-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 27 - 3 - السبت 8/2/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل السابع والعشرون

3

تم النشر السبت

8/2/2025




بعد محاولات مع والدتها نجحت في إقناعها بالذهاب إلى الشركة وساعدتها في ذلك بسمة خاصةً بعدما أكدت لها أنها ستنهي العقد معهم  . 


دلفت مكتبه بعدما سمح لها  ،  لأول مرة تشعر معه بالرهبة  ،  لم يتزحزح من مقعده كما كان يفعل في السابق بل نظر إليها بتجهم وسألها  : 


- لما لم تذهبي إلى مكتبك دينا  ؟ 


شعرت بالتوتر يغتالها لذا زفرت لتهدئ من روعها وحاولت أن توضح له سبب مجيئها لذا أردفت  : 


- أستاذ لوتشو أنا جيت علشان أعرفك إن فعلًا مش هقدر أكمل شغل هنا  ،  أنا حاولت بس مش نافع  ،  معلش ياريت تقبل استقالتي المرة دي  . 


قالتها وهي تمد يدها له بالورقة التي جهزتها فلم يستلمها منها لذا زفرت وتركتها على المكتب ووقفت تطالع ملامحه التي تدل على غضبٍ مستتر لذا جاهدت لتتحلى بالثبات أمامه وانتظرت حديثه الذي طال لمدة حاول فيها تلجيم غضبه لذا نهض وتحرك نحوها فازداد توترها وخوفها منه وهذا ما استنتجه لذا ابتسم وتوقف أمامها يحدق في ملامحها بتفرس ليقول بعدها بهدوء مُربك  : 


- حتى لو قبلت استقالتكِ دينا لن أقبل أن تبتعدي عني  ،  أنا أحبك  ، وأنا أخذت جوابي منك في البداية لذا لن أبتعد  . 


رفعت أنظارها تطالعه بتعجب وتساؤلات ليسترسل  : 


- حسنًا ربما رفضك وابتعادك نتج من حديث والدتي معكِ لذا سأترك لكِ فرصة التفكير بشكلٍ جيد ولكن دعينا نبدأ من جديد  ،  نتقرب من بعضنا أكثر  ،  نتحدث أكثر  ،  وأنا على يقين أنكِ خلال فترة قصيرة ستتراجعين عن أفكارك تمامًا  ،  أنا أعلم أنكِ تحبيني ولكن الخوف يمنعك من قولها  . 


أرادت أن تنفي هذا الإدعاء ولكنه أخافها وشعرت أن أنفاسها مقيدة حيث أنه كان يحوم حولها يسحب الهواء لذا تابع مبتسمًا كأنه يتغذى على حالتها  : 


- هذا هو السكوت الذي يسمونه علامة الرضا  ،  أليس كذلك  . 


شعرت أنها بحاجة لداغر في هذه اللحظة  ،  أخطأت حينما لم تثق في كلامه ونصائحه  ،  هذا الرجل لا يشبهها قط  ،  إنه يتحول لشخصٍ آخر لم يكن ظاهرًا لها من قبل لذا حاولت أن تتحلى بالجرأة ونطقت بجسارة امتصتها من شخصيتها التي تحاول التظاهر بها  : 


- لاء  ،  أنا مش عارفة أقولك إيه بس مش إنت نفس الشخص اللي كنت معجبة به وبطريقة تفكيره  ،  أنا حاسة إنك اتبدلت  . 


ابتسم على كلامتها لتتحول ملامحه للوداعة التي تظاهر بها مسبقًا وأردف  : 


- هل تقصدين أنني لدي وجهان  ؟  لا دينا أنتِ مخطئة  ،  ولكن مجيء والدتي جعلني أفكر جيدًا  ،  كما جعلكِ تتراجعين عن قراركِ  ،  ولكن صدقيني كلانا سيعود كما كان قبل مجيء السيدة ميتاي  ، أنا سأعود لوتشو الوديع وأنتِ ستعودين دينا التي قبلت عرضي  . 


كان يتحدث بثقة جعلتها ودت لو تسأله عن العواقب إن لم تفعل ولكنه استرسل وهو يعود لمكتبه ويجلس عليه بهيمنة  : 


-  الوقت تأخر وأنا أعاملك بتميز وهذا لن يروق لكثير من الموظفين ولكنني سأتفهم حالتكِ لذا عودي إلى المنزل الليلة وفكري جيدًا وغذًا أراكِ على رأس عملك في التاسعة صباحًا  ،  لسنا في علاقة رسمية بعد لتستغلي نفوذك  . 


