-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 16 - 1 - السبت 11/1/2025

 قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل السادس عشر

1

تم النشر السبت

11/1/2025


أحيانًا تأتي الصدمة كصفعة توقظنا من غفوة الواقع،

تطيح بنا والمتبقي من أحلامنا

تجبرنا على النظر بعمق داخل أنفسنا،

لنفهم أن في الانكسار قوة، وفي الألم حياة جديدة تنبض.

وأنه ربما ما أردنا لم يكن مقدرًا لنا يومًا.

❈-❈-❈

كيفَ تهتزُّ الروحُ حينَ تضربها الرياح،

وتُكسرُ داخلها ألفُ جناح؟

كأنَّ الحياةَ تمضي بلا ظلال،

وأنا في عراءِ الألمِ، جسدٌ كفَّ عن الكفاح.


أنفاسي ليست لي،

وصوتُ دمي يغلي في أوردتي،

كأنَّ الجسدَ يصرخ،

لكنه عاجزٌ عن التحرّرِ من سَطوةِ الحكاية.


أمسحُ دموعَ ارتجافي،

لكنها تسكنُ العروق.

أتلوُّ كغصنٍ في عاصفة،

لكنَّ جذوري عالقةٌ في شِباك الألم.


صمت قاتل.

هدوء.

والسؤال يتردد بكل لحظة.

كم مرَّ؟

دقيقة.

اثنان.

ثلاثة.

أربعة.

أم عشرة؟

الحقيقة وفي تلك اللحظة يصعب التحديد.

يصعب تحديد أي شيء.

يصعب التخيل.

ويصعب التصديق.

ارتجاف يجتاح الجسد ببطء شديد.

كأنه يتعمد أن يشعرك بكل لحظة،

بكل لحظة ألم،

خذلان،

وتحطم.

صوت حطام شيء ما.

آه، ربما قلبه.

أن تشعر أن العالم قد توقف،

وأنت بحد ذاتك توقفت عن الفهم.

كان أحدهم ضربك على مؤخرة رأسك

لتسقط وسط أحلامك المحترقة.

"تسقط مصفوعًا بالآمال والأحلام."

لم يتحرك،لم يقدر حتي 

وداومه تفكيره تنصب على جملة واحدة تظل تتردد مرارًا وتكرارًا أمام عينيه

حتى كادت أن تصيبه بالعمى.

عبارة قاتلة:

"عمر جوزي".

أغلق عينيه للحظات، كان الصدمة قد سلبته القدرة على الرؤية في تلك اللحظة.

أو ربنا يريد أن يهرب،

يهرب فحسب دون حساب أو عتاب.

لكن أي هروب؟

قد وقع المحظور وانتهى الأمر.

لذا تنهد محاولا التنفس

وكانه يجمع أكبر قدر من الهواء

قبل أن يفتحهم ببطء شديد.

شديد للغاية

قبل أن ينقلهم بين تلك التي كانت فتاة أحلامه،

من كان يريدها زوجةً وحبيبةً وصديقةً،

وابنةً،

من كان يريدها كل شيء بحياته ولآخرها.

من كانت،

نعم كانت.

فهي أصبحت ماضيًا لا جدال به أبدًا.

فهي الآن زوجة لآخر.

يقف أمامه يصافحه.

ينظر داخل عينيه، يحدق به بغيره من مجرد فكرة أنها كانت ستصافح غريبًا.

يغار من مجرد مصافحة.

ما باله هو؟

ما بال قلبه المحترق؟

قلبه الذي حلم بالكثير،

حلم بها هي دون غيرها.

والآن هي زوجة لآخر.

قطعة السكر خاصته،

لا لا لم تعد خاصته 

لم تعد

بل وأصبحت الحضن الدافئ لآخر.

أصبحت ما أرادها هو له،

لغيره.

ببساطة،

لم تعد له.

اخفض نظره لتصطدم عينه برؤيته خاتم زواجها الذهبي الملتف حول إصبعها، يحتضنه برقة.

كان يجب أن يكون خاتمه هو.

كان يجب أن تكون زوجته.

أن تكون له الوطن.

تلك كانت أمنيته الكبرى.

لكن الغريب،

أن ليست كل الأمنيات تُكتب لها الحياة، فبعضها يظل سرابًا يزين الأفق لكنه لا يُدرك.

سحب يده ببطء شديد من بين يدي الآخر

قبل أن يخفض نظره للأسفل

مخبرًا نفسه بحزم:

لم تعد تحل لك.

لم تعد من حقك.

اخفض نظرك عنها

قد فات الاوان لتلك النظرات 

فات الاوان للكثير من الأشياء 

لذا أردف بخفوت خافت وصوت مبهوت: مبروك يا فريدة،

مبروك أنتِ تستحقي كل خير.

حقيقي.

ربنا يسعدك .

قالها بقهر،

قبل أن يكمل وهو ينظر للآخر قائلاً بحسرة وغيرة تهنِّش أحشائه بكل ثانية : مبروك.

والتفت سريعًا يدلف للشركة بخطوات سريعة وغاضبة وبشدة.

كان قلبه يحتضر.

بل احتضر.

❈-❈-❈

ظلت مكانها تنظر في أثره بحيرة وتخبط.

غادر سريعًا كأنه لا يطيق رؤيتها، لكنه لم يكن هكذا في بداية الحديث.

كان مبتسمًا متفاعلًا.

ماذا حدث لينتفض مغادرًا بهذه السرعة؟

حكت رأسها تحاول التذكر، كمن فقد الذاكرة.

ماذا أخبرته غير أنها تزوجت؟

أضايقه رد فعل عمر حين صافحه مكانها؟

شردت تفكر.

منذ متى لم تره؟

كم مرّ منذ لقائهم الأخير؟

الكثير حقًا... عام وأكثر.


ابتسمت بهدوء وهي تتذكر تلك الأيام.

لا تصدق بعد أنها تخطّتهم.

لو لم يدعمها تميم، لكانت الآن في مكان مختلف.

لربما تم الزفاف وأصبحت زوجته.

لكن هي وهو لم يريدا هذا أبدًا.

نعم، هو أيضًا لم يُرِد.


ابتسمت بحزن متذكرة دعاءه لها، يشبه دعاءه في المرة الأخيرة التي التقيا فيها.

لم تعايش معه الكثير، لكنه أثبت لها أنه رجل بحق.

ساندها أكثر من والديها.

هي توقن أن تميم أيضًا يستحق السعادة.

تتمنى من كل قلبها أن يحصل على قدر وفير من السعادة، أن يحصل على من تحبه كما هي أحبّت عمر.

هي حتى لم تسأله: هل حصل على تلك الفتاة بعد أم لا؟

أتزوج هو الآخر؟

هي لم تنتبه للأمر بالمرة.


والسؤال الغريب الذي سألته يومًا ما لنفسها:

لماذا شاب كتميم لم يتزوج حتى الآن؟

محظوظة هي من يقع في حبها، بكل تأكيد.

لكن كان هناك شيء لم تفهمه، شيء بداخلها أخبرها أن هناك خطأً ما قد حدث.

وقبل أن تحاول أن تحلل، قاطعها عمر بيده التي شدت على يدها، قائلًا بغيرة وغضب:

إنتِ كنتِ هتسلّمي عليه يا هانم؟ بجد يا فريدة؟!

لولا إني جيت في الوقت المناسب كنتِ سلّمتِ عليه؟

أنا مش منبّه عليكِ موضوع السلام ده؟"


انتفضت لوهلة تنظر إليه،

 قبل أن تقول بهدوء:عمر، لو سمحت.

أنا كنت هسلّم في لحظة إحراج وتوتر بس، والموضوع ده تحديدًا أنا بعمله عشان ربنا سبحانه وتعالى.

وأكملت بسخرية:

ثم إنت آخر حد يتكلم عن الموضوع ده.

أنا جبت بنت عمتك من حضنك، فلو سمحت يعني، كفاية.

أنا محتاجة أروح البيت.

يلا، لو سمحتوا، الشركة دي بقت تخنق.


قالتها وهي تتخطاه مغادرة الشركة.

يتبعها هو بضيق يحاول أن يتجاذب معها أطراف الحديث، لكنها لم تكن معه.

