رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 19 - 3 - الثلاثاء 7/1/2025
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل التاسع عشر
3
تم النشر الثلاثاء
7/1/2025
وقفت على باب شقتها تودعه بحبٍ وتخبره بترقب :
- حبيبي أنا هخلص اللي ورايا واروح لخالتو منال وهقضي اليوم مع الأولاد وهرجع قبل ما ترجع .
أومأ لها وأجابها بنبرته اللينة :
- تمام يا حبيبتي ، ويمكن أخلص وآجي أخدك نرجع سوا .
انفرجت ملامحها بسعادة وتساءلت :
- بجد ؟ طيب بلاش آخد العربية وأروح في أوبر ؟
أومأ والتفت ينظر حوله ثم عاد يطالعها وانحنى يطبع قبلة على وجنتها بحبٍ ثم ابتعد يسترسل :
- تمام ، خليكي معاهم وأنا هرجع أخدك ونروح نتعشى برا ، يالا سلام .
ابتسمت بسعادة تودعه فاتجه يستقل المصعد تحت أنظارها وغادر فتنهدت حبه بارتياح ودلفت شقتها تغلق الباب مقررة إنهاء عملها .
في الشقة المقابلة كانت رحمة تقف خلف الباب تراقبهما من العين السحرية وداخلها حالةً من المشاعر السلبية التي جعلتها على وشك البكاء .
ابتعدت عن الباب وأسرعت نحو النافذة تنظر منها على دياب وهو يستقل سيارته ويغادر ، ابتلعت لعابها وزمت شفتيها بحزنٍ ثم اتجهت تجلس على الأريكة وتقضم أظافرها وتهز ساقيها ، لمَ لم تحظَ بحبٍ كهذا ؟ لقد تخلت عن عائلتها وضحت بكل شيء لأجله وخدعها ، أوهمها بحبٍ لا مثيل له وأخذها في رحلةٍ عبر الأحلام ثم تركها داخل كابوس ورحل عنها والآن تبحث عن حبٍ بديل يغمر حياتها المملة .
التفتت على مرمى بصرها لتجد صغيرها ينام في مهده لذا فكرت ، تمتلك صغيرًا وهو لا يمتلك لمَ لا يتقرب منها لأجله ؟ لا تريد سوى أن يشعرها أحدهم بالاهتمام كما تشعر يسرا التي لا تمتلك شيئًا مميزًا عنها .
❈-❈-❈
وصلت إلى مقر المجلة تخطو مع نسيم بين الوجوه التي التفتت إليها ، نال منها التوتر من نظراتهم ولكنها تجاهد لتبدو ثابتة خاصة وهي تراهم في حالة تعجب فهي المحجبة الوحيدة هنا .
أخذها إلى غرفة جانبية وفتحها فرأت مكتبًا يرتكز في المنتصف ونظرت إلى نسيم الذي أردف موضحًا :
- ده مكتبك اللي الأستاذ ثائر جهزهولك ، اتفضلي..
أومأت له مبتسمة ونظرت حولها قبل أن تدلف ، ممر طويل يحتوي على عدة مكاتب جمع عددًا لا بأس به من الموظفين والموظفات ، لمَ هي لها مكتبًا خاصًا بها وحدها ؟ لمَ هي المميزة هنا ؟ حتى أنها لا تمتلك شهادة جماعية تؤهلها لهذا التميز ؟ ولمَ هذا التعجب البادي على وجوههم ؟
الشك عاد يهاجمها وجعل قلبها يتهاوى ولم تستطع أن تفرح ولكنها أومأت تردف بملامح هادئة تخفي بها توترها :
- متشكرة جدًا يا أستاذ نسيم .
- العفو .
نطقها وتحرك يغادر فدلفت مكتبها واتجهت تجلس على المقعد وتفكر ، هل ستجلس هنا تكتب فقط ؟ هل هذا كل ما ستفعله ؟ من المؤكد هناك حلقة مفقودة يجب عليها أن تجدها لذا ستنتظر مجيئه لتسأله ولكنها لن تجلس مكتوفة الأيدي .
