رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 19 - 2 - السبت 25/1/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل التاسع عشر
2
تم النشر السبت
25/1/2025
كان يغمض عينيه بتعبٍ وألمٍ شديد.
مرّت ساعة منذ عاد إليه وعيه.
فحصه الطبيب أكثر من مرة،
حتى أنه كان أكثر من طبيب تناوبون على فحصه،
والتأكد من أنه تخطى مرحلة الخطر بالفعل.
تم فحص جروحه بحرص،
كانت أربع جروح في أماكن مختلفة،
أربع طعنات متفرقة.
سقط بعدها لأيام فاقدًا للوعي.
كم يومًا مرّ؟
لم يدرك،
حتى سألهم بضعف،
وكانت الإجابة:
أربعة أيام راقدًا لا يدرك ما حوله.
كل ما حدث يمر أمام عينيه،
تنهيدة متعبة وعقل غير راغب ورافض لتذكر الأمر،
لا يريد أبدًا، لا يريد.
تبعها صوت الطبيب يخرجه من ذكرياته القاسية،
يخبره بهدوء أنه سيتم نقله إلى غرفة عادية.
أومأ له بصمت، غير قادر على الحديث.
تحرّك الفراش به بالفعل،
يخرج من غرفة العناية بحرصٍ شديد.
فتح الباب،
وفتح هو عينيه،
ليقابله المشهد الآتي
أباه يقف بضعفٍ يناظره بعيونٍ دامعة،
يضمه حسام خشية أن يسقط في أي لحظة،
وبجانبه أنس يضم حبيبته ملك الباكية،
أحمد يناظره بابتسامة،
وبجانبه أمير،
وأخيرًا آلاء الواقفة تستند على الباب من الخارج،
تضع يدها على فمها تبكي.
خرج فراشه من الغرفة، وقبل أن يلتف الجميع حوله،
أخبرهم الطبيب بهدوء،
أنه سيتم نقله،
وحينها سيكون متاحًا لهم الوجود حوله،
لكن بحرص،
فالإصابة ليست بهيّنة،
وإن كان قد تخطى مرحلة الخطر.
ابتعد الجميع إلا آلاء التي اقتربت،
تمسك بيده،
شدّ على يدها بضعف،
قبل أن يغمض عينيه سامحًا لنفسه بالراحة.
فهو غير قادر أبدًا على الاستيقاظ.
وتحرّك الفراش إلى غرفته،
يتبعه الجميع،
هو بقلبٍ يصرخ بصمت،
يمزقه الألم دون أن ينطق،
وكأن كل صرخة عالقة بين الضلوع.
وهم بقلوبٍ راضية وشاكرة لله،
انه بخيرٍ أمام أعينهم.
❈-❈-❈
ساعات بسيطة، وأشرقت شمس يوم جديد.
تم نقل تميم إلى غرفة خاصة، لينام بضع ساعات بتعب وإرهاق بفعل المسكنات القوية، غير قادر على تحمل الألم.
ظل الجميع بالخارج إلى حين السماح لهم بالدخول، كما كانوا في الأيام السابقة.
كل منهم ينام على مقعد، إلا آلاء وملك في غرفة صغيرة، لظروف حمل ملك الغير المناسبة للنوم على تلك المقاعد.
وظلوا هكذا منتظرين أن تطمئن قلوبهم.
لذا قرر حسام أن يتناول الجميع الفطور، وليس فقط تلك اللقمات التي كانوا يتناولونها بسبب عدم وجود شهية للأكل.
الآن الوضع تغير، فالحمد لله تم الاطمئنان عليه.
اقترب منهم يحمل بين يديه عدة حقائب، ليوزع على كل منهم وجبة وعلبة عصير قبل أن يدخلوا لتميم.
تناول أحمد الطعام بهدوء، وأخذ منه أمير العلبة دون أي انتباه، وعينه تراقب الهاتف بتركيز، يدون عليه شيئًا بسرعة.
هز حسام رأسه بيأس وهو يقول بتهكم:
يا ابني، الموبايل مش هيطير! كل لقمة الأول، مش هيحصل حاجة لو سبته العشر دقايق دول يعني. سيبه يا أمير عشان تعرف تاكل.
لكن الآخر لم يهتم، وهز رأسه نافيًا، متابعًا ما يفعله.
ليضرب حسام كفًا على الآخر، شاعرًا أن العمل قد جعل أخاه يجن، بل يكاد يكون ينام والهاتف بين أحضانه.
قالها لنفسه بسخرية وهو يسير نحو ملك.
آه، تلك الباكية... كانت تبكي بين أحضان أنس بفرحة.
ليقف أمامها ويردف بمشاكسة:
في إيه ماما؟ أنتو تزعلوا تعيطوا، تفرحوا تعيطوا، إيه الهم ده؟! يا بت، فُكي كده! ما تميم بقى زي الفل أهو، ولله الحمد.
ويلا بقى عشان تأكلي... جايبلك شوية سندوتشات إنما إيه، ما شاء الله، ريحتها مفحفحة... شامه؟
قالها وهو يقرب منها الأكياس بمشاكسة.
إلا أنها هزت رأسها بوهن، وهي تقول:
لا، مش قادرة... حاسة أي حاجة هاكلها هجيب كل اللي في معدتي.
نظر نحو أنس الذي بادله النظر بيأس، فملك هكذا منذ أفاق تميم، تبكي قليلًا، ثم تصمت، ثم تعود لتبكي، وكأن أعصابها قد توقفت عن العمل، والتراكمات جعلتها في حالة من الانهيار.
هبط على ركبتيه أمامها وهو يمسك يدها يربت عليها قائلًا برفق:
مش هينفع يا ملك، مينفعش اللي بيحصل ده أبدًا. إنتِ يادوب بتاكلي أي حاجة تعيشك. مينفعش أبدًا... ابنك مسؤول منك، ولازم تاكلي كويس عشانك وعشانه. صح يا أنس؟
قالها وهو ينظر لزوج أختها.
نظرها أنس وهو يمسح على حجابها قائلًا بضيق حقيقي:
حسام عنده حق يا ملك. أنا مقدر أكيد خوفك، بس حقيقي وشك أصفر أوي. معقول هتدخلي لتميم كده؟ هيتعب أكتر ما هو تعبان. لازم تاكلي كده عشان وشك يرجع للونه الطبيعي. هتقلقي تميم وهو لسه يدوب بيفوق. لو سمحتي اسمعي الكلام.
وأكمل بهدوء وهو يمد يده لحسام:هات يا حسام، أنا هاكلها.
أعطاه حسام العلبة وعلبة أخرى قائلًا بتأكيد:
وتاكل معاها، أبوس راسك، انت كمان.
وأكمل ساخرًا:
فكري بس، ما تاكليش كده وأنا هجيب البت شمس تجيبك من شعرك.
قالها وهو يتوجه لوالده القادم من الحمام، أجلسه وجلس بجانبه يحاول إطعامه، لكن مدحت رفض قائلًا:
مش جعان يا حسام، عايز أطمن على أخوك يا ابني. شوف بس هيدخلونا إمتى، أنا قلبي خلاص تعب، وعايز أخده في حضني.
اقترب منه أكثر قائلًا برفق:
وعشان كده يحصل لازم كلنا نكون بخير يا بابا. إزاي عايزين تشوفوه كويس وكل واحد فيكم داخل وشه أصفر كده؟
بابا، متنساش إنك لازم تاخد الدوا، وعشان تاخده لازم تاكل كويس. لو سمحت، تميم محتاجلنا كلنا جنبه، وعشان ده يحصل لازم نكون أقوياء. فلو سمحت بقى.
وفتح علبة الطعام يخرج له منها شطيرة، يمدها نحو فمه بإصرار، ليأخذها مدحت باستسلام تحت إصراره.
وينتقل حسام للشخص التالي والأخير، آلاء.
كانت تقف بجوار نافذة في آخر الرواق بعيدًا عنهم، كأنها منفصلة عنهم تمامًا، كأنها في عالم آخر.
