رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 27 - 1 الجمعة 7/2/2025
قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حارة الدخاخني
للكاتبة أسماء المصري
قراءة رواية حارة الدخاخني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء المصري
الفصل السابع والعشرون
1
تم النشر يوم الجمعة
7/2/2025
وكلما مر شريط العمر أمامي أجد نفسي وقد ضاع وقتي على أشخاص لم يعرفوا تقدير أنفسهم حتى يقدروني.
وعندما استطت اخيرا أن أفرق بين الجيد والسيئ اكتشفت أنه لا يوجد جيد ولكن السيئ سيئ بدرجات.
وكلما تعمقت بالمعرفة تصاعدً بدرجات الشر تلك ﻷميز بينهم تفاجئت بنفسي أتحول معهم من السيئ للأسوأ حتى ما عدت أتعرف على نفسي.
خواطر أسماء المصري
❈-❈-❈
نهجت بأنفاس سعيدة وحماسية وهي تجده على هذه الحالة المشتاقة لها وتأكدت أخيراً أنه تناسى غضبه منها، ولم يتوقف طوال الليل حتى شعر بالتعب وارتمى بجوارها يلهث ويحتضنها مقبلاً أعلى رأسها فتنهدت تبتسم بصمت وهي تشعر بالإحتواء، ولم يقطع تلك اللحظة الساكنة سوى رنين هاتفه، فزفر بضيق وكأن رنين هاتفه أخرجه من حالته الثملة بالعشق.
تركها مضطرا وانحنى يلتقط جلبابه من الأرض ليخرج هاتفه فوجدها ملك، فالتفت ينظر لتلك المسجاة أمامه ترمقه بنظرة حزينة فابتسم لها وخرج ليجيب:
-ملاكي.
ردت بامتعاض:
-ملاكك ايه بقى يا رشوان! سايبني كل ده مستنياك ع العشا، انا موت من الجوع.
تذكر أنه وعدها بالمبيت معها ولكنه لن يستطيع ترك زوجته الثالثة بعد أن بشرته بتلك البشرى فرد متحايلا:
-معلش حبيبتي بس اضطريت اروح لماهيتاب عشان كانت تعبانه.
سخرت بشكل ملحوظ جعله يبتسم لغيرتها الواضحة عليه:
-تعبانه ولا حجه عشان تاخدك مني.
اتسعت بسمته وكادت أن تصل لشفتيه وهو يجيبها:
-أول مره اتبسط بغيرة الضراير، بجد غيرانه عليا؟
همهمت بالإيجاب فاعتذر لها:
-حقك عليا.
سألته بدلال جعله يحلق بالسماء:
-يعني مش هتيجي ولا ايه يا رشوااان؟
اعتذر يتوسلها:
-معلش حبيبي حقك عليا بس مش هعرف اسيبها وهي تعبانه كده، أوعى تزعلي مني.
قوست ما بين حاجبيها وسألته:
-مالها يعني ست ماهي؟
ضحك عاليا بصوته الرجولي مما جعل الأخرى تقترب لتسترق السمع فالتقطت أذنيها رده:
-ماهي حامل يا روحي، عقبالك لما تجبيلي ولي العهد إن شاء الله.
تعجبت تلك المصطنته له من طريقته المعاكسة لما أخبرها به لتوه عن طبيعة العلاقة بينهما ولكنها صمتت لتستمع لباقي حديثه:
-لو كنت عارف بالموضوع كنت عملت حسابي وبعتك على مامتك بدل ما تباتي لوحدك وأنا شكلي هقعد هنا كام يوم لحد ما اطمن عليها.
ردت وقد تخلت قليلا عن تصنعها وأظهرت ارتياحا جعله يدرك أنها لن تصبح طوع يديه ابدا:
-لا لا تمام، خد راحتك وأنا الصبح هروح لماما.
هز رأسه وكأنها أمامه وأغلق معها وعاد لزوجته التي لم تجد الوقت لتعود كما كانت فرفع حاجبه ينظر لها ممتعضا:
-بطلي تتصنتي عليا بدل ما تزعلي مني، ومتنسيش اللي قولتهولك لو حد غيرك عرفه هتقطعي الصلة اللي بينا ولا هيهمني بناتي ولا اللي جاي في بطنك ده.
ابتسمت تحاول إنهاء غضبة بلمحة خبيثة منها:
-يسمع من بوقك ربنا ويبقى اللي جاي فعلا ولد عشان ابني أنا يبقى ولي العهد مش ابن ملك.
❈-❈-❈
على غير العادة ذهب هو تلك المرة ﻷحضار بضاعة دكانه من الصيادين بدلا من أخيه المريض ونائم بفراشه، فرحب به كبير الصيادين يحتضنه:
-يا أهلا يا أهلا يا غالي يا ابن الغالي، عاش من شافك يا حسن.
صافحه مبتسما:
-والله وأنت كمان يا حاج رجب، ما أنت عارف إن حسين هو اللي بيجيب نقلة السمك وأنا بفضل في الدكان.
مسح على كتفه وقد مر شريط الماضي أمام عينيه:
-بقيت نسخه من المرحوم ابوك الخالق الناطق.
-الله يرحمه.
تنهد رجب وجلس معه ريثما يقوم العمال بتجهيز طلبيته:
-أنا فاكر أيام ابوك ما كان في سنك وبييجي هنا المرسى وينزل بنفسه يصطاد، مكانش بيشتري السمك من الصيادين ابدا وكان بيحب يصطاد بنفسه رحمة الله عليه.