نظرت للحاسوب المرتكز أمامها وفتحته تتفصحه لتجد عليه برامج كثيرة معظمها لا تدركها لذا تنهدت بعمق وضغطت على المذكرة الالكترونية وبدأت تكتب مقالًا عن هويتها العربية وتعرف عن نفسها متبعة الأسس التي تعلمتها لكتابة مقال .
❈-❈-❈
صدر الحكم بوقف الكتاب وخرج داغر من قاعة المحكمة بملامح حزينة يجاوره المحامي يشعر بالحرج حيث أنه لم يستطع الوقوف أمام جبروت شاكر نصر الدين .
تنفس بقوة ثم ودع داغر ورحل ليتجه الآخر لسيارته يستقلها ولم يقُد بل جلس يفكر ، كيف سيخبر شقيقته بالأمر ؟ وكيف ستستقبل هذا الخبر ؟
لم ينسَ أنها منذ أشهر فقدت النطق وكادت أن تصاب بجلطة لذا مسح على وجهه يستغفر ويدعو ربه :
- حلها من عندك يارب ، جيب لها حقها يا كريم .
زفرة قوية معبأة بالحزن صدرت منه وقرر التحرك بعد ذلك عائدًا إلى عمله .
❈-❈-❈
في تمام الحادية عشر دلف ثائر يلقي السلام على الجميع ويخطو بثباتٍ نحو مكتبه ، كانت منشغلة في الكتابة التي انغمست فيها ولم تلْحظ مجيئه .
كتبت أكثر مما ينبغي أن تكتبه في يومها الأول ، دونت كل ما تعلمته وقرأته و حفظته عن ظهر قلب ، قصصًا وحكايات روتها النساء العربيات عن كفاحهن وحياتهن ، قصصًا واقعية استخدمتها كدليل لها ، دراسات علمية استعانت بها لتؤكد صدق كلامها .
دونت كل هذا الكم من المعلومات لذا زفرت بقوة وابتعدت تفرد ظهرها وتتنفس بعمق لتستريح راضيةً عما دونته بالعربية وترجمته إلى الفرنسية من خلال استعانتها ببرنامج خاص لهذا الأمر حيث أنها لم تتقن بعض الكلمات جيدًا .
نظرت في ساعتها لتجدها الحادية عشر والنصف فتعجبت من مرور الوقت الذي لم تشعر به وتساءلت ترى هل أتى ؟
نهضت تخطو نحو النافذة الزجاجية المطلة على المكاتب وتنظر منها لتستكشف الخارج ولكنها لم تستدل على شيء يثبت مجيئه ، اتجهت للنافذة الأخرى التي تطل على الشارع الرئيسي ووقفت متكتفة تتطلع على المكان بشرود .
في الأسفل حيث السيارات والمارة والحركة المرورية المنتظمة ، المناظر من حولها جديدة وغريبة لا تنتمي لها ، الأجواء باردة والوحدة هي المتصدرة على عرش المشاعر .
انتفضت حينما رن هاتف مكتبها والتفتت تطالعه ثم اتجهت تلتقطه وتضعه على أذنيها بترقب فاستمعت إلى نبرته وهو يردف بنبرة مهيبة :
- منتظرك في مكتبي .
أغلق فتعجبت ووقفت تلتقط أنفاسها ثم قررت الخروج والبحث عن مكتبه فلديها أسئلة عديدة لتسألها له .
خطت للخارج تلتفت باحثة عن مكتبه حيث انحنت على إحدى الموظفات وسألتها بالفرنسية :
- عفوًا ، أين مكتب السيد ثائر ؟
رفعت الفتاة أنظارها تطالعها باستعلاء ثم أشارت لها عليه فانزعجت ديما من نظراتها ولكنها تجاهلتها وتحركت نحو المكتب المشار إليه حتى وصلت أمام الباب وطرقته فسمح لها فدلفت .
مكتبه يعبر عن شخصيته القيادية والغامضة ، مكتب مهيب جدرانه ملونة بالأبيض وأثاثه ذا لون بني غامق .
وجدته يجلس يشبك يديه ويطالعها فتحمحمت ووقفت تردف بعدما دلفت وأغلقت الباب :
- عندي أسئلة كتير عايزة أسألها .
أشار لها أن تجلس ففعلت فأردف وعينيه مسلطةً عليها :
- اسألي .
