رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 15 - 1 - الثلاثاء 7/1/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل الخامس عشر
1
تم النشر الثلاثاء
7/1/2025
تلك اللحظةُ التي تفقدُ فيها كلَّ توازنٍك، حين تشعرُ وكأنَّ العالمَ بأسره قد تآمرَ ليُسقطَك. تسقطُ من عليائك، من أحلامك التي شيدتها بحبٍ وإصرارٍ، لتجدَ نفسك في عمقٍ مظلمٍ، محطمَ القلبِ قبل الجسد. إنها لحظةٌ تُحطِّمُك، لكنها قد تكونُ أيضًا نقطةَ الانطلاق نحو النورِ، إذا اخترتَ أن تقفَ من جديدٍ.
❈-❈-❈
وقفت تُناظره بعينٍ متسعةٍ مرتعبة، تضمُّ تميم الباكي برعبٍ وخوفٍ مثلها تمامًا، تحديدًا من صوت صراخها العالي.
تضمه أكثر إلى صدرها، كأنها تخشى ضياعه هو الآخر في تلك اللحظة.
تريد أن تُغمض عينيها، عاجزةً عن تصديق ما ترى، تريد أن تُفيق من تلك اللحظة ويتضح أن ما يحدث لها الآن ما هو إلا أحد كوابيسها الأكثر رعبًا.
رفعت يدها الأخرى تضغط على قلبها بشدة، تشعر أنه سيتوقف في أي لحظة من الرعب والخوف.
صغيرها... صغيرها... عز... أين هو؟!
اختفى.
قلبها ينهار.
هزت رأسها عدة مرات وهي تُردد بصوتٍ عالٍ وصراخ:
– ابني! ابني فين يا رامي؟! فين؟!
وعلا صوتها أكثر وهي تُحدجه برعبٍ وانهيار تام:
– حد يبلّغ الأمن! بلّغ الأمن بسرعة يا رامي! ابني راح فين؟!
قالتها وهي ترفع يدها تضرب صدره عدة مرات بقهر، تضربه وكأنها تود في تلك اللحظة أن تقتله إن استطاعت.
قبل أن تلتفت إلى صوت بكاء صغيرتيها.
كانتا منكمشتين، تضمان بعضهما البعض مرتعبتين من صراخ أمهما، من انهيارها، واختفاء أخيهما "عز".
من الموقف غير المفهوم أبدًا بالنسبة لهما.
اقتربت منهما بساقٍ مرتجفةٍ وأطرافٍ مرتعشة، بجسدٍ يهتز خوفًا ورعبًا، وأنفاسٍ متقطعةٍ تكاد تتوقف.
الخوف يكاد يقتلها مع كل لحظة تمر وصغيرها مفقود.
مدت يدها تحاول إخراج "تميم" من أحضانها وهو يبكي بشدة، محاولًا التمسك بها.
يقبض بيده الصغيرة، متشبثًا بملابسها، بوجهها، بحجابها.
عيناه الباكيتان تُخبرها أن تضمه في تلك اللحظة ولا تتركه.
هو خائف، ولا يريد سوى صدرها ليختبئ فيه.
إلا أنها أخرجته مجبرة، وهي تضعه بين ذراعي "آية" التي ضمّته بتلقائية، قبل أن تردد بصرامةٍ وطمأنينةٍ لا تعلم من أين جاءت بها في تلك اللحظة:
– امسكي أخوكي، أوعي، أوعي تسيبيه أبدًا يا آية!
وأكملت بسرعة وهي تشير لابنتها الأخرى:
– وانتي يا آيلا، هتفضلوا هنا، متروحوش في حتة، ولا مع حد مهما مين قالكم.
هوديكم لماما، محدش أبدًا أبدًا يسمع كلامه، محدش يتحرك مع حد.
حتى بابا... مترحوش معاه.
أنا بس... ماما بس.
والتفتت تنظر حولها بتشتتٍ وتيه.
تركض في كل اتجاه، تصيح باسم صغيرها بلوعةٍ، ودموعها تغلبها.
ساقاها بالكاد تحملانها، ورأسها على وشك الانفجار.
كان كل شيء في تلك اللحظة في انهيار تام.
تركض، تصرخ بالجميع، تصرخ بقلب أمٍّ تعرض للطعن، أمٍّ اختفي صغيرها من أمام عينها بأقسى الطرق،
صغيرها اختفي إهمالًا من أباه
زوجها...
كان هو السبب.
❈-❈-❈
بعد نصف ساعة من حرقة القلب والرعب،
والبكاء المرير دون توقف،
حتى كادت أن تسقط مغشيًا عليها أكثر من مرة،
رفعت رأسها المتعب والمنهك تنظر حولها،
قبل أن تتسع عيناها بشدة وهي ترى اقتراب أحد رجال الأمن يحمل الصغير عز بين يديه.
لم تشعر بنفسها إلا وهي تقف وتركض بسرعة ولهفة رغم وهنها وتلف أعصابها،
حتى تعثرت وسقطت أرضًا بقوة،
قاومت الدوار ووقفت مرة أخرى،
تنتشل الصغير بقوة، تضمه وتتشبث به،
قبل أن تخونها ساقاها مرة أخرى وهي تسقط أرضًا،
تضم الصغير وتبكي برعب شديد عايشته في تلك الدقائق.
وكان مظهرها المنهار مشهدًا مؤثرًا للجميع،
وهي تضم صغيرها، والصغير يضمها ويربت على ظهرها كأنه يواسيها.
مشهد اقشعرت له الأبدان،
حتى ذاك الواقف يناظرها بضيق،
مرتاح القلب لأنهم وجدوه أخيرًا.
بعد بعض الوقت، أصبحت قادرة على الوقوف بمساعدة إحدى السيدات.
وقفت تضمه وتقبل وجنته، تقبله وتستنشق رائحته،
تسير ببطء وسعادة،
قبل أن تنظر إلى رامي بعين غاضبة،
وتتخطاه ذاهبة حيث صغارها.
كان يتعبها بصمت،
وبداخلها هي تيقنت
أنه قد حان وقت الحديث.
❈-❈-❈
دلفت للمنزل بساقٍ مرتجفة ومرهقة.
كان يومًا لا تتمنى أن يتكرر أبدًا، أبدًا.
أصبحت تكره الخروج بعد ما حدث معها.
يكفيها تلف أعصابها لليوم.
تنهدت بتعب وهي تدخل الصغار إلى غرفتهم.
وضعت تميم النائم في فراشه، دثرته جيدًا، وقبلته بعمق.
ثم وضعت التلفاز على قناة الكارتون المفضلة للصغار ورفعت صوت التلفاز ،
بعد أن وضعت لهم الطعام،
فهم لم يتناولوا شيئًا هناك،
لم يستطع أحد.
اختفاء تميم كان القشة التي قسمت ظهرها في لحظة رعب وانهيار.
ليتضح في النهاية
أن رامي انشغل عنه،
وغادر الصغير بفضولٍ يستكشف المكان،
حتى صار بعيدًا لا يعلم أين هو.
ولولا ستر الله،
لاختطفه أحدهم.
ولا يدرك رامي أنه حينها
لن تكفيها انتزاع قلبه بيدها.
وقفت للحظة تستند بظهرها إلى الباب،
تغمض عينيها بتعبٍ شديد.
لا تدرك إلى الآن كيف مرَّ اليوم،
كيف مرت تلك اللحظات القاتلة.
كادت أن تسقط مغشيًا عليها لولا رحمة ربها بها، فتماسكت.
فتحت عينيها ببطء، تناظر الصغار بعين مرتاحة.
هم هنا الآن.
هم بخير.
بأحضانها.
هذا يكفيها.
هذا بأكثر من كافٍ.
والآن... فلتأخذ حقها.
قالتها لنفسها وهي تخرج من الغرفة، مغلقةً الباب خلفها بهدوءٍ سيتبعه عاصفة.
حامدةً اللهَ أنَّ غرفةَ الصغار بعيدةٌ عما سيحدث
❈-❈-❈
وقفت لدقيقةٍ أو أكثر،
تطالع ذلك الجالس أمام التلفاز يشاهد أحد الأفلام القديمة ببرود تام وهدوء.
هدوء بعث بداخلها الكثير من الأعاصير.
هو هنا يجلس بهدوء،
بينما هي خاضت أصعب لحظات حياتها اليوم.
بسببه.
بسببه غبائه.
بسبب إهماله.
بسبب وجوده من الأساس.
بسببه هي ذاقته نصف ساعةٍ وأكثر في انهيار تام.
بسببه هي شعرت بألم سكين تتطعن قلبها وتميم مفقود.
وبداخل عقلها آلاف السيناريوهات،
كل واحدٍ منهم أبشع من الآخر.
فلم تجد نفسها
سوى وهي تمسك بأول ما طالت يدها،
وألقت به بكل قوتها
نحو شاشة التلفاز،
محطمةً إياها.
❈-❈-❈
انتفض الآخر من محله بصدمةٍ وهو يرى تحطم التلفاز أمامه،
قبل أن يلتفت بسرعةٍ وحده لتلك الواقفة خلفه تناظره بكل هدوءٍ وبرودٍ يستحقه.
قبل أن يصيح بغضبٍ وعصبيةٍ:
"نهارك أسود! إنتِ اتجننتي؟
إنتِ اتهبلتي يا آلاء!
إيه اللي إنتِ عملتيه ده؟"
وبكل هدوءٍ قابلت صياحه بصمتٍ،
قبل أن تمسك بتحفةٍ أخرى بجانبها،
وبكل قوتها ألقتها تجاهه عازمةً على إصابته،
ولولا سرعة بديهته،
وهو يخفض رأسه سريعًا للأسفل متفاديًا إياها،
لتصيب التلفاز المهشم مرةً أخرى بقوةٍ.
وانتفضت هي بعدها تقترب منه،
تصيح بصوتٍ أعلى وهي تضرب صدره مرةً بعد مرة:
"إنتَ راجل معدوم الدم،
ولا تستحق إنك تكون أب!
أنا بسببك النهاردة عشت أسوأ لحظات حياتي!
بسببك ابني كان ممكن، لولا ستر ربنا ورحمته بيا،
كان ممكن يضيع أو يتخطف!
بسببك وبسبب إهمالك حصل اللي حصل!
وفي الآخر جيت تقعد تتفرج على التلفزيون بكل برود!
إنتَ مصنوع من إيه؟
بجد، إزاي قادر تكون بارد بالطريقة دي؟
إزاي قلبك موجعكش على ابنك اللي ضاع؟
ده إنتَ حتى مفكرتش تخده في حضنك تطبطب عليه!
إنتَ متستهلش أبدًا تكون أب يا رامي!
غيرك بيتمنى ضفره،
وأنتَ بإهمالك كنت هتخسره!"
وأكملت صارخةً وهي تدفعه للخارج:
"أخرج بره البيت! أخرج! أنا مش عايزة أشوف وشك!"
أوقف ضرباتها وهو يمسك ساعدها بقوةٍ،
ضاغطًا عليها حتى أصدرت "آه" متألمة،
وهي تتطالعه بإمتعاض حقًا في تلك اللحظة.
قبل أن يقول بغضبٍ وصوتٍ مشدّد:
"أنا ساكت علشان مقدر اللحظة اللي إنتِ عشتيها،
لكن هتتمادي هوريكي وش عمرك ما شفتيه!
إنتِ سامعة؟
صوتك ما يعلاش عليا يا آلاء!
وبالنسبة للبيت،
فأنا اللي مش عايز أقعد فيه!
أشبعي بيه!
أنا هغور من وشك!"
قالها وهو يدفعها بعيدًا عنه،
مغادرًا المنزل،
صافِعًا الباب خلفه.
وهي خلفه تقف تتنفس بغضبٍ،
غضبٍ لن تقدر على كبحه أكثر من هذا.
❈-❈-❈
كانت لحظةً صادمةً قاسية.
تناظر المشهد بعينين متسعتين مندهشةٍ ومنذهلةٍ.
وكان أحدهم قد ألقى على رأسها دلواً من المياه المثلجة، وصفعها على وجهها،
وهي تقف على بُعد بضع خطواتٍ قليلةٍ، يديها تحتضن يد زوجها،
وفي أحضانه أُخرى، غيرها، تحتضنه بكل جرأةٍ أمام عينها.
وفي ثوانٍ، لم تقدر على تحملها، وهي تشعر بالنيران تشتعل في صدرها،
ولأول مرةٍ تقوم برد فعلٍ همجيٍّ بتلك الطريقة.
لم تجد نفسها سوى وهي تتحرك بسرعةٍ ممسكةً بخصلات تلك الفتاة،
تبعدها بسرعةٍ وقوةٍ عن أحضانه، وهي تصرخ بها.
لم يأخذ عمر أكثر من ثلاث ثوانٍ في صدمةٍ متسع العينين فارغ الفم،
وهو يرى رد فعل زوجته الرقيقة الهادئة تأتي بابنة عمته من خصلاتها.
فلم يجد نفسه سوى وهو يحمل فريدة من خصرها بقوة،
وهي تجرّ الأخرى معها، تخدش وجهها،
والأخرى تحاول الدفاع عن نفسها هي أيضاً، فتمسك بخصلات فريدة تحاول الوصول إليها وشدّها علّها تتركها.
فكان في صراعٍ وحده، لا يعلم ماذا يفعل،
وهو يحاول تخليصها من يديها بأي طريقة.
وعندما لم يفلح في هذا،
وبدأ جميع الجيران يهبطون لمشاهدة ما حدث،
ووقفوا متهامسين على المشهد،
صاح بفريدة بعصبيةٍ وغضب، وهو يهزها كدميةٍ بين يديه:
"سيبي شعرها يا فريدة!
سيبي، بقولك!
سيبي شعرها!"
انتفضت بين يديه على صوت صراخه الحاد بها،
لتناظره بعيونٍ غاضبةٍ مشتعلة،
قبل أن تترك خصلات الأخرى بلا مبالاة،
تبعدها من أمامها حتى سقطت أرضاً تبكي إثر ما حدث لها.
والتفتت له، تبعد يده عن خصرها بقسوة،
ناظرةً له بخيبة أملٍ وخذلان.
لم تتحدث،
كان صمتها يحمل ألف حديث،
ونظرات عينيها تخبره ألف كلمة،
ودمعةٌ أبت أن تسمح لها بالهبوط،
أخبرته أنه أخطأ وبشدة.
ولم تجد نفسها قادرةً على فعل أي شيء في تلك اللحظة سوى وهي تلتفت،
تهبط الدرج بسرعةٍ وجنون، تاركةً إياه خلفها،
علّه يفهم ما فعله بها في تلك اللحظة.
لقد خذلها.
كسر أحد وعوده لها،
ولم يكن الأول.