-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 50 - 2 - الخميس 6/2/2025

  

قراءة رواية حان الوصال كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الخمسون

2

تم النشر يوم الخمسون

6/2/2025



صدحت ضحكته مرة أخرى ليضيف عليها:


"شكلها ولا بتفهم كمان، دا كذا مرة يلمّح قدامها، وهي مفيش فايدة، وهو حطّ صوابعه العشرة في الشق منها!"


عبست ملامحها، توبخه باستحياء:


"وده شيء برضو يخليك تضحك؟ المسكين، الله يكون في عونه! وهي تنحّة وأنا عارفاها، الإنسان مننا لازم يكون حسيس من نفسه، ده راجل، ولازم ياخد راحته في بيته، وهي أكيد عاملة نفسها مش فاهمة ولا بتستعبط. والله أنا بستعجب من أمرها! بس هو حقه يضايق، صراحة."


"يضايق بس؟ ده هيطق من جنابه منها، ومن بنتها كمان!"


"وبنتها إيه ذنبها؟ هي أكيد مستحيلة الموضوع عشان بتخدمها ! الموضوع عايز واحدة تكلمها مباشر في وشها، عشان ما تلاوعش ولا تعمل نفسها مش فاهمة. سيب الموضوع ده عليا."


"انتي بتتكلمي بجد يا ماما؟ هتدخلي بنفسك في الموضوع مع الست دي؟"


تنهدت بسأم، مؤكدة له:


"أعمل إيه يعني؟ ألحق أتصرف معاها بلطافة قبل ما صاحبك يطردها لما يفيض بيه! حكم الست دي أستاذة في الاستفزاز بدور البلاهة اللي عايشاه ده!"


"أيوه بقى، يا أبلة مجيدة! ده الواد عصام هيدعيلك والله، حكم ده غلبان أوي أوي!"


هتف بها أمين بمرح، قابلته هي بنظرة ممتعضة لفهمها تلميحه الوقح، فزفرت تصبّ غيظها في النداء مرة أخرى على ذلك المسكين داخل غرفته:


"ماشي يا حسن، خلي حضن مراتك ينفعك لما اليوم يضيع منك وما تلاقيش حد يشتغل في الموقع!"


انتفض المذكور على إثر صيحتها الأخيرة، ليخرج على الفور من غرفته، يرتدي معطفه مرددًا بهلع:


"يا نهار اسود! ما توصلي زعيقك للشارع بالمرة! إيه ده اللي بتقوليه يا ماما؟ همّا بس عشر دقايق اللي اتأخرناهم عنك، لازم تفضحينا يعني يا مجيدة؟!"


جلجلت ضحكة شقيقه بصخب يزيد عليه:


"صوتها العالي وصل لباقي العمارة أصلًا، يعني بالتبعية هيوصل لباقي الشارع، أمك بتشرّدك يا حسن!"


وتابع ضحكاته أمام سخط الآخر ونظرات التحدي من مجيدة، حتى خرجت لهما شهد حاملة طفلها، تبرر تأخرها باعتذار:


"صباح الخير! معلش يا جماعة، كنت بغير للواد. هو أنتم فطرتوا؟"


صاح وكأنه عثر على صك براءته:


"أهي قالت أهي! كانت بتغير للواد، وأنا كنت بتكلم مع مسؤول العمال في الموقع! يعني ما كناش فاضيين يا مجيدة!"


"فاضين لإيه مش فاهمة؟" تساءلت بها شهد باندهاش لانفعال زوجها، عكس شقيقه الذي تلونت بشرته باللون الأحمر القاني بسبب ضحكه المكتوم. فجاء الرد من مجيدة بعدم اكتراث، وقد أشرقت ملامحها برؤية الصغيرة:


"يعني هي قضية عشان تفهميها يا شهد؟! هاتي يا بت حبيب ستو لستو، وسيبك من جوز الانطاع دول! تعالي يا روحي، تعالي!"


ورفعت كفها تتلقف الصغير، فعلق حسن بمظلومية وهو يتجه نحو المائدة ليتناول إفطاره:


"يعني كمان بتزوّدي بالشتيمة! كم أنتي عظيمة يا أمي!"


والتف يردف نحو شقيقه بغيظ:


"وانت، لمّ نفسك يا أمين... ولا على إيه؟! أنا أتعب نفسي ليه؟ ما أنا أجيب لك مراتك أحسن تلهيك عننا! يا لينا...!"


❈-❈-❈

أقنعت الاثنين برؤيتها، وحصلت منهما على الموافقة والتشجيع بقوة، لتنال منصبًا هامًا تحت رئاسة زوجها من أجل تنفيذ الأفكار التي طرحتها عليهما،


ثم تركتهما يكملان جلسة العمل المتأخرة بينهما، ونزلت هي إلى مقرها الأول في تلك البناية، كعاملة بسيطة وسط المجموعة الهائلة التي تراها الآن.


