رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 22 - 3 - الأحد 9/2/2025
رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة توتا محمود
الفصل الثاني والعشرون
2
تم النشر بتاريخ الأحد
9/2/2025
وقفت هناك، على حافة الرمال الباردة، تحدق في البحر الممتد أمامها، كأنها تبحث عن إجابة بين أمواجه المتلاطمة.
عيناها كانت غارقتين في الحزن، يلمع فيهما بريق الدموع التي لم تجد طريقها للنزول بعد، لكنها كانت هناك، متشبثة بأهدابها، تنتظر لحظة الانهيار.
الهواء كان يحمل رائحة البحر المالحة، يعبث بخصلات شعرها المبعثرة، لكنه لم يستطع أن يبدد الضيق العالق في صدرها.
كلما حاولت أن تهدأ، أن تجد في البحر سكينةً كما كانت تفعل دائمًا، عادت إليها الذكريات، تلك التي لم تترك لها فرصة للنسيان.
" يمن "
بمجرد أن تذكرت اسمها، عاد إليها الشعور الثقيل الذي يسكنها.
كانت "يمن" قادرة على قلب مزاجها بكلمة واحدة، بتصرف بسيط، بحركة تحمل في طياتها أكثر مما تظهره.
لم تكن تعلم متى بدأ هذا الضيق يستوطن صدرها كلما فكرت فيها، لكنه كان يتضخم مع مرور الأيام، يصبح كالحجر الجاثم على قلبها، يمنعها من التنفس بحرية.
ثم " شهاب ".
بمجرد أن مر اسمه في ذهنها، ارتجف جسدها لا إراديًا.
ذلك الرجل، لا تعرف إن كانت تسميه مصدر قلقها أم مصدر خوفها، لكن وجوده كان كافيًا ليقلب كيانها رأسًا على عقب.
تصرفاته، طريقته في التحدث، تلك النظرات التي يلقيها عليها وكأنه يرى ما لا يجب أن يراه، كل شيء فيه كان يجعلها تشعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي، شيئًا خاطئًا، لكنه مخفي خلف قناع لا تستطيع اختراقه.
شعرت بقلبها يخفق بسرعة، وكأن جسدها يحذرها منه دون أن تحتاج إلى دليل واضح.
البحر من أمامها كان يواصل هيجانه، موجه يعلو ويهبط، وكأنه يعكس اضطرابها الداخلي.
زفرت بقوة، وكأنها تحاول طرد كل الأفكار من عقلها، لكن لا فائدة.
ظلت واقفة هناك، تشعر أن البحر قد يفهمها أكثر من أي شخص آخر، لكن حتى البحر لم يستطع أن يمحو الخوف الذي بدأ يترسخ في داخلها.
كانت غارقة في أفكارها، تحاول فهم ما تشعر به، تحاول التخلص من الضيق الذي يعصف بقلبها، حين شعرت بشيء قطع شرودها فجأة .
أنفاسٌ دافئة، قريبة جدًا .
لم تكن بحاجة إلى النظر فورًا، فقط إحساسها أخبرها أن هناك من يقف بجانبها، أن هناك من شاركها هذه اللحظة دون أن تشعر بقدومه.
التفتت ببطء، وعندما رفعت عينيها، رأته ، رأت «كمال»
لحظة واحدة كانت كافية ليتغير كل شيء، لتتحول الحيرة إلى راحة، والخوف إلى شعور مألوف بالطمأنينة.
عقدت حاجبيها بحيرة للحظة، لكنها لم تستطع منع الابتسامة التي تشكلت على شفتيها، ابتسامة متلهفة، صادقة، خرجت منها قبل أن تفكر بها حتى.
لقد وجدت ملاذها .
لم تدرى بنفسها الا وهى تعـ ـانقه بلهفة ، وتبكى عن ما مرت به وهو غائب عنها ، ظلت تبكي في اعنـ ـاقه .
اما هو لم يمنعها أو يوقفها ، بل عانـ ـقها هو الآخر وظل يربت على ظهرها بحنان ، كان يعرف جيداً انها ليست علي ما يرام ، وانها تحتاجه لذلك جاء سريعاً
لم تدرك ما كانت تفعله، لم تفكر، لم تتردد.
