رواية بعد الاحتراق After Burn لغادة حازم - الفصل 25 - 1 - الثلاثاء 30/1/2025
قراءة رواية بعد الاحتراق - After Burn كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بعد الاحتراق - After Burn
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة غادة حازم
الفصل الخامس والعشرون
تم النشر يوم الخميس
30/1/2025
-1-
طريقان تشعَّبا في غابة،
وأنا سلكت أقلهما
ارتيادًا،
وذلك ما صنع كل
الاختلاف..
روبرت فروست - الطريق الذي لم أسلكه
❀❀❀
كلما
استراح رأسها على ذات الوسادة التي يتوسدها أدهم، وكلما امتد ذراعه في الظلام ليضمّها
أو استيقظت عليه وهو يعبث في شعرها.. يُخامرها ذلك الحلم الجميل، بأنهما لازالا هناك،
في تلك الغرفة المائية، يُغدق عليها من حبه والاسماك تدور من حولهما لتصنع دوامه
من الفقاعات، ولا شيء عدى هذا!!.. في كل مرة تعامل معها باعتيادية وانتقى له
ملابسها أو مشط لها شعرها.. كلما طلب منها شيئًا عاديًا، كأن تساعده في عمله أو
تعقد له رابطة عنقه.. كلما باغتها بقبلة حامية دون استئذان، أو غزى جسدها بتلك
الطريقة التي تجعلها تنسى مَن هي، تُخاطرها تلك الأفكار وتفترسها بيأس..
"لماذا
لم يتوقف الزمن بهما عند تلك اللحظة؟!
لماذا
حدث كل ما حدث؟!
لماذا
تهورت وافسدت كل شيء؟!
بالنهاية،
هو لم يكن بهذا السوء!!"
شيئٌا
لا يمكنها انكاره، نفسيتها ومزاجها قد تحسن كثيرًا منذ أن صارت معه، كل شيئا بها
صار أفضل، حتى مشاعرها نحوه، تلك النشوة الغريبة التي كانت تعتريها كلما اقترب
منها أو حتى بمجرد رؤيته.. نشوة سعادة ولهفة شغف.. لم تفهم ما يحدث معها ولكن لم
تعد تهتم كثيرا فقد أضنتها سنوات البعد.. رويدًا رويدًا كانت تتهدم بعقلها اصنام
معتقداتها التي صنعتها عنه.. بحياتها لم تتخيل قط أن أدهم -"اسطورة الطغيان"-
سيُغدِق عليها بهذا القدر من الاحتواء والحب ويُغرقها به.. انقضت مدة طويلة منذ
آخر مرة تتذكر أنه قسى عليها أو عنّفها أو حتى نظر لها بسوء.. بمعنى أدق، كان
يعاملها كالأميرات، بل وأكثر.. كان جليًا لها أنه يحاول بكل جهده تفهمها وإعطائها
مساحتها الشخصية، خاصةً حينما تحدثوا عن علاقتهما الحميمية وأوضح لها أدهم بشكل قاطع
أنه يريد منحها كامل وقتها في استعادت ذاتها وصحتها النفسية، وأنه لن يأخذ خطوة
أعمق في علاقتهما حتى يتأكد منها مستعدة تماما من طبيبها مايك وذلك بالطبع بعد أن
تكون قد أنهت علاجها النفسي.. بالمختصر، قد وضع أمر جلساتها النفسية كشرط ليمضي في
علاقة كاملة معها.. وبالرغم من أنها غير متأكدة من كونها مستعدة لهذا، إلا أن
أفكارها السوداوية حول تشوه جسدها وطبيعة علاقتهما لازالت تطاردها.. وكم تمنت أن تتخلص
منها ذات يوم ليتسنى لها أن تعيش حياتها في سلام..!
مسحت
على وجهها بنزق من الطريقة التي تُنسج فيها أفكارها الشباك حولها كلما شردت..
تأملت هيئتها في المرآه وهي تُجبر نفسها على العودة للواقع وتذكرها بأن لا وقت
للشرود الآن؛ فأمامها فقط ساعة واحدة لتستعد لحفلها الخيري الأول.. أخرجت علبة مزخرفة
صغيرة كخاصة الاحتفاظ بالأقراط وفتحتها ليتضح أن ما أقراص دوائية وليست أقراط.. تحديدًا
أقراص من عقار الفاليوم، الذي ظلت تتعاطاه على فترات ولم تكن لتحتفظ بهدوئها كل تلك
الفترة لولاه!!.. ابتلعت منه حبة وبدأت تستعد وهي تفكر فكيف دفعها أدهم لكل ذلك
دفعًا مخبرًا إياها أن الحفل خطوة حاسمة في تأسيس تلك الجمعية الخيرية ولابد لها
من تكوين شبكتها الاجتماعية، وأن يعرفها الجميع بشخصها وليس فقط كزوجة السيناتور!!
فقد
منحها العديد من الصلاحيات في حياته إلى جانب مشروع الجمعية الخيرية، الذي اتضح
أنه لم يكن يمزح فيه.. أعطاها تمويل ضخم وغير مشروط من حسابه لإتمام هذا المشروع
على أكمل وجه.. وعندما أعربت له عن تخوفها من تلك المسؤولية التي وضعها على
عاتقها، ذكرها بأن هذا ما هي تحب فعله، مساعدة الاخرين، وطمئنها بأنه لن يتركها
أبدا وسيأتي لها بأفضل المستشارين لمنحها كل الخبرة التي تحتاجها.. وهذا ما حدث؛
فلم يلبث أن عرّفها عن العديد من الأشخاص الذين تولوا مسؤولية تأسيس هذا المشروع
الضخم وامدادها بكامل المعلومات التي تحتاج لمعرفتها قبل البدء، وفي ظرف أيام كانت
قد انتهت من أولى خطواتها في هذا العالم الجديد وقد وضع بين يديها وثيقة امتلاك
لأحد المباني الفخمة وقد تم تحديده ليكون مقر أساسي للجمعية..
حسب
ما فهمته، أنه يريد لهذا المشروع أن يكون الأضخم على الاطلاق والأشهر كذلك، كواجهة
خيرية رسمية -ليس فقط في هذه الولاية- بل في الولايات المتحدة كاملة.. وقد أعد هذا
الاحتفال الليلة بانطلاق هذا الصرح، ودعا فيه كبار الشخصيات العامة والمسؤولين،
والعديد من المنظمات الدولية لترعى هذا المشروع من بدايته، بما فيهم وفد خاص من
الأمم المتحدة..!!
لا
تنكر أنها -مع كل ما تدركه- كان يتملكها الخوف والقلق، وحاولت عدة مرات الاعتذار
عن كل هذا والانسحاب من جديد لعالمها المغلق، لكنه لم يسمح لها أبدًا، ووضعها عدة
مرات أمام الإعلام كيلا يجعل لديها فرصة للتراجع.. كما أنه لم يدخر جهدًا في
تذكيرها كل مرة بالهدف الأساسي من وراء ذلك، وأنها ستساعد عشرات الأشخاص من خلالها،
كما تعهد لها؛ أنه لن يعترض أمام أي جهة ستقرر أن تشملها بمساعدتها، وسيدعمها في أي
مجال تريد أن توجه له خدماتها.. وذلك فقط ما طمأنها وجعلها تفكر فيما تريده، وأنها
يمكنها فعلًا أن تكون فعّالة، ومجرد التفكير فالأمر حسّن مزاجها!!.. جعلها تتوق من
جديد لمساعدة الغير وترك الأثر بهم.. ذلك العمل الذي طالما أسعدها، ومنحها الشعور
بقيمتها ووجودها من خلاله..
في
المقابل، أحبت هي أن تُسعده ومنحت المؤسسة الخيرية اسم (نور) لتعزيز ذكرى والدته
وهو ما قدّره لها أدهم كثيرًا!!.. وراحت تفكر وتفكر في الفئات التي تستحق توجيه
الخدمات والرعاية لهم، الأمر الذي جعلها تذكر "كمال" ذلك المحامي الدولي
النشط في قضايا حقوق المرأة والنساء ضحايا جرائم العنف والخطف والإتجار.. إلا أن
ثمة مشكلة وحيدة تقف أمام الاستعانة به ضمن فريق المستشارين؛ وهي كونه تصدر الدفاع
ضد أدهم منذ شهور في تلك القضايا بمصر، بل والأكثر من هذا، كان يترافع عنها وعن
مراد تحديدًا..
نعم،
إنه صديق مراد المقرب!!
ولكن
لصدمتها فقد قابلها أدهم بالموافقة بعد أن أتلف أعصابها بفقرة صمت قاتلة وهو يقول
بغموض:
"إذا
كان هذا ما تريدين فسأفعله..