حسنًا... آلاء ليست بخير.
كلهم لم يكونوا بخير.
لكن تلك... بها شيء، كان الحمل زاد فوق قلبها المتعب.
❈-❈-❈
كانت تقف تتطلع إلى السماء بشرود وعيون خاوية، تراقب ورقة شجر صغيرة تطير هنا وهناك، لتحط في النهاية أرضًا، فيدهسها المارون دون أي اهتمام.
أيعقل أنها أصبحت مثلها؟ كورقة شجر تطير في كل مكان، تحط هنا قليلًا ثم تقذفها الرياح، فتطير هناك متخبطة بين الأغصان، لا حول لها ولا قوة، حتى تسقط تحت أقدام من لا يراها ولا يقدر وجودها.
لكنها لا تريد هذا.
لا تريد أن تبدو بهذا الضعف، حتى وإن كان لنفسها فقط.
يكفيها ،
كم بكت بكاءً مريرًا حتى جفت عيناها كأرض قاحلة.
لم تعد تريد البكاء أبدًا.
تريد أن ترى كل شيء من زاوية أخرى.
الأمور تتحسن مع الوقت، ينير الله طريقها، متى تخلى عنها؟
لم يتخلَّ أبدًا.
تميم أصبح بخير، والفضل لله.
سيكون أفضل، وهي بجانبه.
لن تتركه ولن تتخلى عنه.
ستضمد جراح قلبه المكسور.
وعند تلك الخاطرة، انطفأت عيناها أكثر، وتساءلت:
متى تضمد جراح قلبها هي؟
تحارب نفسها.
تريد وبشدة أن تفيق من تلك الغفلة.
تريد أن ترى ذاتها وأطفالها.
هم وعائلتها الأهم بالنسبة لها في تلك اللحظة.
يكفيها من أضاعت.
يكفي سنوات عمرها المفقودة.
فقدت الكثير، أكثر مما يجب.
انتفضت على يد توضع على ذراعها، لتجد حسام يناظرها بابتسامة، قائلًا برفق:
اتخضيتي كده ليه؟
هو في حد يتجرأ يلمسك يا لولو غيرنا؟
رسمت على وجهها ابتسامة باهتة وهي تربت على يده، ليمسك يديها متسائلًا بهدوء:
مالك يا آلاء؟
لم تجد إجابة لسؤاله.
حتى وإن وجدت، لن تجيب.
فلم تجد نفسها سوى وهي تندفع لتدس نفسها بين أحضانه.
تحتاج الأمان.
تريد أن تحظى بدفئه، دفء سيغادرها قريبًا بعودة كل منهم لحياته.
❈-❈-❈
تحركت فريدة ببطء وجسد متعب بعد أن استمعت لصوت الباب يغلق، دليلًا على مغادرة عمر.
تتذكر ما حدث معها أمس،
فبعد وصلة بكاء طويلة، أخذت حمامًا دافئًا وخرجت لتنام في فراشها بجانبه دون أن تنبس ببنت شفة.
فقط تسطحت وأعطته ظهرها، متظاهرة بالنوم.
حتى غفى هو واستمعت لصوت أنفاسه المنتظمة.
التفتت تنظر إليه في نومه، وهي تفكر.
أصبحت لا تفهم عمر، وللصدق أصبحت لا تفهم نفسها.
أصبحوا في علاقة معقدة، كل منهم يشهر سيفه في وجه الآخر، كأنهم في حرب.
هي تحاول، وهو يحاول، لكن لا يرى محاولاتها.
بكل بساطة يتجاهلها.
وأخيرًا موضوع العمل، ماذا يضره في أن تعمل وتشغل وقتها بدلاً من أن تظل وجهها في وجه الحائط طوال اليوم؟
عمر لا يفهمها، ولا يفهم مشاعرها أبدًا، وذلك يؤذي قلبها.
يؤذيها بشدة.
انقلبت على ظهرها تطالع السقف بعينيها الجامدتين.
ولم تعلم كم ظلت، حتى استمعت إلى صوت منبه عمر.
