-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 28 - 2 - الثلاثاء 11/2/2025

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثامن والعشرون

1

تم النشر الثلاثاء

11/2/2025



في باريس 


في النادي الرياضي 


جلست تطالع هذا الماثل أمامها والذي طلبت رؤيته  ، تدخن سيجارتها وتنفث دخانها في الهواء بتعالٍ يلازمها  ، يطالعها بعينين متسائلتين عن سبب اتصالها به بعد كل ما فعلته  . 


ابتسمت بغنج وحاوطت خبثها بجرأتها وهي تتحدث  : 


- أراك بصحة جيدة توماس  ،  وهذا يعجبني  . 


بابتسامة مماثلة لا تدل سوى على التحدي والتصالح لأجل المصالح المشتركة بينهما ليردف  : 


- نعم مارتينا أنا كذلك  ، والآن دعكِ من صحتي وأخبريني ماذا تريدين  ،  أم هل تنوين قتلي مرة أخرى  ؟ 


قهقهت بلا داعي لتجيبه بتمهل  : 


- أنا لا أصوب سلاحي تجاهك توماس  ،  ذاك كان سلاحك أنت وأنا فقط دافعت عن نفسي  ،  ولكن دعنا ننسى ما حدث ونبدأ صفحة بيضاء سويًا  . 


يدرك نواياها جيدًا لذا تساءل بشكلٍ مباشر لا ينتمي له  : 


- ماذا تريدين مارتينا  ؟ 


عادت تسحب دخان سيجارتها ثم زفرته عاليًا واستطردت  : 


- ثائر  ، أريده نادمًا  . 


ابتسم لأنه يدرك أن هذا ما تريده بالفعل خاصة بعدما وقع الآخر في الحب لذا نطقها بشكلٍ صريح يحمل بين طياته التشفي  : 


- هل هذا لأنه وقع في الحب  . 


تقلب جسدها بخليط من الغضب والغيرة ونطقت تبصق الأحرف  : 


- إياك أن تقولها أمامي توماس  ،  سيندم وسيعود لي عاجلًا وليس آجلًا  ،  وأنت ستساعدني  . 


قهقه عاليًا على ثقتها ونطق  : 


- ولمَ سأفعل  ؟  أنسيتي أنني أحببتك ذات يوم بقدر حبك له وأنا أيضاً أردت أن تتذوقي الندم  ،  أرى أن هذا يحدث الآن لذا لماذا أساعدك  ؟ 


انحنت نحوه قليلًا وهمست بمكرٍ واضح  : 


- لأننا نريد الشيء ذاته  ،  لا تقول أنك لا تريده نادمًا وراكعًا أمامك  ،  لقد أخذ مكانًا ليس له وبدأ يتمادى معنا لذا يجب أن توقفه عند حده  ،  ولكن أولًا لنتخلص من تلك المصرية اللعينة  . 


ابتسم توماس ابتسامة شيطانية  ،  فقد رآها أثناء المباراة  ، وعلم أنها حبيبة الثائر ،  لا ينكر إعجابه بها  ،  هو يعشق المصريات ولكن بطريقته لذا فهي تعد فريسة صعبة المنال بالنسبة له وعلى ما يبدو أنها نقطة ضعفٍ لعدوه اللدود فلمَ لا يبدأ اللعب  ؟ 


أردف بنبرة مبطنة بالتحدي ولمعة الشر تضيء مقلتيه  : 


- حسنًا لنتفق  ،  ولكن بشروطي أنا  . 


باغتته بنظرة مطولة ثم ناولته كفها كدليل على موافقتها  ،  لا يهمها سوى الحصول على ثائر وإعادته إلى حجمه الطبيعي الذي كان عليه قبل اثنا عشر عامًا  ، وستفعل  . 


❈-❈-❈


ليلًا 


وقفت أمام المرآة تنظر لهيأتها الجميلة  ،  تبتسم حينما أمعنت النظر وقد عادت بذاكرتها إلى المرحلة الأجمل في حياتها إلى الآن وهي الثانوية 

كانت مفعمة بالحياة مثلما هي الآن 

ارتدت الفستان القصير الذي اشترته كما يرغب  ،  متناسق عليها كأنه صمم خصيصًا لها ولكنه  ...  قصيرٌ فأظهر ساقيها  . 


ساقيها العلوية الملطخة بالتجلطات الدموية التي خلفها ذلك المسمى بزوجها الأول  ،  هذه العلامات التي لم تزُل بعد خاصة مع تعثر نظامها الغذائي لتذكرها دومًا بما مرت به من مآسي معه  ،  كل بقعة مشبحة باللون الأزرق كان سببها الكتمان والكبت والصمت على نرجسيته وتسلطه وقسوته  . 


