-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 11 - 2 - الثلاثاء 21/1/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الحادي عشر

2

تم النشر الثلاثاء

21/1/2025


ما أن وعت شفاعات أن العروس قدمت للدار مع أخيها لعقد القران، حتى أدركت أنها مسألة وقت فقط حتى يصعد وهدان مع عروسه نحو الطابق المخصص لها، ما دفعها لتتسلل نحو الدرج، تصعد درجاته في حذر على الرغم من أنها عملت على خلو المكان من الخدم،  والذين صرفتهم جميعا ليكونوا في الخدمة بقلب الدار بالأسفل، وصلت لحجرة العروسين، دافعة باب حجرتهما في حرص حتى إذا ما وصلت لقلة المياه الفخارية أفرغت بها ذاك السائل الذي أمرتها مكحلة بوضعه في مشروب لزوجها، عريس الغفلة، حتى إذا ما شرب سرى مفعول العمل ليرى عروسه الميمونة قردا، فلا يقدر على الاقتراب منها، وتخرب ليلتهما المباركة، وتبدأ المشكلات بينهما..حين يستمر الأمر بينهما على نفس الموال، وما هو إلا بعض الوقت، وينتهي ما بينهما تماما وتعود سيدة لهذه الدار، والأمرة الناهية فيها، وتعيد الكرة من جديد، وتحمل من جديد، فربما يكون القادم صبيا تكون لها به الحظوة في حياة زوجها وقلبه.. 

أفرغت القنينة المتناهية الصغر في قلب قلة الماء، ووقع ناظرها على صينية الطعام الموضوعة جانبا مغطاة بغطاء حريري، فتوجهت صوبها ورفعت الغطاء لتشعر برغبة قوية في قلب الصينية والقاء ما بها لكلاب الطريق، ولا يتنعما به، فتلك النيران المستعرة بجنبات نفسها كفيلة بإحراق النجع بأسره، غطت الصينية متمنية أن ينزل لهم الطعام بالسم الذي يهري أمعاءهما، وتذكرت في خضم غلها أنه كان عليها أن ترش بعض من محتويات القنينة على عتبة الباب، لكن القنينة فرغت، فأمسكت قلة الماء ترش منها على عتبة الباب، لكن القلة انزلقت من كفها لتسقط مهشمة على الأرض، توقفت شفاعات في صدمة لا تعلم ما عليها فعله، فالوضع أصبح خارج عن السيطرة، ضاع أملها كله وانسكب أرضا، وفوق هذا عليها أن تسرع في رفع قطع الفخار المهشمة ومسح الماء عن الأرض، قبل أن ينفض السامر بالأسفل، وتجد وهدان وعروسه فوق رأسها، ويكون في ذلك طلاقها وخسارتها كل شيء للأبد.. 

أسرعت تنجز ما عليها إنجازه، وما أن همت بالنزول ووصلت لأول الدرج، حتى سمعت الزغاريد تعلو بالطابق السفلي إيذانا بصعود العروسين لحجرتهما، هبطت الدرج في عجالة قافزة الدرجات كبهلوان، حتى إذا ما وصلت لمدخل البهو المؤدي لحجرتها وبناتها، حتى ظهر وهدان وعروسه على أعتاب الدرج المفضي للطابق الخاص بالعروس.. 

حمل وهدان عروسه في عزم، ما دفع شفاعات التي كانت تتلصص عليهما من خلف أحد الأركان التي كانت تتستر خلفها للبكاء في صمت قاهر، حتى إذا ما غابا بأعلى الدرج، اندفعت صوب حجرتها تغلق عليها بابها في عنف، باكية بشهقات عالية حسرة قلبها، وقد اقسمت أن بقاء توحيد لن يطل في هذه الدار، وليكن ما يكون.. 

وصل وهدان لحجرته وعروسه، والتي كانت منفرجة الأبواب على غير العادة، لكنه لم يعبأ حين وطأ عتباتها واضعا عروسه على حافة فراشهما وقد تركها لبرهة لغلق الباب في قوة، عائدا إليها مجددا مادا كفه نحو ترحتها التلية دافعا بها في عجالة، لترفع توحيد رأسها نحوه، فيهتف وهو يتطلع إليها في اشتهاء، هامسا بأحرف مهزوزة: واااه يا ست الناس، من يوم ما شنبي خط، وبجيت اتعد ما بين الرچال راچل، ووعيت لك من ورا سور داركم، وأني بدعي ربنا كل ليلة تكوني من نصيبي.. 

