رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش - الفصل 9 - 4 - الثلاثاء 14/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل التاسع
4
تم النشر الثلاثاء
14/1/2025
لم تستطع أن تكمل لوجود منيرة الملتصقة بها فما كان من المقبول أن تقص حكاياتها على كل غريب يهل على حياتهم، لكن نصير كان من الفطنة ما أدرك به عدم رغبتها في الاسترسال بالحديث، متسائلا في تعجب: ذنب ايه يا آنسة أنس! هاجر لها مطلق الحرية في إنها تعزم صديقاتها براحتها في أي مكان يخصني، أنا بس بعتب عليها إنها مبلغتنيش عشان مطبش عليكم كده..
تنهد في إرهاق كان باديا بشكل جلي على قسماته اللحظة، مستطردا حديثه وهو يخلل أصابعه بخصلات شعره: ع العموم حصل خير.. كلها ساعة والنهار يطلع وأرجع القاهرة عشان عندي اجتماع مهم..
هم بالانصراف، فعاجلته أنس في تعاطف متسائلة: طب حضرتك هتروح فين دلوقت!
ابتسم قائلا بلا مبالاة: أي مكان! هشوف لي اوضة ف أي فندق، وخلاص.. متخديش فبالك..
اندفعت أنس تعرض عليه في تهور، تستشعر أن عليها دينا لهذا الرجل الكريم وعليها سداده: طب حضرتك تسمح لي اعزمك على الفطار.. أكيد حضرتك كنت سايق طول الليل لحد ما وصلت لهنا، ومحتاج لمشروب سخن فالبرد ده!.. وطبعا محدش هيتعزم في بيته أصلا..
ابتسم نصير، لتسترسل أنس مفسرة: اعتبرها تعويض واعتذار عن اللي حصل ده..
اتسعت ابتسامة نصير: ورشوة عشان مزعلش هاجر لأنها اتصرفت من غير ما ترجع لي..
لم ترد أنس، ما دفعه ليؤكد في نبرة عميقة منشرحة: قبلت الرشوة، على الرغم إني أيدي نضيفة ومليش فالرشاوي، بس عزومة الفطار وحاجة سخنة اشربها، عرض ما يترفضش الصراحة..
أشارت له أنس في اضطراب، ليأخذ موضعه على أحد المقاعد العالية بلا ظهر المتراصة حول رخام المطبخ الفخم، فسار في خطى وئيدة نحو المقعد المشار إليه، بعد أن خلع عنه معطفه الصوفي الأسود تاركا إياه على ظهر أحد مقاعد الردهة، ففاح شذى عطره الرجولي بالأنحاء، ساد الصمت لفترة قصيرة وهو يتابع يدها الماهرة تصنع طعاما سريعا فاحت رائحته الشهية فبدأت معدته في القرقرة، متذكرا انه لم يتناول غذاءه حتى، وضعت أمامه طبق البيض المقلي، وبعض الخبز المحمص، وقطع من الجبن متعدد الأنواع، وطبق به بعض المربى، وآخر به بعض حبات الزيتون، ليبدأ هو في التهام الطعام بشهية كبيرة، مطالبا في مودة: مش هاكل لوحدي أكيد، اتفضلي معايا..
بحثت أنس عن منيرة لتشاركهما الإفطار حتى لا تكون وحيدة معه، فوجدت منيرة وقد اتخذت أحد المقاعد الوثيرة موضعا، وراحت في نوم عميق، مستكملة نومها الذي قطعه وصول نصير.. فاضطرت أنس للجلوس على المقعد المقابل، تاركة إياه ينعم بوجبته التي كان يتناول كل قضمة بها في استمتاع حقيقي، فعلى ما يبدو، كان جائعا بالفعل.. تعجبت أنس حين لاح منها نظرة نحو محيا ذاك الرجل، لم يكن بذاك الجبروت الذي دوما ما صورته لها هاجر، والذي جعلها تعتقد أنه مجرد رجل أربعيني معقد، عابث على الدوام.. لا تزور الابتسامة وجهه، لكن ما تراه الآن عكس ذلك.. فهو بالكاد ناهز الأربعين من عمره، ويبدو لطيفا سهل المعشر..
تنبه نصير لشرود أنس، وهو ينهي القضمة الأخيرة مهمهما في راحة، شكرا في امتنان: أنا كنت جعان جدا ومش واخد بالي.. البيض دي هايل، الواحد يعمل ايه بقى عشان الفطار الحلو ده كل يوم بس بشرط أكل كل يوم طبق البيض الممتاز ده..
ابتسمت أنس: بالهنا والشفا..
وضعت كوب من الشاي أمامه، ووضعت مثيله قبالتها، ليسأل نصير باسما: هااا، أنتي خريجة إيه بقى، يمكن تكون وظيفة كبير الطهاة في انتظارك..
أكدت أنس باسمة: أنا خريجة آداب فلسفة، وبحضر في الماجستير..
