-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 11 - 4 - الثلاثاء 21/1/2025

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الحادي عشر

4

تم النشر الثلاثاء

21/1/2025


الرسلانية ١٩٩٠..

دخل دار الحرانية باحثا عن جده عزام الحراني حيث يجلس دوما في مقعده المعتاد، لكنه لم يجده، ما جعله يتجه حيث يعرف أين يكون، كان ذاك وقت القيلولة التي لا يخالف عزام موعدها أبدا مهما كانت الظروف، تاركا الدنيا كلها خلف ظهره، ليتخذ من تلك التعريشة في آخر الحديقة موضعا لمنامه، لا يجرؤ أي من كان أن يقترب منه ساعتها، إلا شخص مقرب مثل مظهر، والذي وصل لعتبة التعريشة هاتفا يحاول أن يجذب انتباه جده الذي يعلم أنه بنصف وعي اللحظة: السنيورة وصلت النچع! 

رد جده بعين مغلقة، ونبرة متحشرجة: مين! واه، جصدك بت نچيب الحراني! طب ما جلت إن ملناش صالح بها طالما رامية بلاها ع الرسلانية، مش شورتك دي!.. 

هتف مظهر مؤكدا: ايوه، بس لما راچعت روحي جلت لاه، كلام چدي هو المظبوط، وجوع البلا ولا انتظاره، ولازما نخلص من الليلة دي من أساسها.. 

اعتدل عزام موضعه، وقد بدأ يستعيد كامل وعيه، فقد أضحى الأمر الذي يثيره حفيده اللحظة، بالغ الأهمية ويستلزم المزيد من وعيه وتركيزه، هاتفا في نبرة أمرة: لاه، باين الموال طويل! تعالى اجعد هنا چاري، وجول لي ايه اللي فدماغك بالمظبوط.. 

جلس مظهر جوار جده حيث أشار، وبدأ في تفسير وجهه نظره، التي ما تغيرت إلا حين رأى أُنس بصحبة منيرة، وهن يغادرن محطة القطار، وقد شاء له قدره أن يصطدم بها، فيبدل ساعتها كل خططه ومخططاته.. 

❈-❈-❈

تنبه الخفير لطرقات على باب الحجرة التي اوكلته سيدة الدار بحراستها، فهتف من خلف بابها، بعد أن زاد الطرق شدة: خير يا سي عزت! ايه في!.. 

هتف عزت من خلف الباب: افتح يا بهيم خليني أخرچ.. 

هتف الخفير في اضطراب: لاه، معنديش أوامر م الست سنية بكده! هي جالت لي متفتحش ولو حصل ايه!.. 

هتف عزت صارخا: افتح يا بهيم بجولك! يعني ايه مخرچش!.. افتح طيب أني عايز أروح الحمام، منعتوها دي كمان!.. 

زاد اضطراب الخفير، هاتفا في حروف مهزوزة: طب هفتح يا سي عزت،  بس وحياة الغاليين عندك مفيناش من ملاعيب شيحة، الست سنية لو خرچتك دلوجت ومرچعتش أوضتك، هتجطع من جتتي وترمي للكلاب.. 

هتف عزت يتعجله: افتح يا واد، هِم، اخلص أني على آخري.. 

فتح الخفير الباب معطيا الأمان لعزت، الذي ما أن انفرج الباب، حتى ضرب الخفير بعقب طبنجته التي نسيت أمه أنه يضعها في مكان أمن بحجرته، ولم تخرجها حين قررت حبسه وتحديد إقامته بعد كل المصايب التي نالتهم من تحت رأس تهوره، ليقع الخفير ممددا أرضا فاقدا الوعي، تركه عزت موضعه وأغلق باب الحجرة وتسلل هابطا الدرج، وما أن تأكد له أن بهو الدار خالِ حتى اندفع للخارج، لينفذ ما عزم عليه، بعد أن علم من الخفير،  بالليلة السابقة أن منيرة قد عادت للنجع بعد سفرها المفاجئ..

 ❈-❈-❈

يومين بليلة منذ وصولها ومنيرة من إسكندرية وهو يتحاشى البقاء معها بمكان واحد، دوما ما يستأذن هاربا وكأن شياطين الدنيا تتعقبه، لكنها تدرك أين تجده، فما عاد فراره النهاري منها يعفيه منها، فهي قادرة على اللحاق به في المساء حيث لن يكون إلا هناك بتعريشة العزلة التي يلجأ إليها دوما.. 

هي في الأساس لا تعلم لمَ يتخذ من الهرب وسيلة تحول دون اجتماعهما، أهذا كله من أجل ألا يجلس مجددا لمناقشة أمر حقها، الذي تأجل بعد كل الأحداث الدامية التي حدثت لأخته!.. تراه قد أعاد التفكير في الأمر، وقرر أن لا قبل له على خسارة قطعة من أرض الرسلانية في سبيل إرجاع حقها!.. أم أن ذلك لعدم توافر المال الكافي الذي يستطيع به شراء الأرض منها، فيحفظ بذلك أرض أجداده الغالية، وتأخذ هي حقها بما يرضي الله!.. 

الكثير والكثير من الظنون راودتها، لكنها قررت وأدها جميعا والإقدام على مواجهته، حتى تضع النقاط على الأحرف، فما عاد بقائها هنا له جدوى وكأنها تدور في حلقة مفرغة بلا نتيجة واحدة مرضية.. 

ما زال الوقت باكرا على المواجهة التي اعتزمتها، فها قد تناهى لمسامعها أذان إقامة صلاة العصر لتوه منتهيا بصوت الشيخ معتوق الذي يأتيها من مئذنة المسجد التي تبصرها اللحظة من موضعها بنافذة حجرتها.. 

