-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 20 - 4 - الأحد 12/1/2025

  

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الفصل العشرون

4

تم النشر بتاريخ الأحد

12/1/2025


بين ألمٍ يثقل الصدر وحنينٍ للماضي،

تجول الروح في صمتٍ لا يرحم.

تبحث عن أمانٍ في صوتٍ بعيد،

وتلقي همومها في حضنِ الليل العميق.




دخلت «وعد» إلى غرفتها بخطوات ثقيلة، كأنها تحمل على كتفيها جبالًا من التعب والألم  ، أغلقت الباب خلفها بهدوء، وكأنها تريد أن تحجب عن نفسها كل ما يحدث في الخارج، أن تخلق لها عالمًا صغيرًا من الهدوء وسط العاصفة. أطلقت تنهيدة طويلة، عميقة، كأنها تحاول أن تطرد من داخلها كل المشاعر السلبية التي تراكمت طوال اليوم.


شعرت بأن شيئًا ما يخنقها، ذلك الشعور الذي يجثم على صـ ـدرها ويمنعها من التنفس بحرية.


 كانت هذه الخنقة أشبه بيد خفية تضغط على قلبها، تجعل كل نفس تأخذه صعبًا وثقيلاً، وكأنها تحاول الهروب من شيء لا تستطيع حتى تحديده.


اتجهت إلى المرحاض ببطء، كانت الماء الدافئ كان وسيلتها لغسل الأوجاع، لإزالة الأثقال التي تشعر بها، ليس فقط عن جـ ـسدها، بل عن روحها وعقلها.


بعد دقائق خرجت، والبخار ما زال يتصاعد من جسدها، يخلق هالة من الراحة المؤقتة. 


كانت ترتدي ، قميصًا قصيرًا يصل الي اسفل بطنها بقليل بحمالات لونه أبيض، وبنطلونًا أبيض واسعًا.


 كان اللون الأبيض يعكس رغبتها في السلام، في النقاء الذي تفتقده في حياتها المليئة بالفوضى.


اقتربت من تسريحتها وجلست أمام المرآة  ، نظرت إلى نفسها، إلى تلك العيون التي تعكس التعب والخوف، ثم رفعت يديها إلى شعرها، جمعته في كحكة فوضوية، تاركة بعض الخصلات تنساب على عينيها.


 كان هذا الإهمال المتعمد في تسريح شعرها يعبر عن حالتها الداخلية، عن الفوضى التي تعيشها، عن مشاعرها المتشابكة والمتناقضة.


بعد ذلك، اتجهت إلى الفراش ببطء، وكأن كل خطوة تأخذها تثقلها الذكريات والمشاعر التي تجتاحها.


 جلست على الفراش، وأمسكت هاتفها، تتفحصه بلا تركيز، كأنها تبحث عن شيء يشغلها عن أفكارها، عن ألمها.

ولكن فجأة، توقفت أناملها عند رؤية اتصالات فائتة من «كمال». 


شعرت بصدمة خفيفة، وكأنها تلوم نفسها على نسيانها، ضربت يـ ـدها على رأسها بخفة، وهتفت بنبرة مليئة بالعتاب، ليست فقط لكمال، بل لنفسها:


ـ ازاي نسيت أكلمه؟ هو قالي لما تروحي كلميني، وأنا انشغلت في الموضوع ومكلمتوش.


ختمت رأسها بين يديها، وأمسكت وجهها بعصبية  ، كانت تعاتب نفسها بشدة، تشعر بالذنب وكأنها خذلت «كمال»، لكنها في الحقيقة كانت تعرف أن هذا الشعور بالذنب يعكس شيئًا أعمق، ذلك الصراع الداخلي الذي ينهكها، بين ما يجب عليها فعله وما تفعله حقًا.


كل حركة منها، كل نفس تأخذه، كان يعبر عن ثقل يومها، عن الأوجاع التي تحملها  ، كانت تلك اللحظة الصغيرة مليئة بالمعاني، معاني الانهيار الصامت الذي تشعر به، معاني الرغبة في الهروب من هذا الشعور الذي يأسرها، لكنها في الوقت نفسه تحاول أن تبقى قوية، أن تبقى واقفة، حتى وإن كان قلبها يتأرجح بين الحزن والخذلان.


تسللت نغمة رنين الهاتف إلى أذني «وعد»، لتقطع شرودها وتعيدها إلى الواقع  ، نظرت إلى الشاشة، ورأت اسم «كمال» يضيء أمامها. 


شعرت بقلبها ينبض بسرعة، وكأنها تدرك حجم الخطأ الذي ارتكبته  ، رفعت الهاتف بيد مرتعشة، وضغطت على زر الرد وهي تشعر بتوتر يجتاحها.


ـ الو يا كمال.


جاء صوته من الطرف الآخر، قلقًا، مليئًا بالحنان :


ـ وعد، انتِ فين من بدري؟ قلقت عليكي  ، انتِ كويسة؟


أغمضت عينيها للحظة، محاولة جمع شتات نفسها  ، كانت نبرة صوته مليئة بالقلق، وكأنها تلمس أعماق قلبها، تذكرها بأنها لم تكن وحدها في هذا العالم. شعرت بثقل الذنب، كيف يمكنها أن تنسى؟ كيف يمكنها أن تتجاهل شخصًا يهتم بها بهذا الشكل؟


ـ أنا كويسة الحمد لله، متقلقش  ، أنا بس انشغلت شوية في كام حاجة، وخلوني مبصش على الفون ولا افتكرت إني أبعتلك رسالة  ، أنا آسفة يا كمال.


كانت كلماتها تعبيرًا عن الندم، لكنها كانت تعلم أن هذا الاعتذار لن يكفي لتبرير قلقه.


تنهد «كمال» من الطرف الآخر، وكان لهذه التنهيدة وقع السكينة على قلبها، وكأنها تغفر لها كل شيء  ، قال بصوت حنون، يطمئنها أكثر مما يطمئن نفسه :


ـ ولا يهمك، اللي عندي دلوقتي إنك كويسة  ، أنا حتى جيت عشان أطمن عليكي وصدقيني لو مردتيش عليا في الرنة دي، كنت هدخل.


تسارعت دقات قلبها، وهي تسمع كلماته المليئة بالحب والخوف عليها  ، شعرت بحرارة تغمرها، كأن وجوده خارج القصر يبعث في قلبها طمأنينة لا يمكن وصفها.


ـ واللي قلقني أكتر نور، برن عليها هي التانية مش بترد  ، قولت يمكن في حاجة، فمدرتش بنفسي غير وأنا جاي، ودلوقتي قدام القصر بشوية، وقصادي شباكك.


اتسعت عيناها بسعادة، وسارعت نحو النافذة، تفتحها بلهفة لتراه  ، هناك، كان «كمال» يقف بهدوء، يمسك الهاتف بيد ويضعه على أذنه، بينما يده الأخرى مسترخية داخل جيبه. 


ظهره مستند إلى مرآب السيارة، يبدو وكأنه جزء من الليل، لكنه يشع نورًا في قلبها.


عندما رأته، ابتسمت بدون وعي، كأن ابتسامتها هي انعكاس لفرحتها بوجوده  ، قبل أن تنطق بكلمة، قاطعها بصوت مليء بالهيام :


ـ إيه يا ربي الحلاوة دي، انتِ لو قاصدة تخليني أقع من طولي من جمالك مش هتعملي كده.


ضحكت بصوت عالٍ، تلاشت كل الآلام التي شعرت بها منذ قليل  ، كلماته كانت كافية لتنسى، ولو للحظات، كل ما يثقل قلبها.


ـ بطل بقى يا كمال. وبعدان، انت مجتش ليه؟


ابتسم ابتسامة جانبية، ولم يرفع عينيه عنها  ، كانت ابتسامته مليئة بالحب، كأنها تقول لها أكثر مما يمكن للكلمات التعبير عنه.


ـ عايزني أجي عشان ستك تعلقني على باب القصر؟ إذا كانت هي مش طايقاني في الشركة، هتطقني في البيت إزاي؟؟، يا شيخة، قولي كلام معقول.


ضحكت مرة أخرى، ولم تستطع منع نفسها من الاستسلام لمزاحه الذي كان دائمًا ينجح في رسم البسمة على وجهها.


ـ يا عم متقولش كده، دي تيته طيبة جدًا.


هز رأسه بمزاح، وما زال ينظر إليها بمشاكسة :


ـ أشك في دي بصراحة  . 


لم تستطع منع نفسها من الضحك للمرة الثالثة، لكن ضحكاتها هذه المرة كانت مليئة بالحب  ، نظرت إليه بعينين مليئتين بالهيام، لكنها لم تستطع التحدث، قاطعها هو بحنان:


ـ كفاية كده، ادخلي يلا أوضتك  ، الجو برد عليكي، وانتِ لابسة خفيف، وخايف تتعبي.


شعرت بدفء اهتمامه يغمرها  ، كانت تلك اللحظات الصغيرة، تلك الكلمات البسيطة، كافية لتجعلها تشعر بأنها محبوبة، بأنها ليست وحدها في هذا العالم القاسي.


ـ وانت كمان يلا على البيت، وروح نام.


هز رأسه بحب، وقال بصوت هادئ مثل هدوء الليل :


ـ ماشي، تصبحي على خير، وخلي بالك من نفسك.


ـ حاضر، وانت كمان، تصبح على خير.


استدارت لتغلق النافذة، لكن صوته ناداها مجددًا، توقفت ونظرت إليه بلهفة  : 


ـ نعم يا كمال؟


ابتسم بحب، وأمسك الهاتف بقوة أكبر، وقال بصوت مليء بالهيام :


ـ انتِ جميلة أوي يا وعد.


توردت وجنتاها، وابتسمت بخجل قبل أن تغلق النافذة بسرعة  ، اقتربت من الفراش، وضغطت الوسادة إلى صدرها، تغمرها مشاعر مختلطة من الحب والسعادة.


ـ تصبح على خير يا كمال، يلا سلام.


رد عليها بنبرة ملؤها الحنان، وهو يدخل سيارته :


ـ يا أحلى كلمة سلام سمعتها في حياتي.


ضحكت بصوت عالٍ، وأغلقت الخط بسرعة، قلبها يخفق بسرعة كأنها تعيش لحظة خيالية  ، تمددت على الفراش، تحتضن الوسادة، وعيناها تلمعان بالفرح  ، كانت تلك اللحظة الصغيرة كافية لتمحو كل ألم، كل خيبة شعرت بها.


بينما كانت تغمض عينيها، كانت تعلم أن هذه الليلة ستكون مختلفة، ليلة ستظل تتذكرها بابتسامة، لأنها كانت مليئة بالحب الذي يملأ روحها دفئًا وطمأنينة  . 



في هدوء الليل، بيننا حديث العيون،

كأن الكون اختزل في همسنا المكنون.

أنتِ ملاذي، وأنا لكِ السكن،

نحيا بين الأمان والشجن.


تُمسك يديكِ بيدي فتنسى المسافات،

وتُضيء عينيكِ لي دروب الظلمات.

أنا الوطن وأنتِ الأمان،

وفي حضنكِ تنتهي كل الأحزان.

الصفحة التالية