رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 20 - 2 - الأحد 12/1/2025
رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة توتا محمود
الفصل العشرون
2
تم النشر بتاريخ الأحد
12/1/2025
في زاوية معزولة من القصر، كانت الغرفة تغرق في ظلال الليل، والصمت يلف المكان بوشاحه الثقيل ، وقفت «يمن» بجانب النافذة، تتأمل الظلام الذي يبتلع الحديقة ، الأشجار بدت كأشباح ساكنة، والرياح الهادئة كانت تهز الأغصان برفق، وكأنها تهمس بأسرار لا يسمعها إلا من يعرف عمق الليل.
شعور الانتصار كان يخفق في قلبها، لكنه كان ممتزجًا بوعي ثقيل بأن هذا الانتصار ليس سوى البداية ، الحرب لم تنتهِ بعد، بل بالكاد بدأت.
استدارت ببطء نحو «أيان»، الذي كان يقف في زاوية الغرفة، يراقبها بصمت ، عيناه كانت مليئتين بالهدوء، لكنه ذلك النوع من الهدوء الذي يسبق العاصفة.
بصوت منخفض، لكنه محمل بالعزم، قالت:
ـ عارف إنهم مش هيستسلموا بسهولة ، بس إحنا مستعدين، صح؟
ابتسم «أيان»، ابتسامة تحمل في طياتها ثقة لا تتزعزع، وكأن كل شيء تحت السيطرة ، اقترب منها بهدوء، وقال بصوت ناعم ولكنه يحمل قوة لا تخطئها الأذن :
ـ مستعدين لكل حاجة، طول ما إحنا مع بعض، مش هنخسر.
تسللت الكلمات إلى قلب «يمن»، مثل نسمة دافئة في ليلة باردة ، للحظة، شعرت بالأمان، بأن كل شيء سيكون على ما يرام طالما «أيان» بجانبها.
لكنها كانت تعرف، في أعماقها، أن الأيام القادمة ستحمل معها تحديات لا حصر لها، وأنها بحاجة إلى كل ذرة من قوتها لتظل صامدة في وجه العاصفة التي تلوح في الأفق.
ببطء، استدارت نحوه، عيناها نصف مغلقتين، مليئتين بالنعاس الذي يحمل في طياته شوقاً دفيناً ، اقترب منها بخطوات هادئة، يده امتدت لتلامس خدها بلطف، وكأنها قطعة زجاجية قد تتحطم إذا ضغط عليها قليلاً ، ثم ببطء، اقترب أكثر حتى تلاقت شفتيه بشفتيها، قُبلة كانت مليئة بالشغف والجوع، كأنها تلخص كل ما يشعران به، كل ما مرّا به.
يــ ـده تحركت ببطء، تحاوط عنـ ـقها بحنان، بينما الأخرى امتدت لتحاوط خـ ـصرها، يجذبها إليه أكثر، كأنه يخشى أن تبتعد ولو للحظة ، كان يقـ ـبلها بشغف، بنهم، وكأن هذه القبلة هي الخلاص الوحيد من كل ما يحيط بهما من صراعات.
أما «يمن»، فقد تركت نفسها تغرق في هذه اللحظة ، يـ ـديها ارتفعت لتحاوط عـ ـنقه، تقربه منها أكثر، وكأنها تريد أن تذوب في هذه اللحظة، أن تنسى العالم وكل ما فيه، أن تبقى في هذا العالم الذي لا يعرفه أحد سواهما.
ببطء، بدأت يـ ـده تتسلل لتبحث عن سُستة فستانها ، وجده بعد لحظة، وبدأ يفتحه ببطء، وكأنه يكشف عن سر دفين، لا ينبغي التسرع في اكتشافه ، شفتيه انتقلت إلى عنقها، يقبلها بشغف، تاركاً أثره كعلامة على هذا الحب الذي لا يعرف الحدود.
أما هي، فقد أغمضت عينيها، مستمتعة بكل لمسة، بكل قبلة، بكل حركة ، شعرت بأنها تُحمل بعيداً، إلى عالم لا يعرفه أحد سواهما، عالم مليء بالحب، بالدفء، التي لا يمكن لأحد أن يقتحمها.
كانت هذه لحظتهما، اللحظة التي توقف فيها الزمن، التي تلاشى فيها كل شيء آخر، ولم يبقَ سوى هى وهو ، في عالم خاص بهما، مليء بالحب الذي لا يعرف نهاية.
❈-❈-❈
دخل «نوح» إلى غرفته بخطوات ثقيلة، كأن كل خطوة تزداد ثقلاً بما يحمله من أفكار وهموم ، صوت خطواته كان هادئًا، لكنه يحمل في طياته عاصفة من المشاعر المتأججة.
خلفه كانت «نور» تتبعه، عيناها تراقب كل حركة يقوم بها، تلتقط كل إشارة من جسده المثقل بالضيق ، أغلقت الباب خلفها بهدوء، وكأنها تحاول أن تمنع أي صوت من الهروب أو أي شعور من التسلل خارج الغرفة.
نظرت إليه بعينين مليئتين بالقلق، شاهدت كيف جلس على طرف الفراش، ظهره منحني قليلاً، رأسه مطأطئ، وكأنه يحمل العالم على كتفيه ، وجهه كان مرآة تعكس كل ما يدور بداخله، مزيج من الغضب والحزن والتعب النفسي، تلك النظرة التي لم ترها «نور» من قبل، نظرة رجل يشعر بالخيانة من أقرب الناس إليه.
اقتربت منه بخطوات هادئة، وجلست على الأريكة المقابلة له، تحاول أن تقرأ أفكاره من خلال عينيه، لكن عينيه كانتا تهربان بعيدًا، مثبتتين على الأرض، كما لو كانا يحاولان الهروب من مواجهة الحقيقة المؤلمة.
مدت يدها بتردد، ثم أمسكت يده بوهن، كأنها تحاول أن تسحب منه جزءًا من حزنه، أن تنقل إليه دفئها ليخفف عنه قليلاً.
صمتت للحظة، تراقب وجهه الذي لم يتحرك، وكأن الزمن توقف عنده ، كانت تعرف أن الكلمات ليست كافية في هذه اللحظة، لكنها شعرت أنها مضطرة لكسر هذا الصمت الثقيل الذي يخيم على الغرفة.
تمتمت بصوت ناعم، يكاد يكون همسًا :
ـ نوح، أنا هنا، قول أي حاجة ، احكيلي اللي في قلبك.
لم يرفع عينيه على الفور، كأنه يحاول جمع شتات نفسه، لكن قبضته على يدها شدّت قليلاً، كأنها تستند إليها في لحظة ضعفه .
أخذ نفسًا عميقًا، ثم رفع عينيه أخيرًا لينظر إليها، نظرة مليئة بالأسى والخذلان :
ـ هي أختي ، ازاي قدرت تعمل كده؟ ، ازاي قدرت تبيعنا بالشكل ده؟
كلماته خرجت كأنها مثقلة بأطنان من المشاعر، وكانت «نور» تشعر بكل ذرة ألم تتخلل صوته ، أرادت أن تقول شيئًا، أن تطمئنه، لكنها كانت تعلم أن الكلمات قد تكون بلا جدوى أمام هذا الانهيار العاطفي الذي يعيشه.
تمسكت بيده أكثر، محاولة أن تبث إليه قوتها، همست:
ـ يمن ضايعة، يمكن اتلخبطت، بس إحنا لازم نفضل جنبها، مهما عملت، هي في الآخر أختك.
أغمض «نوح» عينيه بقوة، كأنه يحاول منع غضبه من امامها ، ثم فتحهما مجددًا، وبدأ يحدق في السقف وكأنه يبحث عن إجابة في مكان بعيد عن هذا العالم :
ـ طب الثقة يا نور؟؟؟ ، الثقة اللي دمرت؟؟؟، ازاي نرجعها بعد اللي حصل؟؟
كانت كلمات «نوح» تخرج من أعماق قلبه الجريح، وهي تعرف أن هذه اللحظة ليست مجرد لحظة غضب، بل هي لحظة تتحد فيها كل مشاعره من حب وخيانة وأمل وخوف .
لم تدرِ «نور» بنفسها إلا وهي تندفع نحوه، تحيطه بذراعيها بقوة، كأنها تحاول أن تجمع كل قطع روحه المتناثرة بين يديها
كان احتضانها له عفويًا، لكنه كان يحمل في طياته الكثير من المشاعر التي عجزت عن التعبير عنها بالكلمات ، لم تستطع أن تبقى واقفة مكتوفة الأيدي وهي تراه ينهار بصمت، لم تستطع أن تتحمل رؤيته بهذه الحالة، حيث الألم يملأ وجهه، والثقل الذي يحمله يكاد يسحقه.
ضغطت رأسها على كتفه، وكأنها تقول له دون أن تنطق :
"أنا هنا، لست وحدك."
كانت تعرف أن الكلمات لن تكون كافية لتخفيف ما يشعر به، لكنها أرادت أن يكون حضنها ملاذه من هذا العالم القاسي، من الخيانة التي أثقلت قلبه.
شعرت بنبضات قلبه المتسارعة تحت يدها، وكأنها تعبر عن كل ما يعجز عن قوله ، كانت تعرف أن هذا العناق لن يمحو الألم، لكنه قد يمنحه لحظة من الراحة، لحظة يستطيع فيها أن ينسى كل شيء، ولو للحظات قليلة.
لم يتحرك «نوح» في البداية، كأنه صُدم من هذا العناق المفاجئ، لكنه سرعان ما استسلم، أغمض عينيه ببطء، وسمح لنفسه بأن يتكئ على هذا الأمان الذي وجد فيه.
شعر بحرارة جسدها، بقربها الذي كان كالبلسم لجراحه المفتوح ، قبضت يده ببطء على قماش ملابسها، كأنه يحاول أن يتشبث بها، أن يتشبث بهذه اللحظة التي تمنحه القوة ليتحمل ما لا يحتمل.
همست «نور» بصوت خافت، يكاد يختنق بالدموع التي حبستها :
ـ مش هسيبك تعدي ده لوحدك، إحنا مع بعض، دايمًا.
كانت كلماتها بسيطة، لكنها حملت وعدًا صادقًا، وعدًا بأنها ستكون معه، في كل خطوة، في كل لحظة، حتى لو كان الألم هو المسيطر.
شعر «نوح» بثقل الكلمات، لكن في الوقت نفسه، شعر بنوع من الارتياح الغريب ، لم يكن بحاجة إلى كلمات كبيرة أو وعود فارغة، كان بحاجة إلى هذا العناق الذي يذكّره بأنه ليس وحيدًا، بأن هناك من يقف إلى جانبه، مهما كان الثمن.
بقيت «نور» تحيطه بذراعيها، وكأنها تحاول أن تزرع فيه القوة من جديد، بينما كان «نوح» يستسلم للحظة، يسمح لنفسه بأن يكون ضعيفًا للحظة واحدة فقط، قبل أن يعود لمواجهة العالم مجددًا.
أنتِ النور في ظلام أيامي،
وأنا السند حين تنكسر الأحلام.
في ضعفك أجد قوتي،
وفي حضنك تهدأ أوجاعي، رغم الزحام.