-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 15 -2 - الثلاثاء 4/2/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الخامس عشر

2

تم النشر الثلاثاء

4/2/2025

❈-❈-❈

الرسلانية.. ١٩١٩..

هلت المغارب، فكان على شفاعات أن تتجه نحو دار الخالة مكحلة المهجورة منذ وفاتها، والتي لم تطأها قدم مخلوق منذ ذاك الحين، نهضت تستأذن على عجل، تاركة فُتنة في صحبة بناتها، والتي سألتها في تعجب: على فين الساعة دي! 

أكدت شفاعات في عجالة: خطوتين هنا چنب الدار ومش هتأخر عليكي.. 

أكدت فُتنة التي جلست في هوادة، وقد انتفخ بطنها قليلا مؤكدا حملها: أني بايتة الليلة دي معاكوا، أبو زكيبة سافر في مصلحة، جلت إيه اللي يسيبني لحالي، أچي أتونس بكم، بس برضك مجلتيش، على فين العزم!.. ما هو لو خالتي مكحلة كانت لساتها عايشة، كنت جلت رايحة لها، لكن الله يرحمها، ويرحم المراحيم كلها.. 

أكدت شفاعات دون أن تجيب على سؤال فُتنة الملح: مش هعوج، مسافة السكة وراچعة طوالي..  هرولت شفاعات نحو بردتها، تدثرت جيدا بها،  وما أن خرجت من الدار، من ذاك المنفذ بالسور، بعيدا عن مرأى الخفير، حتى سترت وجهها بغطاء رأسها، كانت خائفة اعترفت لنفسها بذلك، ترتجف مع كل خطوة تقترب بها من الدار، لكن الفضول دفعها للمجيء لتعرف ما ينتظرها ها هنا، والذي قد يساعدها في تبدل حالها مع زوجها وامرأته.. درتها الحيزبون التي استولت على مجامع قلبه وعقله وزاد عليه إنجابها الصبي الذي ضاعف من محبته لها، وها هي في سبيلها لإنجاب صبي آخر قد يجعله يرمي بها وبناتها بعرض الطريق، إذا ما أمرت ست الحسن والدلال.. كادت أن تتعثر عدة مرات بطريقها، لا لسوء الطريق وذاك الظلام الذي بدأ ينشر أجنحته في الأفق، لكن لاضطرابها الذي أثر على ثبات خطواتها المهرولة في الأساس.. 

توقفت عند عتبة الباب الخشبي المتهالك، والموارب قليلا كعادته منذ أن كانت الخالة مكحلة على قيد الحياة، لم يتغير شيء في هذا المكان المتطرف، ولا تلك الدار الموحشة، إذن لم هذه الرهبة التي تكبل دواخلها!.. ربما ذاك المجهول الذي ينتظرها بالداخل، هو سبب تلك الارتجافة التي تملكت من كفها وهي تدفع الباب الخشبي الذي أصدر صوت أنين جعلها تكاد أن تفقد ما تبقى من ثبات، وتهرول عائدة من حيث أتت.. 

خطت داخل الدار بقلب ينتفض، وأقدام مترددة الخطوة، منعدمة الثبات، حتى وقع ناظرها على ظل ما يوليها ظهره جالسا أمام الكانون، مشعلا نار في بعض الغصون الجافة، يحرك سائل ما عجيب الرائحة بفرع خشبي في هوادة.. 

همست شفاعات في أحرف مفككة، لا تكاد أن تبين ما تقول: خالة مكحلة!.  

كانت تعرف أن مكحلة قد رحلت عن الدنيا، لكن من تلك تلك المرأة التي تتستر ببردتها، ولا تبين من خلف سوادها الكالح، ليرد ذاك الصوت الأشبه بالفحيح، قائلا: اعتبريني هي يا شفاعات.. ما هي كانت واحدة من صبياني.. 

همست شفاعات وهي تزدرد ريقها في اضطراب: أني چاية لچل ما.. 

قاطعها ذاك الصوت المخيف مؤكدا: عارف، بقولك مكحلة كانت واحدة من صبياني، يعني أنا المعلم الكبير، قربي متخافيش، كل خطوة قرب، فيها هناكي كله.. وكل طاعة منك لأوامري هتلاقي فيها نعيم الدنيا تحت رجلك.. 

هتفت شفاعات في لهفة، وقد بدأ يتبدد خوفها بعض الشيء: اللي تأمر به كله نافذ، أنت كنت فين من زمن! بعد الخالة مكحلة وأني حالي بجي عدم..

أكد صاحب الصوت في رزانة: كل حاجة ولها أوان.. والطاعة مفتاح العطايا يا شفاعات.. 

أكدت شفاعات في عزم: أني من يدك دي، ليدك دي، خدامتك، بس أشوف بعيني جهرة وذل بت الرسلانية اللي ركبت ودلدلت رچليها، ودايسة على رجاب الكل.. 

هتف صاحب الصوت في نبرة تحمل بوادر انتصار: هطيعي يا شفاعات مهما كان طلبي منك!.. 

أكدت شفاعات في صدق: ايوه، كل طلباتك مچابة، بس أشوف توحيد مذلولة ومجهورة، كل اللي أنت رايده هيكون تحت رچلك، بس.. 

قاطعها صاحب الصوت المخيف النبرة بلا مواربة مؤكدا: عايزك إنتي!.. 

شهقت شفاعات في صدمة، وساد الصمت لبرهة، قطعها ذاك المجهول صاحب الصوت الذي يحمل صدى تقشعر له الأبدان، وكأنه قادم من عالم آخر، متسائلا في تعجب: إيه يا شفاعات! مالك!.. هي أول مرة ولا ايه!.  ولا نسيتي أيام خيام الحلب، وبهوات البندر، والليالي إياها!.  

ردت شفاعات بأحرف مهتزة: لاه، مانسيتش، بس أصلك دي كانت جبل وهدان، وچوازي منِه.. 

أكد صاحب الصوت المجهول: وماله.. نعيد اللي كان، ده حتى من فات قديمه تاه، ولولا مكحلة ووصفتها اللي مخيبتش، ما كان وهدان ده بصلك من أساسه، ولا إنسطل يومها واتجوزك وإنتي معيوبة، بعد ما كنتي مع كل راجل شوية، وافتكرتي نفسك هانم، ومن ساعتها عاملة لنا فيها مرات البيه، وأنا وإنتي ومكحلة، عارفين تبجي إيه، ده حتى وهدان اللي بتجري وراه ده، الغمامة انزاحت من على عنيه وعرف اللي فيها!..

ردت شفاعات من جديد في اضطراب، وقد أدركت أن ذاك الذي ما زال يقف موليا لها ظهره، يخاطبها بذاك الصوت الذي يثير كوامن الرهبة في نفسها، ويعزز هرمون الطاعة بشرايينها، يعرف عنها الكثير، بل أكثر مما تعرفه عن نفسها، وأنه يدرك تمام الإدراك، أن رغبتها في استعادة زوجها، قد وصلت لحد الهوس، الذي قد يدفعها لارتكاب أي خطيئة مهما كان حجمها، في سبيل تحقيق هذه الرغبة، وبلوغ غايتها في تحطيم توحيد وإذلالها، ما دفعها لتهمس في وجل: أني ملك يدك.. بس أعرف مين أنت!.. 

ارتفع دخان رمادي غريب من ذاك السطل الذي تركه ذاك المجهول يغلي على النار منذ لحظة دخولها الدار، وملأ عبقه المكان بسحب من غمام أرجواني، وقد همس متسائلا: أنا مصباح علاء الدين لكل راغب أمنية، أنا خاتم سليمان لكل صاحب حاجة، أنا غفلة النشوان، وحلم الطامع، والشاري للي يبيع نفسه، أنا الدنيا والهوى والنعيم.. 

واستدار المجهول ملقيا عنه حبرة مكحلة السوداء، ليظهر لها متمثلا رجلا، هتفت شفاعات في صدمة: الخواچه نعيم.. 

قهقه الرجل بصوت عجائبي، مقتربا منها وعيونه ثعبانية النظرة تنضح شهوة، قائلا في استخفاف: اعتبريني هو.. ما نعيم واحد من صبياني، مش مراته هي اللي جابتك على هنا!.. 

هزت شفاعات رأسها مؤكدة على هذه الحقيقة، ليضع كفيه على كتفيها هامسا وهو يقترب من جانب وجهها: اللي هتشوفيه معايا، هيخليكي تنسي وهدان والناس كلها، اللي هتشوفيه معايا، دنيا تانية.. دنيا الهنا.. بس الطاعة!..

همست شفاعات وهي ترتجف بين ذراعيه: معلوم.. معلوم.. 

ابتعد الرجل عنها قليلا، متطلعا لعمق عينيها، وأخيرا ابتسم ابتسامة ماجنة، تعكس كم كان يقرأ دواخلها، هامسا في تفهم: غمضي عينيكي الحلوين دول.. 

ترددت شفاعات لبرهة، قبل ان تغمض عينيها كما أمر، لحظة وأمرها من جديد: افتحي عيونك، واتملي.. 

فتحت شفاعات عينيها دفعة واحدة في لهفة، لتشهق في اضطراب، فما كان قبالتها اللحظة هو وهدان بشحمه ولحمه، ليهمس الرجل الذي تلبث جلد وهدان كأنه توأمه: إيه رأيك! أنا أحب الست اللي معايا، تكون مرتاحة ع الآخر.. مش بقولك هتشوفي معايا اللي عمرك ما شفتيه!.. تعالي..

جذبها الرجل بين ذراعيه في شهوة جارفة، لتهمس هي في اغواء تجيده، ووحشة كبيرة لزوج غاب عن اتيانها منذ زمن: اتوحشتك جوي يا وهدان.. 

زاد الرجل من ضمه لها، هامسا وابتسامة خبيثة ترتسم على جانب فمه، وغابا معا.. في دنيا الغفلة، وذاك الضباب الأرجواني يزداد انتشارا بالأرجاء.. 


الصفحة التالية