أغمضت عينيها متظاهرة بالنوم.
ورغم أنه كان يسير في الغرفة ويصدر العديد من الأصوات، إلا أنها لم يكن لها القدرة أبدًا أن تخبره حتى بتحية الصباح.
وظلت هكذا، حتى استمعت إلى صوت انغلاق الباب.
أطلقت تنهيدة متعبة وهي تتحرك ببطء، تجلس على الفراش، تتمسك به بقوة.
عندما فجأتها نوبة دوار مفاجئة، لتظل كما هي، متهدلة الكتفين بوجه شاحب وباهت، كليمونة صفراء.
لا تقدر على الجلوس بطريقة صحيحة حتى.
كان الدوار يلفها منذ فترة، يسبب إرهاقها والضغط النفسي المستمر.
صحتها لم تعد بخير.
حياتها، طعامها، كل شيء اختلف.
جسدها لا يتقبل ما يحدث معها.
ترنحت قليلاً، تحاول أخذ أنفاسها المختنقة.
فلم تشعر بنفسها سوى وهي تميل فجأة للأمام، تفرغ ما في معدتها بقوة وضعف، غير قادرة حتى علي الركض نحو المرحاض.
فظلت محلها تفرغ ما في معدتها بقوة، وعينها تذرف الدموع بالم.
❈-❈-❈
ظلّت محلّها تنظر للأرض المتسخة بعيون مرهقة، غير قادرة على الصمود.
تشعر بالانهيار والتعب المفرط.
تحركت ببطء، تحاول أن توازن نفسها لكي لا تسقط أرضًا، تستند على الحائط حتى خرجت من الغرفة إلى المرحاض.
غسلت وجهها مرة تلو أخرى، ووقفت تنظر لنفسها المتعبة قبل أن تجلس على حافة المغطس محاولة الاتزان على قدر الإمكان.
ذلك الدوار أصبح مقرفًا بالنسبة لها، ومرهقًا بشدة، تخشى أن تسقط فجأة مرتطمة بأي شيء يقتلها ولا يشعر بها أحد.
لم تدري كم مرَّ من الوقت، تقريبًا نصف ساعة، وهي في محلّها لا تتحرك.
حتى شعرت بقدرتها على الوقوف.
وقفت ببطء، خائفة من السقوط.
وما إن وقفت باعتدال حتى تحركت للمطبخ لتجلب كوبًا من العصير، ليعود الدم إلى وجهها الشاحب والمرهق.
لكن صوت لوزة من داخل الغرفة تخربش على الباب تريد الخروج جعلها تنظر نحوها بتعب مضاعف.
لكنها لم تذهب لها.
لن تقدر على إخراجها الآن، وأرضية الغرفة متسخة بتلك الطريقة.
ستزيد الطين ابتلالًا.
انتهت من كوبها سريعًا، وعادت للمطبخ مرة أخرى لتجلب قماشة نظيفة ومناديل وأدوات التنظيف لتنظف تلك الفوضى.
وقفت على باب الغرفة تنظر للأرض المتسخة.
تكاد تفرغ معدتها للمرة الثانية.
نظرت للأرض ولنفسها، تشعر بأن كل شيء خاطئ، خاطئ بشدة.
اقتربت وجثت على ركبتيها لتنظفها بقرف شديد.
نعم، يخصها، لكنها لا تتحمل.
شاعرة بالاشمئزاز من المنظر والرائحة.
وبدأت في التنظيف مرة بعد مرة.
وما إن انتهت حتى كومتها لتحملها بإرهاق، وألقت بها في المغطس، تغمرها بالكثير من الماء والمنظفات.
وما إن شعرت بأنها إلى حد ما أصبحت نظيفة، ملأت المغطس ماءً وألقت عليها المزيد من المنظفات لعلها تخفف من حدة الرائحة الكريهة.
وخرجت سريعًا عائدة للغرفة، تمسحها وتعطر المكان.
شاعرة بالراحة فقط لكونها انتهت من تلك المهمة الصعبة للغاية، الصعبة عليها هي،
أصعب من قدرتها في تلك اللحظة.