همست توحيد في تأثر: ده من عمر يا وهدان! كنا لساتنا صغار.. 

أكد وهدان هائما: ايوه صغار، وكنت أهبل ومش واعي، إن توحيد بت الرسلانية، لا يمكن تكون لواحد أبوه كان تملي فأرضهم، كنت يوم من بعد يوم، أمر من چنب السور، أطل عليكي وأروح لحالي.. لحد ما بجيت أروح للمجام أجوله يا رب ما تكون لغيري.. عملت البدع ونحت فالصخر لجل ما يكون معايا اللي أجدر اجف به جدام اخوكي واجوله رايدها، وأني استاهل تكون ست الناس ف داري.. 

هتفت معاتبة: طب واتچوزت ليه غيري!

هتف وهدان مفسرا بنبرة تقطر صدقا: تصدجي وتؤمني ب إيه! .. 

ردت توحيد: لا إله إلا الله.. 

ليستطرد وهدان: أني ما أعرف ده حصل كيف وازاي!.. شفاعات عمرها ما كانت فبالي، ليه وميتا اتچوزتها، أني معرفش!.. بس اللي أعرفه ووعيله دلوجت، إنك جصادي.. وإنك فداري يا ست الناس.. 

شهقت توحيد في صدمة عندما نزع عنه جلبابه ملقيه جانبا في عجالة، جاذبا إياها بلا مقدمات نحو صدره، مطبقا عليها بذراعيه، لتتمنع قليلا قبل أن تسايره، راغبة في منحه كل ما يشتهه، لتنل رضاه والمزيد من محبته، التي انتظرتها كامرأة طويلا، وقد حان منحها لمن يستحق بسخاء.. 

❈-❈-❈

كان الشيخ حسونة شيخ الرسلانية قد وصل من دار الحرانية بعد عقد قران توحيد ووهدان، يجلس بداخل دار الرسلانية بقاعته الكبرى ليعقد قرانه على كريمة الحسب والأصل اخت رستم باشا،

تسلم سعد كف أنس الوجود من أخيها وقد شعر أن  لا رغبة لديه في تركها، لتسير خلفهما ألفت هانم، حتى يوصلهما لقاعة الحريم حتى تمام عقد القران.. الذي ما أن تم على أكمل حال، حتى تعالت الزغاريد بالدار، قابلتها زغاريد على الجانب الآخر من الرسلانية بدار الحراني، وتعالت طلقات البنادق تخبر القاصي والداني أن عقد القران قد تم.. 

بدأت العوالم والغوازي فقراتهن عند جمع النساء المتحلقات حول العروس، وبدأ السييطة والمنشدين عروضهم عند جمع الرجال من طبقات المجتمع المخملي.. 

أنهى الفقراء وأهل النجع طعامهم وجاء وقت الطرب، فاجتمع بعضهم حول أسوار دار رسلان يتطلعون من خصاص السور المتوسط الطول على رقص العوالم وبدع الغوازي، حتى أن بعضهم أخذته الجلالة وبدأ في التصفيق والتهليل، ومنهم من شرع في الرقص على أنغام الصاجات ودقات الدفوف، الذي امتد لساعات.. 

بدأ الرجال في الاستئذان واحدا تلو الآخر، يشكر لهم سعد تشريفه بالحضور.. حتى إذا ما فرغت القاعة، بعث من يخبر الحريم برغبة العريس باصطحاب عروسه لعشهما السعيد.. 

ارتفعت الزغاريد من جديد، ونهضت ألفت هانم بصحبة أنس الوجود التي أعادت قلنسوتها على محياها مجددا تستره عن الأعين.. تسبقها العوالم وضاربات الدفوف، حتى إذا ما وصلت لموضع سعد تركتها ألفت ليستقبلها أخيها رستم مقبلا جبينها قبل أن يودع كفها بكف سعد، مبتسما له في مودة بنظرة لسعد قالت الكثير، ليرد عليه سعد بمثلها، مؤكدا أنه تلقى الرسالة، ولن يفرط فالأمانة ما حيا.. 

توجهت أنس نحو الدرج تتأبط ذراع سعد في وجل ودقات قلبها أعلى صخبا من دقات الدفوف حولها، كانت تصعد الدرج جواره بأقدام من هلام، حتى إذا ما غابا عن الصخب الدائر بالأسفل، وأصبحا على مشارف الرواق الطويل الذي يفضي في نهايته لجناجهما، حتى انحنى سعد وحمل أنس بغتة.. شهقت في صدمة، ولم تستطع أن تنطق حرفا.. لكنها استشعرت سعادة مخلوطة بترقب وهو يسير بها مرفوع الرأس بطول الرواق حتى إذا ما وصلا إلى باب الغرفة، دفعه بقدمه في قوة لينفرج الباب مفتوحا على مصراعيه.. 

