-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 11 - 3 - الثلاثاء 21/1/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الحادي عشر

3

تم النشر الثلاثاء

21/1/2025


القاهرة ١٩٩٠.. 

اندفعت كالمجنونة داخل غرفة المشفى، حين أبلغها الطبيب في آسف أن لا أمل، وعليها أن تكون بصحبته في لحظاته الأخيرة.. حاولت أن تضبط أعصابها وهي تقترب من فراشه، لكن دموع عينيها كشفت عن دواخلها، وهي تميل عليه هامسة في اضطراب: نجيب!.. أنا هنا!.. 

فتح نجيب عينيه في ثقل، مبتسما ابتسامة شاحبة حين طالعه محياها من خلف ضباب الرؤية المسيطر على ناظريه، فقد تملك منه المرض، وقد أدرك أنها النهاية، وعليه أن يغالب ضعفه، ليلق بوصيته الأخيرة، قبل أن يرحل للأبد، هامسا في وهن، وبأحرف مهتزة، ونفس الابتسامة التي لطالما كللت شفتيه مرسومة على تلك الشفاه الباهتة التي فقدت لون الحياة: برلنتي!.. كنتي وهتفضلي أقرب مخلوق لقلبي، وأنا سايب لك أمانة، اوعي تفرطي فيها.. أنس الوجود.. خلي بالك عليها، وقوليلها إن محبتش حد فالدنيا قدكم انتوا الاتنين.. ومهما حصل يا برلنت، ومهما كانت الظروف.. مترجعوش الرسلانية.. أوعي يا برلنت.. دي وصيتي ليكي..

اوعي يا بر..

بدأ في السعال بشدة، وبدأت مؤشرات الأجهزة الموصولة بجسده في إصدار أصوات جعلتها تهتف مذعورة طالبة المساعدة، التي وصلت بالغرفة سريعا، حيث دفع بها الممرضين للخارج، لإسعاف الحالة، لتقف يتآكلها الرعب على رفيق عمرها الذي ينساب مبتعدا بعد أن انتفض جسده عدة مرات تحت آلة إنعاش القلب بلا فائدة، ليغطي الطبيب وجهه المحبب، معلنا ساعة الوفاة، لتصرخ برلنت في قهر.. 

انتفضت برلنتي من نومها تنادي باسمه، ما دفع درية والخادمة حمدية لتكونا بالقرب من فراشها سريعا، دفعت درية بكوب الماء لبرلنت، التي ارتشفت منه رشفة صغيرة، قبل أن تتنهد في اضطراب متسائلة: هو مفيش أخبار عن أُنس!..

تطلعت نحوها درية في دهشة، قبل أن تهتف متعجبة: ما هي لسه مكلماكي م الصعيد وطمنتك عليها وقالت لك الوضع اتحسن هناك والبنت بقت كويسة، وهتفاتح اللي اسمه حبيب ده فموضوع حقكم تاني!.. أنتي نسيتي ولا ايه يا برلنت!.. 

حدث ذلك بالفعل، هي لا تنكر، فقد اتصلت بها أُنس وهي في محطة القاهرة، قبل أن يصل القطار المتجه لقلب الصعيد، لتطمئنها على الأحوال، بالطبع أكدت أنس على درية وممدوح أن لا يخبرا أمها أنها بالاسكندرية، وأن كل تلك الفترة هي بالفعل فالصعيد، وأنها تبلغها بتطور الأمور ليس أكثر.. لكن على الرغم من ذلك، هي لا تشعر بالراحة، هاتفة لدرية: أنا بقول ترجع بقى كفاياها قعدة هناك!.. طولت أوي وأنا خايفة عليها.. 

هتفت درية متعجبة: خايفة عليها من إيه!.. ما هي بقالها يجي ١٥ يوم هناك، ومحسن راح ورجع كذا مرة! وقال إن الدنيا هناك تمام، ومفيش اي مشكلة من أي نوع، وإن حبيب ده كان عنده استعداد فعلا إنه يقعد ويديها حقها لولا اللي حصل لأخته.. يبقى ليه القلق ده!.. 

ثم استطردت درية مازحة: قولي إنها وحشتك ومش قادرة على بعدها!.. مفيش فايدة فيكي يا برلنتي، طول عمرك مبتعرفيش تعبري عن مشاعرك.. كتماها جواكي لحد ما تتخنقي بها.. 

تنهدت برلنت ولم تعقب على كلمات صديقة عمرها، التي لم تخالف الحقيقة، بل أصابت كبدها، لتستطرد درية باسمة: قومي ياللاه الغدا جاهز، تعالي نتغدا سوا، ونتفرج على فيلم حلو جاي ع التليفزيون..بقالهم فترة معرضهوش.. 

هزت برلنت رأسها موافقة، هامسة في وهن: طيب، هدخل الحمام واحصلك.. جهزوا السفرة لحد ما أجي.. 

خرجت درية من الحجرة، وتبعتها حمدية التي حملت كوب الماء الذي ما زال على حاله، لتتركا برلنت وحيدة، تتطلع نحو صورة زوجها نجيب الحراني، هامسة في قهر: سامحني يا نجيب، مش بأيدي اللي حصل، خالفت وصيتك غصب عني، واللي بيحصل ده خارج عن إرادتي.. سامحني يا نجيب.. 

سالت دموعها أمام صورة زوجها الراحل، وغابت في الذكريات حتى نبها صوت درية التي تعلن عن انتهاءهن من إعداد طاولة الغداء، فمسحت دموعها وتوجهت للحمام في عجالة.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩٠..

