رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 16 - 2 - السبت 11/1/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل السادس عشر
2
تم النشر السبت
11/1/2025
ترك السيارة وغادر دونها.
لم يكن له قدرة على القيادة أبداً في هذا الوقت.
لم يكن يريد أن يفعل أي شيء، سوى أن يبتعد ويبتعد.
كيف يطفئ تلك النيران ويُمحِي تلك التخيلات بداخل عقله؟
كيف له أن يصمت تلك الكلمات؟
أن يمحوها ولو سيحرق نفسه ألف مرة.
ألا يحترق الآن، بل يكتوي بنيران الغيرة وهي تنهش قلبه.
كان يسير ويسير، لا يدري إلى أين تأخذه قدماه.
رنين هاتفه المتواصل دون أي توقف أخبره بقلق الجميع،
فلم يجد نفسه إلا وهو يخرجه ويغلقه تماماً.
لا هو راغب في الحديث، ولا هو قادر من الأساس.
وقف في منتصف الشارع، لا يدري أين هو حتى.
الحديث يتكرر أمام عينه دون توقف.
يريده أن يتوقف.
هل هو ضعيف؟
لا، لم يكن يوماً.
لكن أليس من حقه أن يحزن؟
وهو يرى أحلامه انتهت وتسربت من بين يديه.
لم يدرك أنه قد يكون بهذا الانهزام يوماً.
لم يدرك هذا إلا يوم واحد فقط
يوم وفاة أمه الحبيبة.
كانت خسارتها تساوي الكثير.
كانت خسارة حطمت بداخله الكثير، وجعلته آخر غير ما كان عليه.
تغير، ويعرف.
لكن خسارة الأحبة تحطم بداخلنا شيئاً لا يعود أبداً.
مهما تعايشنا، مهما ضحكنا.
تمر الأيام وتسير الحياة.
لكن هل يعود المفقود؟
لا فقط نتقبل رحيله بنفس راضية، منتظرين لقائه يوماً ما.
اليوم، تعود ذكرى خسارتها.
كم كان بحاجتها في تلك اللحظة.
فالآن، الخسارة أصبحت خسارتين.
وهو الخاسر في كل الأحوال.
هو الخاسر.
ألقي بنفسه في أول سيارة وقفت أمامه.
فلم يجد نفسه سوى وهو يخبره أن يأخذه.
لأكثر شخص هو بحاجه إليه في تلك اللحظة.
هو بحاجه لأمه الحبيبة.
بحاجه أن يخبرها ما لن يخرج لغيرها.
يخبرها بما في قلبه.
وكرجل يصعب عليه أن يعترف أنه يتألم،
فهو يعترف
أنه يتالم
وبشده
يريد أن يخرج ما في صدره،
عله يقدر على إكمال هذا الطريق دون خسائر أخرى.
❈-❈-❈
كان ما زال في منزله يجلس مع زوجتة حور والصغيرة شمس،
مقررًا أن اليوم لهم.
سيتحدث، سيفهم، وسيحل تلك المعضلة.
حور، امرأته وحبيبته، أنقى من كل تلك الأمور.
هي واحدة فقط تزرع بينهم تلك المشاكل،
ويجب أن يخرجها من علاقتهم .
في حياتهم الزوجية لا مكان لها بها.
تظل ام زوجتة فقط
لا دخل لها بهم
لا اكثر ولا اقل
كان يجلس معهم يشاهد أحد أفلام الكارتون،
وشمس تجلس بين أحضانه تشير له على التلفاز ببراءة،
وبكل مشهد تصفق بسعادة.
بالجانب الآخر، تنام حور على صدره،
تحاول الاستماع بكل لحظة معه.
هي لا تريد سوى تلك اللحظات،
أن تحيا معه كل السعادة ولا شيء غيرها.
لكن رنين هاتفه جعلها تتحرك بكسل،
تناوله له بهدوء، قبل وجنتها وهو يرد قائلاً بمرح:
"مساء الفل يا حبيبي، قول إني وحشتك صح؟
لكن صوت والده المرتعب جعله ينتفض،
يحمل الصغيرة ويضعها بين يدي حور،
وهو يقول بعدم فهم:
"اهدي يا بابا، أنا مش فاهم حاجة.
إيه اللي حصل مع تميم؟ مش فاهم.
فريدة مين؟ إيه؟ فريدة؟
إزاي؟ لا طبعا، مكنتش أعرف.
تميم مش سهل يعبر عن مشاعره،
وأنت عارف، هو بيحب يحتفظ بالتفاصيل دي لنفسه.
طيب طيب، أنا هحاول أوصله.
لو سمحت اهدي يا بابا عشان متتعبش.
أنا هوصله. حاضر، متخفش.