تقدم لداخل الغرفة، وما أن أصبح بقلبها حتى أنزلها في هوادة ورقة، منتظرا حتى لامست قدماها الأرض، واستعادت ثباتها ليستقيم متجها نحو الباب ليغلقه في عزم.. مستديرا نحوها يقف متسمرا موضعه لا يصدق أنه لا يحلم.. وأن ما يحدث اللحظة لهو واقع ملموس وليس دربا من خيال.. خلع عنه طربوشه ووضعه جانبا، وكذا عباءته، التي ألقاها على أحد المقاعد في عشوائية، قبل أن يتقدم نحو أنس الوجود بخطى وئيدة، تسبقه لهفة قلبه ليطل على محياها خلف ذاك الساتر الذي تضعه منذ قدومها، توقف يلتقط نفسا عميقا قبالتها قبل أن يمد كفه صوب القلنسوة دافعا إياها في بطء مخافة أن يفز قلبه من بين ضلوعه، ثم انحدرت كفاه نحو عقدة العباءة حول جيدها، وبدأ في فكها، فهمست أنس في رقة مضطربة: سعد بيه! 

زاده همسها الرقيق عزما ليدفع العباءة جانبا عن محياها، ليشهق في انبهار عندما طالعه شعرها المسدول خلف كتفيها مفرود على ظهرها أشبه بنهر من الكراميل، وهي ما تزال على اضطرابها الذي يستشعره بكل قوة، ليتطلع لمحياها الكلي بذاك الثوب الساحر وذاك الشعر الذي قضى على بعض من ثباته، دنا من جديد ومد كفه السمراء تحت ذقنها رافعا رأسها ليتطلع لعمق عينيها التي يعشق، تلك العيون التي اسهدته الليالي، وأرقته في صحوه قبل منامه، هامسا في نبرة مختلجة تهتز أحرفها تأثرا: العيون دي ياما شغلتني، من أول نوبة اطلعتيلي فيها تشكريني على توصيلتك للوكاندة يوم النطرة فاسكندرية، وأني جلبي داب دوب لطلتهم اللي لزمتني من يوميها.. 

همست أنس بأعين دامعة: سعد بيه، أنا.. أنت.. 

همس سعد مؤكدا ونظراته معلقة بعينيها الدامعة تأثرا: أيوه أني.. سألتيني فيوم.. چربت العشج سعد بيه، جلت لك لاه.. معلوم ما أني غشيم، مكنتش واعي إني عاشج طلتك اللي اتعلج بها جلبي جبل عيوني، وإن يوم ما اترفض طلبي كان هاين عليا أحرج الدنيا باللي فيها، بس إنتي ترضي وتكوني ليا.. ولما جولتيلي يوم الغارة إنك مش رفضاني، كنت كيف المچنون لا على حامي ولا على بارد، وطلبتك من أخوكي، ولو كان رفض كنت هطلبك رابع وخامس وعاشر، ولو حكمت كنت هسافر للباشا إسطنبول، بس تكوني ليا.. ودلوجت بس عرفت يعني ايه عشج، وبرد على سؤالك.. أيوه أني عاشج.. أني عاشجك يا برنسيسة ومكنتش داري.. 

انسابت دموع أنس الوجود في رقة، هامسة بقلب لا تسعه السعادة في تلك اللحظة: أنا كنت أموت كل ليلة، وأنت بعيد تظن أن أنس لا ترغب في وصالك.. وأنت لا تعلم أن ظهورك في حياتي جعل لي رغبة في الحياة، بعد أن فكرت عدة مرات في التخلص منها، لكن خشية الله كانت الغالبة سعد بيه.. 

مد سعد يده في حنو يمسح الدموع عن خديها المرمرتين، محتضنا وجهها الرقيق بكلتا كفيه مقربا إياها منه منحنيا يلثم جبينها الوضاء في هوادة مبتعدا يطل بعينيها مجددا والتي اغلقتها في نعومة ذوبت البقية الباقية من ثباته قبل أن يجذبها ليطوقها بذراعيه، محتويها بأحضانه في عشق فاض به الكيل محطما سد الكتمان، وقد آن له البوح..