ارتشف نصير رشفة من كوب الشاي، مستحسنا: اممم، فلسفة!.. ودراسات عليا كمان!.. هايل!..
ترك نصير كوب الشاي جانبا، وقد أنهى نصفه تقريبا، ونهض متناولا معطفه الصوفي، يرتديه على عجل، مؤكدا في نبرة ودودة: شكرا ع الفطار والشاي، فرق كتير.. أقدر أرجع القاهرة دلوقت.. وآسف على إزعاجكم..
هتفت أنس وهي تتبعه نحو باب الخروج: إحنا اللي آسفين يا نصير بيه، وفرصة سعيدة مقابلة حضرتك.. و..
ابتسم نصير مقاطعا: أنا الأسعد.. ومش هبلغ هاجر باللي حصل.. حاضر..
ابتسمت، ورحل نصير بعربته التي كانت خارج حدود الشاليه، لتعود لموضع منيرة تساعدها على العودة لفراشها الدافىء، بينما طار هي النوم من جفونها، بعد هذه الليلة الدامية..
❈-❈-❈
الرسلانية ١٩٩٠..
اعتدل حبيب الذي كان جالسا كعادته حين يرغب في نسيان الدنيا بكل همومها تحت تعريشته، ملاذه الآمن من كل صخب العالم وكثرة حكاياته التي لا تنتهي، وصراعاته التي لا طائل منها..
علا صوته مناديا سالم، الذي رآه يخرج من باب السراي مغادرا، ما دفعه ليعدل مساره نحو موضع حبيب، مهرولا حتى وصل متسائلا: خير يا حبيب بيه! يلزم خدمة!
ابتسم حبيب مؤكدا: ايوه رايد منِك خدمة كبيرة..
هتف سالم بنبرة صادقة: برجبتي.. خير!..
أكد حبيب: تعال اجعد چاري هنا..
نفذ سالم في طاعة، ليستطرد حبيب شارحا: دلوجت اديك واعي للي بيچرا، أبوك وغيابه اللي معرفينش هيطول لميتا، وخالك والچماعات اللي كلت عجله، وراح وراها كيف المطاريد وولاد الليل ع الچبل، وكل شوية يرازي فخلج الله وأخرهم أمك، اللي هي أخته بت أمه وأبوه، يعني الغلبانة مبجلهاش راچل غيرك، فنشد حيلنا ونبجى رچالة ولا نطلعوا عنيها!..
لم ينطق سالم حرفا، ما دفع حبيب ليسترسل مؤكدا: عارف إنك راچل وكدها، وهتوجف لأمك وتحاجي عليها، وتكون سندها على حج ربنا، وأني لك عندي لو شديت حيلك لهبعتك مع الشيخ محمود للأزهر فمصر..
هتف سالم في فرحة: هروح مصر!
أكد حبيب باسما: لو شديت حيلك، وخليت بالك من مذاكرتك، الأزهر عايز اللي يحب العلام مش اللي يروح يرمح فمصر هنا وهناك.. وبعدين أنت هتكون فصحبة الشيخ محمود، أأمن على أخوي كيف مع واحد لعبي مهواش كد المسؤولية!..
هتف سالم في حماسة: لاه، لو فيها مصر، ومراوح الأزهر، يبجى نشدوا حيلنا ع الآخر..
أمره حبيب متلطفا: طب ياللاه روح شوف حالك، عشان متتأخرش على امك.. جوم..
نهض سالم راحلا بالفعل، لكن ما أن أبتعد قليلا إلا وعاد مهرولا، يسأل في استحياء: هو يا حبيب بيه، الأستاذة راح ترچع ميتا!..
تطلع له حبيب متعجبا: أستاذة مين!..
تعجب سالم لسؤال حبيب، كأنه أخطأ فيما لا يجوز فيه الخطأ: الأستاذة أنس، ضيفتك اللي سافرت من كام يوم، هي مش جالت راچعة على هنا تاني! ميتا بجى هترچع!..
سأل حبيب عاقدا ما بين حاجبيه: ودي سؤالك أنت ولا أمك!
هتف سالم مؤكدا: لاه، سؤالي أني، أصلك أني كنت واعدها بجصب ودرة، وكل ما أروح اچيبهم لها تغلج، جلت أعرف هي راچعة ميتا من غير شر، لچل ما أخلص ذمتي من ربنا، واچيبهم، لتفتكرنا بُخلة ولا حاچة!..
اتسعت ابتسامة حبيب عندما تذكر ما أخبرته به أنس عن سبب زيارتها لدار سالم، هاتفا في مودة: لما ترچع راح تعرف برچعتها، ياللاه هم بلاش لكاعة جبل ما أمك تدور عليك بالمنادي فالنچع، عيل تايه يا ولاد الحلال..
امتعض سالم، وأدرك أن حبيب لديه كل الحق فيما يقول، ما دفعه ليهرول راحلا، وهو يبرطم: طيب، اديني مروح، ميتا هتعرف إني بجيت راچل، وبلاها الچرس دي!