كان الجو دافء لحد كبير، به نسمة من هواء له عبق خاص، جعلها على الرغم من الضيق الذي يسيطر على دواخلها لأفعاله الغير مبررة منذ قدومها من السفر، تركن للهدوء والسكينة نوعا ما، حتى ابصرته اللحظة وعلى غير العادة يدخل من بوابة السراي متجها نحو التعريشة، يسير في خطى تضرب الأرض في عزم، وكأنما يدق بها وتد الوصل لمزيد من الثبات، لا تعلم لمَ داخلها شعور كبير بالشفقة عليه مزاحما شعور الغضب الذي كان يسربل دواخلها تجاهه، وكأنما قرأت بعين بصيرة مستحدثة، أن خطاه تلك ليست من قبيل العظمة والهيبة التي هي من سماته في الأساس، ولكن رغبة منه ربما تكون لا واعية، لتأكيد ذاتي أنه قادر ومسيطر على أمور ربما تكون خارجة في الأصل عن إرادته!.. همت بالنزول إليه، لا تعرف ما الذي جعلها تفكر في ذلك، فقد كانت قد قررت ميعاد المواجهة ليلا، لكن ذاك الصوت الهادر من خلف أسوار السراي أوقفها عن التنفيذ، لتتسمر موضعها بالنافذة وهي ترى عزت يقف قبالة البوابة الرئيسية لسراي وناسة، يهتف في صخب عارم، وبصوت جهوري لفت انتباه المارة، وجمع الناس شرقا وغربا يتطلعون لابن عمدتهم الذي كان حاله لا يسر بهذا الجلباب المنزلي، وذقنه الغير حليقة، ونظراته الزائغة، أمرا في ثورة: أني رايد مرتي يا حبيب!.. أني رديتها لعصمتي ومحدش هيجدر يفرج بينا، أني رايدها وهنغوروا من هنا، هاخدها ونرحل بعيد.. 

رأت أنس من موضعها حبيب ينتفض من موضعه تحت التعريشة، مندفعا نحو بوابة السراي ما أن وعى لصراخ عزت باسمه، ما دفعها بدورها لتهرول خارج غرفتها في اتجاه غرفة منيرة، التي بالتأكيد حالها لن يكون بخير، وهي ترى ذاك المشهد قبالة ناظريها.. 

هتف حبيب زاعقا من داخل بوابة السراي المنفرجة على مصرعيها كالمعتاد في مثل هذه الساعة من النهار، بينما يقف شبل متأهبا بسلاحه المشهر على أعتابها تحسبا لأي زائر غير مرغوب به: أرچع يا عزت، أرچع عشان الرصاصة اللي طاشت النوبة اللي فاتت، هتصيب النوبة دي، ويبجى ملكش عندينا دية كمان، غور.. 

هتف عزت صارخا: مش هتعتع من هنا إلا ومرتي فيدي، أني رديتها لعصمتي.. 

هتف حبيب ساخرا: والله الحمد لله إننا خلصنا منِه النسب العرة ده، واحد معرفش دينه، هيكون ايه!.. أنت مليكش تردها م الأساس يا عويل، ده كان كتب كتاب مهواش طلاج بعد دخول، يعني لا ليها عدة، ولا تجدر تردها، كله بعجد چديد وشروط چديدة يا واد العمدة..

هتف عزت بصوت مهزوز النبرة، بعد أن خلخل كلام حبيب قوة موقفه وثباته: طب نعجد من تاني، بشروط چديدة وكل طلباتكم مچابة، بس مضعش من يدي.. 

هتف حبيب ساخرا: منرضهلكش يا سيد الناس، مش دي برضك بت الرسلانية اللي أنت متتشرفش بنسبهم، وخضت فعرضهم!.. 

صرخ عزت مقهورا: مكنتش فوعيي، ومنيرة ست البنات كلهم، وأشرف بنات النچع، واللي يجول عليها كلمة واحدة شينة، أني اللي هجطع لسانه بيدي، كانت ساعة شيطان وخلصت، جلت إيه يا حبيب، نعجد من تاني! 

كانت منيرة بالأعلى وأنس جوارها، تتابعن ما يحدث من خلف خصاص نافذة حجرة منيرة المشرع قليلا، دموعها تنساب في قهر على ما يجري، لا تنطق حرفا في انتظار رأي حبيب، الذي هتف في قوة وقد نال الترضية الكافية التي أعادت لأخته كرامتها وسمعتها بالنجع بعد ما تقول عليها ذاك الحقير بنفس الموضع منذ أيام قليلة: لاه، مفيش عجد چديد يا واد أبو زكيبة، أختي مهياش لعبة ف يدك، وأنت مش الراچل اللي آمن عليها معاه، الغالية دي اللي زيك ميعرفش جيمتها، ولا يجدر يصونها.. روح ربنا يسهل لنا ويسهل لك.. 

صرخ عزت في ثورة قاهرة، وقد بدا أنه فقد البقية الباقية من رشده، وهو يخرج طبنچته من قلب صديريته: هاخد مرتي ولو غصب عنك، ولو حكمت يبجى على چثتك.. 

سدد عزت سلاحه نحو حبيب، الذي وقف في ثبات وقد أشار لشبل الذي تحفز بسلاحه يوجهه لعزت في المقابل، هاتفا في نبرة قوية: رصاصتك جصاد عيار شبل، يعني لا ولا أنت هنخرجوا منِها على خير يا عزت، أجصر الشر، وروح لحالك.. 

صرخ عزت في قهر، وهو يضغط على زناد طبنجته، هاتفا في تحد سافر: ولا فارج لي، ويبجى أنت اللي اخترت يا حبيب.. 

وانطلقت الرصاصة في دوي صاخب، وتعالت صرخات النساء بالنافذة بالأعلى، وساد الهرج والمرج.. 


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة