-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 18 - 1 - الأربعاء 1/1/2025

 

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الفصل الثامن عشر

1

تم النشر بتاريخ الأربعاء

1/1/2025

استيقظت «نور» وهي تسمع صوت زقزقة العصافير التي يعلن أن الصباح قد حل  ، فتحت عينيها وجدت نفسها نائمة في الوسط بين «ياسين» وبين «نوح»  ، نظرت الى «نوح» وجدته يعانـ ـقها و نائما بعمق.. 


مرّت لحظة من الصمت قبل أن تستوعب نور المشهد حولها، دفء الصباح المتسلل من النافذة يعانق الغرفة، فيما زقزقة العصافير تضيف إلى الهدوء نغمة عذبة  ، شعرت بنبضات قلبها تتسارع قليلاً، ليس بسبب المفاجأة، بل بسبب مزيج من الطمأنينة والحيرة.


نظرت إلى «نوح» مجددًا، كان وجهه مسترخياً وكأنه وجد ملاذاً في هذا النوم العميق  ، ذراعه تحيط بها كما لو أنها تحميها من عالم بأسره، ثم التفتت نحو «ياسين»، كان مستلقياً بهدوء، وجهه يظهر تعابير الطفولة البريئة  . 


شعرت بتناقض المشاعر، بين الحيرة التي تملكتها والراحة التي وجدت نفسها غارقة فيها  ، كانت تتساءل بصمت، كيف انتهت إلى هنا؟ ماذا حدث الليلة الماضية؟  ، و لماذا تشعر بهذا السلام بجانبه هو فقط !!  . 


قامت بتحريك جسدها قليلاً في محاولة لفك الحصار دون إيقاظ «نوح»، لكن ذراعه شدّت حولها برفق، كأن عقله الباطن يخشى أن تبتعد  ، توقفت للحظة، تتأمل تفاصيل وجهه، وتتساءل ما  ، إذا كان يعلم أنه يمثل بالنسبة لها لغزاً لا تستطيع فك شفراته  . 


تسللت أفكارها نحو ذكريات الأمس، تحاول ربط الأحداث التي أوصلتها إلى هذه اللحظة  ، ولكنها تذكرت انها كانت نائمة مكان «ياسين»  ، وجعلت «ياسين» ينام في الوسط بينهم  ، فـ كيف انتهى بها المطاف في احـ ـضانه؟؟  . 


فهى لم تستيقظ ولم تشعر بشئ بسبب ذلك المنوم الذى جعلها تنام بعمق كبير  ، نظرت لـ «نوح» مرة اخرى  ، وهى لم تفهم لما جعلها أن تنام في احـ ـضانه؟؟؟  


 كانت غارقة في أسئلتها، وهي تحاول فك شفرة هذا الموقف الغريب  ، التناقض بين عقلها وقلبها كان مربكاً، كأن هناك صراعاً صامتاً يدور داخلها  ، كانت تعلم أن المنوم الذي أخذته الليلة الماضية كان السبب في عدم استيقاظها أو شعورها بأي شيء، ولكن ذلك لم يُخفِّف من دهشتها أمام ما حدث.


نظرت إلى «نوح» مرة أخرى، تفاصيل وجهه الهادئة تسلب انتباهها  ، شعرت بنوع من الأمان في قربه ، لكنه أمان اختلط بحيرة عميقة  ، لماذا فعل ذلك؟ هل كان يبحث عن دفءٍ في هذا القرب؟ أم أن هناك شيئاً أعمق لم يخبرها به؟


حاولت نور الابتعاد بحذر مرة أخرى، لكن هذه المرة شعرت بشيء مختلف في طريقة احتضانه لها ، وكأن ذراعه تُرسل رسالة خفية : 

"لا تبتعدي " ارتبكت أكثر، وشعرت وكأن نبضات قلبها تتناغم مع هدوء أنفاسه الدافئة التى تداعب بشرتها الباردة  ، رفعت يـ ـدها تبعد ذراعيه التي تحاوط خصرها وذراعيها  ، مما فشلت وتنهدت بتعب  . 


 شعرت بالعجز أمام هذا الموقف الذي لا تستطيع تفسيره ولا الهروب منه  ، أخذت نفساً عميقاً، تحاول تهدئة أفكارها، لكن قلبها كان يتسابق مع كل نبضة كأنما يحمل في طياته ما عجزت الكلمات عن قوله.


كانت أنفاس «نوح» قريبة منها، تبعث دفئاً يتسلل إلى أعماقها  ، لم يكن الوضع مريحاً لها، ولكنها لم تستطع تجاهل ذلك الشعور الغريب بالألفة  ، حاولت مجدداً أن تحرك يديه بحذر، لكن نومه كان عميقاً وذراعه مستمرة في إحكام قبضتها برفق، كأنما يخشى أن تبتعد عنه دون أن يدرك.