تنهيدة معبأة بالتوتر خرجت منها لتتساءل بِمَ يجول في عقلها :
- ليه أنا ليا مكتب لوحدي ؟ وإيه المطلوب مني أعمله بالضبط ؟ وإزاي ههاجم أفكارك وأنا شغالة معاك في مجلتك ؟ وأكيد من الأوراق اللي بعتهالك عرفت إني ماكملتش تعليمي يبقى إزاي وليه تعمل كل ده معايا ؟
ابتسامة جانبية سريعة صدرت منه ثم أردف بثباتٍ عالٍ :
- كل ده ليه عندي إجابة واحدة بس وهي إنك قبلتي تتحديني ، ماينفعش تكوني وسط الناس اللي برا دول لأن كلهم بيأيدوا أرائي ، إنتِ الوحيدة اللي جاية تثبتي إن رأيي في المرأة العربية وخصوصًا المحجبة كله غلط ، وعلشان كدة كان لازم يكون ليكي مكتب خاص بيكي علشان تاخدي راحتك ، قلتلك إننا هنا في بلد ديمقراطي جدًا ، وبالنسبة للمطلوب منك تعمليه هو بالضبط اللي كنتِ بتعمليه قبل ما أبعتلك ، تكتبي كل اللي عندك ، تاخدي راحتك على الآخر وتعبري زي ما تحبي علشان وقت ما نعلن عن الندوة الثقافية تكوني جاهزة تجاوبي على أسئلتي ليكي ، أنا مش هقبل أبدًا المنافس اللي هيتحداني يكون متردد أو مش واثق في نفسه .
نظرت له بحيرة عالية من أمره ؟ هل يشجعها على تحديه أم يستفزها أم أنه يؤهلها للفوز عليه أم أنه يقلل من قدراتها ؟
حقًا غريب أمره ولم تدرك مغزاه بعد لذا ظلت تحدق به بشرود فرفع كفه يلوحه أمام عينيها فأسبلت بتوتر وتحمحمت تسأله بتشتت من أمرها :
- بردو مش فاهمة إنت بتعمل كل ده ليه ؟ ياترى دي ثقة مبالغ فيها في نفسك ولا ليك هدف تاني ؟
زفر يبعد مقلتيه عنها ثم أجابها وهو يتلاعب بقلمه :
- أي حد لازم يدافع عن الحاجة اللي بيحبها ومؤمن بيها وده اللي بعمله بس كنت قربت أفقد الشغف بسبب إن الأغلبية بيوافقوني الرأي ، يعني تقدري تقولي إنك رجعتيلي الشغف لحاجة بحبها في المقابل أنا قدمتلك فرصة زي دي .
حاولت أن تستوعب كلماته لينتشلها بحديثه وسؤاله الغامض :
- وبعدين بتسألي كإني مثلًا أجبرتك على السفر مع إنك وافقتي بإرادتك بعد ما كنتِ رافضة تمامًا ، ممكن أفهم السبب ؟
أمعنت النظر به ولم ترد الإفصاح له عما حدث معها في مصر من ظلمٍ لذا نهضت ترفع رأسها وتجيبه بثبات زائف :
- استغليت الفرصة ، فكرت كويس ولقيت فعلًا إن تحديك فرصة ماتتعوضش ، خصوصًا إني على حق .
حدجته بنظرة قوة ثم تحركت تغادر تاركة خلفها وجهًا يتزين بابتسامة خبيثة .
❈-❈-❈
في سجن فرنسي شهير .
جلست مارتينا على طاولة أمام والدها الذي أتى ليراها ، ملامحها خير دليلٍ عن غلٍ سافر لا حدود له وتجلى في نبرتها هي تحدثه :
- كيف لم تجد مخرجًا لي إلى الآن ؟ هل ستتركني أتعفن هنا ؟ هل هذه نفوذك يا سيد إلتوا ؟
نطق ببرود ظاهري :
- كان عليكِ أن تفكري في هذا قبل فعل ما فعلتيه ، توماس لم يقبل أن يتنازل عن دعوته بأي شكلٍ ، أنا مازلت أحاول معه .
ضربت الطاولة بكفيها بغضبٍ واستطردت :
- لا تحاول أبي ، لا تحاول بل أخرجني من هنا في أسرع وقت .
