-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 20 - 4 - الأحد 12/1/2025

  

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الفصل العشرون

3

تم النشر بتاريخ الأحد

12/1/2025


ظل «نوح» يعانـ ـق «نور» كما لو كانت هي الملاذ الوحيد الذي يستطيع أن يحتمي به من العالم الخارجي الذي لم يعد يفهمه.


 كان يشعر بثقل الواقع ينهال عليه، لكن دفء «نور» كان يخفف هذا الحمل، ولو قليلاً. كل لحظة تمر وهو بين ذراعيها كانت تمنحه شعورًا غريبًا بالسكينة، كأن الوقت قد توقف، وكأن كل مشاكله قد تلاشت في الهواء.


كان رأسه مسندًا على كتـ ـفها، عينيه مغمضتين، وكأنه لا يريد أن يرى أي شيء آخر غير هذا الشعور بالطمأنينة. 


كانت أنفاسه منتظمة، لكنها مثقلة بتلك المشاعر المتداخلة التي كانت تجتاحه كالأمواج  ، لم يكن يعرف كيف يشرح لها ما بداخله، ولم يكن بحاجة إلى الكلمات في تلك اللحظة، كانت حضنها كافيًا ليقول كل ما لا يستطيع التعبير عنه.


أما «نور»، فقد كانت تشعر بنبضات قلبه المتسارعة، وكأنها تعبر عن كل ما لا يمكنه البوح به.


 كانت تعرف أن هذه اللحظة هي أكثر من مجرد عناق، كانت محاولة من «نوح» للهروب من كل الألم الذي يحيط به، ولو للحظة. 


يـ ـدها التي كانت تمسك بـ ـخـ ـصره بإحكام كانت كأنها وعد غير منطوق بأنها ستظل بجانبه، مهما كانت العواصف التي تعصف بهما.


طوال الوقت الذي قضياه هكذا، لم يكن هناك حاجة للكلمات  ، الصمت بينهما كان مليئًا بالمشاعر التي تفوق قدرة الكلمات على التعبير عنها.


كان كل منهما يشعر بما يشعر به الآخر، وكأن روحيهما قد تواصلوا بشكل أعمق من أي حديث قد يجري بينهما  ، كانت تعرف أن «نوح» بحاجة إلى هذا العناق أكثر من أي شيء آخر، وكان هو يعلم أنها تقدم له هذا الأمان بحب لا يتزعزع.


مع مرور الوقت، بدأت أنفاس «نوح» تهدأ، وكأنها تتماشى مع نبضات قلب «نور» التي كانت هي الأخرى تنبض بهدوء وثبات. 


لم يكن يريد أن يتحرك، لم يكن يريد أن يترك هذا الحضن الذي شعر فيه بالأمان، كأن العالم بأسره قد تلاشى ولم يبقَ سوى هذا اللحظة بينهما.


فتح «نوح» عينيه ببطء، لكنه لم يرفع رأسه عن كتـ ـفها. كان ينظر إلى الفراغ، لكن عقله كان مليئًا بالأفكار. كان يعلم أن الحياة في الخارج تنتظره بكل تحدياتها، لكن في هذه اللحظة، أراد فقط أن يستمد القوة من هذا الحضن الذي كان بمثابة طوق نجاة له.


همست «نور» أخيرًا، بصوت ناعم وهادئ:


ـ مهما كانت الدنيا قاسية، إحنا سوا  ، مش هسيبك تواجه كل ده لوحدك.


كلماتها دخلت إلى أعماقه كنسيم بارد في يوم حار  ، أغمض عينيه مرة أخرى، وشعر بأن هذا الوعد هو كل ما يحتاجه ليقف مجددًا  ، كانت هي النور الذي ينير له طريقه، حتى في أحلك الأوقات.


ببطء، رفع رأسه ونظر في عينيها، وعيناه كانتا مليئتين بالامتنان والحب  ، لم يكن بحاجة إلى أن يقول شيئًا، فقد كان في نظراته كل ما أراد أن يعبر عنه  ، ثم بهدوء، همس بثقة :


ـ إنتِ قوتي، نور ، انا مكنتش عارف أعمل إيه.


ابتسمت «نور»، تلك الابتسامة التي كانت تمثل له كل معاني الأمل، وقالت بدعم حقيقي له :


ـ وأنا هنا علشانك، دايمًا.


عادت أنفاسه لتنتظم أكثر، وبدأ يشعر بأن هناك أملًا في الغد، طالما كانت «نور» بجانبه  ، كانت هذه اللحظة الصغيرة بينهما كفيلة بإعادة بناء قوته، ليواجه العالم مرة أخرى، لكن هذه المرة، لم يكن وحيدًا.

تلاقت نظراته بنظراتها، وفي تلك اللحظة، كان كل شيء واضحًا  ، لأول مرة، لم يحاول «نوح» أن يخفي ضعفه  ، لم يكن هناك أي حواجز أو قناع يخفي الألم الذي يشعر به. 


