-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 19 - 1 - الثلاثاء 7/1/2025

 

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الفصل التاسع عشر

1

تم النشر بتاريخ الثلاثاء

7/1/2025


دخل بخطاه وكلّه ابتسام

وخرج بصمتٍ كأنّه آلام

ناديتُه والريح تحمل صوتي

فلم يجبني، كأنه أحلام


يا ليت يدري كم قلبي قلق

وكيف في عيني سكن الغسق

كأنّ همًّا أثقل الكتفين

وكأنّ نورًا خبا في الأفق




خرج من الغرفة ومازال شارداً  ، حديث جدته لم يذهب من عقله ابداً  ، ما الذى تخفيه عليه جدته وما هو الرابط التي يربطهم بـ «أيان» حتى توقفهم عن أذيته؟؟؟  ، مازال يحمل تساؤلات داخل عقله ولا يعلم ابداً الأجابة بها  


لا يعرف الصمت امام شخص حاول أن ياذى عائلته  ، هو نعم كان صامتاً  ، ولكنه هذا الصمت من بعد العاصفة  ، عاصفة غضبة التي تحرقه وهو حياً  . 


رفعت عينيها «نور» حين لحظت وجوده وجدته خرج من غرفة المكتب شارداً  ، نادت عليه على الأقل تلفت انتباه  ، ولكن وجدته شارداً  ، ويسرع بمغادرته خارج القصر كأنه يحمل غضب  ، غضب يحرق الجميع  ، ركضت خلفه وقلبها تألم حين وجدته شارداً وعلامات الضيق تظهر على وجهه وبقوة  . 


ـ نوح 


نادته «نور» مرة أخرى بصوت أكثر حدة، وهي تركض خلفه بعد ما خرجت من بوابة القصر  ، ولكنه كان شارداً لم يسمعها  ، كانت خطواتها سريعة، ولكن كانت خطواته هو أسرع منها بكثير و ركب سيارته وقاد بها بسرعه جنونيه تاركها تنادي عليه ومازالت تركض خلفه تلحقه ولكن قد فات الأوان  ، وذهب بعيداً بسيارته من امام عينيه  ، وقلبها يطرق بقلق عليه  . 


وقفت «نور» تلهث، وقد خذلتها قدماها عن اللحاق به، فيما كانت عيناها معلقتين بالطريق الذي ابتلع سيارته. شعرت بالعجز، والقلق يعصف بقلبها. وضعت يديها على ركبتيها محاولة التقاط أنفاسها، ثم رفعت رأسها وهي تتمتم لنفسها:


ـ ليه يا نوح؟ ليه كل ده؟


كانت تعرف أن غضبه أكبر من أي كلمات يمكن أن تهدئه، لكنه الآن وحيد في مواجهة هذا الغضب، وهذا ما كان يخيفها أكثر من أي شيء آخر.


وقفت لبرهة، تحاول جمع شتات أفكارها، ثم أخرجت هاتفها بسرعة واتصلت به. وضعت الهاتف على أذنها، لكنه لم يرد. حاولت مرة أخرى، ومرة ثالثة، لكن النتيجة كانت واحدة… صمت مطبق.


ـ نوح، رد عليا بقي  . 


لكن لا يرد  ، مما تنهدت وهى لم تفهم ما سر غضبه بعد ما خرج من المكتب هو  ، و «حميدة»  ، مما توقعت الأن أن سر غضبه بسبب «حميدة»  ، جمعت شتات نفسها وفكرت للحظة انها ستذهب خلفه  ، ولكن أين يمكنها الذهاب وهي لم تعرف أين هو الآن  ؟؟ 


مما أعادت خصلات شعرها التي سقطت على عينيها الي خلف أذنيها  ، وكادت تحاول الاتصال به  ، ولكن توقفت حين هتفت «حميدة» بحده  ، وهى واقفة في الشرفة تتبع ما يحدث  : 


ـ سيبه يا نور  ، هو متعود  ، هيرجع علي بالليل وهتلاقى كويس  ، متقلقيش عليه هو متعود علي كده  . 



التفتت «نور» نحو صوت «حميدة» التي كانت تقف في الشرفة بنظرة ثاقبة وهدوء متحكم، لكن كلماتها لم تُطفئ نار القلق في قلبها.


ـ بس يا تيتة، هو كان متضايق اوى  ، أنا خايفة يعمل حاجة متهورة  . 


ابتسمت «حميدة» تلك الابتسامة الغامضة التي اعتادت «نور» أن تراها عندما تكون الأمور معقدة، وقالت بنبرة بطيئة لكنها حاسمة :


ـ نوح مش من النوع اللي يعمل حاجة من غير ما يفكر، غضبه واضح، لكن عقله دايمًا شغال  ، هو بس محتاج وقت.


لكن «نور» لم تكن مقتنعة تمامًا  ، نظرت إلى الطريق الذي اختفى فيه «نوح»، ثم عادت تنظر إلى «حميدة»، وقالت بإصرار :


ـ بس مش معنى إن عقله شغال إنه ما يحتاجش حد معاه  ، أوقات الواحد بيحتاج حد يقف جنبه، حتى لو مش هيطلب ده.


ابتسمت «حميدة» بضعف هذه المرة، وكأنها تفكر في شيء بعيد، ثم قالت بغموض جعل «نور»تفكر في حديثها :


ـ صحيح، لكن نوح لازم يتعلم يتحمل المسؤولية لوحده  ، اللي جاي مش سهل، ومش هيقدر يعديه إلا لو كان قوي كفاية.


«نور» شعرت بأن كلمات «حميدة» تحمل معاني أكثر مما يبدو على السطح  ، عقدت حاجبيها بحيرة وقالت بنبرة جادة :

ـ مش فاهمه حاجه تقصدى ايه؟؟ 


تغيرت ملامح «حميدة» للحظة، وكأنها تفكر في الرد، ثم قالت بنبرة مليئة بالثقل :


ـ مش كل حاجة ينفع تتقال في وقتها يا نور  ، في حاجات لازم تفضل مدفونة لحد ما ييجي وقتها  . 


لكن «نور» لم تكن مستعدة للتراجع  ، رفعت حاجبيها وسألت بإصرار :


ـ طب ونوح هنسيبه كده؟؟ 


صمتت «حميدة» للحظة، ثم تنهدت وقالت بهدوء :


ـ نوح أقوى مما تظني  ، سيبيه يلاقي طريقه بنفسه.


شعرت «نور» بالعجز، لكنها لم تجد ما تقوله  ، نظرت مرة أخرى إلى الطريق، ثم استدارت عائدة إلى القصر، بينما كانت عينا «حميدة» تتابعها بصمت، وكأنها تخفي خلفهما أسرارًا قد تغير مصير العائلة بأكملها.



❈-❈-❈


داخل أرجاء القصر الذي باتت أجواؤه مشحونة بالغموض والقلق، كانت العائلة بأكملها تقف على حافة التوتر  ، أصواتهم المنخفضة تحمل تساؤلاتهم التي بدت كأنها بلا إجابة.



ـ أنا مبقتش فاهمه حاجه  ، حميدة النويرى بنفسها تقولنا ابعدوا عن عدو حاول يأذى العيلة  ، لا وكمان بيحاول يفرقنا عن بعض  ، انا بجد لاول مره مفهمش تيته  . 


التي قالتها «كاميليا» بعصبيه وهي تذهب إياها وإياباً أمام «راندة» و «وعد»  ، وقفت «وعد» وهى تحاول أن تجعل «كاميليا» تبدو هادئة قدر الإمكان  . 


ـ اكيد عندها وجهة نظر  ، بس معرفتش تشرحلنا موقفها . 


نظر «كاميليا» بلا مبالاة لـ «وعد» وهتفت بعصبيه هى الأخرى  :  


ـ وعد بطلي تبرري لـ تيته  ، تيته اكيد مخبيه حاجه عن أيان  . 


هتفت هنا «راندة» ومازالت جالسه علي الأريكة وتفكر معهم وهتفت ببرود  : 


ـ مين أيان اصلا؟؟؟  ، مين ده اللي بعدتنا تيته عنه  ، وعشان ايه؟؟؟  . 


نظرت لها «وعد» وهتفت بحيرة ولم تفهم تفكير جدتها بعد  : 


ـ احنا ممكن نسيبها تهدا شويه وبعد كده نكلمها  ، اكيد هى هتقولنا الحقيقة  ، وليه قالتلنا ابعدوا عن أيان  . 


عقدت حاجبيها بثقة وهتفت بنبرة غموض جعلت الاثنين يفهمون ما تفكر به  :  


ـ انا عارفه تيته كويس  ، هى اكيد مخبيه علينا حاجه  ، وحاجه كبيره اوي كمان  .   


ختمت جملتها ونظرت لـ «وعد» و «راندة» بأصرار غموض مثير   ، جعلت الاثنين يفكرون مثلها وروضهم القلق من فكرة ان جدتهم تخفي عليهم سراً خطير… 


بينما كانت «راندة» تسير بخطوات متثاقلة نحو النافذة الكبيرة المطلة على الحديقة، تمتمت وكأنها تتحدث مع نفسها:

ـ السر ده مش صغير، وإلا كانت تيته قالتلنا من غير لف ودوران.


قاطعتها «وعد» بنبرة حاولت أن تبدو أكثر هدوءًا مما شعرت به : 


ـ يمكن فعلاً في حاجة أكبر من اللي شايفينه  ، يمكن الموضوع متعلق بماضي العيلة .


 توقفت «كاميليا» عن المشي ذهابًا وإيابًا، ورفعت حاجبيها بسخرية :


ـ ماضي العيلة؟ قصدك ماضي تيته؟ إيه اللي ممكن يربطنا بأيان غير إنّه عدو؟


 جلست «وعد»على الأريكة، وأسندت رأسها على راحة يدها وهي تحاول التفكير بصوت مسموع :


ـ كل اللي نعرفه عن أيان إنه حاول يأذينا، لكن لو ده كل حاجة، تيته كانت هتاخد موقف حاسم من غير ما تقولنا نبعد عنه، أكيد في حاجة ما نعرفهاش.


 التفتت «راندة» نحو «كاميليا» وقالت بنبرة أخف حدة :


ـ طيب، لو فعلاً تيته مخبية حاجة ، ليه؟ إيه اللي يخليها تخاف تقول الحقيقة؟


صمتت «كاميليا» للحظات، ثم رفعت كتفيها بإشارة عدم المعرفة، لكن عينيها كانتا تشعان بالغضب والخوف :


ـ ده اللي لازم نعرفه، أنا مش ناوية أفضل قاعدة مستنية الحقيقة تنزل علينا زي المطر.


انتبهت «وعد» إلى الحدة في حديث «كاميليا»، فحاولت التهدئة قائلة :


ـ كاميليا، لو هنعرف حاجة، لازم نبقى حذرين  ، تيته مش من النوع اللي يعمل حاجة من غير سبب قوي.


قاطعتها «كاميليا» بإصرار :


ـ الحذر مش هيجيب لنا إجابات  ، لو مش هتساعدوني، انا هتصرف لوحدي.


نظرت «وعد» إلى «راندة» و «كاميليا»، وكأنها تحاول كبح مشاعرها، ثم قالت بحذر :


ـ طيب، لو فعلاً في سر، هنبدأ من فين؟


ابتسمت «كاميليا» تلك الابتسامة التي تحمل تصميمها المعتاد وقالت بمرواغة :


ـ هنبدأ من أيان  ، هو المفتاح لكل ده  ، ولازم نوصل له قبل ما تيته تمنعنا تاني .


ساد الصمت للحظات، ثم اتفق الجميع بنظرات مليئة بالإصرار  ، الغموض الذي أحاط بـ«أيان» وبكلمات «حميدة» كان دافعًا لهم للتوغل أكثر في أعماق الأسرار التي يبدو أنها ستغير كل شيء.. 




❈-❈-❈


كان «عادل» يجلس على السفرة وامامه «ديما» التى تحمل الصغيرة  ، وتلعبها بحُب  ، كان «عادل» ينظر حوله يميناً و يساراً  ، حتى تأكد أن «أسر» ليس هنا  ، حتى هتف بخبث وينظر لها نظرة ماكرة  :  


ـ عامله ايه يا ديما  ، وعامله ايه مع جوزك؟؟؟  . 


توقفت عن لعب الصغيرة وهى تنظر له بحيرة  ، ابتسم حين نظرت له وهتف بنبرة ماكرة  : 


ـ يا حرام نسيت انه أسر مش طايقك للاسف  . 


بينما أكمل وهو يأكل الطعام باستمتاع  : 


ـ فاكره اتفقنا يا ديما؟؟  . 


هزت رأسها وهي لم تفهم ما الذي مطلوب منها   :  


ـ كويس انك فاكره  ، عايزك النهارده تتصلي بـ نور وترجعى تتقربي منها تانى  ، عايز اعرف اخبارها وكل تفصيلة في حياتها  ، عشان اقدر اكسر قلبها بسهولة  . 


اغمضت عينيها وهى تتذكر ظلم «نور» علي يـ ـد «رحيم» رحمة الله عليه  ، حتى هتفت بنبرتها الحادة  :  


ـ وانت عايز تنتقم منها صح؟؟  . 


هز رأسه ومازال يبتسم وينظر لها نظرة ماكره  ، بينما ابتسمت واكملت هذه المره بقوة  :  


ـ ولما اعمل كده هتقربني من أسر  ، بس انا اسفه  ، مش هقدر اعمل اللي بتقوله ده  ، انا عارفه أنه اسر متضايق منى  ، بس أسر بيحبني وميقدرش يستغنى عنى  ، ولو طلبت منى تانى الطلب ده صدقنى هقول لـ أسر كل حاجه  . 


نظر لها نظرة شيطانية هذه المرة  ، وعينيه تشع الغضب  ، لما يدرى بنفسه الا وهو يمسك حساء الشوربة الساخـ ـنه وألقها على نفسه حتى صرخ بفزع وألم  ، مما «أسر» اتجه له بسرعه وهو يركض اتجاه  ، اما «عادل» نظر الى «ديما» التى مصدومة  ، وهتف بفزع  :  


ـ ليه يا بنتى دلقتى الشوربة عليا  ، ليه ده انا زي ابوكي  . 


 كانت «ديما» تنظر إلى «عادل» بصدمة، لا تستطيع تصديق ما حدث للتو  ، جسدها تجمد في مكانه، وعقلها لم يستوعب بعد الموقف  ، قبل أن تتمكن من قول شيء، دخل «أسر» إلى الغرفة بسرعة بعد أن سمع صرخة «عادل» 


ـ في إيه؟؟؟ 


 قالها «أسر» بفزع وهو يركض نحو «عادل» الذي كان يتظاهر بالألم وهو يمسك بملابسه المبللة بالشوربة الساخنة.


رفع «عادل» عينيه نحو «أسر»، وقال بنبرة متألمة مليئة بالادعاء :


ـ ديما، ديما هي اللي عملت كده!


التفت «أسر» نحو «ديما»، وكانت ملامحه مشحونة بالغضب وعدم التصديق  ، هتف بنبرة قوية :


ـ إيه اللي عملتيه ده يا ديما؟!


حاولت "ديما" أن تتحدث، لكن الكلمات لم تخرج بسهولة  ، كانت تشعر بالخيانة والغضب في آنٍ واحد، لكنها حاولت أن تشرح :


ـ أسر، والله ما حصل  ، هو اللي.. 


قاطعها «عادل» بصوت مليء بالتمثيل، وهو يمسك ذراعه وكأنه يعاني من الألم :


ـ ليه كده يا بنتي؟ أنا بحاول أقربك لأسرتنا  ، وبعاملك زي بنتي، وانتي ترميني بالشوربة كده؟


ازدادت نبرة «أسر» حدة، واقترب من «ديما» بخطوات ثابتة :


ـ كنت فاكرك عاقله ، حتى لو متضايقة من عمى تعملي كده؟؟ 


شعرت «ديما» بالعجز، لكنها لم تستطع أن تبقى صامتة رفعت يدها وصرخت بانفعال :


ـ أسر، لو سمعتني دقيقة واحدة  ، هتفهم إن ده كله تمثيل  ، هو اللي دلق الشوربة على نفسه، وأنا...


قاطعها "عادل" مجددًا، متصنعًا الضعف امام «أسر» :


ـ كفاية يا ديما، مش هقول حاجة  ، لو عايزة تكرهي نفسك أكتر قدام أسر، كمّلي كدبك  . 


حدّق «أسر» في «ديما» بنظرة جمعت بين الغضب وخيبة الأمل، ثم قال بصوت منخفض لكنه قاطع :


ـ انتِ ازاى تتجرئي تعملي كده  ، اللي حصل ده مش هيعدى بالسهل ابداً  . 


 شعرت  «ديما» وكأن قلبها ينهار  ، حاولت أن تتحدث، أن تدافع عن نفسها، لكن «أسر» رفع يده في إشارة بأن تصمت 


التفت نحو «عادل»، وقال بقلق وحنان في إن واحد :


ـ تعالى، هوديك للدكتور عشان نتطمن.


نظر «عادل» نحو «ديما» بابتسامة ماكرة خفية، ثم تبع «أسر» وهو يتمتم بصوت منخفض لم يسمعه «أسر» ولكنها هى سمعته حيداً :


ـ مسكينة، شكلك مش هتعرفي تكملي هنا كتير  . 


وقفت «ديما» مكانها، ودموع القهر تتساقط من عينيها  ، شعرت بالضعف والخيانة، لكنها أدركت أن عليها التصرف بحكمة.


تمتمت لنفسها بصوت خافت :


ـ لو ما وقفتش في وشه دلوقتي، هو اللي هيكسرني  ، أنا مش هسمحله.


قررت أن تجد دليلًا يثبت براءتها، وأن تواجه «عادل» بقوة، مهما كان الثمن .



❈-❈-❈


وقف «نوح» سيارته بجانب الشاطئ، حيث كانت الأمواج تتلاطم بهدوء على الصخور، وكأنها تحاول أن تهدئ العاصفة التي بداخله  ، خرج من السيارة ببطء، ووقف يراقب الأفق، بينما الهواء البارد يلامس وجهه ويحرك شعره بعشوائية.


كان البحر دائمًا ملاذه عندما تضطرب أفكاره، ولكن هذه المرة، كان الإحساس بالغضب والخذلان يغلب على أي شعور آخر  ، حديث جدته لا يزال يتردد في ذهنه، وكأنها تضع أمامه ألغازًا بدلًا من إجابات.


تمتم بصوت منخفض، وكأنه يخاطب نفسه بحيرة :


ـ إيه اللي ممكن تخبيه يا تيته؟ ليه تمنعني انى اقرب من أيان؟؟   ، ومن هو ايان اصلا؟؟ 


رفع رأسه نحو السماء، وكأنّه يبحث عن إجابة في مكان بعيد عن الواقع  ، عاد وأغمض عينيه، محاولًا استجماع أفكاره، لكن كل شيء كان مشوشًا.


أخذ نفسًا عميقًا، ثم جلس على إحدى الصخور، واستمر في النظر إلى البحر، بدأ يراجع الأحداث في ذهنه، يحاول الربط بين تصرفات جدته والغموض المحيط بأيان.


ثم فجأة، تذكر لحظة معينة  ، تلك النظرة في عيني جدته عندما تحدثت عن أيان  ، كانت نظرة تحمل مزيجًا من الحزن والخوف، وكأنّ هناك شيئًا عميقًا يؤلمها.


فتح عينيه فجأة، وكأنّ فكرة خطرت له، قال بصوت مرتفع قليلاً :


ـ ممكن يكون الموضوع مش بس انتقام  ، ممكن يكون في سر  . 


نهض بسرعة، وكأنّه وجد خيطًا يستند إليه، وعاد إلى سيارته  ، قرر أن يذهب إلى المكان الوحيد الذي يمكن أن يجد فيه بعض الإجابات  ، المنزل القديم للعائلة، المكان الذي يحتفظ بذكريات الماضي والأسرار المدفونة.


ركب سيارته وأدار المحرك، وعينيه تلمعان بعزيمة جديدة  ، قرر أنه لن يعود حتى يجد الإجابة التي يبحث عنها، ولن يسمح للغموض بأن يسيطر على حياته أكثر.


انطلقت السيارة بسرعة، تاركة وراءها صوت الأمواج وصدى الأسئلة التي لا تزال تبحث عن إجابة.



وبعد ساعة تقريباً  .. 


داخل المنزل القديم، كانت الجدران تحمل ذكريات الماضي، وأركانه تخبئ أسرارًا طالما حاول الزمن دفنها  ، وصل «نوح» إلى المكان، وأطفأ محرك سيارته بهدوء  ، كانت الظلمة تحيط بالمكان، وكأنّ المنزل بأكمله كان ينتظره ليكشف ما بداخله.


ترجّل من السيارة، وسار ببطء نحو الباب الأمامي  ، مدّ يده نحو المقبض، لكنه تردد لوهلة، وكأنّ يديه تخشى ما ستجده في الداخل  ، أخذ نفسًا عميقًا، ثم دفع الباب ببطء، ليصدر صوت خشخشة قديمة كسرت الصمت الذي أحاط بالمكان.


خطى ببطء داخل المنزل، وكانت أنفاسه تتردد في الأرجاء  ، الجو كان ثقيلاً، والغبار يملأ الأثاث، وكأن الزمن توقف هنا. 


تجول «نوح» بين الغرف، يبحث بعينيه عن أي شيء قد يقوده إلى الحقيقة التي يبحث عنها.


وصل إلى غرفة صغيرة في نهاية الممر، بابها مغلق بإحكام  ، مد يده بحذر، وفتحه ببطء  ، كانت الغرفة مظلمة، لكن هناك صندوق خشبي قديم في الزاوية جذب انتباهه  ، اقترب منه، وجلس على ركبتيه، ثم بدأ بفتح الصندوق.


داخل الصندوق، كانت هناك أوراق قديمة، صور، ورسائل مغلقة بعناية  ، بدأ في تصفحها، عيناه تلتقطان كل كلمة وكأنه يحاول أن يجمع الأحجية المبعثرة  ، ثم وقع نظره على صورة قديمة، كانت لأبيه رحمة الله عليه وهو شاب، وبجانبه فتاة غريب لم يعرفه من قبل.


أمسك الصورة، وتأملها بعمق، ثم قلبها ليجد كتابة بخط يدوي قديم :


"إلى حبيبتى ، مع كل الحب أمجد  . 


شهق «نوح» بصدمة، وعيناه اتسعت  ، لكلمات كانت كالصاعقة التي سقطت عليه  ، بدأ يربط الأمور بسرعة في عقله، فهم الآن  ، من هى تلك الفتاة التى تقف بجانب أبيه  ، اهى عشقته؟؟  . 


عاد بسرعة إلى الرسائل وبدأ يفتحها واحدة تلو الأخرى  ، كل رسالة كانت تحمل كلمات حب واشتياق، لكنها توقفت فجأة عند رسالة أخيرة كانت مختلفة، كلماته مليئة بالألم والخيبة .


قرأ بصوت مرتجف :


" حياة ، سأرحل بعيدًا عنهم  ،عن إبنى وزوجتى ، سأظلّ معك دائما  ، انتظريني  .  "



انهار «نوح» في مكانه، وكأنّ العالم انهار معه  ، رفع رأسه نحو السقف، والدموع تملأ عينيه  ، كل شيء بدأ يتضح الآن، أبيه تخلى عن والدته وهو بسبب تلك المرأة؟؟؟ 



كان وقع الصدمة على «نوح» ثقيلًا، وكأن الأرض انشقت تحت قدميه  ، والده «أمجد»، الذي طالما كان رمز التضحية والعائلة، يحمل في قلبه سرًا دفينًا  ، سرًا لم يتوقعه «نوح» أبدًا.


أعاد النظر إلى الرسائل، قلبها بعنف بين يديه وكأنّه يبحث عن تفسير، شيء يبرر ما قرأه، لكنه لم يجد سوى كلمات حبٍ وشوقٍ غامض.


همس لنفسه بصوت متحشرج وعينيه تحكي عن الألم الذي في قلبه :


ـ حياة؟ مين حياة دي؟ وليه بابا كان مستعد يسيبنا عشانها؟؟

الصفحة التالية