اتسعت ابتسامة حبيب لردود سالم الممتعضة، يتابعه بناظريه حتى غاب، شاعرا أن شيء ما قد فقد معناه منذ أن رحلت، النچع هو نفسه، والحياة برتابتها ومشاكلها هي نفسها، كل الأمور من حوله لم تختلف قيد أنملة، ما الذي اختلف إذن، جعله يدرك أن في قلب الرتابة، برز ذاك الاختلاف الصارخ، الذي خلفه غيابها!..
تنبه لظهور مدثر اللحظة من خلف تعريشة العنب قادما نحوه، ما جعله ينهض لملاقاته، شاكرا ربه في سره، أن بعث له مدثر في تلك اللحظة قبل أن تأخذه أفكاره لخارج حدود المنطق، ويذهب عقله لما خلف المعقول في علاقته بهذه الضيفة، التي يدرك تمام الإدراك، أن علاقتها بهذا النجع مجرد أيام تنل فيها مبتغاها، وترحل دون أن تدير وجهها لهم مجددا..
جلس مدثر جاذبا كوب الشاي الذي كان حبيب قد أنهى ربعه تقريبا، وبدأ يرتشف منه في هوادة، ما دفع حبيب ليهتف ساخرا: هو حلي اللي فيد حبيب، طب ما نعملولك كوباية چديدة!
اتسعت ابتسامة مدثر مؤكدا: لاه، ده عاچبني، أني حر يا سيدي، هو أنت شاريكي!
قهقه حبيب لأفعال صاحبه مؤكدا: هنا وشفا عليك، متغيرتش يا مدثر، ومن إحنا صغار، تاچي عند اللي فيدي وتجول هاكل من اللي فيد حبيب، يجولوا لك طب ما اها الحاچة وخير ربنا كتير، تجول لاه هي دي، وكان على جلبي كيف الشهد، كنت اجولهم هنتشاركوها وبعدين ناخدوا تاني ايه فيها!..
همس مدثر متأثرا: ايوه، طول عمرك اللي فيدك مش ليك.. وبتدي الكل بطيب خاطر، يا ريت الواحد معاه، كان يديك وما يكفي..
تأثر حبيب لكلمات صاحبه، هاتفا يحاول أن يغير الموضوع: وااه، ايه هنجلبوها محزنة، ايه يا واد النچدي، مكنش چرح فراسك اللي خربط لك عجلك ده! ..
هتف مدثر متأثرا: وهو الچرح فعجلي برضك يا حبيب! ما أنت واعي وينه الچرح!
هتف حبيب متسائلا في قلة حيلة: بووه، مش هنفضوه الموال الجديم ده يا مدثر!.. أني جلت خلاص، لكن بعد اللي چرا، شكل الحكاية لسه مخلصتش..
هتف مدثر: ولا فيها خلصان! ومش بيدي يا حبيب، والله لو بيدي لكنت عملت كتير، لكن اديني كاتم الهم چوايا وساكت.. لا عارف أطول اللي نفسي فيه، ولا عارف اصطفل فجلبي..
تنهد حبيب ولم يعقب بحرف على غير عادته، فكثيرا ما كان صوت العقل الغالب في كل نقاشاته مع مدثر، لكن هذه المرة هو يسمع صاحبه بأذن أخرى، أذن القلب، الذي بدأ يدرك ما يعانيه صاحبه وكيف هي بلوى قلبه، أضحى يدرك أنه ولسبب مبهم بات يفهم اللغة التي يتحدث مدثر بها حين يشكو أوجاع قلبه..
هتف حبيب مفسرا: للمرة الكام يا مدثر هجولك اللي أنت متبعها فكل خطوة مش ليك، ولا يمكن تكون، يا واد عمي دي مرا فعصمة راچل، متچوزة، وأنت متعلج بحبال دايبة.. حكايتك خلصانة يا صاحبي..
هتف مدثر حانقا: بس هي كانت ليا من سنين يا حبيب، كانت من نصيبي لكن هم استكتروها علي.. وأني مش جادر أكون غير ليها.. عيني عليها حارسها، خايف عليها من كل اللي حواليها، مليش نصيب فيها ايوه، اهو النصيب وحكم.. لكن أني مش جادر أكون إلا راچلها حتى ولو من بعيد لبعيد..
هتف حبيب في نبرة مضطربة: واعي لحالك، لكن حالك ده ما يسرش يا مدثر، عمرك بيروح على محبة ممنهاش رچا.. ولا في أمل فاللقا من أساسه..
هي مش ليك ولا هتكون، نچية مش ليك..
حركة قرب موضعهما جعلتهما ينتبها ويصمت حديثهما، وقد أدركا أن أحدهم كان بالقرب من موضعهما عند ذاك السور المنخفض المطل على التعريشة، وسمع حديثهما، وولى هاربا..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية