رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 24 - 2 - الثلاثاء 18/2/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل الرابع والعشرون
2
تم النشر الثلاثاء
18/2/2025
كان يسير دون هوادة
منذ أن تخلى عن خاتم خطبته
وهو يشعر بالحطام من حوله.
ماذا حدث؟
وكيف حدث؟
رغم الكثير من السيناريوهات داخل رأسه قبل أن يقابلها،
كانت تلك أقساها وأشدها ألمًا.
أبتَركها؟ استراح؟
لا والله، بل أحرق قلبه.
أكانت ملاكًا ليحبها كل هذا الحب؟
لا، لم تكن.
لكنها كانت بكل هذا الغباء، فقررت أن تضع النهاية بيدها
دون حتى أن تجعله يلتفت للخلف ولو للحظة لينظر نظرة وداع.
تركها دون تردد،
هو فقط حزين على حبه المسكين،
ساذجًا.
كان يظن أنها تحبه.
تلك لا تعرف الحب.
هي لم تحب سوى نفسها.
حتى أنها تحب المال أكثر بكثير.
ألم تكن تعرف أنه كان يريد أن يضع العالم تحت قدمها إن استطاع؟
ألم ترَ جهده وإرهاقه في سبيل رسم ابتسامة واحدة على وجهها؟
لماذا تم محو كل هذا بلحظة؟
لحظة واحدة
كفيلة بحرق سنوات شقائه لأجلها.
تبا لحب يكسر قلب صاحبه.
لا يريد أن يعود للمنزل،
لا يريد سوى أن يظل بمفرده.
خطبة وحب دام للكثير
انتهت بغمضة عين.
أي ألم يعيش؟
لكن هي كانت هكذا، لا تستحق من البداية.
هو فقط من كان أعمى القلب والبصيرة.
وكانت هي تتلاعب به تحت مسمى الحب.
لكن لن ينكر أنها أيضًا لم تجبره ولم تضربه على يده،
بل هو من كان يسير يدعس نفسه لأجلها.
لذا، وإن أخطأت،
فالخطأ الأكبر خطؤه بكل الأحوال.
هو من سعى لبناء منزل أساسه من الهواء.
ظن أنه بالإجابة على طلباتها والدلال يسير في الطريق الصحيح.
لكنه غفل عن أن الدلال والحب والحنان ذات مكانة مهمة.
لكن كل شيء زاد عن حده انقلب ضده.
وها هو يحصد نتيجة العطاء المفرط.
ويا ليتَه،
يا ليتَه أبكر.
فاللام الآن أصبح مضاعفًا،
ولم يجد نفسه
سوى وقدماه تقودانه إلى أكثر الأماكن احتياجًا لها في تلك اللحظة
المسجد.
انتهى من الصلاة
وظل في مكانه قليلًا قبل أن يخرج.
كان لا يعلم إلى أين يذهب.
إلى المنزل حيث أمه التي بالتأكيد علمت بالخبر
وتجلس مقهورة عليه ومنه.
في النهاية، هي لن يرضيها ما حدث.
تري داليا ابنته،
لكنها لم تراها أبدًا يومًا أمًا لها.
ابتسم ساخرًا.
كم تغاضى؟
كم تغاضى حقًا؟
مواقف اثني عشره
لا حصر لها أبدًا.
كان أعمى وغبيًا،
يستحق، يستحق هذا الألم.
فهو ألقي بنفسه في النيران مرحبًا بالدفء،
غافلًا عن احتراقه في غمرة مشاعره الهوجاء.
فكانت النتيجة
كارثية.
لن يقدر أبدًا أن يعود للمنزل الآن.
إذاً إلى أين يذهب؟
إلى شقته.
وقف يفكر والوجع يتسرب نحو أعماقه أكثر.
شقة الأحلام،
الشقة التي دعس على نفسه وروحه المنهكة من أجل بناء كل قشة بها.
تلك الشقة التي حملت الكثير والكثير من الأماني والأحلام.
الآن وفي تلك اللحظة،
لا يريد أن يذهب إليها أبدًا.
لا يريد أن يذهب، لا يريد.
كان يقف في منتصف الشارع، ينفث بعنف،
شاعِرًا بالتيه والقهر والظلم.
ظالم ومظلوم.
ظالم نفسه،
وظلمته هي بطمعها وجشع روحها.
إلى أين يذهب؟
إلى أين يريح قلبه وعقله؟
إلى أين ليبرد تلك النيران
وهو يرى حياته قد هُدمت في غمضة عين؟
أغمض عيناه
وهو يتحرك ببطء.
هناك مكان واحد فقط
حيث يثق أنه سيجد ما يحتاجه
منزل تميم،
صديق الدرب ورفيق الألم وإن تعددت.
❈-❈-❈
تسطّح على فراشه بمساعدة حسام
وهو يتأوّه بإرهاق.
لقد أجهد نفسه اليوم أكثر من اللازم.
ناولَه مدحت كوب الماء والأدوية
وجلس بجانبه يعدّل له الوسادة.
انتهى ووضع الكوب بجانبه وهو يراقب نظرات كلٍّ منهم
قبل أن يقول بهدوء: تمام، يلا روحوا ارتاحوا.
لا.
كلمة واحدة قاطعة خرجت من الاثنين،
وكل منهما يناظر الآخر بعبوس ورفض.
ليتسائل تميم بتوجس غير مطمئن من القادم:
لا، إيه بالظبط؟
تأفف مدحت مجيبًا بنزق: لا، أنا مش هروح في حتة.
أنا هفضل جنبك هنا.
قالها وهو يندس بجانبه بسرعة ويرفع الغطاء على قدمه في رفض تام قاطع للمغادرة.
ارتفع حاجب حسام بغيظ مرددًا برفض هو الآخر: حضرتك تعبان،
ولو تميم احتاج أي حاجة بالليل، أنا أحسن أكون موجود.
أنت أصلاً تعبان ولسه مخدتش الأدوية.
اتفضل يلا روح نام،
وأنا هفضل مع تميم.
هز مدحت رأسه برفض تام.
فكان تميم ينقل عينيه بعين أبيه الرافض
وحسام المصرّ
قبل أن يقول ببساطة شديدة: مين قال إن في حد هيفضل هنا أصلاً
أنا مش عايز حد معايا.
وتابع وهو يلتفت لوالده: بابا، أنت تعبان وأنا كمان،
وأنا بقيت زي الفل.
مفيش أي داعي تفضل هنا.
أنا بخير يا حبيبي.
أنت أصلاً مبتعرفش تنام غير على سريرك.
كفاية الأيام اللي فاتت وقلة النوم والتعب.
لو حابب تشوفني مرتاح، نام في أوضتك.
زمّ مدحت شفتيه قبل أن يسأله بأمل:
طيب تعالَ أنت أوضتي.
انفلتت منه ضحكة يائسة وهو يجيبه بحنان:
أنا بخير يا حبيبي، زي القط بسبع أرواح.
قالها مشيرًا لنفسه.
اقترب منه يقبّل رأسه قائلًا بحنان: العمر كله يا حبيبي،
ربنا يا رب يحفظك."
ابتسم له تميم وهو يرفع يده يقبّلها بحنان.
ومع إصراره الشديد،
غادر مدحت الغرفة،
وحسام في محله يناظره ببرود.
رفع تميم حاجبه قائلًا بهدوء: بص، أنا تعبان ومش قادر أعيد اللي قلته لأبوك تاني.
زي الشاطر كده خد بعضك وخرج بره.
وحينما قابله نظرات حسام الرافضة،
رد بتعب:يا ابني،
أوعدك وعد.
لو حسيت إني محتاج مساعدة،
هرن عليك.
وأكمل بيأس وهو يرى نظرات حسام به:
يا ابني بتبصلي كده ليه؟
ده أوضتك جنب أوضتي،
الباب في الباب.
يلا يا حسام، توكل على الله.
بس اقفل الشباك الأول عشان الجو سقع.
ظل يناظره برفض،
إلا أنه تنهد بضيق
مغلقًا النافذة
ومتممًا على كل شيء.
دثّره،
وضع الماء،
الدواء،
المسكنات،
الهاتف،
كل شيء.
كان يتأكد مرارًا وتكرارًا كأنه يؤخر مغادرته.
ولم يحب تميم أن يوبخه,
حقه ولن ينكره.
إلا أنه وقف قائلًا بحزم:أنا صاحي.
أي وقت تتعب، نادي بس عليا.
هتلاقيني في ثواني عندك.
أوعى تعاند،
واكمل بغيظ :تميم.
ابتسم له الآخر بهدوء قائلًا بتأكيد:
"وعد يا سيدي."
وبعد التأكد من كل شيء للمرة التي لم يعد يعرفها،
غادر على مضض.
وأغمض تميم عيناه براحة افتقدها كثيرًا.
وأخيرًا.
❈-❈-❈
كان يقف أمام منزل تميم، ينظر حوله بتوتر وحيرة.
ماذا يفعل؟
ماذا يفعل حقًا؟
كيف أتى، وتميم لم يخرج سوى اليوم من المستشفى؟
كيف له أن يأتي في مثل هذا الوقت؟
تبا لغبائه!
كاد يلتف بسرعة ليغادر قبل أن يراه أحد، ولكن...
في الداخل، كانت آلاء تمسك فنجان القهوة بين يديها، مارّةً بجانب البوابة، تنظر حولها بلا مبالاة.
كانت تسير بهدوء، إلا أنها توقفت فجأة، قبل أن تعود بضع خطوات للخلف، حاجباها معقودان، وشفتيها مزمومتان، تتطلع إلى شاشة كاميرا المراقبة باستغراب، قبل أن تقرب وجهها بتوجس ظاهر في ملامحها، وهي تشاهد أحمد، صديق تميم، واقفًا أمام الباب يتطلع حوله بريبة.
فتحت فمها، تنقل عينيها بين ساعة يدها وصورته في الشاشة، بتعجب حقيقي، وهي تتساءل: ماذا يفعل هنا في هذا الوقت؟
زمت شفتيها، وهي تفتح الباب ببطء، وفي نفس اللحظة، كان أحمد قد عقد العزم على المغادرة، وقبل حتى أن يتحرك خطوة واحدة، كان الباب يُفتح، وآلاء تطل من خلفه.
انتفض، ينظر لها بحرج شديد، قائلًا بتوتر: "أنا... أصلًا... كنت عايز..."
كانت واقفة تنظر له، تحاول أن تفهم ما يريد، قبل أن تهز رأسها قائلة بهدوء، محاولةً أن تساعده، وهي تشعر به يكاد يسقط من شدة إرهاق وجهه وتوتره الشديد لمجيئه في وقت متأخر هكذا: عايز تميم؟
ظل ينظر لها، قبل أن يومئ بوجهه قانطًا.
للتتابع هي : أكيد طبعًا، اتفضل.
هزّ رأسه نافيًا، لا يجد ما يقوله في هذا الموقف غير الموفق بالمرة.
تبا لغبائه! ماذا يفعل هنا حقًا؟ ماذا يفعل؟
عقدت حاجبها، قائلةً برفق، محاولةً التخفيف من حدة توتره: مفيش مشكلة خالص، اتفضل، أنا هروح أنادي عليه.
زمّ شفتيه، قائلًا بجمود: مش مشكلة، خلّيني أحسن هنا.
كانت لا تعرف ماذا تفعل، تحديدًا أن الكل في غرفته، ولا أحد سواها.
لذا، لم تجد ما تفعله سوى أن تشير له على الحديقة بابتسامة هادئة، قبل أن تقول برفق: اتفضل لو سمحت، ثواني وأشوف تميم.
وغادرت سريعًا تحت نظراته المعلقة بها بصمت، فلم يجد نفسه إلا وهو يتجه نحو الحديقة، ويلقي بنفسه على الأرجوحة، وهو يكاد يسبّ نفسه من شدة الخجل، وقد أيقن أنه أخطأ بالمجيء.