-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 22 - 3 - الأحد 9/2/2025

  

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الفصل الثاني والعشرون

3

تم النشر بتاريخ الأحد

9/2/2025


نزلت درجات السلم بخفة، وعيناها تبحثان في كل الاتجاهات، تتطلع لرؤية "نوح" في أي مكان. 


مرّت بالردهة، ألقى عليها بعض الخدم نظرات سريعة، لكنها لم تتوقف، واصلت بحثها وكأنها في مهمة ضرورية. 


كلما تأخر الوقت، زاد انزعاجها أكثر، فهي تريد إنهاء هذه المسألة سريعًا، تريد رأيه في الفستان الأخضر قبل أن يُبدي اعتراضه المعتاد.


لكن فجأة، وقع نظرها على باب مكتب "نوح"، كان مفتوحًا.


 توقفت في مكانها للحظة، زفرت براحة خفيفة، وأدركت أنه هناك.


دفعت الباب بخفة، لم تنظر أمامها مباشرة، بل كانت عيناها مثبتة على هاتفها وهي تتفقد صور الفساتين مرة أخرى. 


دخلت بخطوات واثقة، وقبل أن ترفع رأسها، هتفت بصوت يحمل لهفة واضحة :

ـ نوح، كنت بدور عليك عشان عايزة آخد رأيك في الفساتين، بس...


قطعت جملتها فجأة عندما رفعت رأسها أخيرًا، وتوقفت الكلمات في حلقها، وعيناها اتسعتا بصدمة واضحة.


 لم يكن "نوح" هو من يجلس خلف المكتب، بل شخص آخر، شخص لم تكن تتوقع أن تراه هنا، وبهذه الجرأة.


"أيان."


كان جالسًا على كرسي "نوح"، ذلك الكرسي الذي لم يجرؤ أحد على لمسه، فما بالك بالجلوس عليه؟ اتكأ للخلف بكل استرخاء، وكأن المكان ملكه بالفعل، وابتسم لها بتلك الابتسامة المستفزة التي تكرهها.


شعرت بالغضب يتصاعد داخلها كالنار، لم تستطع منع نفسها من الهتاف بعصبية :


ـ انت إيه اللي جابك هنا؟ وإيه اللي مقعدك مكان نوح؟!


لم يتحرك، بل زاد من اتكائه على الكرسي، وكأن غضبها لا يعني له شيئًا، ثم قال بصوت هادئ لكن مليء بالثقة المستفزة :


ـ متقلقيش يا كاميليا، كلها أيام وهيبقى المكان ده ملكي أنا، ومكاني أنا.


كلماته أشعلت داخلها غضبًا أكبر، شعرت بالشرارة تتوهج في عينيها، واقتربت منه بخطوات ثابتة، تحمل في داخلها كل الاحتقار لسخافة ما يقوله.


 وقفت أمامه، نظراتها كانت نارًا مشتعلة، ثم هتفت بسخرية لا تخلو من العصبية :


ـ فوق يا أيان، مش عشان مسكت كام أسهم في الشركة ولا حتى شوية فلوس يخلوك تحلم إنك تاخد مكان نوح، انت مجرد عيل لا راح ولا جه، وممكن ندوس عليك بالجزمة اللي بنلبسها.


لم يتأثر بكلماتها كما كانت تتمنى، بل ضحك بسخرية، نظراته لم تفارقها وهو يرد بصوت محمل بالوعيد :


ـ بكرة وبعده ابقوا شوفوا حتة العيل ده ممكن يعمل فيكم إيه يا عيلة النويري.


شعرت بالغضب يشتعل في عروقها أكثر، لم تستطع تحمل غروره أكثر من ذلك. 


تقدمت نحوه بحدة، قبضت على أطراف قميصه بعنف، نظراتها اخترقته بغضب قاتل وهي تهتف بصوت مرتفع، كأنها تحاول أن تحطم غروره :


ـ العيل ده آخره إنه يحلم، فاهم يا أيان؟؟، آخره بس، إنه يحلم  . 


شعرت برغبة جارفة في إنهاء هذا المشهد، في إنهاء وجوده نفسه، أن تمسك بعنقه وتجعله يدرك حجمه الحقيقي، لكنه لم يتراجع، لم يظهر أي خوف، وهذا جعلها تشتعل أكثر. 


كانت مستعدة لفعل أي شيء، حتى لو اضطرها الأمر لخنقه هنا والآن، لكن...


جاءها صوتٌ حادٌ اخترق الغرفة، جعلها تتجمد في مكانها.


ـ كاميليا  


كان صوت جدتها، "حميدة"، نداء واحد فقط لكنه كان كفيلًا بجعلها تتوقف، تتراجع، رغم أن الغضب لا يزال متوهجًا داخلها.


توقفت يدها عن الضغط على قميص "أيان"، لكنها لم تبتعد تمامًا، لم تفقد نظراتها النارية. أما هو، فاكتفى بالابتسام، تلك الابتسامة التي قالت لها بوضوح، هذه مجرد بداية.


نظرت «حميدة» الى «أيان» بقسوة لكنها مليئة بالحذر مما «أيان» ابتعد عن الكرسي الذى كان يجلس عليه ونظر لها بهدوء  ، نظرت «حميدة» الى «كاميليا» التى كانت تتنفس بسرعة نتيجه عن غضبها   


ـ اطلعى بره يا كاميليا  . 


لم يكن في نبرة "حميدة" مجال للنقاش، كانت نبرة قاطعة، صارمة، اعتادت "كاميليا" سماعها منذ طفولتها، لكنها اليوم، أكثر من أي وقت مضى، شعرت بأنها أشبه بحكم نافذ لا رجعة فيه.


نظرت إلى جدتها بذهول، كأنها تحاول أن تستوعب كيف تطلب منها الرحيل بهذه البساطة، وكأنها هي المخطئة في المشهد، بينما "أيان"، ذلك المتلاعب المغرور، هو الطرف البريء  . 


حاولت أن تتمالك نفسها، لكن غضبها كان أقوى من أي منطق، لقد وعدت جدتها بعدم المساس به، نعم، لكنها لم تعدها بأن تصمت حين يتجاوز حدوده، وحين يتجرأ على الجلوس في مكان لا يليق به، وحين ينظر إليها بذلك الاستفزاز الذي يكاد يحرقها من الداخل.


زفرت بعنف، قبضت يديها بقوة حتى شعرت بأظافرها تنغرز في جلدها، كانت تريد أن تصرخ، أن تواجه جدتها، أن تفهم لماذا تصمت على كل ما يفعله "أيان"، لكنه لم يكن اليوم المناسب لهذا الحديث، وليس هذا المكان أيضًا.


أرادت أن تتحدث، أن تحتج، أن تدافع عن غضبها، لكن "حميدة" لم تمنحها الفرصة، فقد التقت نظراتهما، وكانت نظرة الجدة كافية لإسكاتها تمامًا. 


نظرة حادة، لا تحمل نقاشًا، لا تحتمل جدالًا، نظرة جعلتها تدرك أن لا فائدة من العناد، ولا جدوى من المقاومة الآن.


كانت هذه اللحظة كفيلة بأن تشعل مزيدًا من النيران داخل "كاميليا"، شعرت بالقهر، لم يكن القهر من "أيان"، بل من الصمت القاسي الذي يحيط به، من الطريقة التي يُسمح له فيها بفعل كل ما يريد دون أن يعاقبه أحد.


لم تقل شيئًا، لم تتفوه بكلمة واحدة، بل استدارت بجسد متوتر، خرجت من المكتب، لكنها لم تتوقف عند ذلك، لم يكن بإمكانها البقاء في هذا القصر أكثر، شعرت بأنها لا تستطيع التنفس داخله.


خطواتها كانت سريعة، ثابتة، تحمل كل ما تشعر به من غضب وانزعاج، مرت بالممرات دون أن تلقي نظرة على أحد، تجاهلت نظرات الخدم التي لاحظوا توترها، تجاهلت كل شيء، حتى وصلت إلى الباب الرئيسي.


دون تردد، دفعته بقوة، وخرجت. لم تخرج فقط من غرفة المكتب، بل من القصر بأكمله، كما لو أنها بحاجة للهرب من هذا المكان، من هذه القواعد التي تشعرها أحيانًا بأنها مجرد دمية داخل لعبة لا تفهم قوانينها.