حدجها بنظرة محذرة يردف :
- اهدئي .
تعالت وتيرة أنفاسها ثم اعتدلت في جلستها وغمرها هدوءًا ظاهريًا تجيبه :
- حسنًا سأهدأ ، أخبرني كيف حال ثائر ؟
قلب عينيه بتهكم ثم أجابها بغموض :
- إنه يمارس عمله ويهتم بابنه ، هذا كل ما يفعله .
أومأت مرارًا ثم اتسعت حدقتيها تسترسل :
- حسنًا لا تأتي إلى هنا مجددًا إلا حينما تأخذني ، هل فهمت ؟
أومأ ونهض بعدها يتجه نحو الباب ويغادر ليرى ماذا سيفعل وكيف سيخرجها ، نفوذه كان قويًا بصداقته مع توماس ولكن الآن كلما حاول فعل شيء وجد الآخر يسبقه بخطوة لذا فعليه أن يعبث معه قليلًا وليرى ما لديه من أسرار .
❈-❈-❈
عادت إلى منزلها في الساعة الثالثة ودلفت تتجه نحو الحمام لتغسل يديها ثم ذهبت إلى المطبخ حيث تتضور جوعًا لذا حضرت لها شطيرة سريعة وتناولتها وهي تتجه نحو الأريكة لتجلس وتهاتف عائلتها .
بعد دقيقة فتحت منال تطالعها وظهر الصغيران يلعبان حولها فحدثتها ولم يمر عدة ثوانٍ حتى قُطع الاتصال ، حاولت مرة تلو الأخرى ولكن الاتصال بدى معطلًا لذا زفرت وتركت هاتفها جانبًا وعادت تشرد فيما حدث هذا الصباح وفي حديث ثائر وهو يخبرها أن تستعد للإجابة عن أسئلته لذا نهضت تخطو نحو غرفتها واتجهت للركن الذي وضعت فوقه كتبها واستلت كتابًا عن حقوق المرأة في الإسلام .
أخذته واتجهت نحو المطبخ مجددًا كي تحضر قهوتها لتعود وتقرأه وتركز جيدًا في معلوماته .
❈-❈-❈
جلست دينا في غرفتها حيث الصغيران في الخارج مع والدتها لذا نوت فعل ما فكرت فيه لأيام وهو الاتصال بلوتشو وإخباره بقرارها عبر الهاتف لذا عبثت بهاتفها وطلبت رقمه بتوتر فأجابها بنبرة حماسية كأنه استشف ما ستخبره به حيث أنها لم تعتد الاتصال به :
- مرحبًا دينا كيف حالك .
تنفست بعمق تجيبه بنبرة هادئة :
- الحمد لله بخير .
حثها على التحدث :
- تفضلي أنا معكِ .
شعرت بالخجل ولكنها عزمت أمرها لذا قالت :
- كنت هبلغك قراري بخصوص طلبك .
تنبهت حواسه بسعادة لذا أجابها بترقب :
- أسمعك .
أجابته بحرج :
- أنا موافقة ، ماعنديش أي مانع في الارتباط بيك ، بس أنا مش هعرف اتكلم مع أهلي .
سعادة جعلته يقفز في مكانه ثم تحمحم يواري حرجه ويجيبها بحماسٍ مفرط :
- حسنًا لا بأس ، أتركي الأمر لي ، ولكن أعطيني رقم شقيقكِ وأنا سأتحدث معه..
أومأت تتنفس بارتياح كأنه رآها وأردفت :
- تمام ، هبعتهولك على الواتساب ، كلمه الصبح وهو برا البيت أفضل .
ابتسم يجيبها بنبرة تحمل الحب والاحترام :
- لا تقلقي سأحل الأمر معه وسأقنعه ، أراكِ غدًا دينا .
أردفت بترقب وخجل :
- هو ينفع آخد أجازة بكرة ؟ معلش لو سمحت .
بالطبع لن يعترض ولكنه نطق بمرح :
- أوه ، استغلال من البداية .
شعرت بالحرج لذا أسرعت توضح :
- لاء خالص مش استغلال ، خلاص هاجي .