"الله، دي بهجة يا بنات، بهجة يا بهجة!" صاحت بها إحدى الفتيات فور أن وقعت عيناها عليها، بجهلٍ لمنصبها وصفَتها الجديدة، حتى لفتت انتباه البقية لترتفع الرؤوس نحوها، وتصدر الصيحة القوية فجأة من صباح لتوقف الهمهمات التي صارت تعلو بوتيرة تثير الانزعاج:


"باااااس! اسمها بهجة هانم، انتي وهي! هو انتوا لسه نايمين على نفسكم ولا إيه؟"


فابتسمت لها بهجة بمودة، ثم مارست عملها بعد ذلك بعملية كمسؤولة، رغم ودها ورفقها معهم.


غافلةً عن فردٍ منهم لم يحتمل الأمر، ليس لسوء شخصه، ولكن لأن هذا الشيء فوق إرادته، فترك ما بيده فجأة، وقرر الانسحاب من بينهم متخذًا طريقه نحو الخروج أمام عينيها دون استئذان، مما أجبرها الفضول على اتباعه، فأوقفته بندائها:


"تميم، لو سمحت."


وصلها صوته ليجبر قدميه على التوقف، ثم الالتفاف إليها، منتظرًا محله حتى اقتربت منه بخطوات متمهلة بعض الشيء، وتوجهت إليه قائلة:


"ممكن أعرف السبب اللي يخليك تنسحب فجأة من عملك أثناء وجودي وبدون استئذان حتى؟"


طالعها بنظرة تحمل مزيجًا من الحزن واللوم، لكن سرعان ما أزاح بصره عنها، زافرًا بقنوط وهو يجيبها:


"أنا آسف لو كان تصرفي أزعجك، أنا طبعًا مش قاصد أقلل من مقامك، بس الحقيقة خلاص قررت إني أسيب الشغل وأشوف حالي بعيد عن هنا."


رددت خلفه بعدم استيعاب:


"تشوف حالك بعيد عن هنا! ليه يا تميم؟ دا مكانك ودي مهنتك اللي انت أستاذ فيها، ولا انت..."


توقفت الكلمات في حلقها حتى لا تضيف المزيد، بعدما أدركت الآن السبب الرئيسي لتركه عمله، فواجهته دون مواربة:


"أفهم من كلامك ده إني السبب؟"


رمقها بنظرة أكدت ظنها، قبل أن ينكر بقوله:


"لا طبعًا يا هانم، أنا أصلاً من زمان في نيتي أفتح مشغل خاص، بس كنت مأجل، جه الوقت بقى دلوقتي أفتحه وأكبره بإذن الله، ويا عالم يمكن يبقى زي المصنع اللي واقفين فيه أو أكبر... عن إذنك بقى."


واستدار مغادرًا من أمامها، فتمتمت في أثره:


"ربنا يوفقك يا تميم."


أخرجت من صدرها تنهيدة مشبعة بالأسى من خلفه، فقد آلمها ما يحزنه، رغم عتبها عليه بسبب تلك النبرة الحادة التي تحدث بها، وكأنها قللت منه أو أخلفت بوعدها معه. لكنها تعطيه العذر، ربما حينما يهدأ يرى الصورة جيدًا.


نفضت رأسها كي تستعيد تركيزها من أجل العودة إلى صباح والعمال، لكنها ما إن همّت بالالتفاف، حتى انتبهت لذلك المراقب من خلف سياج الدرج في الأعلى، بملامح عابسة وكأنه حضر اللقاء من أوله.


❈-❈-❈


أنهت جلستها مع العمال، وألقت على صباح بعض التعليمات الجديدة في العمل، حتى إذا انتهت أخيرًا، صعدت إليه داخل غرفة مكتبه التي طرقت بابها في البداية قبل أن تدفعه وتدلف إليه حاملة بعض الملفات التي أعطتها لها صباح لإبداء الرأي فيها.


وجدته منكفئًا على بعض الأوراق يراجعها بتركيز، قطعه لحظة دخولها، لكنه سرعان ما عاد إليها بملامح متجهمة هذه المرة، غفلت عنها في البداية أثناء حديثها إليه:


"أنا فهمت صباح على خطة العمل الجديدة، وهي ما شاء الله، زي ما أنت عارف، استوعبت بسهولة وتحمست كمان لشغلها معانا، حتى أدتني المستندات دي بخصوص التوريدات الجديدة، والناقص منها، والمطلوب فوري، أهو، شوفهم كده."


وضعتهم على سطح المكتب أمامه، فرفع أبصاره إليها بنظرة غاضبة، فهمت عليها أخيرًا:


"إيه مالك؟ بتبصلي كده ليه؟ أنت زعلان مني في حاجة يا رياض... رياض، أنت ساكت ليه؟"


طرق بقلمه لمدة من الوقت يزيد من توترها، ثم سحب الأوراق فجأة إليه متمتمًا، متجاهلًا الإجابة عن أسئلتها:


"برافو عليها صباح، أنا عارف إنها شاطرة وممتازة، هتساعدك كتير في المرحلة الجاية."


إلى هنا، وقد فاض بها، فلطمت بكف يدها على سطح المكتب، ثائرة به:


"كفاية بقى يا رياض، الأسلوب ده أنا مبحبهوش! عندك حاجةقولها، لكن تقعد سايبني كده ألف حوالين نفسي، دي حاجة بقى ما طقهاش!"


استطاعت بثورتها أن تخرجه عن طور البرود الذي يتخذه وقت الحاجة، فخرج قوله بانفعال هو الآخر:


"أنا حر يا بهجة، وهو ده أسلوبي! انتي بقى اللي مش حرة تيجي تحاسبيني على حاجة انتي السبب فيها!"


"أنا السبب فيها؟!"


"أيوة، أنت السبب فيها! لما تنزلي من مقامك وأنتِ مرات صاحب المصنع، والمسؤولة معاه حاليًا في إدارته، عشان تجري ورا واحد من العمال تراضيه وتتكلمي معاه، ده تسميه إيه؟ لا قدرتي منصبك الجديد، ولا قدرتي صفتك عندي!"


ابتلعت بصدمة نقده، على قدر تحامله وغضبه المبالغ فيه، لكنها لا تنكر صدق قوله. لقد تصرفت بعفويتها اليوم ونسيت بالفعل منصبها، وكان يجدر بها أن تعي وضعها الجديد.


"أنا آسفة."


صدرت منها فجأة كماء الثلج حينما يطفئ النيران المشتعلة، فهدأت نفسه بعد غليل كان يجاهد منذ ساعات في السيطرة عليه، فجاءت هي بجملة صغيرة أوقفته، ثم واصلت تضاعف من تأكيدها:


"بقولها فعلًا، والله من قلبي، يمكن وقتها اتصرفت بعفويتي، لكن ده ميمنعش من إنها هفوة."


تحمحم يجلي حلقه، ثم عقب بجدية، رافضًا التساهل لمجرد الاعتذار:


"ياريت ما تتكررش تاني يا بهجة، لا مع البني آدم ده، ولا مع أي إنسان تاني."


"ما خلاص بقى، المسكين هيسيب الشغل من هنا نهائي."


سمع منها، فردد بغيظ:


"مسكين! بلاش تعصبيني يا بهجة، هو كده عمل الصح، أنا لا يمكن كنت هأذيه في لقمة عيشه، بس هو طلع شاطر وجابها من نفسه، ربنا يسهّله بقى، أنا وصيت إنه ياخد كل حقوقه وعليها مكافأة كمان."


اومأت صامتة بتفهم، حتى لا تثير غضبه مرة أخرى، وأبصاره منصبة عليها بقوة تجعلها غير قادرة على مواجهته حتى رق قلبه لهيئتها، فكاد أن يشاكسها، ولكنه منعه صوت الهرج الذي صدح قريبًا منهم، تزامنًا مع طرق باب الغرفة، ليأمر الطارق بالدخول على توجس، فكانت المفاجأة، دلوف والدته بصحبة الصغيرين اللذين هتفا فور دخولهما:


إحنا جيناااا

هللت بهجة فرحًا تستقبلهما فاتحة ذراعيها:


إيه المفاجأة الحلوة دي.



صدرت من رياض الذي تقدم يستقبل والدته ويقبلها على وجنتيها، بعد الترحيب بالصغيرين، فجاء رد نجوان:


على الله بس تكون حلوة


طبعًا حلوة، وحلوة أوي كمان



قالتها بهجة تضم الصغيرين آدم شقيق زوجها، وعائشة شقيقتها هي، لتغمرهما بابتهاج أصابها لرؤيتهما هنا في مقر عملها.


اتخذ الجميع جلستهم بعد ذلك في الركن الجانبي للغرفة، وساد الحديث والتساؤلات:


لا بجد يا ماما، إنتي بقالك سنين مجتيش هنا، مين اللي أقنعك من جوز المصايب دول؟



قالها بإشارة نحو الصغيرين اللذين ضحكا على قوله قبل أن تدافع عائشة:


محدش فينا قالها، دا هي اللي وقفتنا عن اللعب في جنينة القصر والجمعية، وقالتنا تعالوا يلا نتفسح.


في مصنع! في حد يتفسح في مصنع!

قالتها بهجة لتدوي ضحكات الاثنان مع البقية، فجاء الرد من نجوان:


بصراحة هي طقت في دماغي، لما لقيتك  أنتي اتأخرتِ يا أستاذة على الجمعية، وآدم من قبلها عشان يعرف مصنع باباه الله يرحمه.



نقلت بنظرها نحو الأخير، بدا جيدًا تجاوبه معها، لتردف برضا تخلل نبرتها:


حبيت أجيبه يتعرف على ملك باباه عشان بكرة لما يكبر، يحط إيده في إيد أخوه حبيبه، ويكبروه.


الصفحة التالية