قالها وابتسم لذا زفرت بقوة وأرادت أن تغادر الآن وتبحث عن حلٍ فيما بعد لذا التفت تغادر مسرعة وتعود لمنزلها وما بعد ذلك سيكون عن طريق داغر فهي لن تحتمل الصمود أمام تسلط هذا اللوتشو  .


❈-❈-❈


انتهى المأذون وأعلنهما زوجًا وزوجة ونهض ثائر يوقفها ويطبع قبلة راقية على جبينها ثم ابتعد يتأملها وابتسم وتنفس حتى شعر أنه سحب الهواء من المكان كله  ،  لقد أصبحت ملكه  . 


بارك لهما داغر وعانق شقيقته ووقف يطالعها بسعادة ومن أعماقه يتمنى لها الراحة ولا شيئًا سواها لذا أردف بنبرة مستكينة هادئة   : 


- لو احتجتيني في أي وقت هتلاقيني قدامك مهما كان مكانك هجيلك بس صدقيني أنا مطمن عليكي مع ثائر  . 


مشاعرها الآن لا مترجم لها ولكنها تسعى للتعامل مع من حولها لذا ابتسمت كردٍ على كلماته فتابع  : 


- أنا طيارتي كمان ساعتين  ،  لازم أرجع مصر  . 


تحدثت بلهفة وحنين يلازمها نحوه  : 


- هترجع دلوقتي  ؟  


أومأ له مضطرًا ليجيبها ثائر بتروٍ  : 


- لازم يرجع يا ديما علشان الأولاد ومامتك واختك  ،  وزي ما قولتلك كمان شهر أو شهرين هتنزليلهم مصر بنفسك  . 


أومأت بتفهم وودعت شقيقها بدموع لم تسعَ لها وغادر داغر عائدًا لوطنه بعدما اهتدى ثائر إلى وطنه هو أيضًا  . 


تحرك معها نحو الأعلى حيث الجناح المخصص لهما والذي حجزه لهذه الليلة الفريدة من نوعها  . 


دلفا الجناح سويًا يتمسك بكفها الذي وصلت برودته إليه ليدرك أنها شاحبة من شدة توترها مما يحدث لذا ما إن أغلق الباب حتى لفها نحوه وعانقها  . 


استدعى حقوقه المسلوبة لسنواتٍ واتخذ من عناقها دفئًا أذاب الجليد وأصهر الفؤاد  . 


وجدت نفسها مكبلة بضلوعه فمرت سحابة ذهول على عقلها قبل أن يجتاحها سطوًا مسلحًا من المشاعر وانتقل انصهار فؤاده إلى جسدها البارد فتنعمت بالدفء وسكنت خمائل قلبه واستكانت بين ذراعيه  . 


عناقًا كان بمثابة رواية لم تخطها بقلمها لكن نسجها قلبها فأحبت جميع أركانها  ،  لم تخطئ حينما اتخذته بطلًا ورجلًا اقتحم غربتها واغتال وحدتها باحتوائه  . 


ربما مر دقيقة أو ساعة أو يومًا أو سنة لا يعلمان فالوقت هنا لم يتم حسابه لذا بعدما طال الصمت قال بنبرة تشتهيها ومشاعر صادقة وهو يقبض عليها : 


- دي أول حاجة كنت عايز أعملها أول ما شوفتك في المطار  ،  وأول ما اعترفتلك بحبي  ،  وأول ما فوزت في الملاكمة  ،  وأول ما جيتي وقفتي قدام بيتي  ،  وأول ما دخلت بيتك وشوفتك خايفة  ،  وأول ما أخويا شافني ومشي  ،  وأول ما المأذون قال بارك الله لكما  . 


كلماته نثرت بذور السعادة في تربتها الرطبة لذا لم تجد بدًا إلا أن تبادله فرفعت ذراعيها تضعهما على قلبه وتربت عليه بصمتٍ فعاد يسحب أكبر قدر من الأوكسجين الملغم بالحب إلى رئتيه فهو يشتاق إلى حبها كاشتياقه لوطنه  . 


قرر أن يبتعد عنها قليلًا وتأملها ولم يحل وثاق ذراعيه بعد ليجدها تهرب بعينيها مما تعيشه فهمس  : 


- خلي عيونك في عيوني يا ديما  . 


أطاعته ترفع نظراتها نحوه فابتسم واسترسل يحيطها بسطوته  : 


- اعترفي حالًا  ، قوليها يالا  . 


همست بنعومة ووجنتين متوردتين بقوة  ومشاعر تركض داخلها بلا هوادة : 


- أقول إيه  ؟ 


تعلم جيدًا ما يسعى لسماعه لذا ما إن ضيق عينيه يدرك مراوغتها حتى ابتسمت وأسبلت جفنيها ثم تنفست بعمق ورفعت نظراتها إليه تُمعن النظر فيه وقررت مصارحته بكلمة  : 


- بحبك  . 


نعم يعلم  ،  يعلم أنها تحبه ولكن نطقها أرضاه للدرجة التي تقبل فيها كل مظلمة وغربة ووحدة عاشها  ،  ابتلع لعابه يتفرسها بعينيه ثم تمالك نفسه وابتعد ينظر حوله قليلًا وعاد إليها يردف  : 


- خلينا نتعشى الأول وبعدين نبدل هدومنا ونصلي  . 


هدوء غريب سكن فؤادها  ،  كانت تنوي إخباره بركعتي السنة ولكنه فاجأها برغبته في ذلك لذا ابتسمت وأومأت وبالفعل اتجها سويًا نحو طاولة الطعام ليتناولا وجبة العشاء  . 


❈-❈-❈


 كان يباشر عمل الورشة بجدٍ ويفكر في حياته القادمة  ،  حينما يعود داغر سيبدآن بالبحث عن قطعة أرضٍ مناسبة ليبنيا عليها المصنع الصغير  . 


اتخذ قرارًا بأن يشاركه داغر في هذا العمل   ،  يعلم أنه سيواجه رفضًا من طرفه ولكنه سيقنعه  . 


يجب أن يبدآ في أسرع وقت كي يحقق داغر أمنيته ويستطيع طلب الزواج من بسمة بأريحية  . 


ودعه الصبية وغادروا وبدأ يجمع المعدات ليغلق الورشة ويعود لوالده وعمه الذي لم يرحل بعد  . 


كانت في هذه الأثناء تترجل من سيارة الأجرة وتخطو باتجاه الشارع المؤدي للمنزل  ،  بملامح حزينة وأنفاسٍ مختنقة لا تعلم ماذا تفعل مع ذلك المتسلط الذي أظهر وجهًا آخر لم تكن تتوقعه  . 


يفترض أن يعود داغر فجرًا ولكنها تخشى عليه من مواجهته  ،  فهل تخبره بما يحدث معها أم لا  ؟ 


أغلق صالح الورشة ونوى التحرك فرآها تأتي من بعيد  ،  مشاعره سبقت حركته فتوقف يتأملها لثانية قبل أن يرن هاتفه معربًا عن اتصال من عمه  . 


وخزة استهدفت قلبه لذا أجاب يتساءل بترقب  : 


- أيوا يا عمي  ؟! 


أجابه العم محمود وهو يبكي ويجاور شقيقه الذي فارق الحياة  : 


- تعال يا صالح  ،  تعال يا عمي أبوك اتوفى  . 


انهالت عليه الذكريات فجأة وتكونت الغيوم في مقلتيه أمامها حتى لاحظته فأسرعت تقف أمامه وتسأله بقلقٍ حينما لاحظت حالته  : 


- مالك يا صالح فيه إيه  ؟ 


صوت عمه عبر الهاتف وصوتها وأصوات الانفجارات التي طرأت على عقله وموت عائلته وحبها الذي توغل إليه فأعانه على الحياة  . 


نطق بوهن وحزنٍ شديد ونبرة متحشرجة  : 


- أبوي اتوفى  . 


شهقت وسقطت دموعها وتلقائيًا رفعت يدها تربت على كتفه ولكنه انتفض يبتعد عنها ويغادر بل يركض ليودع والده ووقفت تطالع أثره بحزنٍ  وتمنت لو أن داغر هنا يجاوره ويآزره ولكنها ستصعد وتخبر والدتها  ، يجب أن تسانداه إلى أن يعود داغر  . 




❈-❈-❈


التفاهم لا يعرف لهما سبيل ولكنه لأول مرة قرر أن يتحدث إليها  ،  لا تروق له هذه الحياة التي يعيشها  ،  لا تناسبه وأصبح يرضخ لأوامرها بشكلٍ مخزي لا يتقبله لذا عليه أن يتحدث معها ويصلا إلى نقطة تفاهم  . 


دلف منزله فوجدها تُرضع الصغير فألقى السلام وجلس أمامها لتتأفأف بضيق وتردف  : 


- قاعد طول النهار مزاجك رايق ومافيش حاجة وراك وسايبني هنا طالع عيني مع ابنك  ،  أنا زهقت يا كمال  . 


زفر بضيق فها هي تبدأ قبل أن ينوي التحدث لذا أسرع يردف  : 


- هو مش دي الأصول بردو يا زينة ولا الدنيا اتقلب موازنها  ؟  مش إنتِ أمه ومسؤولة عن رعايته وأنا مسؤول عن مصاريفكم  ؟  ولا إنتِ عايزاني اقعد أراعيه وأشوف مصالح البيت وتنزلي إنتِ المعرض تشتغلي  . 


راقت لها فكرته لذا أطلقت ضحكة رنانة ونطقت متخلية عن ضجرها اللحظي  : 


- تصدق فكرة حلوة يا كمولة  ،  ماتيجي نجرب  ؟ 


اتسعت مقلتاه باستنكار ولوح بيده يستطرد  : 


- نجرب إيه  ؟  اعقلي كدة يا زينة وبلاش جنان  ،  أنا أصلًا راجع وناوي نتكلم مع بعض شوية لإن الأوضاع دي مش عجباني  . 


قلبت عيناها ونفخت أوداجها ثم نظرت لصغيرها الذي نام فأبعدته عن صدرها ونهضت تتجه لغرفتها لتضعه على الفراش وتدثره بالغطاء  . 


عادت بعدها تجلس أمام زوجها الذي يتابع حركاتها بترقب ثم نظرت له نظرة ثاقبة وربتت على ساقه بكفها تردف بهدوء يخفي تسلط وتمكن لن يتزحزحا  : 


- بص يا كمولة يا حبيبي  ،  الأوضاع اللي مش عجباك دي هي اللي لازم تحصل  ،  عارف ليه  ؟  لإن لو أنا اتهاونت معاك لحظة هلاقيك داخل عليا بالتالتة هنا وساعتها هيبقى عليا وعلى أعدائي  ،  مهو أنا مش ديما يا حبيبي ومش أنا اللي تاخدني لحم وترميني عظم  ،  إنت يا كمال ماينفعش معاك واحدة تقولك سمعًا وطاعة لإنك اتربيت على إن الست هي اللي تعمل كل حاجة  ،  ومن وجهة نظري كل حاجة دي يبقى أنت ترتاح وتقعد في البيت وأنا اللي انزل الشغل  ،  يا إما بقى يبقى الوضع على ما هو عليه ومتتبترش ع النعمة اللي إنت فيها لتزول منك  ،  ماشي يا كمولة  ! 


باغتها بنظرة يسكن الندم خلف أسوارها  ،  لا يستطيع تحريره ولكن لسان حاله يردد بأن النعمة زالت بالفعل وانتهى الأمر  ،  زالت النعمة والآن يجني العقاب  . 


حياته باتت لا شغف فيها  ،  هل يثور  ؟  هل يهدم كل شيء ويبحث عن زواج جديد  ؟  وهل ستسمح له بفعل ما يفكر فيه  ؟  لقد تمكنت منه ومن حياته ومن منزله 

و تتوجت بإنجابها طفلًا صغيرًا  . 


زفر بقوة وأومأ لها لذا ابتسمت وملست على ساقه تردف بدلال بعدما حصلت على طاعته  : 


- يالا بقى أطلب لنا ديلفري علشان ماعرفتش أعمل أكل  ،  وأنا هقوم أغير العباية ورجعالك  . 


نهضت وتركته يجلس يتطلع على كل شيء من حوله والأهم يتطلع على خيبته الكبرى ويتساءل في داخله  ، هل أنا كمال الوراق نفسه  ؟


❈-❈-❈


كل الطرق تؤدي إلى ديما،  وسبيلها الوحيد هو قلبي 

كل المشاعر في حضرتها حاضرة  ،  ومشاعرها ملكًا لي وحدي 

كل الغيوم تتبدد بطلتها  ،  وشمسها تشرق فقط على أرضي 

كل النساء تجمعت فيها  ،  وفي عينيها لا يوجد رجلًا غيري  . 


ختما صلاتهما ونهض يلتفت لها ومد يده يطلبها فناولته يدها ونهضت تقابله وتنظر في عينيه حيث تحوم داخلهما رغبةً واضحةً لذا حادت نظراتها المتوترة عنه فردها إليه يردف بتحذير مفعم بالمشاعر  : 


- ماتبعديش عيونك عني يا ديما  . 


تنفست بقوة تجيبه بتوتر وتلعثم من فرط خجلها وسرعة نبضاتها : 


- ث  ثائر  ،  أناااا  . 