هز حسن رأسه منتظرا انتهاء فقرة الحنين إلى الماضي المتكررة كلما تقابل مع رفيق من رفقاء والده الراحل:
-من يوم اللي حصل والدنيا اتقل خيرها يا بني وبقت تجاره واللي يعرف ياكل التاني فيها هو اللي يكسب.
ارتشف حسن كوب الشاي مبتسما بملل:
-كل واحد بياخد نصيبه يا معلم.
سأله الآخر:
-ما نفسكش تنزل معانا زي زمان يا ابو على؟ البحر موحشكش!
ضحك حسن لذكريات طفولته:
-أمي من ساعة البحر ما بلع أبويا وحلفتنا ع المصحف أنا وحسين إن محدش فينا يركب مركب من تاني، وأهو من ساعتها بنشترو منك السمك يا معلم.
ربت رجب على كتفه بقوة:
-ربنا يحفظكم ليها، تعبت على تربيتكم لحد ما طلعتو رجاله ولها حق تخاف عليكم يا بني.
وقف حسن بعد أن انتهى العمال من تحميل سيارة النقل بما لذ وطاب من أنواع الأسماك المختلفة وصافحه مغادرا وطوال طريق العودة يتذكر أيامه مع والده عندما كان بالخامسة عشر من عمره.
خرج من مدرسته وتوجه رأسا للمرسى حتى يقف منتظرا عودة والده من رحلة صيده، وكما اعتاد لم ينتظر كثير ووجده يقترب بقاربه ونزل هو ومساعده مبتسما بسعادة واحتضن نجله:
-أبو على، وشك الحلو ده عليا طلعلنا صيده معتبره.
احتضنه بقوة فهرع الشاب ناحية القارب يهتف بفرحة:
-ده جمبرى من الچامبو يابا، ده أكل الذوات.
هز فاروق رأسه وشاكسه مشعثا شعره:
-ايوه كده، عايزك تعرف تفرق بين الشغل الشعبي وبين شغل الذوات عشان طول ما احنا شغالين في الشعبي مش هنكبرو ابدا.
أومأ موافقا حديث والده فنظر فاروق لمساعده وهتف:
-ولا يا حمو، نزل الصيده وحملها على العربية خلينا نلحقو نبيعو الجمبرى ده وهو صاحي للمحلات الكبيرة.
ثم التفت لنجله وأخبره:
-أرجع أنت على الدكان افتحه على ما ابيع الشغل ده وارجعلك.
وافقه وغادر ولكن فضوله قاده ليتبعه حتى يعلم أماكن تلك المحلات الكبرى لربما يفاجئه المرة القادمة ويذهب هو لبيع تلك الأسماك النفيثة وغالية الثمن فقاد دراجته بسرعة يلحق به، ولكنه تفاجئ بوالده وقد صف سيارته أمام عدة سيارات سوداء رباعية الدفع وخرج منها رجلا يرتدي بدلة سوداء فوقف هو بعيداً يتابع ما يحدث ولم يكن يعلم أن صدمة عمره بوالده ستحدث بتلك اللحظة تحديدا عندما وجده يقبل راحة هذا المجهول ويشير لطاولات الأسماك فنظر لها الرجل يتفحصها وأخرج شيئا لم يستطع تحديده من جوفها وتذوقها بطرف أصبعه ويبدو أنه استحسن مذاقها فهز رأسه وابتسم وأشار لرجاله فأحضروا حقيبة سوداء بها الكثير والكثير من الأموال.
انتبه ذلك الشاب لما يحدث أخيراً وفهم الأمر برمته فنشأته بتلك الحارة نحتت بعقله كل ما يمكن لمراهق ان يعلمه عن تجارة المخدرات.
فكر بالمغادرة ولكن تم كشف أمره من رجال هذا المجهول وأحضروه أمام والده المتفاجئ بحدقتي تتسعان بشكل ملحوظ:
-متقلقش ده ابني يا بيه.
صاح به:
-وابنك بيراقبنا يعني ولا ايه؟
نفى فورا:
-أبدا هو ميعرفش حضرتك، أنا قايله هبيع السمك لحضرتك وهرجع بس تلاقيه قلق عليا.
غمز للرجل المجهول بعينه ففهم الآخر وهز رأسه:
-طيب يا فاروق وتاني مره اتأكد إن مفيش وراك حد وأنت جايلي بدل كلنا ما نلبسو البدلة الحمرا.
أومأ وسحب نجله وغادر المكان بسرعة بعد أن سلمهم بضاعتهم فصاح حسن أخيراً:
-مين الراجل ده يابا؟
أجابه بغضب لا مثيل له:
-اسمع ياض أنت، اوعاك تاني مره تمشي ورايا أنت فاهم؟ وملكش دعوة خالص بأي شغل بره الدكان ومن بكره مش عايزك تقفلي ع المرسى أنا مش ناقص مشاكل، سامع؟
لم يجبه فهدر به:
-سامع يا زفت؟
أومأ حسن ضاما شفتيه بحزن فعاد من شروده على الفور وقد وصل لمدخل الحارة وصف سيارته أمام دكانه وترجل لمساعد أخيه بتنزيل الأسماك ورصها أمامه لعرضها للمارة والمشترين.