-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 46 - 3 - الثلاثاء 7/1/2025

  

قراءة رواية حان الوصال كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل السادس والأربعون

3

تم النشر يوم الثلاثاء

7/1/2025

علم كارم بنجاح المهمة بعد أن ألقى الطُّعم، فالتقطته هي بترحاب شديد. ليلتزم الصمت، متابعًا الحديث بين الاثنين، اللذين يتشابهان في الصفات ويتقنان دور الضحية للحصول على مبتغاهما. يبدو أنه سيحظى بتوفيق كبير في الجمع بين رأسين في الحلال.



❈-❈-❈


في مدخل منزلهم، كانت تقطع الأرض ذهابًا وإيابًا دون توقف، تنتظر قدومه بعد أن أرسلت في طلبه منذ لحظات. خرجت من المنزل هائمة على وجهها، لا تطيقه ولا تطيق أي شيء يذكرها بخيبتها. منذ أن رأت دعوة عرس بهجة، اشتعلت نيران صدرها، ولن تهدأ إلا عندما يبرد قلبها بما هو أفخم وأعلى.


خير يا سامية، بعتِ لي في إيه؟


هتف طلال بهذه الكلمات فور أن وطأت قدماه داخل البناية، وقد تسرب إليه القلق من وقفتها تلك، وكأن شيئًا ما قد حدث.




أمك حصل لها حاجة ولا حد من إخواتك؟

تحمحت تُجلي حلقها، متظاهرة بالمزاح في ردها:


جرى إيه يا طلال؟ هو أنا معوّزاكش غير في المصايب؟ ما ينفعش يعني أبقى عايزاك في طلب يخصني؟



لمس في نبرتها الأخيرة لمحة من دلال استغربها منها، فحثها على المواصلة قائلًا بجدية:




يا ستي، إنتِ تؤمريني. قولي اللي عايزاه يا سامية.



تشجعت لتزيد من جرعة الدلال:


في الحقيقة، هو مش طلب واحد، هما كذا طلب، وأنا عشمانة في كرمك يا طُلولتي، ما تكسفنيش.



ضحك ساخرًا، ثم تحرك من أمامها ليجلس على أول درجات السلم المؤدي إلى منزلهم. أخرج علبة سجائره من جيب بنطاله، وسحب واحدة منها، مرددًا خلفها.




طُلولتك كمان! لا، ده شكل الموضوع كبير فعلًا. قولي يا غالية على الكام طلب دول، إحنا أكيد قدها.



سحبت شهيقًا عميقًا لتجمع شجاعتها، ثم بدأت في طرح مطلبها، أو بالأحرى مطالبها.


❈-❈-❈


نفث دخان سيجارته في الهواء، وبهدوئه المريب تابع يستدرجها:


آه، وإيه تاني كمان غير الفستان اللي عايزاه من أغلى محل فيكي يا جمهورية؟


لو كانت في حالتها الطبيعية لكانت علمت أن هذا الصمت لا يعني الخير، ولكن ذهنها المضطرب صور لها رضوخه وموافقته، فاندفعت أحلامها إلى أبعد مدى، لتصل إلى ما لا يقل عن بهجه، فبدأت تعدّ على أصابعها كل ما يتبادر إلى ذهنها.


"الشبكة يا طلال، هنغير الدهب كله. إيه داعي للغوايش والشغل البلدي ده؟ والألماس برقبته. يبقى هنغير الشبكة لألماس، والفرح هنأجر قصر من بتوع الباشوات ونعمل ليلتنا فيه. سكّ على حجز القاعة والكلام الفاضي. وأنت..."



توقفت، تتأمله من رأسه إلى قدميه بتفحص وتمعن، مما أشعل في نفسه غضبًا شديدًا، فهو يعلم تمامًا ما يدور في رأسها من مقارنات مجحفه في حقه.




"أنت هغيرك خالص يا طلال. تغيّر أولًا استايل لبسك وقصة شعرك من حلاق الغبرة تنساها خالص. هتروح لأحسن كوافير رجالي. لازم يبقى التغيير شامل من كله. أبوك غني يا طلال، وأنت كسيب، يعني تقدر تبقى أحلى واحد في المنطقة وفي المحافظة كمان. أنا عايزة يوم الفرح كل البنات يحسدوني عليك."



نثر السيجارة من إصبعه، ليقف أمامها مباشرة، ثم يفاجئها بتعقيبه.


"طب وإيه لزوم التعب ده كله؟ تاخدي واحد تعمليه عمرة من أول وجديد ليه؟ ما تغيري العريس نفسه يا غالية."


"إيه؟ إزاي يعني؟"

تمتمت بها بعدم فهم، وذهنها الغائب لم يستوعب بعد، ليجفلها بصيحته:


"إيه يا روح أمك؟ مش هو ده اللي بيدور في راسك دلوقتي؟ عايزة عريس زي اللي هتاخده بنت عمك، ويا ريت لو أحسن منه أو هو نفسه."



ترددها والاضطراب الذي ارتسم على ملامحها كانا خير دليل على صدق ظنه، ليأتي رده المفاجئ بسرعة، متناولًا ذراعها ويلويه خلف ظهرها، ثم يعدّل وضعها في لمح البصر ليصبح خلفها. ضغط عليه بشدة لدرجة أنها شعرت وكأن ذراعها على وشك الانكسار، فصرخت به.


"آآآه، دراعي يا طلال حرام عليك، أنا عملت لك إيه بس؟"



زمجر يذكرها بشيكاغو المنطقة:


"وماله لما يتكسر يا غالية؟ ما أنا برضو راجل مقتدر وأقدر أعالجك، بس المهم أربيكِ على فراغة عينك دي."


"آآآه..."

صوتها على بالأخيرة لتواصل في تحذيره:


"وديني لو ما سيبتني يا طلال، لأكون راقعة بعلو حسي ولامة كل أهل الحارة."



زاد ضغطه بعدم اكتراث:


"وماله يا بت؟ لمي وجيبي المحافظة كلها، ولو في راجل واحد قدر ينجدك مني، يبقى شنبي ده على مرة. ولا أنتِ نسيتي مين شيكاغو؟"



دفعها في النهاية، فشاهدت الخطر يتجسد فيه بأبشع صوره. خطوط وجهه المتوترة وعروقه البارزة في رقبته جعلت قلبها يسقط بين قدميها خوفًا من تكرار هجومه. فتغيرت نبرتها محاولة استعطافه.



"طب ليه ده كله يعني؟ ده أنا كنت بكلمك عن اللي في نفسي. العشم غلبني يا سيدي..."



اختتمت ببكاءً حارق، مستعينة بوجع ذراعها الذي كانت تدلكه بحرص شديد، ما جعل الشفقة تتسلل إلى قلبه. ومع ذلك، ظل محتفظًا بجموده.




"محدش اتكلم عن العشم، بس أنا أكره ما عليا الست اللي تبص على حاجة غيرها ولا تغيّر. أدفع من جنيه لمية ألف عشانك، مش عشان تقلدي فلان ولا علّان."


عجزت عن العثور على كلمات تقنعه أو تخفف من بطشه، فاستمرت في بكائها حتى بدأ عنفه يخف قليلًا واستمع إليها. وصلها صوت زفرته القوية، قبل أن يسحبها إليه ويضمها من كتفيها ليهدئها.




"خلاص يا سامية، متقطعيش قلبي. عارف إن إيدي تقيلة ودي أول مرة تجربيها، بس بكرة تتعودي."



قطعت خلف الأخيرة رافعة رأسها إليه بزعر، فقابل نظرتها باستخفاف ضاحكًا:


"بهزر معاكي يا سامية. وأنا إيه اللي يخليني أكررها تاني بس طول ما أنتِ ماشية كويس."



هل يسعي لتهدئتها؟أم انه يزيد من بث الرعب في قلبها؟

هي التي كانت تظن أن رغبته الكبيرة نحوها ستمنحها القدرة على ترويضه وفرض سيطرتها عليه لتحصل علي ما تريد.

لكن هاهو يذكرها من جديد بطبيعته المتوحشة. كاد أن يكسر ذراعها منذ لحظات، والآن يضمها بجرأة وكفه يتجول علي ظهرها بحرية تحت ستار تهدئتها.ومع ذلك، هي لاتستطيع الإعتراض؛حتي إرضائها، يفعله بطريقته.


"ليكي عليا يا ستي أعملك فرح تشهد عليه المنطقة كلها، والفستان اللي عايزاه من أي حتة تختاريه، وكل اللي تحتاجيه أجيبه. لكن تقوليلي أغير قاعة ولا شبكة؟ انسي يا غالية. كل واحد يلبس توبه يا غالية، فاهماني؟"


❈-❈-❈


متكئًا بجذعه على الفراش، يراقبها وهي تبدل ملابسها محاولًة اختيار الأفضل من بين المجموعة التي جلبتها حديثًا للمناسبات الخاصة.



"ها، إيه رأيك بقى في ده؟ حاسة لونه لايق عليا، ده غير إنه مناسب، لا هو ضيق ولا شفاف، حلو صح؟"



قالتها تشير إلى الفستان الذي ترتديه بلونه الأخضر، بلمعة محببة، وتصميم بسيط على الجسد الملفوف بعض الشيء. فقد اكتسبت بعض الجرامات القليلة بعد زواجها، لتضاعف من فتنتها، وتزيد الصعوبة على هذا العاشق المسكين:


"هو فعلًا حلو يا صبا، حلو بزيادة كمان، لكن أنا من رأيي تنقي غيره، ياريت لو حاجة عادية."



ضحكت تقابل قوله بمزاح:


"عادية إزاي يعني؟ ألبس عباية بيتي مثلًا؟ إيه يا باشا؟ ده الفستان التالت اللي ألبسه."



مط شفتيه بعدم اكتراث:


"والله حظك، أعملك إيه؟ بهدلي نفسك شوية عن كده وانتِ تلاقي الدنيا تسلك معاكي."



قهقهت ضاحكة بشقاوة، فقد كان دائمًا ما يغلبها بغزله ومزاحه. ثم خطت نحوه وجلست بجانبه على الفراش، لتعلق على قوله.



الصفحة التالية