إن شاء الله هنلاقيه، مش هيحصل أي حاجة، متقلقش.
ربنا كبير يا حبيبي، يلا، سلام.
وأغلق الخط سريعًا، قبل أن يهاتف تميم بسرعة.
مرة بعد مرة بعد مرة، ولا إجابة.
حتى أغلق الخط.
ظل ينظر للهاتف، والقلق ينهش قلبه على أخيه.
أي حب وأي عشق؟
كيف حدث هذا وهو لا يعرف؟
انشغل لتلك الدرجة عن تميم.
انشغل بحياته حتى نسي ألم أخيه.
أتت حور من خلفه، تحمل ابنتها الباكية والتي تريد والدها،
وهي تسأل بقلق: في إيه يا حسام؟
عمو وتميم كويسين؟
ناظرها بتيه، قبل أن يحمل الصغيرة الباكية ويضمها إلى صدره،
وهو يردد:
"تميم... تميم محتاجلي في اللحظة دي."
وتابع مؤكدًا وهو يرفع هاتفه في مكالمة جماعية لإخوته الثلاثة: تميم محتاجنا كلنا.
وما إن جاءت إجابة الجميع، حتى هتف بصوت قاطع لا نقاش فيه أبدًا:إحنا لازم كلنا ننزل مصر.
تميم محتاجلنا.
❈-❈-❈
وصل للمقابر،
ليسير وسط المقابر يقرأ القرآن حتى وصل للمقبرة الخاصة بعائلتهم.
وقف يتلمس الباب الحديدي قبل أن يجلس أرضًا، يفتح هاتفه ويضعه على القرآن بجانبه، وهو يجلس يدعو لها.
وما إن انتهى حتى وضع رأسه على الباب قائلاً بهم وكآبة:وحشتيني يا ماما،
وحشتيني أوي،
أنتِ متعرفيش أنا بخسارتك خسرت إيه،
والنهاردة زادت خسارتي.
عارفة أنا كنت مستني اللحظة المناسبة،
عارف إني اتأخرت،
بس معقول اتأخرت أوي كده؟
كنت مستني طريقة أشوفها بيها،
أعرفها عليّ،
إني حبيتها،
وإن آخر مرة شفتها فيها،
أنا مكنتش عايزها تمشي.
معرفش حبيتها إمتى وإزاي،
بس هي حركت جوايا حاجة محدش قدر يحركها."
وأكمل بخفوت متذكرًا:
"ضحكتها،
أفكارها وجنانها،
متخيلة؟
كانت نفسها تطلع حرامية،
قالها وهو يضحك بخفوت،
ويمسح عيناه بحزن.
متخيلة كل ده في كام يوم؟
وأنا قلبي اتعلق،
حب،
وانغرم.
استني،
انتظر وصبر.
أنا صبرت لاني مقدرش أكون الشخص الي يلف ويدور على بنات الناس.
مقدرتش أعمل حاجة مابقبلهاش على إخواتي.
بس أنا كنت عايز أدخل البيت ده تاني من بابه.
كنت عايز أدخل، أنا اللي عايز.
مش مجبور،
ولا هي مجبورة.
كنت خايف أخد الخطوة، يجبّرها عليا.
كنت عايزها ومش عارف.
كنت خايف أصدر بابا يدبر معاد،
تتغصب،
وأكون بكرر الغلطة.
خوفي عليها من الضغط،
خوفي من إنها متتقبلنيش.
كان بياخرني يوم بعد يوم،
لحد ما ضاعت.
بقيت لغيري يا ماما،
بقيت في حضن غيري.
قالها بقهر وتأنيب:إزاي المفروض أكمل؟
إزاي المفروض أتخطى ده؟
وأنا الغيرة بتنهش جوايا.
إزاي أفكر في ست بقت متجوزة؟
إزاي أعمل كده؟
إزاي بين يوم وليلة اتقبل ده؟
اتقبل إني فقدتها خلاص."
❈-❈-❈
تحركت آلاء بسرعة تخرج حقيبة السفر، والهاتف على أذنها تهاتف رامي الذي لا يرد عليها بكل برود.
وضعت كومة من الملابس الخاصه بها بسرعة، تتحرك هنا وهناك، تلملم كل ما هو ضروري لها وللأربع صغار.
سفرة لا تعلم كم ستطول، يوم اثنين عشره.
لا تعلم كم ستحتاج من الوقت هناك، وكم سيحتاج تميم لتخطي ما حدث والعودة على الأقل لمسار حياته الطبيعي.
هي خائفة تميم لا يسقط، وإن سقط، يعني أن الأمر كبير وتخطى حدود تحمله.
أخذت من آية ملابسها وهي تضعها بجانب ملابسها الخاصه بها، قبل أن تشير لعز أن يذهب حيث إخوته ويأتي بالصغير تميم لترضعه سريعًا.
قبل أن تقف تخرج جواز السفر الخاص بها ، وهي تقرر أن لو لم يظهر بحلول اليوم، ستسافر وليحدث ما يحدث.
هل ستنتظر ظهور المبجل من عزلته لتذهب لأخاها تميم؟ هو يلوي ذراعها، يعلم أنها لن تهاتفه كل هذا إلا وهناك مصيبة قد حلت علي رأسها ، وبدل أن يهرع إليها يري ما حدث.
ويطمئن عليها
يختفي بغباء، مقررا عقابها.
لا يعرف أنها لم تعد تهتم إلى أين يذهب، لكن هي مضطرة أن تخبره.
وفي نفس الوقت، أخاها تميم يحتاجها، وهي لن تتخلى عنه أبدًا أبدًا.
ألقت بنفسها على الفراش تجلس بحزن.
كيف حدث ما حدث؟ أخاها يحب وهي لا تعرف، لماذا لم يخبرها؟ لماذا لم يطلعها على سره؟
كان بجانبها دائمًا، وهي لم تنتبه له.
لم تنتبه لأي شيء.
لم يرد الزواج، وهي كانت تصر، تضغط عليه، تساعد والدها.
كانت تريد أن يتزوج وتري أطفاله، تريده أن يحب، لكن اتضح أنها بالفعل يحب أخرى.
أخرى يريدها زوجة وأم أولاده.
كيف كانت تريد فعل هذا؟ كيف غفلت عن كل هذا
غفلت عن قلب أخاها؟
أخاها الذي كسر قلبه، كسر ألف قطعة وقطعة.
وها هي بعيدة عنه، لا أحد يعرف مكانه.
هي لن تتخلى عنه، لن تسمح أن يأكل الحزن قلبه.
ليس تميم، لن تسمح بهذا أبدًا.
أفاقت على صوت الهاتف رفعته بسرعة وهي تفكر أنه رامي لتجده من يهاتفها حسام وهو يقول بهدوء: "أنا حجزت يا آلاء طيران.
خدتِ إذن جوزك عشان أحجزلك معايا؟"
ردت عليه بهدوء: "أحجزلي يا حسام، رامي مش بيرد عليا، ومش عارفة هيرجع إمتى.
أنا هسافر.
ويحصل الي يحصل .
صمت حسام لثوانٍ معدودة قبل أن يقول: "إنتِ عبيطة يا آلاء، عايزة تسافري من غير إذن جوزك؟
يعني يرجع البيت يلاقيه فاضي؟ يكلمك تقوليله أنا في مصر
بجد؟
متخلنيش أتعصب عليكي إنتِ كمان.
الجو مش ناقص والله، حرام عليكي إنتِ وأختك."
تسآئلت باستغراب: "مالها ملك؟"
أجابها بتأفف: "بتنهار ومطلعه عين أنس جوزها اللي هيطلقها زي ما رامي هيطلقك لو سافرتِ من غير إذنه أن شاء الله.
قاطعته قائلة بتقرير: "بقولك معرفش فين، ومش بيرد. أعمل إيه يعني؟
الله أعلم هيجي إمتى."
حسام، أنا مش هقدر أسيب تميم في الوضع ده.
لو محجزتليش هحجز، أنا."
أجابها حسام بهدوء محاولًا التحكم في أعصابه: "آلاء، الوضع مش ناقص مشاكل وضغط.
أقسم بالله، مفيش سفر من غير إذن جوزك يا آلاء.
من إمتى وإحنا متربين على كده؟
اللي مقبلوش على نفسي، مقبلوش على غيري.
جوزك زي تميم وأمير.
فمتخليش أتعصب عليكي بقى.
افضلي وراه لحد ما يرد، أو يجي.
وقتها حتى لو أنا في مصر، هحجزلك وتيجي يعني متقلقيش. هفضل متابع معاكِ.
بس غير كده مش هينفع أبدًا.
آلاء لو سمحتي."
تنهد بضيق قبل أن تجيبه قائلة بانزعاج: "تمام يا حسام.
هحاول أوصله.
سلام."
وظلت هكذا تحاول الوصول له لنصف ساعة حتى أغلق الخط تمامًا.
ألقت الهاتف على الفراش.
رامي يعاقبها، وهي صبرها بدأ ينفذ ولا تقدر على التحمل.
لذا قامت لتكمل تجهيزاتها والصغار، منتظرة فقط عودته.
لتغادر بالصغار، فهي لا تريد أن يصل الخبر لوالدها مهما حدث.
لا تنقصهم همومها هي الأخرى.
ويجيب عليها أن تتماسك، ليس الآن.
ليس الوقت المناسب أبدًا.
صبراً يا رامي