-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 15 -4 - الثلاثاء 4/2/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الخامس عشر

4

تم النشر الثلاثاء

4/2/2025

همس كاظم باشا في ريبة: هل قال هذا حقا!

أكدت أنس في إصرار حينما أدركت أن والدها قد مال بالفعل: نعم، ويؤكد لك رستم أخينا ذلك، لقد كان قادم معي لزيارتكم وطلب العفو كذلك، لكن زوجته ألفت هانم في انتظار حدث سعيد.. 

تهلل وجه كاظم متسائلا: أحقا! حفيدنا قادم، طفل رستم قادم أخيرا!.. 

أكدت أنس باكية من جديد: بلا يا باشا، سيملأ أحفادك أرجاء القصر، فهلا صفحت عني وعن رستم، رجاءً يا باشا.. 

كانت أنس الوجود ما تزال تجلس أرضا تتطلع لوالدها في ترقب، تتكئ على طرف الفراش، وعينيها معلقة بلفظة العفو التي قد تخرج من بين شفتيه في أي لحظة، دموعها تنساب على خديها في وجل، ليهمس كاظم باشا أخيرا، وهو يشير نحو فضل الله: أما عن رستم، فلن أعف عنه حتى يأتيني بصغيره القادم بين يديّ، وأما أنتِ، فضعي الصغير بأحضاني، فلولا فضل الله، ما عفوت عنكِ أبدا.. 

نهضت أنس في سعادة، جاذبة كف الباشا في إحترام، تقبل ظاهره في محبة، وأخيرا وضعت يلديز الصغير بأحضان الباشا، ليستكين بعد أن منحه ابتسامة ملائكية أسرت قلبه كليا، دافعا جبينه الصغير بأحضان جده مستغرقا في نوم عميق، والباشا يتطلع نحوه في محبة غامرة، وكأنه يتطلع لكائن أسطوري لم يبصر مثيله من قبل.. 

بكت يلديز في فرحة، هامسة بالقرب من أنس الوجود التي وقفت تتابع مشهد والداها مع طفلها في سعادة غامرة: هكذا هم، الأحفاد مفاتيح قلوب أجدادهم المصمتة.. 

ابتسمت أنس الوجود في راحة، وقد نالت ما جاءت لأجله، عفو الباشا وغفرانه، ونالت فوق ذلك محبة لا مشروطة لطفلها، الحفيد الأول لكاظم باشا أوغلو.. ويا لها من محبة!..

❈-❈-❈

الرسلانية.. ١٩٩٠.. 

كان ذاك الصباح دافئا، ما دفع أنس لتجذب منيرة تخرجها من عزلتها بالغرفة، فمنذ ما حدث من عزت، وهي تتجنب الحديث أو التعاطي مع كل الأمور المحيطة، أصبحتا اللحظة أمام الرسلانية كلها، يتطلعن لكل معالمهم على سطح السراي الشاسع الاتساع.. 

وأخيرا، وقفتا تستندا على سور السطح متطلعات للجانب الأمامي من السراي المطل على الطريق الترابي الضيق، والجسر، ثم ذاك الجزء المتفرع من النيل الذي يفصل السراي عن باقي الرسلانية.. ومن بعد كل هذه البيوت على مدد البصر، يقف الجبل الغربي شامخا.. يناطح بعض السحب المترامية البعيدة في الأفق.. 

ساد صمت ساكن يشمله الرضا بينهما، إلا أن أنس همست متسائلة: إنتي تعرفي إن الظابط اللي انقذك فاسكندرية، هو اللي ضرب النار على عزت! 

شهقت منيرة في تعجب: وايه اللي چابه هنا! 

أكدت أنس باسمة: فاكرة لما رحنا نرجع له الشال، مش الصول قالنا إنه اتنقل، اهو نقله جابه على هنا..

سألت منيرة في صدمة: تجصدي إن الظابط اللي لحجه حبيب بعد ما اضرب بالنار، وجاعد بيتعالچ تحت ده، هواه بتاع إسكندرية! 

هزت أنس رأسها مؤكدة، لتزوغ نظرات منيرة في اضطراب، قبل أن تسأل في فضول: طاب هو عامل ايه دلوجت! 

اتسعت ابتسامة أنس مؤكدة: اللي سمعته إنه بقى أحسن، وساعات الخطر عدت، والبركة في الدكتور سرور، على فكرة دمه زي العسل، وقعت من الضحك على هزاره مع شبل.. 

ردت منيرة في تيه: ايوه، داكتور سرور ابن حلال، كل النچدية ولاد حلال وروحهم حلوة.. 

هتفت أنس تسأل في تهور: طب والحرانية! إيه اخبارهم معاكي! 

اضطربت منيرة قليلا، قبل أن تقر بهوادة: كل عيلة فيها وفيها، الزين لنفسه، والشين لنفسه، على رأي ستي صفية، بس خدي بالك يا أنس، والله أنا مش جصدي حاچة، لكن.. يعني.. حرصي وإنتي بتتعاملي معاهم، دول ملهمش إلا مصلحتهم، وعشانها يبيعوا أي غالي، الصراحة.. أني خفت عليكي لما شفت مظهر الحراني راكب معانا وإحنا چايين م المحطة، بجيت أجول في روحي، يا رب عديها على خير.. 

همست أنس متعجبة: للدرجة دي! ليه يعني!.. 

أكدت منيرة: إنتي مكنتيش وعياله يا أنس بيطلع لك كيف!.. ده كنه لجي لجية.. 

أكدت أنس: بس جدي عزام طيب، وحنين.. 

أكدت منيرة في أريحية: أهو الطينة من العچينة.. 

ثم تنبهت باسمة تخبر أنس في همس: تعرفي إن عزام الحراني ده كان عينه من ستي صفية زمان! 

قهقهت أنس مؤكدة: صحيح!.. طب وايه اللي حصل! .. 

أكدت منيرة باسمة: ما هو باين أها!. ستي صفية تطيج العما، ولا تطيج تسمع اسمه.. 

ثم تنهدت منيرة هامسة وهي تربت على كتف أنس في مودة: التاريخ بين الرسلانية والحرانية طويل جوي يا أنس، ومليان حكايات ومواويل كتير، لا إنتي ويمكن أني كمان، موعاش عليها ولا حتى سمعت بها.. بس موچودة وحاضرة، ومع كل خلاف بين العيلتين لأي سبب، كل الجديم بيصحى من تاني.. خدي بالك يا أنس.. وأوعي لحالك.. 

هزت أنس رأسها مدعية الفهم، لكنها أبدا لم تفهم ما المقصود من تحذيرات منيرة، معتقدة أن منيرة تبالغ بعض الشيء كما الجميع في تحجيم ووصف ذاك العداء الغير مبرر من وجهة نظرها بين العائلتين.. لا تدرك أن التاريخ الذي ولى، ويحمل كل تلك الذكريات، يحمل في طياته أيام من حيوات كثيرة، وقرارات حملت أقدار أصحابها.. 

ظهر حبيب قادم بطول الدرب المترب صوب السراي، ما دفع أنس لتهم بالنزول، سألتها منيرة متعجبة: على فين العزم!.. 

أكدت أنس: حبيب بيه وصل، وأنا هنزل أبلغه قرار سفري.. 

هتف منيرة في ضيق: إنتي هتسافري! متخليكي كمان كام يوم.. 

أكدت أنس باسمة: معلش بقى، أنا بقالي كتير بعيد عن القاهرة، ما بين هنا واسكندرية.. وسايبة ماما وكمان رسالة الماجستير اهملتها خالص.. لازم ارجع بقى اظبط أموري، وخصوصا إن واضح كده إن اللي أنا كنت جياله مبقاش ينفع دلوقت.. 

سألت منيرة متعجبة: ايه هو اللي مبجاش ينفع، والكلام ده! فوازير دي!.. 

ابتسمت أنس هامسة: متخديش فبالك يا منيرة، سبيني بقى ألحق أخوكي، قبل ما التفت ألاقيه فص ملح وداب زي عادته الكام يوم اللي فاتو دول..

الصفحة التالية