في إيه؟ صوتك جايب آخر الشارع يا بت... إيه ده؟ زهرة؟



قالتها لتَركض نحو المذكورة، والتي قابلتها بلهفة، يتبادلان الأحاديث الودية والأسئلة الروتينية حتى انشغلتا عنها.


وصلتني دعوة فرحك يا بت يا بهجة. وديني لحضر أنا وجوزي وولادي ونطفش طنط بهيرة، سمعت إنها خالة عريسك.


آه، هي فعلاً خالة رياض، بس واضح إنك بتحبيها أوي يا زهرة.


أوووي! مش قادرة أوصفلك بصراحة. أصلها ست في منتهى التواضع والرقة والذوق.


عارفاهم أنا الرقة والذوق دول ومجرباهم.



قالتها بهجة في استجابة واضحة لسخرية زهرة التي كادت أن تتابع مزاحها لولا صيحة صفية:


خلاص لقيتوا نفسكم في الرغي مع بعض وأنا العروسة بقى اتفلق، اتفلق أنا بقى...



قطعت ترهف السمع متابعة:


إيه الصوت ده؟ ده جاي من برا صح، مش من بيتنا؟


الحقي يا صفية شوفي عريسك عاملك تحت إيه في الشارع.



صدحت والدتها بالكلمات وهي تدلف إليهن بلهفة  لتقودهن نحو النافذة:


تعالي يا زهرة، تعالي يا بهجة، تعالي يا منيلة، شوفي عريسك اللي عامل قلبان في الشارع.


قلبااان؟

تمتمت بها لتنضم على الفور بجوارها خلف النافذة، تشاهد منها العرض الاستثنائي لخطيبها المزعوم، وهو يدلف المنطقة على أقدامه والسيارات تسير من خلفه، بصحبة عدد من الرجال أصدقائه والدخان الملون حولهما في أجواء مبهجة تلفت أبصار جميع من يشاهدها. يمسك بباقة الزهور يلوح لها بقبلة في الهواء وأصوات الزغاريد من النساء كتحية لهم، تستمر بلا توقف، لتردد هي ببؤس:


يا ابن المجنونة، دي زفة دي ولا فضيحة؟



❈-❈-❈


بعد قليل

خرجت أخيراً من غرفتها بخطوات بطيئة وحياء غلب عنادها وتلك الروح المتمردة التي تشهرها أمام الجميع، برفقة بهجة التي كانت تشجعها وزهرة شقيقتها الكبرى التي تركت لعفويتها العنان في التعبير عن فرحتها بشقيقتها، تهلل وتطلق الزغاريد بصوت عالٍ تنافس السيدات المخضرمات في هذا الشأن. 


ولما قد تعطي بالا لأحد؟ وزوجها حبيبها يرحب فرخًا لأفعالها، وقد كان حاضرا هو الاخر لأجل عقد قران شقيقتها الصغرى

الصفحة التالية