لم تعرف إلى أين ستذهب، لكنها كانت بحاجة إلى الهواء، إلى المساحة، إلى مكان لا يوجد فيه "أيان"، ولا نظرات "حميدة" الصارمة، ولا الذكريات التي تخنقها.


كل ما كانت تعرفه في هذه اللحظة، أنها لن تبقى هنا، ليس الآن.


❈-❈-❈


كانت تغادر بسرعة، خطواتها تلهث خلفها وكأنها تهرب من شيء خطير، لكنه لم يكن خطرًا حقيقيًا يطاردها، بل كان شيئًا أعمق وأشد فتكًا.


 كانت تهرب من أفكارها، من عقلها، من ذلك الصوت الداخلي الذي كان يحثها على قتل "أيان" دون تردد.


كيف تجرأ على القدوم إلى القصر؟ كيف سمح لنفسه أن يقف هنا، وكأنه أحد أفراد العائلة، بصفته زوج ابنة عمها؟ وكيف استطاع خداعها بهذه البساطة، ليجردها من كل شيء؟


كل شيء، هذه الكلمة تكررت في عقلها كأنها ناقوس خطر يدق بلا توقف. 


إبنة عمها الساذجة منحته كل ما تملك، دون أن تدرك أنها كانت تسلم ثروتها لشخص لم يكن يستحق سوى الخسارة. 


أعطته الأملاك، الأسهم في الشركة، المجوهرات، نصيبها من الميراث، كل شيء، بلا تردد، بلا شك، وكأنها كانت تحت تأثير تعويذة لم تستطع الإفلات منها.


وعدت جدتها بأنها لن تمس "أيان"، أقسمت بأنها لن تؤذيه، لكنها لم تكن تعرف ما إذا كانت قادرة حقًا على تنفيذ هذا الوعد. 


كانت مشاعرها تتصارع داخلها، مثل عاصفة تحاول كسر كل شيء في طريقها، والخوف الأكبر أنها قد تستسلم لهذه العاصفة.


أفعاله كانت تدفعها إلى الجنون، وكأنها كانت تمثل صفعة مستمرة على كرامتها، على عقلها، على كل ما تبقى لها من اتزان. 


كيف لها أن تراه أمامها دون أن تفعل شيئًا؟ كيف لها أن تتحمل وجوده في نفس المكان وهي تعلم تمامًا أي نوع من الخداع يحمله في عينيه؟


لا، يجب أن تخرج من هنا، الآن.


 يجب أن تبتعد عن هذا المكان قبل أن تفعل شيئًا طائشًا، شيئًا لا يمكن التراجع عنه.


 يجب أن تبقى هادئة، أن تستعيد أنفاسها، أن تجد طريقة للسيطرة على غضبها، حتى لا تنتهي بخرق وعدها الوحيد.


خرجت من القصر، أنفاسها متلاحقة، قلبها يدق بقوة كأنه يحذرها من الانجراف خلف هذا الغضب. 


الهواء البارد ضرب وجهها، لكنه لم يكن كافيًا لإطفاء النار المشتعلة داخلها. 


سارت بسرعة، وكأنها تبتعد عن هاوية كادت تسقط فيها، لكنها لم تكن متأكدة مما إذا كانت ستتمكن من الهروب منها إلى الأبد.


الرياح الباردة كانت تعصف بمحيطها، لكن قلبها كان العاصفة الحقيقية.


 توقفت في مكان منعزل، حيث لا وجود لأحد، فوق صخرة ضخمة تطل على البحيرة الواسعة، مياهها كانت سوداء كالمرآة في الليل، تعكس ضوء القمر وكأنها تخفي في أعماقها أسرارًا لا يجب كشفها.


كانت أنفاسها متسارعة، عيناها تحدقان في الأفق دون أن تراه حقًا.


 لم تكن هنا بجسدها فقط، بل كانت محاصرة في عقلها، عالقة في الذكريات التي لا تفارقها.


 تذكرت صورته وهو يجلس على كرسي "نوح"، ذلك المكان الذي لم يكن لأحد غيره، مكان كان رمزًا للهيبة، للقوة، لوجود لا يمكن استبداله.


 لكن أيان جلس هناك، متسيدًا المشهد وكأن شيئًا لم يكن، وكأن الماضي لا يعني له شيئًا، وكأن القصر لم يشهد خيانته.


كلماته ترددت في رأسها، صوت لعين يتسلل إلى عقلها، يعيدها إلى تلك اللحظة التي تمنت لو أنها لم تحدث أبدًا. 


كانت كلماته كالسم، تتغلغل في أعماقها، تدمر ما تبقى من هدوئها الهش.


 شعرت بانفجار بداخلها، صرخت بعصبية، وكأنها تحاول إخراج هذا الألم بصوتها.


لم تدرك حتى أنها التقطت بعض الحجارة، قبضتها عليها كانت قوية، كما لو كانت تمسك بقلبها الذي يشتعل بالغضب.


 وباندفاع عفوي، ألقت بالحجارة واحدة تلو الأخرى في البحيرة، وكأنها تحاول تحطيم صورتها المنعكسة، أو ربما تمحو كل الأفكار التي تلاحقها. 


صوت ارتطام الحجارة بالماء لم يكن كافيًا لتهدئتها، لكن كان لحظة من التنفيس عن الغضب الذي ينهشها.


لكن فجأة، صوت كلب خلفها قطع الصمت، صوت غريب، حاد، أقرب إلى العواء منه إلى النباح، كان مزعجًا ومُرعبًا، كأنما خرج من العدم. 


جسـ ـدها ارتعش لا إراديًا، اهتزت قدماها، وقبل أن تستوعب ما يحدث، فقدت توازنها.


الصخرة كانت عالية جدًا، وسقوطها لم يكن بطيئًا، بل شعرت وكأنها انزلقت في ثقب أسود، بلا تحكم، بلا فرصة للنجاة. لم تجد ما تتمسك به، الهواء القاسي شقّ طريقه إلى رئتيها، ثم...


اصطدم جسـ ـدها بالماء البارد.


لحظة الغمر كانت كأنها صدمة كهربائية، كل شيء من حولها أصبح ضبابيًا، أصوات العالم تلاشت، ولم يعد هناك سوى إحساس الماء الثقيل الذي يحيط بها من كل اتجاه. 


فتحت فمها لتصرخ، لكن المياه اقتحمت حنجرتها، اختلطت صرختها بالبحيرة، ولم يسمعها أحد.


حاولت السباحة، لكن شيئًا ما كان يسحبها للأسفل.


لم تكن مجرد مياه راكدة، بل كان هناك قوة، كأن البحيرة نفسها ترفض أن تتركها تعود إلى السطح. 


شعرت بجـ ـسدها يُجر للأسفل، كأن يـ ـدًا خفية تشدّها نحو القاع.


حاولت أن تتحرر، أن تضرب الماء بذراعيها، لكن مقاومتها كانت تضعف مع كل ثانية تمر. 


الهواء في رئتيها كان ينفد، والرؤية أصبحت أكثر ضبابية.


العالم فوقها بدأ يتلاشى، والنور الوحيد كان يأتي من القمر المنعكس على سطح البحيرة، كان بعيدًا، بعيدًا جدًا.


المياه كانت تبتلعها ببطء، تسحبها إلى الأعماق، وكأنها قررت أن تضمها بين أحضانها للأبد. 


عقلها بدأ يستسلم، جسدها توقف عن المقاومة، وكل ما تبقى هو إحساس ثقيل بالخوف الممزوج باليأس.


"هل هذه هي النهاية؟" 


تساءلت كاميليا وهي تغلق عينيها، تاركة نفسها للظلام المائي الذي يحيط بها.


 لم يعد هناك هواء، لم يعد هناك صراع، فقط شعور بالبرودة يتسلل إلى كل جزء منها، يغرقها أكثر في دوامة لا تنتهي.


لكن فجأة، يـ ـد قوية أمسكت بها، شدّت على معصمها بقوة جعلتها تشعر بأن الحياة لم تتخلَ عنها بعد.


 في أقل من ثانية، شعرت بجـ ـسدها يُسحب بسرعة نحو الأعلى، الماء يبتعد، والهواء يعود ليملأ رئتيها من جديد.


خرجت إلى السطح فجأة، شهقت بقوة، وكأنها تحاول استعادة كل الأكسجين الذي فقدته دفعة واحدة. 


كانت تتنفس بلهاث متلاحق، صـ ـدرها يعلو ويهبط بسرعة، وكأنها لا تصدق أنها ما زالت على قيد الحياة.


شعرت بذراع قوية تحيط بخـ ـصرها، تثبتها جيدًا حتى لا تغرق مرة أخرى. 


لم تكن قادرة على التفكير، لم تكن قادرة على استيعاب أي شيء سوى أن هناك شخصًا أنقذها في اللحظة الأخيرة.


فتحت عينيها ببطء، والرؤية ما زالت ضبابية من تأثير الماء، لكنها رأت أمامها وجهًا بملامح حادة، ليست وسيمة بالمعنى التقليدي، لكنها كانت تحمل شيئًا يجذبها بشكل غريب. 


عيناه العسليتان كانتا ثاقبتين، غامضتين، وكأنهما تستطيعان اختراق روحها.


ظلت تحدق فيه للحظات، عقلها يرفض استيعاب ما يحدث، أو ربما كانت لا تزال في صدمة مما كادت أن تمر به.


قطع شرودها صوته القلق، حين هتف وهو لا يزال ممسكًا بخصرها، يقربها منه أكثر لمنعها من السقوط مجددًا :


"إنتِ كويسة؟ حاسّة بحاجة؟"


 لم تكن تعلم «كاميليا» إذا كان الخجل هو ما يعقد لسانها، أم أن الصدمة هي ما يجعلها عاجزة عن الحديث، هزّت رأسها ببطء دون أن تنطق.


لم تكن تعلم ما الذي تشعر به الآن، لكنها كانت تدرك شيئًا واحدًا فقط، أنها على قيد الحياة، بين يدي شخص غريب، لكن بعينيه شيء يخبرها أن القدر لم ينتهِ من لعبته معها بعد.


❈-❈-❈


كانت السماء ممتدة بلا نهاية، بلونها الأزرق الداكن، حيث تراقصت النجوم الصغيرة على سطحها الهادئ، بينما البحر أمامها كان يعكس ضوء القمر كأنهما يتشاركان سرًا قديمًا. 


النسيم الليلي كان باردًا، يحمل معه نسمات مالحة تعبق برائحة البحر، لكنه لم يكن كافيًا لإخماد النيران التي تشتعل في صدرها.


خرجت "وعد" من أحضان "كمال" فجأة، وكأنها انتبهت إلى وجودها هناك للتو، وكأن الدفء الذي وجدته بين ذراعيه كان شيئًا محرّمًا عليها. 


رفعت يدها بسرعة، ومسحت دموعها بإصرار، وكأنها تحاول محو أثر ضعفها قبل أن يراه أكثر مما يجب.


جلست على الرمال، تنظر إلى الأمواج التي كانت تتحرك بوتيرتها الهادئة، غير مبالية بالاضطراب الذي يملأ داخلها. 


بدا البحر وكأنه يسخر من مشاعرها، بهدوئه الذي يتناقض تمامًا مع العاصفة التي تتخبط في قلبها.


لم يقل "كمال" شيئًا في البداية، فقط اكتفى بالنظر إليها، ثم بجلس بجانبها بهدوء، لم يحاول الاقتراب أكثر، ولم يحاول أن يجبرها على الحديث، فقط كان هناك، بجانبها، كعادته دائمًا.


 بعد لحظات من الصمت، هتف بصوت هادئ، صوته لم يكن مجرد كلمات، بل كان وعدًا بأنها ليست وحدها:


ـ متنسيش إني صاحبك يا وعد، مالك؟ فيكي إيه؟


كلماته كانت بسيطة، لكنها تلامس شيئًا بداخلها، شيئًا كانت تحاول أن تتجاهله. 


شعرت للحظة بأن عقلها يشتعل بالأفكار، كأنها لا تعرف من أين تبدأ، أي جرح عليها أن تفتح أولًا؟


تنهدت بعمق، وكأنها تسحب معها كل الأوجاع التي تجمعت في صدرها، ثم همست بنبرة مستسلمة، وكأنها لم تعد تقاوم هذا الألم بعد الآن:


ـ يمن اتجوزت أيان.