رفع سبابته يوقف شفتيها عن الحديث ففعلت فتولى عنها أمرها وحل وثاق حجابها المتصل ثم رفع ثوبها ينزعه بتمهل شديد فتركته يفعل والتزمت الصمت الصاخب بالارتعاش  . 


نجح في تجريدها منه لتقف قبالته بقميصٍ كريمي طويل اختارته عن عمد حتى لا تخجل ولكنها كانت مخطئة فنظراته نحوها جعلتها تود لو تنشق الأرض وتبتلعها ، لم تتذكر قط أنها قد سبق لها الزواج  ، تقف أمامه عذراء جديدة على كل أفعاله وغريبة في بحر مشاعره . 


امتدت يده يحل وثاق رباط شعرها فانسدل على كتفيها بسحرٍ أسره وتذكر شيئًا لذا ابتعد قليلًا يتجه نحو حقيبته وفتحها يستل منها الطوق الخاص بها ثم عاد لها يضعه على رأسها ويتأملها قائلًا بهمس مثير  : 


- أخدت عهد أرجعهولك وانتِ ملكي  . 


ابتسمت وأرادت أن تخبره أن يتوقف  ،  كل ما يفعله لم تستطع مواكبته  ،  كل ما يفعله كانت تقرأ عنه في الأساطير ولم تكن تصدق أنها تعيشه  ،  ليته يرحم حالتها وينهي عذاب صدمتها فيما عاشته من قبل  . 


ولكنه تابع  ،  تابع باشتياق يتملكه لعيش تجربته معها  ،  متلهفًا لها ولافتراسها كما لم يتلهف من قبل لذا  . 


تعمق فيها فوجدها تصارع الخجل في سباقٍ حاد فقرر أن يحسم المباراة وينصرها عليه وانحنى يحملها بين ذراعيه فجأة فشهقت وتعلقت به تتوسله  : 


- ثائر نزلني لو سمحت  . 


تحرك بها نحو فراشهما وأنزلها بهدوءٍ شديد وجلس جوارها يحدق بها مجددًا كأنه لا يصدق أنها أمامه لذا نطق غزلًا بالفرنسية يتلائم مع ليلتهما ويديه تلامس وجنتيها وملامحها بنعومة : 


-  هيا يا امرأة السلام أخبريني كيف تتنعمين بدفء وطنٍ لستُ فيه  ؟ 

وتريدنني ألا أغار  ؟ أن أنفى بعيدًا عن عينيكِ ولا أثور  ؟ 

قولي يا امرأة الحروف  كيف تسردين آلامكِ وآمالك  ؟ 

وكيف أقرأها ولا أبدد الظروف  ؟ 

أدخلي إلى وطنكِ وأفشي فيه السلام  ،  أسكني في قلبي واتركي على عاتقي تحقيق أحلامكِ  . 


انقطع الكلام وانقطع الصمت أيضًا حينما أنحنى يقبلها ويخبر شفتيها كم هو مشتاق  ،  يسرد لهما قصة عشقٍ ممتعة ويعاملهما بعدلٍ فلا يفضل واحدةً على الأخرى  ،  يغمرهما بشفتيه غمرةً أسعدتهما فطالبا بعدها بالمزيد  . 


ليوزع بعد ذلك مهمامه على مساعديه فعملت يداه على إزالة العوائق حتى نجح في الوصول إلى مبتغاه فبات في حضرة المشاعر التي حلم بها منذ صباه  . 


استولى على عرش قلبها ومفاتيح أفكارها واحتل جسدها احتلالًا شرعيًا بتصريحٍ من همهماتها ليكن المحتل هنا أسيرًا للفريسة  . 


بات عقله لا يستطيع ترجمة مشاعره ولكنه يتلذذ بكل ما ينهله منها  . 


كانت تعلم أن المشاعر لها بريقا أشد سطوعًا من بريق الرغبة ولكنها لم تكن ترى هذا السطوع والآن فقط تلألأ بريقها فوصل عنان سماءها ينفجر واحدًا تلو الآخر  فيضيء ظلمتها  


أعطاها قوة مشاعره وقوة حبه وقوة اشتياقه  ،  أعطاها وحدته وغربته في باقة همسات ولمسات لم تعشها ولن تعيشها سوى معه ، هذا الثائر الذي أثار داخلها مشاعر قوية لم تثُر من قبل فودت لو لم يبتعد عنها أبدًا وهنا فقد عقلها صوابه وتأملت سؤالًا لحظيًا هجم عليها صدفة  ،  هل أنا ديما نفسها  ؟ 


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة