رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 23 - 1 الأحد 19/1/2025
قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حارة الدخاخني
للكاتبة أسماء المصري
قراءة رواية حارة الدخاخني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء المصري
الفصل الثالث والعشرون
1
تم النشر يوم الأحد
19/1/2025
جالسا بالسيارة المصفحة ينتظر نهايته وهو يقرأ آيات من الذكر لحكيم يرتعش خوفا ورهبة من القادم ويحيى يجلس بالمقعد الأمامي يتحدث عبر الاسيلكي:
-ابدأ الإشارة يا بني.
زفر يوسف متنهدا ومغلقا عينيه يستمع له:
-احنا قربنا نوصلو عند البوابة الجانبية، أمنلي المدخل أنت بس واحنا في السكه.
رد عليه العسكري من الناحية الأخرى عبر اللاسيلكي:
-كل المداخل متأمنه يا فندم والقوات منتشرة على سطوح المحكمة والعمارة اللي في الوش وكله تمام.
ضغط يحيى على زر الجهاز ليبدأ حديثه:
-عاش يا رجاله، احنا قدامنا 5 دقايق.
انهى الإتصال والتفت يحدثه:
-خلاص يا بطل كله تمام.
هز يوسف رأسه وحديث اخته يرن بعقله ويراجع أفكاره ليتخذ قرار نهائي إما بالاعتراف بكل شيئ ليخلص اخته من براثن رشوان، ولكنه يخاطر بحياتهم جميعا بما فيهم ملك نفسها المهددة بالقتل هي الأخرى، أو أن يمتنع عن الشهادة أو حتى يضلل العدالة مقابل أن يسجن بسجن أمني مشدد كما هدده يحيى، كل هذا إن نجح ودلف لقاعة المحكمة وهو على قيد الحياة.
وصل أمام الباب الخلفي للمحكمة وترجل برفقة يحيى ومن معه من حرس فنظر أمامه ليحيى وهو يتحدث عبر الاسيلكي وتلك النقطة الحمراء المسلطة على صدره فابتلع يوسف ريقه وهو على وشك فقد النطق خوفا واستعداد لفقد حياته ونظر لنقطة الضوء وهي تتحرك من تركيزها بصدر يحيي لترتكز على صدره هو فتنفس عاليا وهمس:
-أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
استمع يحيى لهمسه ولاحظ ضوء بندقية القنص فحاول أن يدخله بسرعة للمحكمة ولكنه علم أنها النهاية إما له أو ليوسف، ويبدو أنه أعترف لنفسه أخيراً أنه داخل لعبة أكبر منه، فهم علموا خطتهم بكل تفاصيلها فابتلع ريقه ولكن الغريب أن شيئا لم يحدث.
ظلت نظراتهما لبعضهما البعض تتسائل بفضول عن سبب توقفهم عن قتله وكل ما يجول بخاطر من يراهما أن المدة كانت كافية ليهرعا للداخل ولكن بحقيقة الأمر أن كل هذا حدث بجزء من الدقيقة وأقل، فدلفا للداخل وهما يتنفسا الصعداء أخيرا لنجاتهما.
فور دخولهما استمعا لصوت ملك القادم من الخلف بلهفة:
-يوسف.
هرعت تحتضنه فبادلها بحب واهتمام ولكنه استمع لهمسها:
-أوعى تشهد، هم سابوك عشان أنا أكدتلهم إنك مش هتشهد.
هز رأسه حتى لا يلحظ يحيى همسها له وتركها ويحيى ينظر لها بفضول:
-عرفتي منين أننا هندخلو من هنا؟
ردت مبتسمة بسمة ساخرة:
-من رشوان، مش قولت لسيادتك إنهم عارفين كل حاجه، أرجوك بقى سيب يوسف في حاله.
التفت له يحذره:
-أوعى تخاف ومتشهدش، هتفضل أنت وأختك في الدايره دي والأمان الوحيد ليكم انتو الأنتين إن رشوان يفضل في السجن.
هز يوسف رأسه مؤكدا على حديثه ولكنه ينظر له بسخرية وهو قد تأكد أن الأمر قد حُسم لصالح رشوان وجماعته.
تحركوا صوب قاعة المحكمة وقد بدأت الجلسة بالفعل وتم استدعاؤه كالشاهد الرئيسي فوقف أمام القاضي يحلف اليمين بصوت مرتعش فسأله القاضي:
-تعرف ايه عن البضاعة اللي في المخزن؟
أجابه دون تفكير:
-معرفش اي حاجه، وأنا أصلا بطلت اشتغل مع المعلم رشوان من فتره كبيره والمخزن ده مكناش بنخزن فيه البضاعة بتاعة المحل من اصله.
وقف وكيل النيابة يسأله:
-ومتعرفش أنه متأجر لوالدك المدعو فتحى السيد دويدار؟
نفى برأسه قبل صوته:
-أول مرة أعرف بعد اللي حصل ومن الورق اللي قدمه المعلم رشوان.
التفت برأسه تلقائيا وهو يخرج أحرف اسمه من فمه ناظرا له بداخل محبسه فوجد ابتسامته المطمئنة، فتنهد واستمع لرئيس النيابة يسأله:
-وبالنسبة للبلاغ اللي اتقدم يوم 16 من الشهر الجاري باسمك إن والدك تم قتله قدامك من 14 سنه؟
ابتلع ريقه ونظر أمامه لوالدته وأخته التي تتوسله بنظراتها ولكن ما جعل جسده يرتعش هي تلك العيون الجالسة بالخلف واستطاع تمييزها بالرغم من تلك الملامح التي ربما يراها ﻷول مرة، أو ربما نساها إلا تلك العيون لا يمكن أن ينساها أبدا فابتلع ريقه ورد:
-أنا معرفش حاجه عن البلاغ ده، أنا مروحتش لا قدمت بلاغ ولا مضيت على محضر بالكلام ده.
صاح رئيس النيابة بحدة:
-ده بلاغ عن طريق التليفون وأكدته بمعلوماتك وطبعا كلنا فاهمين إنك تحت الحماية لحد يوم الشهادة.
التفت له فأبعد نظراته عن تلك العينين التي يعرفهما حق المعرفة:
-حضرتك متأكد منين كده إن أنا اللي قدمت البلاغ؟ أنا معرفش حاجه غير إن ابويا سافر من سنين وسابنا ولحد انهارده مسألش عنا ولا نعرفو عنه حاجه، بس بيبعت لنا مصاريف البيت كل فترة.
صر يحيى على أسنانه وهو يستمع لشهادته:
-وعرفت بعدين أنه مأجر المخزن من المعلم رشوان وغير كده معرفش لا مكانه ولا بيشتغل ايه.
سأل القاضي محامي الدفاع:
-تجب تسأل الشاهد؟
أومأ ووقف أمامه يسأله:
-المعلم رشوان يبقى جوز أختك مش كده؟
أومأ مؤكدا فسأله:
-كنت شغال معاه قبل الجواز ودلوقتي سيبت الشغل معاه، ايه السبب؟
أجابه بحيرة وهو لا يعلم المغذى من سؤاله:
-مش حابب أفضل عامل عنده، عايز اشتغل لحالي.
هز رأسه مبتسما:
-يعني مش عشان مثلا المعلم شغال في الممنوعات وأنت مش حابب الشغل ده؟
أجابه بتوتر:
-وهو لو شغال في الممنوع هفضل شغال معاه من وأنا عيل ابن 14 سنه وهجوزه اختي كمان! طبعا عمري ما سمعت أنه شغال في حاجه غير في الدخان والاستيراد وبس.
استحسن رده ونظر للقاضي:
-معنديش اسأله تانية يا فندم، وأظن من حقي دلوقتي أقول المرافعة الختامية.
وافقه القاضي فهندم ملابسه ووقف أمامه يهتف:
-سيدي القاضي، حضرات المستشارين، زي ما شوفنا شهادة الشاهد الرئيسي اللي استعانت بيه النيابة بناء على بلاغ تلفوني، ومعاها شهادات رجالة الأمن اللي كانو بيحرسو المخزن وتم مداهمتهم انهم ميعرفوش موكلي رشوان الدخاخني وعمرهم ما تعاملو معاه، ونحط على تأكيدهم وعقودهم إن المخزن تابع لشركة وهمية باسم فتحي دويدار وبناءً عليه بطالب ببراءة موكلي من التهم الجزافية الموجه له لعدم كفاية الأدلة.
خرج القاضي ومعه مستشاريه للتشاور فجلس يوسف بجوار والدته واخته بانتظار الحكم وهو شاردا، فقد بحث بأوجه الجميع عن تلك العيون التي رأها ولم يجدها فظن أنه يهذي وربما يتخيل، أما ملك فأمسكت ذراعه تبتسم بفرحة واطمئنان فسألها بعد أن تنهد تنهيدة عميقة:
-ساومك على ايه تاني يا ملك عشان يسيبني؟
ردت تهز رأسها:
-ولا حاجه، قالي متخوننيش لا انتي ولا يوسف تاني وبس كده.
لم يصدق حديثها ولكن لم يسعه الوقت لاستجوابها بعد اقتراب يحيى متجهم الوجه:
-مش مصدق إن بعد كل ده والضربة تجيلي منك أنت.
وقف بدوره أمامه ورد بحدة:
-أنت كل اللي يهمك إنك تخلص شغلك عشان تترقي زي ملك ما قالت بالظبط حتى لو كان التمن حياتي أنا واختي، بس عيلتي ملهاش غيري يا باشا ومش هخاطر بأي حاجه عشانهم.
وقفت والدته تصيح به هي الاخرى:
-ابعدو عن عيالي بقى وسيبوهم في حالهم، كفايه كده بقى حرام عليكو مش عارفه هنلاقيها منين ولا منين.
هز رأسه ممتعضا ومقوسا فمه وابتعد عنهم فالتفتت رأس ملك لصوت رشوان يناديها فتركتهما وذهبت له فابتسم غامزا:
-المحامي بيأكد لي على البراءة فعايزك تخرجي من المحكمة ع البيت توضبي نفسك وتجهزيلنا عشوه حلوه وأنا هخلص إجرارت الإفراج وهاجيلك جري عشان نبدأو شهر عسلنا بقى.
❈-❈-❈
جالسا أمام التلفاز يمسك جهاز التحكم ويقلب بين القنوات وهو بحقيقة الأمر لا يشاهد أي من تلك البرامج، ولكنه يتذكر طيفها وقد بدت فاتنة اليوم بالتحديد بفستانها الخريفي الرقيق وهي تغادر برفقة ورد ووالدتها لتحضر جلسة رشوان.
تنهد والندم يأكله بعد أن انكشفت أمامه الحقائق والأجساد فها هي زوجته تركته ومكثت بمنزل أختها منذ أن رفض طلبها المنافي للعقل والمنطق.
أطفئ التلفاز ليجيب هاتفه:
-ايوه يا حسين.
استمع لصوت والدته:
-أنا أمك يا حسن.
علم أن تلك المكالمة ستكون كسابقتها من التوبيخ والتنمر:
-هتفضل قاعد لوحدك لا أنت راضي تقعد هنا ولا عايز تروح تجيب مراتك من عند اختها!
زفر باخنتاق:
-يامه أنا قولتلك إن ابوها ميعرفش إنها غضبانه وأنا مش عايز وجع دماغ، ولو جيت عندك هيعرفو والحكاية مش ناقصة.
صرخت بغل:
-قولتلك متنفكش، صممت وآدي النتيجة، عايش زي العازب بعد ما دفعت دم قلبك في جوازة الهم دي.
لم يعقب على حديثها المكرر وقد حفظه عن ظهر قلب:
-طيب تعالى اتعشا معانا، ولا هو أنور الحافي قاعدلنا ع الباب وهيسأل ويطقس داخل عند أمك ليه.
استمع لصوت أخيه بجوارها:
-يامه هو مش عايز ييجي بسبب كلامك اللي بتسمي بيه بدنه كل يوم، خفي عليه وهو يجيلك كل يوم.
صدح صوتها المعترض:
-قال يا ولا انت مش عايز تيجي عشان اللي أخوك بيقوله؟
رد متجهما:
-يا امه أنا تعبان وعايز أنام وهبقى اعدي عليكي بكره، أديني حسين عشان اتفق معاه على نقلة بكره.
قوست فمها وناولته الهاتف:
-متقلقش بكره هنزل طلبية محترمه عشان....
قاطعه حسن:
-معرفتش الجلسة رست على ايه؟
ضم شفتيه للأمام ورد:
-أخد براءة والحارة كلها عامله فرح وزينة ودبح، وسمعت انه على وصول.
دمعت عينيه فترك حسين مقعده لينفرد بالحديث مع أخيه وسأله:
-أنت ناوي على ايه مع سهر؟
لم يجد رد وفقط استمع لصوت أنفاسه فتابع:
-طيب هتروح ترجعها ولا هتطلقها ولا ناوي على ايه بس فهمني، أنا مش عارف افهمك يا حسن أنت بتحبها ولا ﻷ؟
أجابه بحيرة:
-والله منا عارف، لحد كتب الكتاب مكنتش شايف ولا حاسس بحد غيرها، هو معقول الواحد يتخدع في مشاعره كده، ولا أنا مكنتش فاهم إنه تعود وبس، وبمجرد ما زهوة الموضوع راحت راح معاها كل حاجه.
عقب عليه شقيقه:
-بس أنت كده هتظلم سهر معاك، هي ذنبها ايه بس في الحكاية دي غير انها حبتك وسلمتلك كل كيانها.
بكى رغما عنه:
-مش قادر اشيل ملك من بالي، مش عارف افكر في حاجه غيرها، وحاسس اني بموت بالبطئ كل ما افتكر إنها بقت مراته ويمكن بعد خروجه تبقى مش مجرد على ذمته وبس.
علق عليه وقد يأس من ايجاد حل لمعضلة أخيه:
-صلي استخاره وسيب ربنا هو حلال العقد يا حسن وروح نام يمكن ربنا يريح بالك.