كانت ما زالت هناك، في لحظة لم تفهم فيها أي شيء.

لم تفهم لماذا ألمها قلبها في تلك اللحظة.

هي لا تفهم ما يحدث.


لكنها لا تنسى أبدًا أن تميم كان صفحة البداية لها.

صفحة لم ولن تطوها.

ستظل صفحة ناصعة البياض في دفتر يملؤه السواد.

كانت لها بداية للكثير.

صفحة لا تنساها أبدًا.


ولم تعلم أنه كان يصنع بصفحاتها الكثير من الروايات.

وكانت هي أميرة كل الحكايات 

واحترقوا باحتراقه.

❈-❈-❈

كان يسير بخطواتٍ متسارعة، يشعر بقلبه ينبض بشدّة.

يشعر أنّه لا يقدر أبدًا في تلك اللحظة على أيّ شيء.

لا... لا يريد.

فلينتهِ هذا الكابوس البشع.


ماذا يحدث؟

ماذا يحدث حقًّا؟

أيّ حبٍّ فقد في تلك اللحظة؟

أيّ خسارة خسرها؟

وأيّ فقد تعرّض له؟


بهذه البساطة يا تميم... سقطت.

سقطتَ وانتهى الأمر بخسارةٍ فادحة.


وقف فجأةً وهو يتنفس بسرعةٍ وضيق، شاعرًا بجبلٍ من نارٍ يحط فوق قلبه.

لم يعُد يحتمل، فلم يجد نفسه سوى وهو يكمل طريقه، متجهًا إلى مكتب والده.


لم يهتمّ بصياح السكرتيرة بأنّه "لا يجوز الدخول الآن".

لم يهتمّ، ولا يهتمّ.

فهو في تلك الحالة لا يرى أمامه أبدًا.

سوا أنه خسر 

خسر حلمه

اقتحم الغرفة دون أي إذن، لتتسع عينا مدحت وهو يرى اقتحام ابنه تميم الغريب للمكتب.

وصوته يرتفع لأوّل مرة قائلًا بنفاد صبرٍ وعصبيةٍ غير مبرّرة:

لو سمحتم، الكل برّة!


ظلّ الجميع ينظرون إليه بعيونٍ متسعة، قبل أن يشير لهم مدحت باعتذار، ليغادروا واحدًا تلو الآخر.

والجميع يراقب تميم الواقف بفضول.

فلأوّل مرة يرونه في تلك الحالة.


كان عفريتًا قد تلبّسه.

انتهى مع آخرهم وهو يُغلق الباب خلفه.


اقترب تميم من مكتب والده، وهو يوصل للسكرتيرة رسالةً بحزمٍ شديد لا نقاش فيه: محدّش يدخل علينا، مين ما كان يكون. ممنوع أي حد يدخل المكتب. فاهمة؟

أظن كلامي واضح.


وقف يناظر والده بعيونٍ غاضبةٍ مشتعلة، وجه أحمر منفعل كأنّه على وشك السقوط من شدة الضغط، وأعصاب لا يقدر على التحكم بها في تلك اللحظة.

ظلّ هكذا، لا يقدر على التنفس، قبل أن يبعد نفسه عن والده بضع خطوات، معطيًا إياه ظهره، محاولًا أن يستجمع نفسه.


صدقًا، يخاف من نفسه في تلك اللحظة.

يخاف وبشدة أن يفعل أو يقول ما لا يُحمد عقباه.


لذا، وقف يضع يده في خصره، يحاول جمع شتات نفسه، محاولًا بشدة.

إلّا أن يد والده المرتعبة التي وُضعت على كتفه أطاحت كل هذا، وهو يسأله بقلق:

تميم، أنت كويس؟ إيه اللي حصل؟ في إيه يا ابني؟ قلقتني.


التفت له تميم ببطء شديد، يحدّقه بعيونٍ انكسر شيء بداخلها، قبل أن يسأله ببطء شديد:بابا، انت كنت عارف إن فريدة اتجوزت؟


عقد مدحت حاجبيه وهو يناظره بعدم فهم، محاولًا فهم سبب هذا السؤال المفاجئ، قبل أن يجيبه بتأكيد:

أيوة... مدحت قال...


ولم يحسب حساب تلك العاصفة التي اندفعت في وجهه، وتميم يمسك بأقرب مقعد أمامه، يلقي به حتى نهاية المكتب بعنف، ووقف بعدها يلهث كأسد مجروح وبشدة.


مشهد جعل مدحت يرتد للخلف، يناظره بدهشةٍ وصدمة، تبعها صدمة أكبر وهو يسمعه يردف بصوتٍ عالٍ حادٍّ غير مصدق:

كنت عارف إنها اتجوزت ومقلتليش؟ ليه؟ ليه مقلتليش؟

إزاي تخبّي عني حاجة زي دي يا بابا؟ ليه متقوليش؟ ليه؟"


قالها بثقل، وازداد انعقاد حاجبي مدحت أكثر، وهو يشعر بالتيه وعدم الفهم، قبل أن يسأله بتعجب:أنا مش فاهم يا تميم. أقولك ليه؟

اقول اي أصلا 

فريدة مجرد عروسة اتقدّمتلها تحت ضغط مني، وانت نفسك كنت رافضها.

إيه اللي يهمّك فيها؟

عايزني أقولك أخبار عروسة انت نفسك كنت رافضها؟ طيب ليه؟

إيه اللي مضايقك؟ ما تتجوز ولا تخلف!

انت مالك؟ يفرق معاك إيه؟"


قالها ليقابله صمت الآخر، ليصيح فيه بحدة، راغبًا في معرفة الإجابة:

ردّ عليا يا تميم! إيه اللي مضايقك أوي كده في جواز فريدة؟

يفرق معاك في إيه؟"

تتجوز تخلف يفرق معاك ايه؟


لتأتيه الإجابة بصراخ تميم بمرارة وقلبٍ يحمل الكثير من الندم على تأخّره:


عشان بحبها!"


وتابع وهو يهز رأسه بقهر:

عشان كنت مستني اللحظة المناسبة عشان أتعرف عليها من جديد وأتقدم من جديد.

كنت مستني الفرصة إني أتعرف عليها كتميم اللي حبها، مش تميم اللي مغصوبة عليه.

كان نفسي أبدأ صفحة جديدة معاها.

أقابلها وأعترف لها بحبي، وأدي العلاقة دي فرصة.

كنت كل ده مستني الفرصة المناسبة عشان أشوفها بعد ما منعتني أجي هنا، وأنا احترمتك.

أنا كنت بحاول أوصل لطريقة 

من غير ما اترفض مره ثانيه

المرة دي كنت عايزها تشوفني أنا 

مش مجرد عريس

كنت عايزها تشوف تميم

تميم الي حبها

بس مكنتش متوقّع إن ده اللي يحصل... وإن يوم ما أشوفها، أشوفها مرات غيري!

اتجوزت.

البنت اللي بحلم تكون مراتي... بقت لغيري.

فجأة كده... كل الأحلام اتهدت على رأسي.

وأنت كنت عارف!

إزاي تخبي عني؟ إزاي تعمل فيا كده؟"


قالها بتيهٍ شديد، كأنه لم يعُد يفهم ما يخرج من فمه.

هو فقط لم يعد يفهم شئ.

شحبت ملامح مدحت بشدة، وهو يرى تميم أمامه يصرّح بمشاعره لأول مرة.


أي حب؟ متى؟ وكيف؟ وأين ؟

لماذا لم يخبره؟

كيف يحدث ما يحدث الآن؟

هو لا يفهم.

أكان السبب؟

أكانت هناك فرصة لزواج ابنه وأضاعها هو؟

ماذا يحدث؟


تحرك ببطء يحاول أن يقترب منه، إلّا أن تميم تحرك للخلف قائلًا بمرارة:

ـ "فريدة... فريدة اتجوزت يا بابا.

البنت اللي بحبها... خسرتها.

خسرتها وبقت في حضن غيري... للأبد."


قالها وغادر سريعًا، قبل أن تزرف عيناه دمعة طفت وأرادت التحرر،

 فكان عقابها أن قُتلت في مهدها.


الصفحة التالية