وصلت كل من منيرة وأنس لبوابة سراي وناسة، فانتفض شبل مندفعا نحوهما يحمل عنهما حقائبهما، هاتفا في تعجب: ليه مجلتوش بمچيتكم يا ست مِنيرة، كنت چيت المحطة چبتكم! 

هتفت أنس باسمة ترد بالنيابة عن منيرة، التي استشعرت أنها ليست على ما يرام: مفيش داعي يا شبل، الموضوع بسيط والمسافة متستاهلش.. 

اندفع شبل بالحقائب يضعهما داخل البهو حيث كانت تجلس الجدة صفية جلستها المعتادة، والتي ما أن رأت منيرة قادمة من الخارج، حتى هللت في سعادة: مِنيرة يا بتي، حمدا لله بالسلامة يا غالية! 

اندفعت منيرة في أريحية نحو أحضان صفية التي شرعت ذراعيها لاستقبالها في حنو، مقبلة وجنتيها في سعادة هاتفة: لاه، عيني عليكي باردة، چاية وشك ولا البدر فتمامه، هي إسكندرية بتعمل كدا فالخلج!.. طب ما تاخدوا ستك على هناك، بُرب أجوم ارمح، بيجولوا مية البحر شفا.. 

قالت صفية كلماتها الأخيرة وعيناها على محيا أُنس التي ظلت موضعها، ما دفع صفية لتهتف بها باسمة في امتنان: تعبناكي يا بتي! انتي زينة!.. 

أكدت أنس في رزانة: الحمد لله، وتعب منيرة راحة، المهم تكون اتبسطت وبقت كويسة.. و.. 

قاطعها صوته حين هل من الخارج، وما أن وعى لمنيرة حتى هتف في تحفظ: وه، چيتوا ميتا!.. ومجلتوش يعني! 

اقترب حبيب مقبلا جبين منيرة في محبة، لتؤكد باسمة: حبينا نعملهالكم مفاچأة.. 

همس حبيب وهو يتحاشى التطلع نحو أنس: حمدالله على سلامتكم.. بس كنتوا جلتوا برضك متاچوش لحالكم.. 

همست أنس في صوت خفيض مضطرب ليس من عاداتها: الموضوع ما يستاهلش.. 

هتف حبيب في نبرة خشنة متطلعا نحو أنس أخيرا: أني اللي أجول ايه يستاهل وايه اللي ميستاهلش.. 

ولم ينتظر منها ردا أو معارضة، بل هتف مناديا في حنق: يا بت يا نبيهة! فين العباية الصوف الإنچليزي البني، جلبت عليها الدنيا وملجتهاش..

هتفت نبيهة مؤكدة: والله يا حبيب بيه ما أعرف، تلاجيك نسيتها هنا ولا هنا.. 

هتفت صفية محاولة أن تلطف الأجواء التي لا تعرف لما غامت بذبذبات عدائية لا مبرر لها، أمرة نبيهة فيةحزم: روحي إجلبي عليها الدولاب، همي بدل ما .. 

قاطعتهم أنس هاتفة في تهور: دي عندي.. 

هتف الجميع، صفية ونبيهة وحتى منيرة متسائلات: عندك فين!.. 

تنبهت أُنس أنها نطقت بما لا يجب، وأنه كان عليها حين أدركت أن العباءة التي يسأل عنها هي نفسها 

التي تلفحت بها على طول طريق عودتهما بعد حادثة رفعت أخو نجية وإصابة مدثر بعد إنقاذه إياها، أن تصمت وأن تعمل على إرجاعها في سرية، لكن ذاك التهور الغير محسوب سيوردها يوما موارد التهلكة، إن لم يكن اللحظة، وجميع من بالقاعة يتطلع نحوها بهذا الشكل العجيب، ينتظرن جوابا لسؤالهن الفضولي، لتزيد هي الطين بلة، حين هتفت باضطراب: عندي فالاوضة، اصل هي.. يوم ما كنا.. نسيت أ.. 

تنبه حبيب لاضطرابها، وتذكر هو الحادثة وأن العباءة بالفعل عندها ولم ترجعها، فحاول إنقاذ الموقف أمرا نبيهة التي كانت تتطلع نحو كلاهما في أعين متفحصة أشبه بالمفتش كلومبو: روحي يا بت هاتيها من اوضة الأستاذة! والغلط عليكي برضك.. من ميتا أوض المضيفة بتتساب بعد الضيوف ما يمشوا من غير تنضيف! 

هتفت نبيهة مدافعة: الغلط عليا برضك! ما هو يا بيه.. 

زعق حبيب أمرا في صرامة: متراچعنيش، وغوري هاتيها.. 

اندفعت نبيهة مهرولة نحو المضيفة، وقد تكهربت الأجواء، حتى بعد أن عادت نبيهة حاملة العباءة هاتفة تحاول أن تسترضيه: ما تسبها يا بيه انضفهالك طيب!.. 

اندفع حبيب حانقا، جاذبا منها العباءة في ضيق: لاه، عچباني كده.. هاتي.. 

نزع العباءة من بين كفيها، مندفعا للخارج، لتهمس نبيهة بنبرة باكية وهي تندفع صوب المطبخ: طب أني عِملت ايه طيب!..

حملت أنس حقيبتها في هدوء، واستأذنت مندفعة نحو المضيفة، تتوارى من نظراتهن المتفحصة، وهي تشعر بضيق غير مبرر، وكأن حالة حبيب التي استقبلها بها قد انعكست على نفسها، فأصبحت تماثله ضيقا..