كل ما كان يحتاج إليه الآن هو دفء، أمان، وهدوء يربت على قلبه المتعب  ، خرجت كلماته بصوت خافت، مرتجف كأنها تحمل وزناً ثقيلاً :


ـ ممكن أنام في حضنك النهاردة؟


كانت تلك الكلمات كافية لتُذيب أي جدار بينهما  ، لم تكن مجرد طلب للنوم، بل كانت استغاثة خفية، بحثًا عن مأوى من العاصفة التي تعصف بداخله.


 نظرت «نور» إليه بعمق، وفهمت أن ما يطلبه ليس مجرد عنـ ـاق، بل هو ملاذ يحميه من شتات الأيام وصراعاته الداخلية.


لم تتردد للحظة  ، بعينيها الممتلئتين بالحنان والدفء، ابتسمت له ابتسامة صغيرة ولكنها مليئة بالدعم والطمأنينة.


 تحركت ببطء، وكأنها تخشى أن تكسر تلك اللحظة الثمينة، ونامت على الفراش بهدوء، وفتحت ذراعيها كأنها تفتح أبواب عالمه الخاص الذي يحتاجه بشدة.


كانت تلك الحركة الصغيرة منها كافية لتهدم كل الحواجز التي كان «نوح» يبنيها حول قلبه. 


دون أن ينبس بكلمة أخرى، تحرك نحوها بسرعة كمن يهرب من شيء يطارده  ، وجد نفسه بين ذراعيها، وكأنه وجد أخيرًا مكانًا ينتمي إليه، نام بجانبها، ودفن رأسه في صدرها، حيث قلبها ينبض بإيقاع هادئ وثابت.


الشعور بالاطمئنان بدأ يتسلل إليه ببطء  ، شعر بحرارة جسدها الدافئة، بأنفاسها المنتظمة التي كانت تهدهده وكأنها نغمة تهويدة قديمة.


 لف ذراعيه حول خصـ ـرها، وكأنها الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحميه من العاصفة التي تعصف بداخله  ، كانت قبضته قوية، ولكنها مليئة بحاجته إلى الشعور بالأمان، إلى التمسك بشيء حقيقي.


أنفاسه بدأت تهدأ تدريجيًا، لكنه لم يكن يريد أن يبتعد  ، شعر وكأنها مركز ثقله، المكان الذي يستطيع أن يضع عليه كل ثقله دون أن يخشى الانهيار. 


كان ذلك التملك الذي أحاطها به، ليس فقط تعبيرًا عن الحب، بل كان تعبيرًا عن الخوف من الفقدان، عن حاجته الماسة لأن يكون قريبًا، لألا يضيع وسط دوامة مشاعره.


شعرت«نور» بثقل جسده يستقر بجانبها، لكنها لم تشعر بأي ضيق  ، على العكس، كان كل ذرة في كيانها تحتضنه بشدة، كأنها تعطيه الأمان الذي يبحث عنه.


 لم تقل شيئًا، لأنها عرفت أن الكلمات الآن لن تكون كافية، كل ما كان يحتاجه «نوح» هو هذا الصمت المريح، هذا العنـ ـاق الذي يعيد بناءه من جديد.


وضعت يدها بهدوء على رأسه، تمرر أصابعها بين خصلات شعره بتأنٍ، وكأنها تخبره من دون كلمات بأنها هنا، بأنها لن تتركه وحده في هذا العالم الذي يبدو قاسيًا جدًا عليه. 


لم يكن هناك شيء أكثر قوة من هذا اللحظات، حيث يتشارك الاثنان صمتًا مليئًا بالكلمات غير المنطوقة، المشاعر التي تغمر المكان كالموج الهادئ.


مع كل دقيقة تمر، كان «نوح» يشعر بثقل الألم يتلاشى شيئًا فشيئًا  ، كان في حضن «نور» يعيد اكتشاف ذاته، يعيد لملمة شتات روحه.


 في هذه اللحظة، لم يكن هناك شيء آخر في العالم مهمًا، فقط هو وهي، وقلبها الذي كان ينبض بهدوء، يمنحه الإحساس بالسكينة والراحة التي افتقدها لفترة طويلة.


استمر في حضنها، يشعر بأنفاسه تتناغم مع أنفاسها، وكأنهما أصبحا كيانًا واحدًا، ينبض بالحياة معًا.


 لم يعد بحاجة إلى الحديث عن الألم الذي يعصف به، لأنه كان يعرف أن «نور» تفهم كل ما بداخله دون أن يقول كلمة واحدة.


شعرت «نور» بانتظام أنفاسه التي بدأت تهدأ تدريجياً، وكأن جسده أخيرًا استسلم لراحة لم يعهدها منذ فترة طويلة. 


كانت أنفاسه العميقة والمتساوية تعبر عن حالة من الاسترخاء العميق الذي لم يكن ليصل إليه إلا في اعنـ ـاقها. 


شعرت بثقل جسده يستقر على صـ ـدرها، علامة على أنه غرق في نوم عميق، نوم كان يحمل بين طياته الأمان الذي فقده.


كان هذا الثقل، بدل أن يكون عبئًا، بمثابة تأكيد لها أنه وجد ملاذه أخيرًا. 


ملاذ من كل تلك العواصف التي كانت تجتاح حياته  ، عانـ ـقته وهي تشعر بحرارته التي اختلطت مع دفء جسدها، كل خلية فيها كانت تدعو له بالسلام الذي يحتاجه.


أغمضت عينيها للحظة، محاولة أن تجد الراحة التي كان هو قد وجدها.


 تذكرت المنوم الذي اعتادت أن تأخذه لتنجو من الكوابيس التي تطاردها  ، ذلك المنوم كان دائمًا ملجأها للهروب من الذكريات المؤلمة، من الأحلام التي تلاحقها بأطياف الماضي. 


ولكن، هذه المرة، عندما فتحت عينيها ونظرت إلى ملامحه الهادئة النائمة، تراجعت عن الفكرة.


رأت السكينة التي تسللت إلى وجهه، كيف زالت خطوط التوتر من جبينه، كيف هدأت شفتيه وكأنهما تشكرانها على هذه اللحظة من الهدوء. 


شعرت أن قلبها ينبض بتأنٍ، وكأن إيقاعه يتماشى مع إيقاع نومه العميق  ، لم تستطع أن تتجاهل هذه الصورة التي رأتها أمامها، صورة شخص وثق بها إلى هذا الحد، حتى أنه استسلم للنوم بين ذراعيها، مطمئنًا أنه في مأمن.


 قررت «نور»، بكل حب وإصرار، ألا تتحرك من مكانها  ، لن تتركه حتى لو كانت بحاجة إلى النوم.


 كان أهم شيء الآن هو أن يبقى «نوح» مستغرقًا في هذا النوم الهانئ، هذا الأمان الذي لم يشعر به منذ وقت طويل،لن تقوم لتأخذ المنوم، لن تتركه وحيدًا في لحظة كهذه.


مدت يدها ببطء، وبدأت تمسح على شعره بحنان، تمرر أصابعها بين خصلاته وكأنها تهمس له بأغاني ليلية تهدهده.


 كانت تعرف أن ما يعيشه الآن هو حلم بعيد عن مخاوفه، حلم ليس له علاقة بالذكريات التي تحاصره  . 


أرادت أن تظل مستيقظة لتحرس هذا الحلم، أن تكون الحامي الذي يمنع أي كابوس من الاقتراب منه.


بينما كانت جالسة، وعينيها تراقب وجهه بهدوء، أدركت كم هو ثمين هذا اللحظة، وكم هو عميق الرابط الذي جمعهما.


 لم يكن مجرد نوم عادي، بل كان تواصلًا صامتًا بين روحيهما  ، كانت تعرف أنها ستكون مستعدة للبقاء إلى جانبه طوال الليل، مستعدة لمحاربة كل ما يمكن أن يعكر صفو نومه، حتى لو كان ذلك يعني التضحية براحتها الخاصة.


مع مرور الوقت، بدأت تشعر بثقل جفونها، لكن كلما شعرت بذلك، كانت تنظر إلى «نوح» مرة أخرى، وترى في وجهه النائم ما يكفي لدفعها لمقاومة النوم  ، كل لمسة كانت تنقل إليه رسالة: 


"أنا هنا، لن أتركك".


 كانت تتأكد من أنه يشعر بوجودها، بالأمان الذي توفره له ذراعيها  ، ظلت مستيقظة، تشاهد كل لحظة تمر، كأنها تحرس كنزًا ثمينًا، حتى تشرق الشمس  ، لم يكن هناك شيء في هذا العالم يمكن أن يجعلها تتحرك من جانبه، طالما أنه يحتاج إليها.


أُغمضُ عينيكَ، يا نوح، ودعني أحرسُ أحلامَكَ،

لن أدعَ الخوفَ يقتربُ منك،

سأكونُ سورَ الأمانِ الذي يحميكَ من كلِّ ما يؤلمُ.


في كُلِّ لمسةٍ مني، وعدٌ أبدي،

أنني سأظلُ هنا، حتى تشرقَ فيكَ الشمسُ من جديد،

حتى يعودَ النورُ لعينيكَ، وحتى تهدأَ الروحُ.


نم في صـ ـدري، يا من أرهقتهُ الحياةُ،

دعني أكونُ لكَ السلامَ الذي لم تعرفهُ من قبل،

وأنا، سأكونُ الجدارَ الذي لا يسقطُ،

أمامَ أيِّ ريحٍ أو عاصفة.

الصفحة التالية