ضحك بخفة يجيبها :
- اهدئي دينا أنا فقط أمزح معكِ ، لا بأس يمكنكِ أخذ أجازة وقتما تشائين .
تنفست بعمق فاسترسل :
- هيا إلى اللقاء .
- مع السلامة
❈-❈-❈
ليلًا أغلقت الكتاب وتمطأت بإرهاق وهي تتثاءب ، نظرت في ساعتها لتجدها الثامنة مساءً لذا عادت تستل هاتفها وتحاول الوصول إلى عائلتها مجددًا وحينما لم يفلح الأمر قررت الاتصال على شقيقها مكالمة صوتية .
بصوتٍ حزين أجابها وهو لم يكن يريد ذلك ولكن عليها أن تعلم لذا أردف :
- أيوة يا ديما ، عاملة إيه يا حبيبتي ؟
من نبرته أدركت وحسمت الأمر وتهاوى قلبها وهي تجيبه :
- كويسة يا داغر الحمد لله ، الكتاب اتوقف ؟
صمت لهنيهة ثم نطق بحزن :
- أيوا يا ديما للأسف ، أنا مش عارف أكلمك إزاي من الصبح ، قدر الله وماشاء فعل مش عايزك تزعلي واعتبري إن سفرك جه في الوقت المناسب ، وبردو هنرفع نقد ع الحكم .
يسعى ليهون عليها ولكنها حزينة ، قصتها التي تمنت بها كل الخير لغيرها تم إيقاف نشرها بشكلٍ قانوني ولحقت بها اتهامات لم تفعلها قط .
شعور الظلم سيء وموحش كوحشٍ كاسر يلتهم روحها بين أنيابه لذا أردفت بنبرة متحشرجة تحاول بها طمأنته بيقين :
- خير الحمد لله يا داغر ، اللي ربنا كاتبه هشوفه ، الحمد لله .
أجابها بيقين مماثل :
- أكيد خير ياحبيبتي ، ماتزعليش نفسك .
نبرته تحمل عناقًا ود لو كان باستطاعته فعله ، يريد احتواءها الآن فهو أفضل من يعلم ما تشعر به لذا تنهدت بعمق وابتسمت تجيبه بمرحٍ زائف :
- لا مش زعلانة ، أختك دلوقتي بقت بتشتغل في مجلة فرنسية مشهورة وهكتب كتب تانية كتيـــر وهوصّل وجهة نظري صح ، ماتقلقش أنا مش هقع يا داغر .
ابتسم يؤكد لها ويدعمها :
- هي دي ديما الصابر اللي مافيش حاجة تكسرها .
سقطت عبرة من عينيها التقطتها بكفها ثم استطردت قبل أن يلاحظ نبرتها :
- يالا يا حبيبي أنا هقفل دلوقتي ولما تروح كلمني فيديو كول لإن الشبكة من الصبح مش بتجمع .
- أيوا فيه تصليحات في النت عندنا ، هوصل البيت وأكلمك .
أغلقت معه وتنفست بقوة ولكنها شعرت بالضيق ، كاذبة إن قالت أنها لم تحزن ، قصة حياتها وسنواتها التي دونتها بكامل مشاعرها وإحساسها انتهت وليست أي نهاية بل نهاية ملطخة بسمعة كاذبة لا تمت لها بصلة .
عادت عبراتها تسقط وشعرت أن الجدران تقترب منها وتطبق على أنفاسها لذا نهضت تخطو نحو غرفتها ترتدي معطفها وحجابها وقررت الخروج بمفردها قليلًا .
خرجت واتجهت تسير نحو الشارع الرئيسي المؤدي لموقع البرج المشهور إيفل .
تسير وعقلها مزدحم بالأفكار التي تتصارع فيه بلا هوادة ، تخشى أن يحاربوها هنا بشكلٍ أقوى وأشرس مما حدث معها في بلدها ، تخشى أن تقع في حفرة وعرة بعدما نهضت من أسفل حطام تجربتها السيئة .
لمحت البرج من بعيد فاتجهت نحو الحديقة القريبة منه والهادئة قليلًا عن محيطه الصاخب .
