-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 25 - 2 - السبت 22/2/2025

 قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل الخامس والعشرون

2

تم النشر السبت

22/2/2025

ما أن دخلت حتى وجدت سلسبيل، شقيقة أنس الصغرى، في استقبالها بسعادة وهي تحمل ابنها الصغير.


الحقيقة، الجميع يعاملها أحسن معاملة، لن تنكر ذلك أبدًا.


وبعد السلامات والتحيات، علمت أن تقي وتمنى، كلٌّ منهما منشغلة للأسف ولم تستطع الحضور، لتخبرها سلسبيل أنها ستوصل لهما التحية والسلام.


أشار رمضان لابنته قائلًا بهدوء: "

قومي هاتي العصير لمرات أخوكي، يلا يا سوسو، عقبال ما أمك تخلص الغدا.


ثم تابع وهو يلتفت لزوجته متسائلًا بهدوء: الغدا قدامه قد إيه يا أمل؟


كانت تناظره بجمود قبل أن ترد: على النار.


دار الحديث بينهم بهدوء، فكان الجميع يتشارك الحوار، فيما عدا شخص واحد... أمل، حماتها.

وفي العادة، الهدوء نعمة، أما هنا، فهو الهدوء ما قبل العاصفة.

فنظراتها كانت باكثر من كافية 

❈-❈-❈


وبعد بعض الوقت، أعلنت أمل عن الانتهاء من تحضير الطعام، وبالفعل تحركت ملك تتبع سلسبيل لتساعدهم بلباقة ، بعد أن حمل أنس صغيرها ليداعبه.

وما إن خطت قدمها إلى المطبخ حتى تأففت حماتها بصوت عالٍ.


توترت لوهلة، لا تعرف ماذا تفعل.

إذا ظلت في مكانها بالخارج، ستتحدث، وحينما دلفت لتساعدهم، تأففت.


لذا همست بخفوت: تحبوا أساعدكم في حاجة يا طنط ؟


أعطتها حماتها طبق الخضروات مشيرة لتقطيعه بحاجب مرتفع ووجة جامد ، وبالفعل، وقفت في صمت تفعل ما تريده منها.

حتى أنها صرفت سلسبيل للخارج لتلقي عليها المتبقي من الأعمال.


وللصدق، لم تعترض.

هو يوم، فليمُر فقط.

رغم أنها تشعر بالعكس.


❈-❈-❈

في منزل والدي حور


تحرّك حسام من محله بعد أن استأذن من حماه ليرد على مكالمة والده.

فهم منذ الصباح في منزل والدي حور، كما أرادت أن تحظى بالكثير من الوقت معهم، وبالفعل لم يردها خائبة.

وتجهّزوا منذ الصباح، آتين محمّلين بالفطور وكل ما لذَّ وطاب لهم لأجل حبيبته الغالية.


كانت حور تراقبه وهو يحمل الصغيرة شمس، المتشبثة به، قبل أن تستمع إلى صوت أمها يطلب منها المجيء، فتحركت بسرعة لتلبي ندائها.


دلفت إلى المطبخ، تفقّدت الأواني بفضول، قائلة بسعادة: وحشني أكلك أوي أوي يا ماما.


قالتها وهي تلتقط إحدى أصابع المحشو الساخنة، وهي تتأوه بسعادة واشتياق، قبل أن توقفها أمها قائلة بهدوء: عاملة إيه مع جوزك؟


ابتسمت لها حور بسعادة قائلة بتأكيد:

الحمد لله يا ماما، كله بخير. حسام شايلني جوه عينه أنا وشمس، ربنا يباركلي فيه يا رب. طمّنيني عنكم، وعن مرفت.

وتابعت بفضول: قلتيلي إن في عريس جاي، اتفقتوا خلاص ولا إيه؟ معرفتش أسألها.


ضمّت أمها شفتيها بضيق قائلة بهمّ:

عيني عليها، بختها مايل. أنا معرفش يا ربي إيه اللي بيحصل مع البِت دي، أنا قلت إن حد عمل لها حاجة، محدّش مصدّق!


قطّبت حور حاجبيها بقلق قائلة بخوف:

حصل إيه؟ هو مشي ولا إيه؟


هزّت أمها رأسها نفيًا قبل أن تقول بتأكيد:

لا، بس هيمشي.


"ليه؟!" قالتها حور بتساؤل وقلق.


نظرت أمها خلفها قبل أن تقول بخفوت:

طالب نجيب كل حاجة بالنص، وانتي عارفة الدنيا. وكل حاجة طالبها ماركات، والدنيا مزنّقة معايا، والوضع مش سامح، والعريس هيضيع يا حور، وأختك حالها واقف، ومحدّش بيجي، والكل بيتشرّط عشان حالها، وأنا عايزة أطمن عليها قبل ما أموت.


ترقرقت عينا حور، وهي تكاد تبكي حزنًا على شقيقتها، قبل أن ترفع يدها نحو أذنها، تخلع القرط الخاص بها قائلة بتأكيد: خدي الحلق بتاعي، ده بابا اللي كان جايبه، أهو أي فلوس تسند.


نظرتها أمها بغيظ قائلة باستنكار: وده يجيب إيه ولا إيه؟! بقولك نص العفش، ده ولا حاجة.


انتفضت حور إثر صيحتها، لتتدارك أمها نفسها وهي تتنهد بضيق، قبل أن تقول بصوت خافت: يا حور، ده ميعملش حاجة خالص، إحنا عايزين فلوس كتير أوي، أنا كل ما أفكر أحس هيحصلي حاجة.


هزّت حور رأسها بعدم فهم قائلة بحيرة:

ما انتي عارفة يا ماما، أنا لو معايا والله هديكي من غير ما تطلبي حتى، أنا فكرت أطلب من حسام، بس أنا عارفة إنك مش هتقبلي حاجة زي دي وهترفضي.


تأفّفت أمها مجيبة بتأكيد: طبعًا، انتي عايزة يزلّنا ويعايرك ويقول أهلك مش لاقيين؟ انتي عبيطة؟! انتي لو طلبتي منه جنيه هيقلّ منك، وكل مشكلة هيفكّرك إنه إدّى أهلك فلوس. انتي مش عارفة طبع الرجالة والمعايرة؟ 

أنا أكيد مقبلش إنه يعرف حاجة، ولا هسمحلك تقولي له."


"بس..."


قالتها بهدوء، ليزداد انعقاد حاجبي حور بتوجّس، خائفة من القادم.


وقد كان.


❈-❈-❈


"إيه؟!"


قالتها حور بصدمة وذهول، وهي تستمع إلى حديث أمها، التي كرّرت بهدوء وصوت منخفض، حرصًا على عدم وصوله للخارج، دون أي خجل، قائلة بتأكيد: زي ما سمعتي، انتي قبل كده قلتِلي إن جوزك مش بيصرف  حاجة من اللي بيبعتها أبوه، وبيشلها كلها زي ما هي، جزء في البنك، بس كمان في جزء في البيت عشان لو حصل حاجة، صح؟


قالتها بتشدد.


أغمضت حور عينيها، تلعن نفسها، فهي قالتها مرة في خضم دفاعها في أحد النقاشات عن حسام، وأنه يعتمد على نفسه، وأموال والده ملاقاة في الخزانة إن أرادها، سيحيا ملكًا لا يحتاج للعمل.


أفاقت من شرودها على صوت أمها التي تابعت بتأكيد:إحنا محتاجين يا حور، سلفة، فترة، وزي ما هتخديها، زي ما هترجعيها، من غير ما يحس ولا يعرف.


هزّت حور رأسها برفض قاطع

تكاد تصرخ 

"لا، لا، لن أفعل!"


لتقول بسرعة ووجه احمر من شده الانفعال: أنا لو قلت لحسام هيدهالي من غير ما يسأل، مش لازم أقول إنها ليكم، أنا بس لو طلبت مش هيبخل عليا أبدًا، أما من وراه... انتي عايزاني أسرق جوزي؟!


شهقت أمها باستنكار وهي تستمع إلى ما تقوله، قبل أن تهمس بتوبيخ: سرقة إيه يا خايبة؟! هي في سرقة بين الراجل ومراته؟! ده جوزك، أبو بنتك، ودي فلوسكم، يعني مش هيحصل حاجة لما تاخدي، وبعدين ترجعي، كأنك ماخدتيش. هيحصل إيه يعني؟!


بُصي يا حور، أنا مش هسمحلك تبوظي جوازة أختك عشان الخيابة دي! أول ما ترجعي، تاخدي الفلوس وتبعتيهالي، وأنا على طول هجمعهم وابعتهالك، ولا من شاف ولا من دري. ولو حسام عرف حاجة، أقسم بالله لا انتي بنتي، ولا أعرفك، ويحرم عليكي تقفي في غسلي لو مت!