في لحظة واحدة، تحرك جـ ـسدها كما لو كان يبحث عن ملاذه الطبيعي، وكأن المسافة التي كانت تفصل بينهما لم تكن موجودة منذ البداية.
وجدت نفسها تعانقه بلهفة، كأنها أخيرًا عثرت على الأمان الذي كانت تبحث عنه وسط كل هذا الفوضى.
دفنت رأسها في صدره، وأطلقت العنان لدموعها، تلك الدموع التي كانت تحبسها طويلًا، تخفيها عن الجميع، حتى عن نفسها.
بكت بصمت في البداية، لكن مع كل لحظة تمر، كانت شهقاتها تهتز في صـ ـدرها، وكأنها تخرج كل الألم الذي حملته وحدها طوال غيابه.
لم «كمال» يتحرك، لم يمنعها، لم يسأل حتى.
فقط مدّ ذراعيه وعانـ ـقها هو الآخر، وكأنه يخبرها أن هذه المساحة التي بين ذراعيه كانت دائمًا لها، دائمًا مستعدة لاستقبالها في لحظاتها الهشة.
كان يشعر بكل شيء دون أن يحتاج إلى تفسير، يعرف جيدًا أنها ليست بخير، أنها تحمل على عاتقها أكثر مما تستطيع تحمله.
يعرف أنها قاومت، أنها حاولت أن تكون قوية، لكنها الآن، في هذه اللحظة، لم تعد تحتاج إلى التظاهر.
يـ ـداه كانتا تتحركان ببطء، يربت على ظهرها بحنان، يحاول أن يخبرها دون كلمات، أن يطمئنها دون وعود، أن يخبرها ببساطة أنه هنا، أنه عاد، ولن يتركها تواجه هذا وحدها بعد الآن.
الوقت لم يعد له معنى، لم يكن مهمًا كم من الوقت ظلت تبكي في أحـ ـضانه، كل ما يهم هو أنها لم تعد وحدها.
❈-❈-❈
كانت كاميليا مستلقية على سريرها الفاخر، تتقلب بين الوسائد الحريرية وهي تمسك بهاتفها في يدٍ، بينما يدها الأخرى تعبث بخصلات شعرها بملل واضح.
كانت الليلة تمر ببطء، لكن عقلها كان مزدحمًا بأفكارٍ كثيرة، وأهمها، ماذا سترتدي غدًا في حفل توزيع الجوائز؟
كانت هذه المناسبة واحدة من أهم الأحداث في كل عام، حيث تجتمع الأسماء الكبيرة، والكاميرات تلتقط كل تفصيلة، والأضواء تُسلَّط على من يعرف كيف يخطف الأنظار.
كانت تعرف كيف تفعل ذلك جيدًا.
كل عام، كانت تحرص على ارتداء شيء مختلف، جريء، وجذاب، يجعل الجميع يتحدث عنها لأيامٍ بعد الحفل.
ولكن هذه المرة، لم يكن لديها أدنى فكرة عمّا سترتديه.
تأففت بضيق وهي تُقلّب صور فساتين الموضة على هاتفها، تتنقل بين التصميمات الجديدة، لكن شيئًا لم يُعجبها.
كلها بدت مكررة، مستهلكة، لا شيء فيها يحمل تلك اللمسة الفريدة التي تريدها.
ضغطت على الشاشة بعصبية، وكأنها تحاول أن تُجبر أحد الفساتين على أن يعجبها، لكن دون فائدة.
رفعت رأسها قليلًا، وأسندتها على الوسادة، بينما أناملها تابعت التمرير على الشاشة.
فجأة، وقعت عيناها على فستانين لفتا انتباهها، الأول كان أخضر غامق، قصير، أنيق لكنه يحمل جرأة واضحة، وكأنه يعكس شخصيتها القوية.
أما الثاني، فكان بلون أزرق ملكي، بأكمام طويلة، راقٍ ومليء بالفخامة.
توقفت لوهلة، تتأمل الخيارين بعناية.
الأخضر كان جريئًا، سيجعل الجميع يلتفت إليها بلا شك، أما الأزرق، فكان أكثر كلاسيكية، لكنه لا يقل جمالًا.
شعرت بالتردد يتسلل إليها، لكنها في النهاية لم تستطع اتخاذ القرار.
وضعت الهاتف جانبًا، وأغمضت عينيها قليلًا، محاولة أن تتخيل نفسها في الحفل، تحت الأضواء، وسط النظرات والهمسات، وهي ترتدي أحد الفساتين.
ابتسمت بخفة، لأنها كانت تعلم شيئًا واحدًا، بغض النظر عن الفستان الذي ستختاره، فهي حتمًا ستكون الأجمل هناك.
تأففت "كاميليا" بضيق وهي تحاول التركيز على اختيار الفستان، لكنها سرعان ما أدركت أنها تناست أمر "نوح". فهو دائمًا ما يكون له رأي، خاصة عندما يتعلق الأمر بملابسها الجريئة.
لم يكن الأمر يقتصر عليها فقط، بل كان يعلق أيضًا على ملابس "وعد" و"راندة" و"يمن"، كأن له عينًا ناقدة لا تفوّت أي تفصيلة.
أغلقت عينيها للحظة، مسترجعة في ذهنها تعليقاته السابقة، طريقته الحادة في انتقاد اختياراتهن، وكيف أنه دائمًا ما يرى أن الاحتشام لا يقلل من الأناقة.
كانت تعلم جيدًا أنه سيعترض على الفستان الأخضر القصير، بل يمكنها تخيل تعابير وجهه تمامًا حين يراه.
أما الأزرق، فقد يكون أكثر قبولًا بالنسبة له، لكنه لن يمنع نفسه من التعليق على أي تفصيلة قد يراها غير مناسبة.
تنهدت بعمق، وهي تدرك أنه لا مفر من أخذ رأيه. ليس لأنها مضطرة لذلك، بل لأنها اعتادت على أن تسمع ملاحظاته حتى لو لم تأخذ بها في النهاية .
خرجت "كاميليا" من غرفتها بخطواتٍ سريعة، عيناها تلمعان بترقب، وكأنها تتجه نحو معركة مصيرية.
كانت تتمنى من كل قلبها أن يوافق "نوح" على الفستان الأخضر، فقد وقعت في غرامه منذ اللحظة الأولى، وأرادت أن ترتديه دون أي نقاشات مطولة أو اعتراضات لا تنتهي.
لكن معرفتها بـ"نوح" جعلتها تدرك أن الأمر لن يكون بهذه السهولة.
وقفت أمام غرفته، أخذت نفسًا عميقًا، ثم رفعت يدها لتطرق الباب بخفة، طرقات مترددة، تنتظر سماع صوته من الداخل. مرت لحظات، لكن لم يأتِ أي رد.
عقدت حاجبيها بحيرة، هل هو نائم؟ أم أنه يتجاهلها عمدًا؟
لم تستسلم، فطرقت الباب مرة أخرى، هذه المرة كانت الطرقات أكثر حدة، وكأنها تحاول أن تفرض وجودها على هدوء الغرفة.
انتظرت من جديد، لكن الصمت ظل هو السيد. شعرت بانزعاج يتسلل إلى ملامحها، فهي تكره الانتظار، وتكره أن تُترك دون إجابة.
نظرت إلى الباب أمامها بتحدٍّ، ثم رفعت يدها وطرقت للمرة الثالثة، بقوة هذه المرة، حتى اهتز الباب قليلًا، لكن، مجددًا، لا إجابة.
تنهدت بضيق، ثم دفعت الباب بجرأة لتفتحه، غير مبالية بما قد تجده في الداخل.
بمجرد أن خطت داخل الغرفة، شعرت بشيء غريب، الغرفة كانت ساكنة، هادئة بشكل غير معتاد، وكأن الحياة قد غادرتها منذ لحظات.
نظرت بسرعة نحو الفراش، وتوسعت عيناها قليلًا حين رأت "نور" هناك.
كانت الغرفة مغمورة بهدوء ثقيل، ذلك النوع من الهدوء الذي لا يبدو مريحًا، بل يبعث على التوتر، وكأنه يخفي خلفه سرًا ينتظر أن يُكشف.
خطت "كاميليا" خطوات بطيئة نحو "نور"، تنظر إليها بترقب، تحاول أن تستوعب كيف يمكن لشخص أن ينام بهذا العمق، رغم الطرقات العنيفة التي سبقت دخولها.
وقفت بجانب الفراش، عيناها تراقبان أنفاس "نور" المنتظمة، صدرها كان يرتفع وينخفض بهدوء كأنها لا تشعر بأي شيء مما يدور حولها.
لم يكن هذا طبيعيًا.
حتى أكثر الناس إرهاقًا كانوا ليستيقظوا عند سماع صوت طرقات الباب المتكررة.
لكن "نور"؟ لم تتحرك حتى شبرًا واحدًا.
شعرت بوخزة من القلق تتسلل إلى داخلها، فبدأت تبحث بعينيها في أنحاء الغرفة عن "نوح"، ربما كان هنا منذ لحظات، وربما هو السبب في هذا الهدوء الغريب.
لكن الغرفة كانت فارغة، خالية تمامًا منه.
أدركت وقتها أنه ليس هنا.
استدارت للخلف، محاولة استيعاب ما يحدث، لكن في غمرة تفكيرها، لم تلتفت إلى الطاولة الصغيرة خلفها.
خطوة واحدة خاطئة كانت كفيلة بأن تصطدم بها، مما جعلها تفقد توازنها للحظة.
حاولت السيطرة على نفسها، لكن الطاولة لم تمنحها هذه الفرصة.
اهتزت للحظة، ثم انقلبت بالكامل، وتحطمت الزجاجة التي كانت فوقها إلى شظايا متناثرة في كل مكان.
دوى صوت التكسير في الغرفة كصرخة مفاجئة كسرت حاجز السكون.
شهقت "كاميليا"، جفلت في مكانها، تجمدت للحظة وهي تستوعب ما حدث، ثم التفتت بسرعة إلى "نور"، قلبها يدق بعنف، متوقعة أن تجدها مستيقظة، مذعورة من الضوضاء المفاجئة.
لكن ما رأته جعل الذهول يرتسم على وجهها.
"نور" لم تتحرك. لم تفتح عينيها، لم تهتز، لم يصدر منها أي رد فعل، كأنها لم تسمع شيئًا على الإطلاق.
كانت ما تزال نائمة، في عمقٍ غير طبيعي، كما لو كانت غارقة في بُعد آخر، بعيدًا عن الواقع.
حدقت بها "كاميليا" بذهول، وكأنها تحاول استيعاب الأمر.
كيف؟ كيف لم تستيقظ بعد هذا الصوت العالي؟ حتى هي، التي لم تكن نائمة، شعرت بأن قلبها قد قفز من مكانه بسبب الضوضاء، فكيف لـ " نور" أن تبقى مستغرقة في نومها بهذا الشكل؟
شعور غريب بدأ يزحف في داخلها.
لم يكن مجرد قلق، بل كان خليطًا من الريبة وعدم الفهم.
لم تعد متأكدة مما يحدث، لكن شيئًا واحدًا أصبح واضحًا أن هذا النوم ليس طبيعيًا.
ظلت واقفة في مكانها، تنظر إلى "نور"، إلى أنفاسها البطيئة، إلى وجهها الخالي من أي توتر، إلى الغرفة التي عادت إلى صمتها المخيف.
لم تكن تعرف ما الذي عليها فعله، لكنها كانت متأكدة أن هناك شيئًا غير مفهوم يحدث هنا، شيئًا لا تستطيع وضع يدها عليه بعد، لكنه حتمًا ليس مجرد نوم عميق.
خرجت "كاميليا" من الغرفة بخطوات سريعة، لكن قبل أن تعبر الباب تمامًا، استدارت مرة أخرى، نظراتها مثبتة على "نور" النائمة بعمق.
لم يكن ذلك مجرد تفحص عابر، بل كان مزيجًا من الشك والريبة، وكأن هناك أمرًا لا يطمئنها في هذه الصورة التي تراها أمامها.
ظلت تحدق بها لثوانٍ، تحاول أن تفسر لماذا لم تستيقظ رغم كل الضوضاء التي أحدثتها؟ لكن عقلها لم يمنحها إجابة واضحة، فتنهدت أخيرًا، واستدارت لتخرج، محاولة تجاهل القلق الذي بدأ يتسلل إليها دون سبب واضح.