رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 29 - 1 - الأثنين 17/2/2025
قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حارة الدخاخني
للكاتبة أسماء المصري
قراءة رواية حارة الدخاخني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء المصري
الفصل التاسع والعشرون
1
تم النشر يوم الأثنين
17/2/2025
بعض البشر يتلذذون بأذيتك وعندما تظهر رد الفعل يلومونك وتصبح أنت شخص سيئ.
علاء تاج.
❈-❈-❈
لم يستطع التوقف عن مراضاتها وهي التي ظلت تبكي وكأنها فقدت عزيز عليها، نعم فهي فقدت ابنها وثقتها به بتلك الليلة المشؤومة وظلت تبكي وهو يرمق خاله بنظرات توسلية ليساعده أن تتوقف عن البكاء ليخبرها حقيقة الأمر.
بعد فترة كبيرة صمتت أخيراً وجلست تتحاشى النظر له وانتظرته أن يفسر ما حدث بزفافه بعد أن شهدت بعينيها مدى تقربه من والده الهارب:
-أنت عارف أنا حصلي ايه بعد ابوك ما هرب، وأهل البلد كلاتهم كانو بيجولو عني ايه؟
أومأ فهزت رأسها بحزن ونفور ولكنه جلس أمامها على ركبتيه متمسكا براحتيها متوسلا:
-اسمعيني بس يا أمي عشان تفهمي اللي حصلي.
وافقته فهو ابنها الذكر الوحيد ولم يعطها الله غيره فزواجها الثاني من ابن عمها لم يسفر سوى عن إناث فقط وهو الآن رجلها الوحيد:
-انتي عارفه البهدلة اللي شوفتها بعد ما اتعرفت حكاية ابويا وطردوني من أكاديمية الشرطة، وبعدها معرفتش حتى اقدم في اي كليه عشان ورقي كله يعتبر مزور ومنعرفش اسمه الحقيقي حتى.
رد أنور نيابة عن اخته:
-وامك وقتها باعت دهبها وأرضها عشان تديلك فلوس تسافر بيها ايطاليا.
هز رأسه تأكيدا على جميلها:
-ودي أحسن حاجه حصلتلي عشان دي كانت أول خطوة ليا.
قص عليها ما لم يقصه على أحد منذ أن غادر البلاد وهو شاب لم بالعشرين من عمره بعد تلك الأحداث المؤسفة التي حدثت له وغادر هاربا بعبارة ألقته بالمياه الدولية كما ألقت غيره المئات، منهم من نجى ومنهم من مات غرقا بحثا عن حلم غير موجود ببلاد الغرب.
قاوم الأمواج والمياه العالية حتى وصل للشاطئ وكم ساعدته تدريباته بالأكاديمية ليجتاز تلك المسافة الكبيرة عوما ولم يغرق كما حدث مع أكثرية من كانوا معه على مركب التهريب.
ارتمى على الرمال وبعيدا عنه استمع ﻷصوات رجال الشرطة وهو يلقون القبض على بعض الشباب فلم يستطع أخذ أنفاسه وهرع مسرعا ليختبئ حتى لا يضيع مجهوده بالترحيل لبلاده بعد كل تلك المعاناة.
ظل مختبئا حتى غادرت قوات الشرطة واستطاع بعدها أن يتحرك حافي القدمين لا يوجد معه أوراق ولا أموال يستطيع أن يشتري بها شطيرة جبن لنفسه، فقد فقد معظم متعلقاته وهو يجاهد للوصول للشاطئ.
نام من كثرة التعب أسفل شجرة بميدان عام ولم يشعر كم مر عليه من وقت حتى استيقظ على صوت رجال الشرطة الإيطاليين وهم يوقظونه ويلقون القبض عليه، فحاول الهرب فليس بعد كل تلك المعاناة يمسك بهذه السهولة، ولكنه لم يفلح وتم إيداعه بالسجن لحين ترحيله لبلاده وفقط ليتعرفوا على جنسيته وسيتواصلوا مع سفارته.
بمحبسه جلس حزينا غاضبا ولم يستطع التفاهم معهم لعدم معرفته باللغة الإيطالية، وربما للقدر رأي بذلك فبداخل السجن تقابل مع شخص بدا أجنبيا ولكنه استمع لتضرعه هامسا باللغة العربية فسأله حمزة:
-أنت عربي؟
أومأ مؤكدا:
-سوري، بس اوعاك تعرف حدا.
هز رأسه موافقا فتكلم الشخص:
-اسمع، اذا ما اتعرفو على چنسيتك فما يقدرو يرحلوك لهيك ضل لا تخبرهم وإذا بتتحدث أي لغة أچنبية حاكيهم فيها.
أومأ موافقا وبالفعل ظل يتصنع أنه أوربي وتحدث معهم بلكنة أنجليزية فهي اللغة الوحيدة التي يجيدها فطلبوا له سفيره كما طلب منهم وهنا كانت المفاجأة عندما جاء السفير بأوراق تثبت انتمائه وجنسيته الإنجليزية، بل والأكثر أنه أحضر معه جواز سفره.
وساهم السفير بإخراج الشاب الذي معه أيضا بنفس السهولة وفور أن خرجا من السجن وجد سيارة سوداء حولها العديد من الحراس فأشار له الشخص مبتسما:
-اتفضل معي لحتى تفهم شو صار.
دلف معه فانطلقت السيارة لوجهتها ووقفت بداخل حديقة كبيرة تحيطها أسوار عالية وخلفها قصر كبير مهيب سحب أنفاسه وهو فقط يتطلع عليه.
دلف البهو الواسع وقبل أن يستفسر أو يسأل شيئاً وجد والده يقف أمامه بحلة رسمية غالية الثمن ومنظر مهيب جعله يتردد بشأنه هل هو والده حقا أم لا!
ظل صامتا فابتسم عزام واقترب منه محاوطا ظهره ومحتضنا إياه:
-حمزة، ابني.
ابعده عنه بقوة بعد أن فاق من اللحظة وصرخ به:
-ابنك؟ معقول جاي بعد عملتك دي وكل السنين دي عشان تقول ابني، كنت فين أنت لما اتبهدلت واترفدت من الكلية ومكملتش تعليمي و...
قاطعه عزام يرمقه بنظرة جامدة جعلته يصمت في الحال:
-اسمع الاول وبعدها قرر إذا هتفضل تصرخ وتزعق فيا ولا هتفهم وتقبل باللي هعرضه عليك؟
جلس عزام واضعا قدما فوق الأخرى وانتظر ابنه أن يفعل المثل وأشار لرجاله بتركهما وحدهما فظل حمزة يترقب حديث والده:
-اللي حصل مكانش ينفع يحصل إلا كده، أنا مركزي كبير وشغلي حساس واضطريت اتخفى بشخصية صالح الأسيوطي لحد شغلي ما يخلص في البلد عندكم، ومكنتش عامل حسابي إني اشوف والدتك وأحبها.
لم يجد رد فعل لحديثه فأكمل:
-بس للأسف بعد فترة وغصب عني شغلي كان لازم ينتقل لمكان تاني بشخصية تانية ودي كانت بداية سفري الكتير وأظن أنت كنت كبير وفاكر كويس اني كنت بغييب بالشهور بسبب شغلي بس برجع عشانك وعشان مامتك يا حمزة، لحد ما اتكشفت ووقتها كان لازم مرجعش وده كان غصب عني.
سأله حمزة بتهدج أنفاسه:
-أنت مين؟ أنا معرفكش ولا أعرف حتى اسمك.
أجابه بعد زفرة طويلة:
-اسمي الحقيقي يعني؟
أومأ وهو يضحك ساخرا من حاله، فهل يسأل والده عن اسمه وشخصيته:
-اسمي عزام السيد دويدار وأنت هتبقى من انهاردة حمزة عزام دويدار ابني وخليفتي.
انتفض رافضا:
-ﻷ، أنا مش عايز أعرفك بس كان من حقي أعرف اسم الراجل اللي أنا حته منه وغير كده ميلزمنيش.
قرر المغادرة ولكن لحق به عزام ومسكه من كتفه:
-طيب أنا هسيبك على راحتك بس خلي معاك الباسبور والفلوس دي.
نفض يده عنه:
-مش عايز منك حاجه.
توسله متنهدا:
-دول ولا حاجه قصاد اللي أنت شوفته بسببي، عشان كده مش قادر أقولك اعتبرهم تمن للعذاب اللي عشته لأني متأكد أنه تمن رخيص أوي بس على الأقل خليهم معاك لحد ما تقف على رجليك.
أخذ منه جواز السفر والنقود وغادر من أمامه غاضبا، وبتلك اللحظة تحديدا قاطعته والدته عن استكمال قصه لما حدث معه:
-ولما هي الحكاية اكده، ايه اللي حُصل في الفرح ده.
رد محاولا عدم إثارة حنقها وغضبها منه:
-منا جايلك في الكلام أهو يا أمي.
عاد يكمل أحداث تلك الفترة وما لاقاه من صعاب ليجد عمل بتلك المدينة بالرغم من حملة لجواز اجنبي وجنسية قوية وهو يعلم تماما أن تلك الأوراق مزورة، ولكن وجودها أفضل بكثير من عدمها فهو لا يحمل أي أوراق تثبت شخصيته بالأساس فمن هو إن كانت جنسيته المصرية فاسمه فيها مزور أيضا فهو ليس حمزة الأسيوطي ووالده ليس صالح الأسيوطي وإن كان جواز سفره الأجنبي مزور أيضا فعلى الأقل هذا الجواز يفتح له الأبواب المغلقة.
ولكن بعد مرور أشهر وهو يبحث عن عمل هنا وهناك وبسبب عدم حمله لأوراق انتهاء دراسته انتهى به الحال يعمل بائع بأحد المحلات التجارية مرة، وأخرى يعمل كنادل بأحد المطاعم الراقية التي تستضيف جنسيات متعددة، وهناك وهو يقدم الأطباق لتلك الطاولة ومن عليها من علية القوم بحللهم الباهظة وكل منهم يمسك سيجارا ضخما بيده يعادل راتب يومه كاملا إذ به يجد والده يجلس برفقتهم بل ويبدو أنه رئيسهم فابتلع ريقه وهو يضع الطبق من يده أمامه فرمقه عزام مبتسما وممتنا:
-شكرا يا بني.
استمع ﻷحد الرجال الجالسين معه يسأله:
-ابنك ده يا عزام بيه؟
أومأ مبتسما وغير مهتما لمكانته:
-مصمم يبدأها لوحده من الصفر.
ضحك آخر معقبا:
طالع ﻷبوه، براڤو عليك يا عزام بيه ربيت راجل يعتمد على نفسه.
ظل حمزة يضع الأطباق أمامهم وهم يتحدثون عنه:
-طيب ليه مشغلتوش في شركة من شركاتك حتى لو عامل بوفيه بدل ما يشتغل هنا.
ضحك عزام وسحب نفسا عميقا من سيجاره الباهظ:
-هنا ولا في الشركة مش هتفرق، هو حابب يعتمد على نفسه وأنا سايبله الوقت اللي يحتاجه.
ترك آخر طبق ووقف مبتلعا ريقه يسألهم بإيطاليته الضعيفة:
-أي خدمات أخرى؟
نفى عزام فغادر حمزة للمطبخ وهناك وقف يتنفس بعمق حتى جاء رئيسه يحدثه:
-لم أكن أعلم أنك ابن السيد عزام! لماذا لم تخبرنا؟ فبالرغم من تواجد اسمه بجواز سفرك ولكني لم أتوقع مطلقا واعتبرته تشابه أسماء.
رد بزفرة قوية:
-وها قد عرفت سيدي واتمنى أن لا يؤثر ذلك على عملي هنا.
نفى الآخر:
-بالطبع فالسيد عزام لم يترك آية توصية بالرغم من امتلاكه للمطعم والفندق المجاور له.
لمعت عينيه فتفاجئ الآخر:
-ألم تكن تعلم؟
نفى حمزة فضحك رئيسه:
-حقا لا تعلم أن والدك يملك هذا المطعم والفندق المجاور له وبعض المحلات التجارية بالمنطقة؟ فوالدك من أغنياء روما يا فتى.
ظل الحال هكذا حتى تم استدعاؤه من قِبل مدير المطعم فدلف ليتفاجئ بنفس الشخص الذي كان معه بالسجن وساعده بوقتها فانتظره أن يخبره لما هو هنا فأجابه:
-بيك بده إياك، متصاوب وبده يشوفك.
لمعت عين حمزة يسأله:
-اتصاب من ايه فهمني؟
رد الآخر:
-كتير رچال بدن مكانة والدك وكتير بدن يقوصوه لهيك لا تضيع وقت وتعال معي.
صمت عندما وجد نظرات والدته الحارقة له فتنفس زافرا بقوة وعاد يكمل:
-فضلت معاه لحد ما خف ﻷن إصابته كانت خطيرة ووقتها غصب عني لقيت الكل بيتعامل معايا إني مكانه وبتابع شغله وأملاكه وعرفت منه وقتها إنه خلاص ساب مصر نهائي لأنه لحد فتره قريبه من الوقت ده كان لسه في مصر بشخصية تانيه و...
صمت يرمق والدته وخاله يحاول معرفة رد فعلهم ولكن وجد جمود غريب منهما فتابع:
-بعد ما خف وبقى كويس حاولت اسيبه بس فضل يتحايل عليا أفضل معاه:
-يا بني كل ده بتاعك وليك، هتسيبني وتروح فين بس؟ لولا أمك مستنتش وقت اللي حصل وطلبت الطلاق بالمحكمة كان زماني بعتلكم وعيشتم هنا معايا بس هي رفعت القضية بعد سفرى بشهر واحد بس.
صرخت والدته تدافع عن نفسها:
-كنت عاوزني أفضل على ذمته كيف واني معرفش اسمه الحجيجي حتى ولا أعرف هو مين وولد مين.
زفر بضيق معقبا:
-خلاص يا أمي اللي حصل حصل واللي عايز أقوله دلوقت إن بابا هو اللي وقف جنبي لحد ما بقيت في المكانه دي ورجعت بلدي وبقيت رجل أعمال زي ما أنتي شايفه و....
قاطعه أنور يسأله:
-وعرفت ابوك شغال في ايه على كده؟ طيب عرفت إن له أخ توأم كان عايش هنا و...
قاطعه هازا رأسه:
-عارف كل حاجه وعارف الأكتر من كده كمان بس خلاص يا جماعه ده ابويا بالنهاية.
احتضن والدته بقوة وهو يتذكر حديثه مع والده قبيل سفره وعودته النهائية لمصر:
-طبعا أنت عارف دورك كويس يا حمزة.
أومأ مؤكدا فتابع الأول:
-مش لازم أمك وخالك يعرفو حاجه على الأقل دلوقت ولا اخواتك، بس وجودك في الحارة في التوقيت ده بالذات مهم جدا عشان تأمنهم ﻷن رشوان خلاص اتجن ومبقاش شايف قدامه وكل همه إنه يأمن مكانه وبس حتى لو على حساب اختك الصغيرة.
سأله بحيرة:
-طيب أنت سايبه ليه؟ ما زي ما بعتله إنك عايز يوسف يتعلم الشغل عشان يمسك معاه شغل المينا كنت تقدر تمنعه يهدد ملك أو يطلب يتجوزها.
تنهد تنهيدة عميقة ورد:
-للأسف جايلي أوامر اسيبه يتجوزها بس مش قادر اسيب عيله في السن ده مع الحيوان ده، يوسف وملك ومحمد اتضلمو وسبتهم وهم لسه صغيرين اوي غيرك يا بني، انت كنت شديت حيلك وبقيت شاب انما هم كانو لسه عيال صغيره ونفسي انت تعوضهم بعدي عنهم بس الأوامر....
تعجب حمزة متسائلا:
-أوامر من مين يا بابا؟ وليه؟
ربت على كتفه مجيبا:
-أعرف كل حاجه في وقتها يا حمزة عشان متغلطتش، مهما كانت مكانتي في الشبكة ففي حاجات مقدرش احميك منها للأسف وأهمها الفضول اللي ممكن يجيب اجلك، فخد بالك كويس أوي وأنت هناك، فاهم.