رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش - الفصل 9 - 3 - الثلاثاء 14/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل التاسع
3
تم النشر الثلاثاء
14/1/2025
لم ينطق وهدان حرفا، تاركا سخرية سعد جانبا، واستئذن وقد أكمل الجزء الخاص به في اتفاقه مع توحيد، وها قد جاء حتى أخيها طالبا يدها، ولينتظر ويصبر حتى ينل ما تمنى.. بينما اندفع سعد في حنق ظل حبيس صدره حتى رحيل وهدان، دافعا بإحدى المزهريات أرضا عن موضعها، لتسقط مهشمة متناثرة الشظايا بكل الأركان، ما استرعى انتباه توحيد التي جاءت مهرولة نحو مصدر الصوت، لتجد سعد في حالة من الثورة لم تره بها من قبل، كانت تعلم أن حاله ليس على ما يرام منذ عاد من المحروسة، وقد رُفض عرضه للزواج من البرنسيسة، لكن هذا الغضب الذي تراه مرتسم على محياه اللحظة كان استثنايا، ما دفعها لتقترب منه مهدئة، تسأل في رقة: ايه في يا سعد! حصل حاچة لا سمح الله!..
هتف سعد صارخا: حصل كتير يا توحيد، واللي حصل والله الواحد يستحي يحكيه، ايه اللي چرا لچل ما الواطي ينسى أصله ومجامه ويطلع لبيوت أسياده..
اضطربت توحيد وسألت في قلق: أنت جصدك ومين بالكلام ده!
هتف سعد مترددا: وهدان الحراني، اتهف فعجله وچاي يطلب يدك مني، والله أني جلت اتچن وماخدش على كلامه، بدل ما اجوم أفرغ طبنجتي ف راسه، وأروح فواحد ولا يسوا.. شوفتي الدِباب على أصوله يا بت أبوي!.. و..
قاطعته توحيد مؤكدة في هدوء: أني موافجة..
هم سعد بمواصلة حديثه الذي قطعته توحيد، إلا أن وقع جملتها الأخيرة على مسامعه جعله يتنبه موليا كله اهتمامه لها، متسائلا في دهشة: بتجولي ايه! أنتي واعية لل..
قاطعته توحيد مجددا: جلت أني موافجة، موافجة ع الچواز من وهدان الحراني..
دنا سعد من توحيد هامسا بنبرة ساد عليها العجب المغلف بالهدوء المريب: موافجة! إنتي بعجلك يا توحيد! وهدان الحراني هيبجى آخرة صبرك يا بت أبوي!
هتفت توحيد تحاول التمسك بالقوة مدافعة عن رغبتها: وايه فيه وهدان! راچل يتعد من كبرات النچع ومعاه مال وحداه أرض ودار، و...
هتف سعد صارخا: وهدان الحراني بجي ايه فيه! جولي ايه اللي عندِه! مهياش بالمال بس يا توحيد، ولو معاه فدادين الدنيا، الأصل يا توحيد، الأصل غالب.. يبجى خلف الغوازي ده، أبو عيالك يا منسبة يا بت الأصول! والله لو جبلاها على روحك أني مجبلها عليكي..
لم تنطق توحيد حرفا، لكن دمعها سال على خديها في قلة حيلة، ما دفع سعد ليهتف وقد رق قلبه لدمعها: أني واعي إنك نفسك يبجى لك بيت وعيال، لكن مهياش چوازة والسلام يا بت أبوي، ده نسب ورابطة هتبجي العمر كله..
هتفت توحيد في حنق: أنت مش جابله عشان أجل منك، طب وايه فيها! كده بجى متبجاش شايل فنفسك لما أبو البرنسيسة رفضك لبته، ما هو أنت أجل منهم!..
ساد السكوت، ولم يرد سعد بكلمة على ما نطقت به توحيد، هل يتساوى أصله الطيب وأخلاقه ويُقارن اللحظة بذاك المعدوم الأصل، سليل الحلب وقاطعي الطريق!..
تطلع سعد نحو أخته في صدمة، وما أن همت بالاعتذار عن قولها، حتى اندفع منصرفا عنها قبل أن يتهور بفعل ليس من شيمه..
مقررا ترك النجع بكل ذاك الحزن الذي يكتنفه كسحابة فرضت نفسها على أجواءه، مقررا السفر للإسكندرية لمتابعة بعض الأعمال التي اهملها منذ فترة.. وعليه العودة لمتابعتها..
❈-❈-❈
الإسكندرية ١٩٩٠..
صوت ذاك الرجل الزاعق، والذي صدر من موضع ما خلفهن، جعل كل من منيرة وأنس الوجود تنتفض موضعها وقد ارتفعت صرخاتهما في صدمة لوجود شخص ما داخل الشاليه الذي عملت أنس على التأكد من غلق أبوابه بشكل محكم عند خلودهن للنوم، فمن أين دخل ذاك الرجل!.. الذي تطلع نحوهن في تعجب، متسائلا في نبرة بدأت وتيرتها في الانخفاض قليلا: انتوا مين!..
هتفت أنس بصوت مهزوز تحاول أن تدعي الثبات، وهي تشد حول جسدها مئزرها، ومنيرة تتستر خلفها في ذعر: المفروض إحنا اللي نسأل السؤال ده! مين حضرتك! وداخل كده كأن البيت بيتك!