كانت حور تهزّ رأسها برعب ورفض، ودموعها تسبقها دون وعي، تكاد تنهار، مفكرة...


ماذا ستفعل؟!


ولم تدرِ بوقوف حسام خارجًا، وقد استمع لحديثهما بالصدفة، ليقف محله متسمرًا، وهو يتجرّع مرارة الصديد كأنه علقم يحترق في حلقه.


❈-❈-❈


غسلت وجهها عدة مرات قبل أن تخرج من المطبخ، بعد نوبة بكاء طويلة، تشعر بعقلها على وشك التوقف.


تكاد تنهار، ماذا تطلب منها أمها؟!


أن تسرقه... زوجها... حبيبها... وأب ابنتها!


لكن ماذا تفعل؟ أتخبره؟ أتُصارحه؟ أم ترفض وتغلق هذا الباب؟ ماذا تفعل؟


خرجت من المطبخ، شاعرة بالإعياء، ليقابلها وجه حسام المراقب لها بصمت، يحمل الصغيرة شمس وقد غفت بين ذراعيه.


تساءلت بتوتر، وعيناه تلاحقها :فين بابا؟


أزاح عينه عنها قائلًا بهدوء: دخل الأوضة، قال هيريّح شوية لحد ما الغدا يجهز.


أومأت له بصمت، قبل أن تجلس بجانبه، تحمل الصغيرة وتضمها إلى صدرها كأنها تحتمي بها.


وكان في تلك اللحظة يراقبها... هل ستخبره؟!

هل تشاركه ما يحدث معها؟

أيخبرها أنه سمعها؟


قالها بداخله وهو يراقبها، إلا أنه يرفض، يرفض ببساطة أن يظل دائمًا هو المبادر بتلك الطريقة.

ماذا لو لم يستمع لهما؟ ماذا كان ليحدث حينها؟


هو لا يقبل أبدًا أن تفشي سرًّا خاصًّا بأهلها، لا يريد أصلًا، لكن لماذا لا تطلب منه ببساطة؟


كان يراقب ضمّها للصغيرة، كأنها تحتمي بها، ويتمنى أن تحتمي به هو.

فمتى خذلها ليخذلها الآن؟


وبداخله، يدعو مرارًا وتكرارًا أن تخذل ظنونه تلك المرة.


❈-❈-❈

لم تعرف حتى كيف وصلت إلى شقتها.

كانت تدلف إلى الشقة متعثرةً في اللا شيء، تكاد تسقط أرضًا، شاعرةً بإعياء شديد.

دفعت الباب بعنف، لكنه بالكاد أُغلق خلفها، لكنها لم تهتم.

ألقت بنفسها على أقرب مقعد لها وهي تبكي بقوة.


ماذا حدث؟ وكيف حدث أصلًا؟

كانت عيناها تطلق شرارًا وجنونًا رغم قهرها.

كيف سمحت له أن يُوقعها في فخّه بكل غباء؟


تبًا! تبًا!


وقفت تشعر بالجنون، تشعر بالمكان يضيق حولها حتى بات ضيقًا خانقًا.

شهقت شهقةً حادة، ثم فجأة... وكأنها لم تعد تحتمل أو حتى تطيق نفسها، فلم تجد نفسها سوى وهي تدفع بيدها بكل ما كان على الطاولة، ملقيةً إياه أرضًا.

فتطاير وتناثر على الأرض، متحطمًا للكثير.


كانت تمسك بأي شيء تطالعه يدها وتلقيه بقوة، تحطم هذا وتكسر ذاك.

شهقت شهقةً عنيفة وهي ترفع يدها، تلقي بأول شيء كان في متناول يدها تجاه المرآة الكبيرة في منتصف الغرفة، فتحطم الزجاج وتحول إلى شظايا تناثرت بكل مكان.

وقفت بعدها تناظر انعكاسها المشوه في وجه لم تعد تعرفه.


كيف وصلت إلى هنا؟ وكيف أصبحت بهذا الشكل؟


رفعت يدها نحو شعرها تشده بقوة، تكاد تنتزعه من شدة الجنون، وهي تلتفت حولها، قبل أن تضع يدها على وجهها تبكي بعنف.

لم تعلم كم ظلت هكذا، قبل أن تسمع صوت خطوات رتيبة جعلتها تنتفض، تزيل يدها، تلتف بسرعة وتنظر خلفها.

ثم تصنّمت في محلها وهي ترى من يقف خلفها.


كان سيف الدين... زوجها السابق.


❈-❈-❈

توقفت أنفاسها، وصوت بكائها، وكل شيء.

كل شيء توقف، وهو يقف يطالعها بصمت... صمت قاتل مرعب.

قبل أن يتحرك، يقترب منها، يرفع ملفًا كبيرًا كان بيده، مخرجًا الأوراق من داخله، ملقيًا إياها بإهمال أرضًا، ملوحًا بها أمامها.

في عينيها نظرات تيه وعدم فهم، ثم في ثوانٍ معدودة، نثر الأوراق، لتتطاير من حولها، تهبط ببطء شديد حتى وقعت أرضًا.


صمتٌ مشحون بتوتر ونفاد صبر، قبل أن يتحرك، يلتف حولها، قائلًا ببساطة:

"تزوير أدلة... قضايا شرف... سرقة... مخدرات... أممم... رشاوي... تلاعب بالقانون..."


ثم صمت، واقفًا خلفها، قبل أن يميل ليهمس لها بخفوت: تحبي أكمل؟


اهتز جسدها بقوة، مرتجفًا برعب، قبل أن يكمل حركته، متابعًا بسخرية:

مش عارف أقولك إيه... مفيش حاجة واحدة وسخة ما عملتيهاش!

ما شاء الله عليكي... دايسة في كله!


قالها باستهزاء، وتابع باحتقار حقيقي: رغم إني اديتك كل حاجة... بس مش بقولك كنتي غبية؟

وزي ما اديتك كل ده... يبقى يوم ما تعضي الإيد اللي اتمدتلك... تخسري كل ده!


وأخرج من جيب سترته عدة أوراق مطوية وقلم، مقتربًا منها قائلًا بأمر: امضي!


كانت تتحرك للخلف، تهز رأسها نفيًا ورفضًا تامًا، إلا أنه لم يهتز منه حتى شعرة واحدة، متابعًا بأمر:هتمضي... يا بالذوق... يا...


وصمت.


والـ"يا" الأخرى لها الكثير من السيناريوهات، وبالطبع لا تريدها.

ومن الرعب والخوف، ورغم قهرها، وقعت بذلٍّ.


لكنه لم يغادر، وظل في محله.

كان يتطلع إلى الشقة، ثم وقفت عيناه عندها هي، يطالعها بنظرات غامضة، قبل أن يلتف ليغادر.

وقبل أن يخرج، وقف وصدح صوته قائلًا بهدوء:


"أنا خدت منك كل اللي اديتهولِك... لأنه حقي.


لكن... في حقوق ناس كتير لسه متعلقة.

ناس مظلومة... ناس اتداس عليها قهر وظلم... ودول كمان لازم حقهم يرجع.


ورفع يده ينظر إلى الساعة، قائلًا بتأكيد: البوليس جاي في الطريق.


وتابع منبهًا: ما تحاوليش تهربي، لأني وقتها هجيبك، والعقاب هيكون مني ليكي... هدية معتبرة... تناسب قيمتك.


وغادر، تاركًا إياها تسقط أرضًا في محلها بانهيار، وصوت بكائها يصدح في كل مكان.


قبل أن تحيد عيناها بضياعٍ وتيه نحو الزجاج المتناثر بكل مكان، لتظل تنقل عينيها بين قطع الزجاج المحددة وبين الأوراق حولها، في انهيار صامت قاتل، كأنها سقطت في حفرتها السوداء.


طوال سنوات، أتقنت لعبتها بخبرةٍ باردة، تختبئ خلف أوراق القانون، تتحدث بنبرة واثقة، وتمعن في تجميل الظلم حتى بدا كحق.

لكن حين جاء يومها، لم يكن هناك ملفٌ تتلاعب به، ولا ثغرةٌ تختبئ خلفها.

نظرت حولها، تبحث عن مخرج كما فعلت دائمًا، لكن الأبواب كانت مغلقة، تمامًا كما أغلقتها على غيرها.

وحده صدى الأحكام التي زوّرتها، والحقوق التي سلبتها، كان يرن في أذنيها...

كان يرن في أذنيها، يذكّرها أن العدالة وإن تأخرت... لا تضيع.


فإن أخفت الأدلة عن قاضي الأرض، أتخفيها عن قاضي السماء؟


أحمقُ من يرى الدنيا آخر همه، فبعد فوات الأوان... لا يعود الزمان.


الصفحة التالية