وسأدعوه
بنفسي للحفل أيضا لتتفقا معًا.. لكن بشرط..
ثمة
شخص لدي أريدك أن تشركيه في العمل معك..!!"
هكذا
فقط، وتركها مُعلّقة دون أن يخبرها.. فقط اكتفى بأنه سيُعرفها عليه فالحفل.. أصابها
التوتر، مع ذلك لم تتوقف هنا كثيرًا، لن يشكل الأمر فارقًا؛ فبالنهاية أدهم لن
يضرها بشيء..!!
أليس
كذلك؟!
كان
الجو باردًا تلك الليلة، وهو فضل أن ينظم الحفل في مكان خارجي بعيدًا عن المنزل؛ لذلك
جذبت فريدة معطف قصير من الفرو الأبيض لترتديه أعلى فستانها الأسود الطويل الذي
اختارته من مجموعة أحد أشهر المصممين على الساحة ليُناسب ذلك الحفل، بتصميم
كلاسيكي يغطي أغلب جسدها ويجمع بين البساطة والرقي تمامًا كما تُفضل، أكملت ذلك
بارتداء قفازات طويلة من الحرير الفضي لتغطى ما تبقى من ذراعيها.. نظرت لنفسها
بالمرآة مرة أخيرة قبل أن تنزل لأدهم راضيةً عن مظهرها، بعد أن رفعت شعرها في
تسريحة كلاسيكية تلائم ثوبها وتمنحها مظهر رائق أعجبها، وقد قضت وقتًا كثيرًا
تعتني بغرّتها لتجعلها مثالية وهي تفكر بأن لا وقت لديها لقصها بعد أن لاحظت للتو
أنها استطالت أكثر من اللازم حتى باتت تعيق رؤيتها.. اهتمت بوضع بعضٍ من مستحضرات التجميل
مُحدده ملامح وجهها وتبرز لون عينها واختتمت ذلك بوضع أحمر شفاه قاني ذو لون مثير
زاد طلّتها فتنةً مع الثوب ولون شعرها الاشقر، وكأنها قد خرجت للتو من أحد أفلام
الخمسينات..
وتمنت
من قلبها حقا ألا يجادلها في ذلك لأنها قد تعبت كثيرًا فيه..!!
ولكن،
هذا ما حدث، فما إن وقعت عيناه عليها حتى تبدلت تعابيره من الدهشة للافتنان وانتهت
بالانزعاج الواضح.. يبدو أن ذلك لم يروق له كثيرًا.. همّ بالتعبير عن ذلك، لتمنعه
فريدة واضعه سبابتها على فمه قبل أن يتفوه بكلمة:
-
من
فضلك.. الليلة فقط!!
تنهد
باستياء وحدقها بنظرات غير راضية جعلتها تتراجع وتزيل إصبعها، إلا انه قبض على
يدها بسرعة ولثم أصابعها بعمق حتى تسرب لها دفئ شفتيه عبر القفاز، ليمنحها خلال
ذلك نظرة أسرت القشعريرة بجسدها من قوة الاثارة، قبل أن يستقيم ويتحرك بها في صمت
محتفظًا بها في يده.. أجلت صوتها من الحشرجة ثم سألته ما إن استقلا السيارة وتحركت
بهما:
-
لم
تخبرني؟؟.. أين سيُقام الحفل؟؟
داعب
كفها الرقيق بإصبعه بحركة دائرية قد اعتادت عليها مؤخرًا، ومضت ثواني بدى وكأنه
يفكر فيها قبل أن يضغط على زرٍ يرفع به الحاجز ويعزلهما عن السائق فالأمام.. ثم خيم
عليها بجسده ليقتحم انفاسها بعطره الكثيف ويغرقها بدفيء أنفاسه قائلا بنبرة خبيثة:
-
انتِ
تلعبين لعبة خطرة، أتعرفين هذا؟!
تهدجت
أنفاسها من المفاجأة وتشتت عقلها، وهي تبعثر نظراتها بين عينيه وشفتيه التي تكاد
تلامسها:
-
أنا لا
أفهم ماذ...
لم
تكمل الجملة حتى أبتلع كامل حروفها في فمه، وكأنه كان يتصيد لها أية كلمة ليُقبلها..
