-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 48 - 2 - الأحد 19/1/2025

  

قراءة رواية حان الوصال كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الثامن والأربعون

2

تم النشر يوم الأحد

19/1/2025


كان ذلك منذ اللحظة التي وقعت فيها أمامه، فرفعها زوجها بين ذراعيه وغادر بها القصر متوجهًا إلى أقرب مشفى في المنطقة، للاطمئنان عليها. حينها، وصله خبر توجيه الطبيب لهم  بإجراء عدة تحاليل قبل أن يسمح لهما بالمغادرة. لم يحتج إلى بذل الكثير من الجهد لمعرفة المركز الذي نُقلت إليه العينات، وأصدر أوامره بضرورة إبلاغه بالنتائج فور ظهورها.


وبالفعل، تلقى الخبر الذي حطم كل أمل صغير قد نما في قلبه. ويحرم عليه حتى  الأحلام بعد ذلك.


حامل...

ستلد من الرجل الذي فضّلته عليه. الأبناء الذين سيزيدون من قوة أسرتها وترسيخ أعمدتها.


شعر بمرارة تفوق الوصف. لقد أضاعها بغروره وعناده، عندما اعتقد أن كل النساء سواء، وأن الفارق الوحيد يكمن في السعر. لم يدرك حينها أن عقابه سيتحقق حين يدق قلبه للمرة الأولى، مع المرأة الوحيدة التي لا يمكن شراؤها ولو بكنوز العالم.


❈-❈-❈

بخجل شديد خرجت من البناية التي تقطن بها، تمشي باستحياء نحو السيارة التي كان مستندًا عليها بظهره، متربع الذراعين، يدعي الجمود والثبات، بينما عيناه تلتهمان تفاصيلها المحببة إلى قلبه.

جمالها هادئ ومريح للعين، رقيقة ولطيفة كقطة وديعة، لكنها سرعان ما تتحول إلى شرسة وتكشر عن أنيابها إذا استُفزت. وربما تهجم على من يخطئ في حقها. كيف ترى هذه المجنونة نفسها عادية وهو يراها أجمل النساء، وأكثرهن ذكاء، خاصة عندما يشاكس الجانب الشرس بها.


صباح الخير.

ألقت التحية وهي تقترب منه، تسبقها حمحمة خفيفة لتجلي حلقها. أجابها بصوت رائق، متأثرًا برؤيتها:


صباح الفل والورد والياسمين، يا أستاذة يا آنسة صفية.



عبست، وزامت شفتيها بغيظ من مناكفته المعتادة، ونفثت زفيرًا كالدخان من أنفها. ثم توجهت إلى باب السيارة الأمامي، فتحته، وجلست بالداخل، مغمغمة بحنق:


يا صباح يا عليم يا رزاق يا كريم... هنبدأها من أولها نقرزة؟ أنا عارفة، اليوم باين من أوله!



ضحك بتسلية، ثم انضم إليها، جالسًا خلف عجلة القيادة، وأدار المحرك قائلاً بهدوءه المعتاد:


ليه بس النرفزة والخلق الضيق؟ هو دا ذنبي إني بحترمك يعني؟



رمقته بنظرة كاشفة، ثم أشاحت بوجهها نحو الأمام قائلة:


الظاهر إنه طالبة معاك غلاسة على الصبح، وأنا ماليش خلق.



أطلق تنهيدة طويلة، ثم قال بنبرة مشبعة بالهيام:


مقدرش... مقدرش يا صفية ما أناغشكيش، ولا أتحرم من شكلك وإنتِ متكدرة كده ونفسك تخنقيني... أصلك ما بتشوفيش نفسك وأنت متعصبة.



كادت أن تفرح بكلماته الأولى، لكنها عقدت حاجبيها،ليرتسم علي جبينها علامة الإحدي عشر فور سماعها بالأخيرة، وسألته بتوجس:


ماله شكلي وأنا متعصبة عشان يضحكك كده؟



توقفت عن الكلام عندما لاحظت تعبيره المستفز، فردت بنبرة عاتبة:


بلياتشو أنا يا هشام عشان أضحكك؟


وهو في بلياتشو يبقى قمر كده؟



أجفلها غزله، فتوردت بشرتها بحمرة شديدة، مما جعله يضرب بقبضته على عجلة القيادة بحماس مهللًا:


آه! هو ده اللي عمره ما هيخليني أبطل مناغشتك، بطلي إنتِ تتكسفي يا صفية، ووشك يبقى زي محصول الطماطم... يمكن ساعتها أقدر.



رسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة حاولت كتمها، لكنها سرعان ما استعادت ادعاء الاستياء، قائلة وهي تشيح بنظرها:


أنا بقول لما تعقل الأول! نفسي أفهم، خدت الشهادة وبقيت دكتور إزاي؟



أجابها بمزاح يحمل تلميحًا:


بالحمام! أصلي أمي شاطرة أوي في تربية الحمام. كل دكتور كان عنده مادة امتحان كنت أبعتله من حمامها، هو يظبط نفسه في بيته، ويجي الامتحان ويروقني بالدرجة النهائية. حكم الحمام ده مهم جدًا. ما سمعتيش عن فوايد الحمام للمتجوزين يا صفية؟



لم تفهم كلماته في البداية، فهزت كتفيها بلامبالاة، لكنها سرعان ما أدركت المعنى خلف ابتسامته المستفزة. عندها، برقت عيناها بغيظ، وضربته بقبضتها على ساعده قائلة:


بطل وقاحة وقلة أدب يا هشام!



رد بضحك متواصل حتى دمعت عيناه، ثم غمغم بينها وبين نفسه:


بطل وقاحة وقلة أدب كمان! ده على أساس إننا عتبنا المرحلة دي أصلًا؟



❈-❈-❈


 على رأس مائدة الطعام التي قامت بإعدادها بمساعدة الدادة نبوية، كانت جالسة تتناول معهما بتأني وتركيز شديد، عيناها لا تحيدان عن آدم رغم حديثه الممتع مع عائشة:


نفسك في الأكل حلو أوي يا نوجة، الفطار يجنن. ضحكت بصخب معلقة على مبالغتها المحببة:


نفسي كمان! وهي الجبنة ولا المعلبات فيهم نفس أصلاً؟ هو يدوب بيض الأوملت، حبيت أجربه زي ما كنت بعمله لرياض، شكلكم أنتم كمان طلعتوا بتحبوه.



قالت الأخيرة بقصد واضح نحو آدم الذي انتبه ليلتف إليها، فهو بالفعل من كان يتناول بنهم في طبقه، ليتوقف قليلاً عن مضغ الطعام بفمه، لتسارع هي برقتها:


أنت وقفت ليه؟ كل يا حبيبي بالهنا والشفا، أنا عارفة من الأول إنك بتحب البيض بالطريقة دي، وكنت بتكلم عشان أفتح كلام معاك.



سألها بفراسته:


رياض هو اللي قالك؟ أومأت رأسها بموافقة، وداخلها تؤكد، حتى وإن لم يخبرها ابنها بنوعية الطعام التي يفضلها آدم، كانت ستعلم من نفسها، فهذا لم يترك شيئًا، من حكيم ولم يرثه عنه حتي طريقته في تناول الأصناف التي يحبها.



تنهيدة مثقلة صدرت منها، تستدعي تماسكها وإزاحة هذه الأفكار عنها بمخاطبة عائشة:


عيوش القمر، أنا النهاردة فضيلتكم أنتم الاتنين، شوفوا نفسكم عايزين تقضوها لعب في الجنينة برا ولا نخرج نتفسح مع بعضنا؟


نخرج نتفسح طبعًا مع بعضنا، ردت بها عائشة على الفور تجيبها بحماس هللت به، لتتلاقاها نجوان بابتسامة حنون، قبل أن تنقل بعينيها نحو آدم الذي لم يتكلم:


وأنت يا حبيبي، مش عايز تيجي معانا؟ طالعها بابتسامة رزينة لامست أعماقها:


أروح معاكم عادي.



تبسمت، معلقة بفضول يقتلها:


"إزاي جبت الرزانة دي؟ طفل في سنك وعاقل كده؟"


ضحكت عائشة متأثرة بكلامها، حتى هو شاركهم الابتسام، ثم أضاف:





عادي يعني يا طنط، تقدري تقولي طبع، بس ماما هي كمان كانت دايمًا تقولي كده، إني عاقل لدرجة الملل.



خبأت ابتسامتها فور ذكره لوالدته الراحلة، وحاولت جاهدة تمالك نفسها من غصة الحزن التي شقت حلقها. توقفت عن الطعام بعدما فقدت شهيتها تمامًا، ثم رسمت ابتسامة زائفة، و فركت كفيها ببعضهما ونهضت قائلة:




ماشي يا حبايبي أنا قايمة أجهز نفسي وإنتوا كملوا فطاركم على ما خلصت. وتوقفت موجهة كلماتها لآدم:


متنساش علاجك مع دادة يا نبوية يا آدم.


❈-❈-❈

عاد خميس من الخارج بخطوات متسارعة بعد أن أنهى عمله في الوكالة برزق وفير جمعه كعادته. كان يتأمل الأجواء بحذر، فرغم اختياره الدائم لموعد نومهم في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة، إلا أنه يخشى مقابلة أحدهم، فيزعجه بطلبات ومصروفات لم يعد قادرًا على تلبيتها. لقد ملّ من زحمة المنزل وحرقة الدم التي تصاحب الصرف المتواصل لكفاية هذه القبيلة من الأطفال ووالدتهم من الطعام. ما ينقصه فقط هو فرصة الهرب من كل هذا. طالما يجمع المال، يستطيع الزواج بغيرها، امرأة جميلة وصغيرة، ويفضل أن تكون عقيمة لا تنجب.


في هذا الوقت، كانت زوجته داخل المرحاض. لم يكلف نفسه عناء مناداتها، بل أسرع مستغلًا الفرصة، واتجه نحو الركن الفاصل بين الخزانة الخشبية للملابس والحائط ليخرج حقيبة السفر القديمة من مكانها المعتاد. ولكن، مهلاً... أين هي؟


لم يجد سوى كتب مدرسية للأطفال وكراسات وبعض الأقلام. زمجر بغضب:


يا صفاء! انتي يا صفاء!



صدح بصوته الجهوري عندما تأكد من عدم وجود الحقيبة، وواصل النداء بعجالة:


يا صفاااااء! هاقعد أنادي عليكي طول اليوم؟ انتي فييييين يا ست انتي؟



استجابت لندائه بصوت متذمر وهي تخرج من المرحاض، تلف رأسها المبلل بمنشفة صغيرة:


إيه؟ إيه؟ أنا جاية أهو... جرى إيه؟ الدنيا طارت؟



تخصر ليستقبلها بتهكم:



الصفحة التالية