ابتسم الرجل مؤكدا: طب ما هو البيت بيتي فعلا..
تطلعت أنس نحوه في صدمة، هل ما يشير إليه حقيقي، أم هي محاولة من رجل نصاب أن ينتحل شخصية ليست شخصيته، فهي على يقين أن نصير بيه صاحب الشاليه داخل فيلته بالقاهرة، ينعم بنوم عميق، ليتمكن من الاستيقاظ صباحا من أجل الركض وراء ماكينة أعماله التي لا تتوقف لحظة..
هم بالاقتراب ما دفع أنس للتقهقر خطوة، فتوقف موضعه، محاولا أن يخفف بعض من قلقها الذي وصلته ذبذباته قوية بشكل واضح، مؤكدا: أنا نصير الراوي.. صاحب الشاليه ده.. انتوا بقى مين! وازاي دخلتوا هنا!..
تأكدت أنس أن الرجل صادق وأنها تقف أمام نصير الراوي بالفعل، صاحب إمبراطورية الراوي، والذي تعيش صديقتها هاجر بكنفه.. وتعتبر ذراعه اليمنى في كل أعماله.. وهنا جاء السؤال، كيف تعرف هاجر أن رب عملها قادم لهنا، واعطت لها مفتاح الشاليه!.. في الأمر سرا ما..
رن جرس الهاتف، فقطع الصمت السائد بعد أن أفصح نصير عن حقيقته، ولم يتحرك أي منهم من موضعه، لكن نصير أشار للهاتف باسما لأنس: أعتقد التليفون ده ليكي، ردي.. ولو كانت هاجر.. اكدي لها أن الأمور تمام، ومفيش أي حاجة أو أي حد وصل على هنا..
ترددت لبرهة أن تنفذ ما يطلبه، لكنها أسرعت مهرولة نحو الهاتف وبعقبها منيرة، لترفعه أنس قبل أن ينقطع رنينه، ليأتيها صوت هاجر المضطرب من الجانب الآخر: أنس، أخيرا رديتي، بقولك.. نصير بيه مرجعش الفيلا لحد دلوقت، هو مش من عادته يعملها، ولما سألت السواق قالي هو خد العربية ومقلش رايح فين، أنا خائفة تهف فدماغه ويطلع ع الشاليه، ده لو حصل يبقى هو وصل من بدري عندكم، هنتصرف إزاي يا أنس..
ردت أنس مؤكدة وهي تحاول أن يكون صوتها طبيعيا بلا تشنجات: مفيش حاجة حصلت يا هاجر إهدي، لا حد جه، ولا حد هايجي.. إحنا كنا نايمين وصحينا على تليفونك، لو في حاجة كنتي عرفتي.. ده لو كان جاي على هنا أصلا.. اهدي يا هاجر وروحي نامي..
همست هاجر في نبرة مضطربة: مش هنام يا هاجر طول ما هو مش موجود فالفيلا، وأنا معرفش كمان هو فين!.. هموت من قلقي عليه..
اضطربت أنس وحمدت ربها أن نصير كان بعيدا
بقدر كافِ حتى لا يسمع ما تعترف به هاجر..
والتي أكدت عليها أنس في نبرة ثابتة: روحي نامي يا هاجر، وإن شاء الله خير..
انتهت المكالمة، تطلعت أنس لنصير في اضطراب، والذي سأل في فضول: أنا تقريبا استنتجت انتوا مين! بس حابب اتعرف بنفسي، مين حضراتكم!.
نهضت أنس ووقفت في هدوء قبالته: أنا أنس الحراني، صاحبة هاجر وصديقتها المقربة من أيام المدرسة، و..
همت أنس بالتعريف عن منيرة، لكنه مد كفه في أريحية هاتفا: أنتي بقى أُنس! أخيرا قابلتك.. هاجر جابت سيرتك كذا مرة قدامي، بس دي أول مرة نتقابل.. غريب إنكم أصدقاء الفترة دي كلها وعمري ما شفتك عند هاجر في زيارة!.
لم تعقب أُنس على هذه النقطة تحديدا، فقد كان ذاك هو مطلب هاجر لا رغبة منها، فقد كانت هاجر حساسة جدا في كل ما يمت لذاك الرجل الذي دخل حياتها في لحظات فارقة من حياتها، وكانت تحاول على قدر إمكانها أن لا تشعره بأنها ثقل أو عبء أضيف إلى مهامه، فما كان إحضارها الصديقات لمنزله أو إشاعة الفوضى والمرح ببيته أمر وارد بالنسبة لها، كانت دوما حريصة على إرضاء نصير بكل ما يمكن أن يكون بجعبتها من حيل لإرضائه..
تنحنحت أنس مؤكدة: مكنش ينفع اسيب أمي لوحدها واجي ازورها، فكان وجودها معانا هو الأفضل..
هز رأسه متفهما بلا اقتناع حقيقي، لكنه تنبه هاتفا: أنا آسف إني رعبتكم، ودخلت كدا .. لكن.. أنا مكنتش أعرف إن هاجر..
قاطعته أنس هاتفة في توتر، تحاول أن تبرء ساحة صديقتها، حتى لا يصب جام غضبه على رأسها، حين يعود للقاهرة: هاجر ملهاش ذنب الصراحة، أنا اللي ضغطت عليها عشان أخد مفتاح الشاليه.. أصل..