وأيضًا قد اعتادت ذلك منه مؤخرًا!!.. وبدى أنه كل مدى ينفلت منه زمام السيطرة على
نفسه أكثر، ويفقد الالتزام بالعهد الذي قطعه على نفسه أمامها.. وكم ضايقه هذا
كثيرًا، إلا أنه لا يملك حيلة في هذا، فهو لا يستطيع منع نفسه عن لمسها منذ أن
أعطته الضوء الأخضر..
وتبا
كم اشتاق لتلك المباغتات معها!!
شعرت بابتسامته
على شفتيها حينما التفت ذراعيها لتحتوي رأسه وتندس أناملها أكثر مبعثرة شعره عن
تصفيفته الانيقة، وقد كانت بمثابة الاشارة له ليضغط رأسها له متعمقًا في القبلة
أكثر ممتصًا شفتيها بعمق وعابثًا بفمها أكثر وأكثر حتى تهدجت انفاسها وبدأت تدور
بوجهها عنه في كل الاتجاهات دون فائدة فقد كان يلاحقها جاثما على فمها في إصرارٍ
واضح ولم تجد مفر من جذب خصلات شعره بقوة.. وهنا فقط ابتعد عنها بتأني وهو يتأمل
هيأتها المخدرة بمتعه خالصة ثم اعتدل في مقعده يمسح فمه بمنديل ورقي.. والذي ما إن
رأته فريدة حتى أفاقت من تخدرها وتلقائيا وضعت أصابعها على شفتيها المتورمة وقد
أيقنت لحظتها أنه أفسد أحمر الشفاه وفعل ما برأسه ومسحه!!
رمقها أدهم بنظرة جانبية خبيثة
قبل أن يمنحها منديله متمتمًا بسخرية:
-
خذي..
أعتقد أنكِ تحتاجينه كذلك!!
نظرت له فريدة شزرًا وقد اتقدت
عينيها بالغيظ قبل أن تضرب يده بعيدًا عنها:
-
مستفز!!
أشاحت
بوجهها بعيدًا عاقدة ذراعيها امام صدرها ليلاحقها أدهم بضحكات المستفزة أكثر
والساخرة ولكنها اثارت ضحكها بالعدوى لتكتمها بصعوبة قبل أن يجذبها أدهم له وقبل
أن تنطق بحرف كان يمسح شفتيها بعناية شديدة مستغلا ذلك القرب ليحاصرها بنظراته
وانفاسه العطشة لتتنهد فريدة مستسلمة لما يفعله قبل أن يهمس لها برغبة محدقًا
بشفتيها المنتفختان من عنف قبلته واحتكاك المنديل:
-
هكذا
أفضل.. لا أريد لأحد أن يرمقك بشهوةـ، لا أضمن رد فعلي عندها!!.. اللعنة، يكفي أنني
أقبل بأن تُظهري هذا الجمال الليلة!!
جفت
دماءها وقد تسرب لجسدها التهديد المبطن لنبرته، أطالت النظرات أكثر من اللازم حتى مال
أدهم عليها بجسده لتنتفض عائدة بجسدها للخلف، ولكنه تخطاها ليميل بجسده أكثر وينظر
من نافذتها، قبل أن يعود ويبتعد عنها مسافة قريبة معلنًا بلا مبالاة بينما ينزل
كأنه لم يفعل شيء:
-
لقد
وصلنا..
وهنا
شعرت فريدة بسخونة تغزو جسدها، وقد أدركت أن السيارة قد توقفت بالفعل وأنه كان
يعبث معها بما فعله!!.. مسحت على وجهها أكثر من مرة مهدئة انفعالها، وقد استطاع في
ثواني أن يوتر جسدها بالعديد من المشاعر المتضاربة..
كانت
قد نست إلى أي مدى القرب منه مهلك!!
فتح
لها الباب ليمد يده لها في لباقة لتنزل، ثم ثني ذراعه لها لتمسك به ليعبرا سويًا
من بوابة ذلك الفندق الفخم والذي تعرفت عليه فريدة على الفور، انه أحد اشهر
الفنادق في الولاية والذي ينافس بشهرته خاصة لوس انجلوس.. وغد!! كم يحب أن يتباهى
بأمواله!!.. في المدخل، وقف المدير مع طاقم من الموظفين للترحيب بهما قبل أن
يقودهما لقاعة عرفت أنها لكبار الزوار، بينما يكافح الحرس في دفع الصحافيين عنهم
لتشعر فجأة وكأنها أحد أولئك الممثلين في العرض الأول لفيلمهم!!
❀❀❀