أغمضت عينيها لبرهة، تحاول جمع شتات نفسها  ، بدأت تسأل نفسها أسئلة لم تجرؤ على التفكير فيها من قبل :


"لماذا هو؟ لماذا أشعر بشيء غريب في وجوده؟ هل يمكن أن يكون لهذا الموقف تفسير أكثر من مجرد الصدفة؟  " 


لكنها لم تجد إجابة واضحة، فقط شعور عميق بأن نوح ليس مجرد شخص عابر في حياتها  . 


حاولت الانشغال بالنظر نحو «ياسين» ، الذي كان لا يزال نائماً بهدوء تام، وكأنه منعزل عن هذا الموقف تماماً  ، كان ذلك يجعلها تشعر بمزيد من الحرج، لكن في الوقت ذاته كانت تعرف أن ياسين لن يلاحظ ما يحدث، على الأقل الآن.


في النهاية، استسلمت نور لوضعها الحالي  ، قررت أن تنتظر حتى يستيقظ ليفك هذا المأزق  ، نظرت مجدداً نحو نوح، وكأنها تأمل أن تجد في وجهه الإجابة التي تبحث عنها، لكنها لم تجد سوى وجه هادئ وساكن، يحمل معه المزيد من الأسئلة  . 


مما رفعت يـ ـديه وهى تملس وجهه وتتأمل ملامحه بحُب بينما كانت نور ترفع يديه برفق وتلمس وجهه، شعرت بموجة من المشاعر المتدفقة، مشاعر لم تعهدها من قبل، وكأن قلبها أخبرها بحقيقة لم تكن مستعدة للاعتراف بها. أصابعها كانت تتسلل برفق على وجنتيه، تتأمل ملامحه بتأنٍ، تبحث بين التفاصيل عن الإجابة التي عجز عقلها عن إيجادها.


لماذا هذا الشعور؟ لماذا يسيطر عليها دفء لم تختبره قط من قبل؟ تذكرت نظراته لها في الأيام الماضية، كيف كان يراقبها بصمت، كأنه يخشى أن يقترب أكثر، أو ربما ينتظر اللحظة المناسبة ليكشف عن شيء دفين في قلبه.


بينما كانت غارقة في تأملها، شعرت بحركة خفيفة في عينيه  ،  بدأ نوح يستيقظ ببطء، فتح عينيه نصف فتحة، وكانت ملامحه لا تزال تحت تأثير النوم  ، التقت عيناه بعينيها، وفي تلك اللحظة تجمد الزمن  ،  ومازالت يـ ـده تلمس وجهه  ، كأنها تجمدت في تلك اللحظة.. 


الصمت الذي خيم على الغرفة أصبح ثقيلاً، لكنه كان يحمل بين طياته حديثاً لم يُنطق بعد  . 


لم يتحدث نوح، فقط نظر إليها بابتسامة خافتة على شفتيه، وكأن وجودها بجانبه كان كل ما يحتاجه  ، أما نور، فقد شعرت بحمرة الخجل تتسلل إلى وجهها، لكنها لم تحاول الابتعاد  ، كانت تلك اللحظة تحمل أكثر مما تستطيع التعبير عنه الكلمات، وكأن كلاً منهما يحاول فك شيفرة مشاعره من خلال الآخر  . 


بعد لحظات، كسر نوح الصمت بصوت هادئ مبحوح من أثر النوم :

ـ صباح الخير  


كانت كلماته بسيطة، لكنها حملت معها دفئاً جعل قلب نور يخفق بقوة  ، لم تجد كلمات لترد بها، كأن لسـ ـانها ويـ ـده تجمده حين عيناه أسرت عينيها  . 


كانت عاجزة عن استيعاب تلك اللحظة التي جمعتها بنوح، وكأن العالم بأسره توقف ليسمح لهما بالحديث بلغة العيون فقط  ، كلمات نوح البسيطة ، كانت كافية لتشعل داخلها شعوراً لم تختبره من قبل، شعوراً لا تعرف إن كان يحمل بين طياته حباً، أم حيرة، أم مزيجاً غريباً منهما معاً  . 


ظلّت تلمس وجهه بخفة، كأن أصابعها تبحث عن شيء ما، عن إجابة لتلك الأسئلة التي ازدحمت في ذهنها  ، لم تستطع التحدث، لكنها أيضاً لم تستطع أن تبتعد  ، كان القرب منه ساحراً، يشدّها وكأن شيئاً خفياً يربطها به.


اما نوح الذي بدا وكأنه استيقظ بشكل كامل الآن، لم يحاول إبعاد يدها  ، على العكس، أغلق عينيه للحظة، وكأنه أراد أن يحفظ تلك اللحظة في ذاكرته، فتحهما مجدداً ونظر إليها بعمق، ابتسامته الصغيرة لم تترك شفتيه، لكنه هذه المرة قال بصوت أكثر وضوحاً، لكنه لا يزال محمّلاً بدفء النوم:


ـ تعرفى أنى عايز اوقف اللحظة دي  ، ومش عايز اخليها تمشي  . 


وحين هتف بجملته تلك  ، توقفت يـ ـده وابعدتها عن وجهها كأنه استفاقت الأن من دوامة مشاعرها  ، وابتعدت عنه وعن الفراش  ، وكادت أن تذهب من امامه  ، ولكن مسك يـ ـدها واوقعها مرة ثانية في احـ ـضانه  ،  مما شعرت بالخجل والغضب منه أنه أوقعها مرة أخرى في احـ ـضانه  ، وكأنها أسيرة  ، نظرت لها وجدت ان لا يوجد مسافة بينهم  ، وكادت شفـ ـتيها تلمس شفـ ـتيه  ، انفـ ـاسه الحادة والساخـ ـنة تلفح صفحة وجهها  ، مما قلبها طرق كالطبول من هذا القرب  . 


تحدث هو وهو مازال ينظر في عينيها ويـ ـده تحاوط خـ ـصرها  ، تمنعها من الحركة   :  


ـ لحد امتى هتهربي يا نور؟؟  ، لحد امتى؟؟  


شعرت وكأن قلبها قد توقف للحظة عند سماع كلماته، صوته العميق والهادئ كان يحمل معها كل ما كانت تخشاه وكل ما كانت تتجنبه  ، كلماته لم تكن مجرد تساؤل، بل كانت مواجهة، مواجهة مع ما كانت تحاول إنكاره داخلها.


حاولت التراجع، لكن ذراعيه حول خصرها كانتا بمثابة قيد ناعم، قيد لم تستطع رفضه ولم ترغب في التخلص منه،  نظرت إليه بعينيها المتسعتين، الحيرة والخجل والارتباك يملآن ملامحها.


ـ نوح... أنا... مش بهرب…  


قاطعها بصوت منخفض، لكنه مليء بالإصرار:

ـ لا بتهربي يا نور... يمكن خايفة تعترفي، لكن جواكي عارفة  ، ليه تهربي من اللي بينا؟؟   . 


كانت كلماته كأنها مرآة لما يدور في داخلها، لكنها لم تكن مستعدة لمواجهتها  ، حاولت أن تهرب بنظراتها بعيداً، لكن عينيه كانتا تمسكان بها، تجبرانها على النظر إلى أعماقه  . 


همست بصوت بالكاد يُسمع  ، وهى مازالت تنظر داخل عينيه  :  



ـ أنا مش بهرب  .


اقترب منها أكثر، حتى كادت أنفاسه تلامس شفتيها، وقال بهدوء :

ـ يبقى خلينا نبقى صادقين... أنا مش هسمح ليكي تضيعي اللحظة دي  ، قولي الحقيقة، حتى لو بصوت قلبك  . 


كانت هى على وشك الانهيار أمام هذا القرب، أمام تلك الكلمات التي كانت تعرف في قرارة نفسها أنها تحمل الحقيقة  ، نبضات قلبها كانت تصرخ، أنفاسها متقطعة، وكل شيء في داخلها يدفعها للاعتراف بما كانت تحاول إنكاره  ، ولكنها في ذات الوقت لا تريد لهذه المشاعر  ، لا تريد تكرار الماضى مرة أخرى يكفى ما حدث   . 


كادت أن تبتعد عنه ولكن هو قربها منه أكثر  ، ونظر داخل عينيها بحنان  :  


ـ طالما مش حاسة بناحيتي حاجه  ، ليه غيرتى عليا من راندة  ، ليه لما مشيت مع البوليس كنت بتعيطي لما مشيت  ، ليه فضلتى قاعدة قدام القسم مستنيني أخرج  ، ولما شفتيني جريتي عليا وحضنتيني  ، ليه يا نور؟؟  . 


كادت أن تتحدث ولكن اوقفها هو وهو يشاور اتجاه قلبها   ، وهتف بحُب استطاع أن يجعل قلبها يطرق كالطبول مرة أخرى  ، كأنه يأكد حديثه  :  


ـ عشان ده  ، عشان ده يا نور  ، قلبك عايزني  ، بس انتِ خايفة  . 


كادت أن تتحدث مرة أخرى تمنع حديثه بعد ما انكشفت أمامه  ، ولكنه لا يسمح لها برفض  ، وضع يـ ـدها خلف عنـ ـقها وقـ ـبلها بجنون وحُب  ، تفأجأت بقبـ ـلته الحنون  ، مما ضغطت على صـ ـدره حتي تبتعد عنه ولكنه لا يبالى  ، بل قبـ ـلها بشغف كأنه يروي عطشه لها  . 


شعرت وكأن العالم بأسره توقف عند تلك اللحظة، وكأنها عالقة بين دفء كلماته وشغف قُـبـ ـلته  ، كانت تضغط على صدره محاولة أن تبتعد، لكن قوتها بدت واهية أمام إصراره  ، كانت مشاعرها في حالة اضطراب شديد، قلبها ينبض بسرعة تكاد تُسمع، وعقلها يحاول استيعاب كل ما يحدث.


رغم ارتباكها، لم تستطع إنكار عمق المشاعر التي اجتاحتها  ، قُـبـ ـلته لم تكن مجرد لحظة عابرة، بل كانت اعترافاً، تأكيداً لكل شيء حاولت إنكاره أو الهروب منه  ، في عمق قلبها، كانت تعلم أن نوح هو الشخص الوحيد الذي استطاع أن يرى ما وراء الجدران التي بنتها حولها، أن يصل إلى قلبها ويجعله ينبض مرة أخرى.


لكن الخوف كان قوياً أيضاً، ذكريات الماضي الثقيلة كانت تربكها، تجعلها تخشى أن تستسلم  . 


ظل مدة يقـ ـبلها بجنون وشغف  ، لا تدري بنفسها وهي تبادله  ، وترفع يـ ـدها تحاوط ظهره 


نور شعرت وكأنها استسلمت أخيراً لمشاعرها، دون أن تفكر أو تحلل، فقط تبادله اللحظة كما هي، مليئة بالشغف والدفء. تلك القُـبلة لم تكن مجرد فعل عابر، بل كانت كأنها طريقة لنقل مشاعر عميقة لم تستطع الكلمات التعبير عنها.


وضعت يديها على ظهره دون أن تدرك، وكأنها تبحث عن ثبات وسط عاصفة مشاعرها  ، بينما كان نوح يُحيطها بذراعيه وكأنها كل ما يهم في العالم، كانت كل حواجزها تتهاوى شيئاً فشيئاً.


لكن فجأة، شعرت بشيء أقرب إلى الواقع يعيدها من تلك اللحظة، تذكرت ياسين النائم بجانبهما، تذكرت كل شيء قد يجعل هذه اللحظة معقدة أكثر مما هي عليه بالفعل  ، حاولت سحب نفسها برفق، وتحريك يديها التي استقرت على ظهره، همست بصوت مبحوح ومختلط بالمشاعر:

ـ نوح... كفاية كده 


نوح توقف ببطء، وكأن كلمتها لم تكن شيئاً يريد سماعه لكنه احترمه، تراجع قليلاً، بينما نظر إليها بنظرة مشحونة بالعاطفة والحنان، كأنه يحاول قراءة كل ما يدور داخلها.


قال بهدوء وهو يمسح على وجهها بخفة:

ـ "نور... أنا آسف لو ضغطت عليكي، بس أنا ما قدرتش أتحكم في اللي حسيته... أنتِ بالنسبالى أكتر من أي حاجة، وعمري ما هسمح للخوف يمنعني إني أقولك ده  . 


 شعرت بكلماته تضغط على قلبها، لكنها لم تستطع البوح بأي شيء  ، كل ما فعلته هو أنها أخذت نفساً عميقاً، نظرت إليه بعينين مليئتين بالحيرة، ثم ابتعدت ببطء، محاولة استعادة مسافتها.


قالت بصوت خافت وهي تنظر للأسفل:

ـ نوح، أنا محتاجة وقت، عشان أفهم كل حاجة  ، مش بس عنك، لكن عن نفسي كمان  ، انا مبقتش فاهمه نفسي  . 


 لم يحاول منعها هذه المرة، لكنه احتفظ بابتسامته الصغيرة و هتف بنبرة حنان أدركتها هي جيداً :

ـ خدي كل الوقت اللي تحتاجيه  ، بس اعرفي إني هنا، مستنيكى  . 


كلماته تركت أثراً عميقاً في قلبها، لكنها لم تستطع الرد  ، جلست على طرف السرير تحاول تهدئة نفسها، بينما نوح بقي مكانه، يراقبها بصمت، وكأنه يعلم أن هذه ليست النهاية، بل بداية شيء حقيقي وعميق بينهما.

الصفحة التالية