جلست على مقعدٍ أسفل شجرة في ركنٍ هادئ بإضاءة هادئة تنظر لإيفل الشامخ وتبحث عن هدى ، تناجي ربها ألا يشمّت فيها ظالم ولا يعين عليها باطل وأن ينصرها في الحق .
رفعت كفها تجفف دموعها التي انهمرت لا إراديًا منها لتجد أحدهم يأتي ويجلس مجاورًا لها ويمد يده بمحرمة ورقية وعينيه تنظر للأمام متسائلًا بثبات :
- إيه اللي حصل ؟
تفاجأت بوجوده وتوقفت الدموع في مقلتيها فالتفت ينظر لها وشرد لثوانٍ في دفء عينيها اللامعة ثم عاد ينظر أمامه متنفسًا باستفاضة يسترسل :
- تقدري تحكي وماتخافيش مش هستغل ده في التحدي اللي بينا .
ليس عليها أن تثق في كلماته ولكنها فعلت لذا أردفت دون مقدمات :
- قصتي ، قصدي القصة اللي كتبتها واللي بسببها أنا هنا دلوقتي ، اتحكم بوقفها .
ظل كما هو لم يبدِ أي ردة فعل ثم تساءل بعد ثوانٍ :
- ليه ؟ إيه اللي حصل ؟
التقطت منه المحرمة وجففت دموعها ثم عادت تنظر مثله واستطردت توضح بصدق :
- فيه محامي رفع عليا دعوة إني بهاجم القوانين وبزعزع استقرار الأسرة ، ثغرات اكتشفوها في كتابي اللي من حسن حظي وسوء حظي في نفس الوقت أنه اتشهر جدًا بطريقة ادهشتني ، كان لازم وقتها أعرف إن فيه وجه آخر للشهرة ماحسبتش حسابه .
أومأ يردف بنبرة مبطنة بالمعاني :
- اتظلمتي يعني ، معلش بكرة تتعودي وتعرفي إن ده العادي في مصر .
التفتت تطالعه بتعجب ثم استطردت متسائلة :
- قصدك إيه ؟
التفت يواجهها بنظراته ويردف موضحًا :
- قصدي إن اللي حصلك زي اللي حصل معايا قبل كدة ، إحنا الاتنين زي بعض ، اتظلمنا في بلدنا واعتقد إنها تجربة قادرة تغير وجهات نظرنا للأمور .
قطبت جبينها باندهاش ثم هزت رأسها وأردفت مدافعة بثقة :
- لا أنا أسفة بس أنا مش شبهك ولا هكون شبهك مهما يحصل ، أنا عمري مهما اتعرضت لظلم ما هشوه صورة بلدي ، عمري ما هاجي عليها واظلمها ، لو فيها ظلم أو فساد مسير ييجي جيل سليم وواعي يستأصله وترجع عفية تاني ، أيوة كان نفسي الحكم يكون في صفي وكان نفسي كتابي مايتوفقش بس هتفضل مصر بالنسبالي هي الأم اللي ممكن تزعق شوية لكن لو حد حاول بس يزعلني أو يئذيني هلاقيها في ضهري وحضنها مفتوح لي دايمًا ، أنا وانت مختلفين يا أستاذ ثائر ، أنا واحدة اديت فرص لناس ماتستاهلش ، هاجي على بلدي ومن أول واقعة هظلمها وأعيب عليها ؟ ده كدة يبقى العيب فيا أنا .
صمت يتأملها لبرهة ولم ينطق بحرف بل نهض يزفر بقوة ثم أردف بنبرة لم ولن تفهمها :
- ابعتيلي وورد قصتك .
قطبت جبينها وتساءلت بشكٍ :
- ليه ؟
وضع كفيه في جيبي معطفه واسترسل :
- هنشرها تاني ، بس راجعيها لو فيها تعديلات حابة تضفيها أو تحذفيها تمام وبعدها هيتم نشرها بالفرنسية ومترجمة وهتتوزع بشكل أكبر طبعًا ، مهم جدًا بالنسبالي إن الناس تتعرف على الكاتبة اللي هتواجهني .
تركها في ذهولها وتحرك يغادر عائدًا إلى منزله ويعلم أنها ستتبعه وبالفعل نهضت تتحرك خلفه وتتبعه بعقلٍ مندهش مما يحدث .
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية