-->

رواية جديدة أنا لست هي مكتملة لبسمة بدران - الفصل 26 - 1 - السبت 18/1/2025

 قراءة رواية أنا لست هي كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية أنا لست هي

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة بسمة بدران


الفصل السادس والعشرون

1

تم النشر يوم السبت

18/1/2025


أمام الغرفة التي تقطن بها  وقف يستمع إلى صوت بكائها الذي يمـ زق نياط القلوب. 

في داخله كان يحترق حزناً على تلك المسكينة التي لا ذنب لها في كل ما يحدث معها إنها فتاة بريئة ونقية من الداخل والخارج لا تمت بصلة إليهم أبداً.

 فقط المنظر الخارجي قد يوحي بشبه لكن الداخل... شتان الفرق هذه ملاك والأخرى شيطان.


كاد أن يتراجع عن خطته مع سيلا لكنه تذكر حقده على رائف نصار وأيقن أن تلك القابعة بالداخل تعني له الكثير بل أكثر مما تعني له سيلا التي أخذها منه سابقاً.

 لم يستطع إنكار إعجابه بليلى ذلك الشعور الذي بدأ يكبر في داخله.

 أغمض عينيه بقوة فتذكر ما حدث في وقت سابق من ذلك اليوم.



ظهر هذا اليوم

اقتربت منه سيلا وقالت بحزم: "صحيح يا وليد لازم نقررها على كل حاجة لازم أعرف علاقتها برائف وواصلة لحد فين وعلاقتها بكل اللي في البيت."


رد وليد بخوف: "وهنهددها بإيه؟"


قاطعت سيلا كلامه بصرامة: "هنهددها وبس يا وليد يعني مثلاً هقول إنك هتعـ تدي عليها لو ما قالتش كل حاجة أو كذبت وقتها ما قدامهاش غير إنها تعترف بكل حاجة وبصدق الناس اللي زيها بيحافظوا على شـ رفهم حتى لو هيموتوا."


ابتسم وليد في داخله فكل ما تفوهت به سيلا لم يكن إلا مدحاً لتلك القابعة بالداخل. لم يجد سبيلاً سوى الموافقة فتوجها معاً إلى الغرفة.


داخل الغرفة 

اقتحما المكان فجأة مما جعل ليلى تتراجع للخلف بخوف وهي تهتف: "في إيه؟ هتعملوا إيه؟"


أجابها وليد محاولاً تهدئتها: "ما تخافيش يا ليلى كل اللي عايزينه منك إنك تجاوبي على الأسئلة اللي هتقولها لك سيلا."


قاطعت سيلا حديثه واسترسلت بحدة: "ولو كذبتِ في أي حرف هخرج وأسيبك مع وليد وما تتخيليش بقى لما وليد يستفرد بيك."


انكمشت ليلى على نفسها وهي تهتف بخوف: "هقول لكم على كل حاجة بس أرجوكم ما حدش يقرب لي."



استفاق وليد من شروده على صوت ليلى المرتفع وهي تهتف ببكاء: "افتحوا لي أنا عايزة أدخل الحمام!"


❈-❈-❈

###


دلفت من غرفتها أخيراً بعد أن استنفدت طاقتها في البكاء.

وقعت عيناها على عيني زوجها الذي كان يرمقها بحزن شديد. 

دنت منه بخطوات حتى وقفت قبالته مباشرة وهتفت بصوت مبحوح: "سالم ليه بتعمل معايا كده؟ هو أنا مش عاجباك؟"


هزّ رأسه نفياً فتابعت بقسوة: "أمال ليه؟ ليه تبعد عني بالشكل ده؟ وكأنك مش طايقني! لما انت مش بتحبني اتجوزتني ليه؟ حد أجبرك عليّ؟ هو أنا وحشة؟ شايفني مش إنسانة بالنسبة لك؟"


رفعت رأسها إلى أعلى كي تمنع دموعها من الانهمار مجدداً ثم استرسلت: "أرجوك سامحني أنا تعبت بجد لو لقيت إجابة لكل الأسئلة اللي في دماغي يمكن أرتاح."


شعر سالم بأنه لا مفر من إخبارها الحقيقة إن لم يفعل ربما ستتركه ندى للأبد وهو لن يسمح بذلك.

 دنا منها وعانـ قها بقوة هامساً ببكاء: "سامحيني يا ندى أنا عارف إني ظلمتك معايا بس صدقيني المشكلة مش فيكِ المشكلة في أنا... أنا رحت كشفت قبل الفرح بكم يوم وعرفت... عرفت إني عقيم."


بتر باقي حديثه وانخرط في موجة قوية من البكاء. 

شعرت ندى بالحزن الشديد عليه فعـ انقته بقوة وهي تمسح على ظهره صعوداً وهبوطاً تهمس له كلمات مهدئة.


ظل هكذا يبكي ويبكي حتى هدأ تماماً ثم ابتعد عنها وهو ينظر إلى الأرض وقال بصوت منكسر: "أنا مش راجل يا ندى بس أبوس إيدك ما تسيبينيش أنا بجد بحبك أوي صدقيني هعملك كل اللي انتِ عايزاه مش هخليكي ناقصة حاجة بس ما تبعديش عني."


انسكبت دموعها الغزيرة فوق وجنتيها الناعمتين ودنت منه ثم بادرت بمعـ انقته وهي تهتف بلهفة: "ما تخافش يا سالم أنا كمان بحبك اوي وعمري ما هسيبك ولا هبعد عنك."


قالت كلماتها بصدق استشعره سالم فتنهد براحة وضمها إليه بقوة وهو يحمد الله في داخله لأنه رزقه بزوجة مثلها.

 لكنه لم يكن يعلم أن موافقة ندى على الحياة معه بهذه الطريقة ستفتح لها أبواباً من الجـ حيم.


❈-❈-❈


بسعادة شديدة كانت تتفحص الهاتف الجديد الذي أحضره لها زوجها بينما حماتها تراقبها بغل شديد. 

فمن وجهة نظرها قد سيطرت تلك الأفعى الرقطاء على ابنها الوحيد. 

صكت على أسنانها بغضب حارق ثم هتفت بحدة لم تستطع إخفاءها: "وإنتِ هتفضلي سهرانة كده؟ ما تقومي تنامي؟"


مطت شفـ تيها باستفزاز مجيبة إياها: "وسهري مزعلك في إيه بس يا ماما؟ أنا فرحانة بالموبايل الجديد الله يخليه مش حارمني من حاجة أول ما قلت له نفسي في تليفون تاتش ما كدبش خبر ونزل اشتراه لي. 

حقيقي يا ماما يا زين ما ربيتي."


قالت كلمتها الأخيرة بسخرية مبطنة التقطتها الأخرى على الفور فزجرتها بحدة ثم هبت واقفة تتمتم وهي تتجه إلى غرفتها بكلمات غير مفهومة لكنها توقفت مكانها عندما هتفت نرجس بصوت مرتفع: "ما لسه بدري يا ماما ولا أقولك نامي النوم راحة للي زيك."


استشاطت غضبًا من حديث تلك الفتاة فاستدارت تدنو منها وعينيها تقدح شررًا هاتفة بغضب حارق: "اسمعي ألاعيبك دي مش هتخيل عليّ وابني اللي إنت بتلعبي بيه ده مش هسكت مش هسيبك تضيعي فلوسه ما هو ده غرضك.

 أوعي تفتكري إني مش فاهمة إتجوزتيه ليه وإنت في عمر عياله أكيد عشان خاطر القرشين اللي حيلته عشان كده اسمعي..."


هبت نرجس واقفة مقاطعة إياها بحدة: "لا اسمعيني إنتِ بقى خليكي عارفة إن انتِ هنا في البيت مجرد ضيفة ده بيتي وبيت جوزي وأنا مستحملاكي عشان سي مختار لكن غير كده فانتِ بالنسبة لي ضيفة وضيفة تقيلة كمان!"


ألقت كلماتها المسمومة دفعة واحدة ثم اتجهت إلى غرفتها وهي تدندن بسعادة وكأنها لم ترمِ قنـ بلة منذ ثوانٍ تاركة الأخرى تشيعها بنظرات حاقدة.


سرعان ما تذكرت سهام تلك المرأة التي لطالما عاملتها باحترام رغم الكلمات المسمومة التي كانت تلقيها في وجهها كلما رأتها. 

لكن شتان بين هاتين المرأتين فالراحلة تربت على الأصول وتلك لا تمت لها بصلة.


ابتسمت بسخرية فالآن عرفت أن سهام كانت ابنة أصول وهي التي كانت تطعنها بشـ رفها دائمًا. 

اتجهت إلى غرفتها وهي تجر أذيال الخيبة خلفها وهي تعلم أن القادم لا يبشر بالخير أبدًا.


❈-❈-❈


اتسعت حدقتا هيام وماجي بعد أن استمعتا لصوت نهال الذي خرج للتو. 

دنت منها هيام بسعادة تعانقها بقوة: "وأخيرًا حبيبتي اتكلمتي! حمد الله على السلامة يا نهال."


تمتمت نهال وهي ما زالت غير مستوعبة ما حدث معها الآن: "الله يسلمك."


فالتي عانقتها هي سيلا ابنتها لكن ماذا عن الأخرى؟ وما الذي حدث؟ ربما هي تهيؤات أو شيء من هذا القبيل عقلها لم يستوعب بعد كل ما يحدث.


نفضت تلك الأفكار من رأسها وراحت تحدق بسيلا التي وقفت تتابع ما يحدث بهدوء شديد وبعد أن تداركت الموقف دنت والدتها مرة أخرى وعانـ قتها بقوة مردفة: "مامي أنا مبسوطة خالص إني سمعت صوتك مرة تانية."


هزت نهال رأسها نفيًا بعدما تمعنت في صوت ابنتها ولسان حالها يردد أن هذه هي سيلا لكن ماذا عن الأخرى؟ كادت تصاب بالجنون من هذه الأفكار فقررت أن تتركها جانبًا وتستمتع بعودة صوتها لها مرة ثانية.


سرعان ما ابتسمت بسعادة عندما تخيلت سعادة زوجها بعد أن تستقبله بصوتها العذب كما كانت تفعل سابقًا. 

جذبتها هيام من يدها وأجلستها بجوارها متسائلة: "كنتِ فين طول النهار يا بنتي؟"


أجابتها سيلا بهدوء وهي تحاول أن تتحدث بحذر كي لا ينكشف أمرها: "رحت أزور نورسين وما لقيتهاش فتمشيت شوية وكده يعني وبعدين رجعت على البيت."


سألتها هيام: "هو رائف وباباكي لسه ما رجعوش؟"


أجابت ماجي سريعًا:"هن بالطريق ورائف كمان معهم."


ثم وجهت حديثها لنهال: "ألف حمد الله على السلامة حبيبتي فرحت كتير."


منحتها نهال ابتسامة خفيفة مجيبة بسعادة: "الله يسلمك يا ماجي تسلمي يا حبيبتي  وربنا يقومك بالسلامة يا رب."


ردد الجميع: "يا رب."


لكن سيلا كانت تشعر بالخوف من أول مقابلة لها مع رائف والسؤال الوحيد الذي يدور بداخلها: هل سينكشف أمري منذ أول يوم أم أنني سأستطيع خداع رائف وكل المنزل؟


❈-❈-❈


خرجت من المرحاض وهي تحاول السيطرة على دموعها المنهمرة لكنها لم تستطع.

 ماذا لو استطاعت سيلا خداع رائف وأقام معها علاقة؟ 

انفجرت في بكاء مرير؛ فهي لن تتحمل أن يعود لتلك الحية مرة أخرى بعدما أحبته بجنون وجدت فيه الحنان والحماية وكل شيء جميل افتقدته منذ زمن طويل.


كان وليد يتابع انهيارها بحزن شديد اقترب منها بهدوء وقال: "اهدي يا ليلى ما ينفعش كده أنتِ من بدري وأنتِ بتعيطي تعالي وكلي لكِ لقمة."


هزت رأسها نفيًا وهتفت بصراخ: "انتوا عيزين مني إيه؟ حرام عليكم! ابعدوا عني وسبوني في حالي! أنا ما صدقت أرتاح طول عمري وأنا عايشة في ذل وإهانة من القريب قبل الغريب هو أنا ليه ما بلحقش أفرح؟ وكأن الدنيا مستكترة عليّ السعادة! حرام عليكم بقى. 

وهي سيلا عايزة إيه من رائف؟ مش هي اللي سابته زمان دلوقتي رائف بقى حلو لما فضلني عليها وحبني أنا إزاي في بني آدمين زيها كده؟ دي مش بني آدمة!"


زفر وليد بضيق وترك ليلى تخرج ما بداخلها دون أن يقاطعها فهي تحتاج إلى إخراج كل ما في صـ درها لعلها تهدأ قليلًا.

 يبدو أنها ستبقى معه وقتًا طويلًا لم يعلم لماذا شعر بالسعادة عندما جاءت هذه الفكرة في عقله.

 تُرى هل أحب تلك الليلى؟ أم أنها فتاة جديدة ومختلفة عليه كليًا؟ فهو لم يعتد هذه النوعية من النساء. حقًا لا يعرف لماذا لكنه يعلم جيدًا أنه سعيد. سعيد فحسب.


ظلت ليلى تصرخ وتصرخ حتى كادت أن تنقطع أحبالها الصوتية  وبعد وقت لا بأس به هدأت كليًا. 


ران الصمت للحظات ثم قطعه وليد قائلًا بلهجة هادئة: "كفاية كده يا ليلى انت جايبة الدموع دي كلها منين يا بنتي؟"


زفر بغضب من صمتها ثم هدر بصوت مرتفع: "طب قولي لي أنتِ عايزة إيه دلوقتي؟"


أجابته بسرعة: "عايزة أروح لرائف!"


قبض على يديه بقوة حتى ابيضت مفاصله عند ذكر غريمه هتف وهو يجز على أسنانه: "مش عايز أسمع اسمه هنا أنا بكرهه!"


ارتجفت ليلى عند سماع صوته الغاضب والحقد المصاحب لحديثه.

 قررت الصمت كي لا يحدث ما لا يُحمد عقباه. صمتت وصمتت تفكر في حل يخرجها من تلك الورطة.


سرعان ما قفزت في ذهنها فكرة الهرب من هنا لكنها ظلت تتساءل: كيف ستخبر رائف بكل ما حدث معها؟ وكيف ستنفذ فكرتها وهذا "وليد" يراقبها كظلها؟


الصفحة التالية