رفعت طرف فستانها تمعن النظر في تلك البقع الواضحة وقضمت شفتيها بحرجٍ من رؤية ثائر لهما ولكنها انتفضت حينما فتح باب الغرفة فجأة فرفعت رأسها تطالعه بملامح خجولة ثم ابتسمت وسعت لتسدل فستانها للأسفل أكثر ولكنه لاحظ حركتها فتقدم منها يبتسم على ملامحها الجميلة وابتسامتها وهيأتها في هذا الفستان الذي ابتاعاه سويًا   . 


توقف أمامها ورفع يديه يحاوط ذراعيها ثم تحدث بنبرة مغرمة  : 


- أتمنى إن اللي صممه تكون بنت لأن فكرة إن اللي صممه راجل ولمسه قبل ما تلبسيه فكرة مؤذية أوي  ،   زينتي الفستان وزينتي حياتي يا ديما . 


جديدة تلك الهجمة المرتدة التي هجمت على قلبها وروحها  ،  جديدة وجميلة حيث مشاعر غريبة لا تميز ماهيتها ولكنها تجزم أنها شعرت بطعم الشهد يطوف لسانها منذ أن تزوجته . 


بنظرة امتنان تكفي العالم تمعنت فيه تشكره على كلماته ولم تستطع النطق  . 


ابتسم وانحنى فجأة يتكئ على ساقيه فجحظت حينما وجدته يرفع طرف الفستان ويتفحص ساقيها لذا أسرعت تنحني وتمسك بكتفيه مردفة بذهول وخجل جعلها تتشبح باللون الأحمر فباتت هي والفستان سواء  : 


- ثائر بتعمل إيه بس  ؟ 


أوقفها يطالعها بنظرة ثاقبة تحمل من الحنان ما يفيض وأردف بأمر يشوبه الترجي  : 


- ديما اصبري  ،  سبيني أشوف ده إيه  . 


حاولت منعه بضعف نسبةً لرجائه واستيطان جيشَا من المشاعر داخلها ولكنه كان لحوحًا لذا نهضت تقضم شفتيها بخجلٍ بلغ منتهاه حينما بدأ يتفحص ساقيها تحت الإضاءة الواضحة  وتسافر يده بتأنٍ على تلك البقع بعدما رآها بوضوح فعادت تهمس بضعفٍ وحرج من لمسته  : 


- ثائر لو سمحت  . 


أبعد يده عنهم لتلتقط أنفاسها حيث ظنته سينهض ولكنه قرب شفتيه منهم يقبلهم واحدة تلو الأخرى  ،  لو باستطاعته نزعهم أو إزالتهم سيفعل ولكن هذا جُل ما يستطيع فعله  ،  يقبلهم حتى يزول أي أثر حزن بها  . 


ارتعشت ولم تعد تعلم ماذا تفعل ولم تستطع تفسير ما يفعله معها لذا همست مجددًا حينما تعمقت قبلاته  : 


- ثائر علشان خاطري  . 


وخاطرها على عينه وقلبه ورأسه لذا نهض يبتلع لعابه ويحدق بها ثم حاوط خصرها ومال يقضم رقبتها بهمجية عاشق فارتعشت وانطوت معدتها تعجبًا مما يحدث لها مع هذا الرجل ، عاد يستطرد بمشاعر مزهرة بالشغف :


- فيه تمن سنين من عمرك مش لايقين عليكِ  ،  تسمحيلي أبدلهم يا فريستي ؟ 


قالها وعينيه مسلطة على شفتيها لأنه ينوي افتراسهما  ،  ينوي افتراسها كليًا  . 


ولو كان باستطاعته رؤية قلبها الآن سيراه يحلق في فضاء سعادتها التي عقدت لسانها  ،  لا تصدق أذنيها ولا عينيها ولا عقلها الذي يعيش كل هذا  ،  لقد ظنت أن الحياة لا تعطي سوى المعاناة ولكن يأتي ثائر ويثور لسنواتها الحزينة ويستبدلها  ؟ هذا كثير  بل لن تتحمله ولن تصمد أمامه أكثر  ، أمامها لحظات وتقع في براثن أفعاله المتيمة . 


يدرك مشاعرها ويدرك أنها على وشك السقوط لذا استقبلها لتسقط على قلبه وفي كنفه يحتضنها ويقبل شفتيها ويهمس لها بكلماتٍ مشفرة لا تحتوي على أحرف بل مكونة من فراشات وملاطفات تزيل مُر ذكرياتها .


❈-❈-❈


عادا إلى منزلهما بعد رحلة سفرٍ كانت هي الأجمل على الإطلاق  . 


توقفا أمام شقتهما وأخرج دياب مفاتيحه يستعد لفتح الباب ولكنهما سمعا الباب المقابل لهما يفتح وتظهر منه رحمة مبتسمة تقول بترحاب  : 


- حمدالله على السلامة  ،  إيه الغيبة الطويلة دي  ؟ 


التفتا إليها يطالعانها بهدوء حيث كانت تقف وتحتضن صغيرها لتجيبها يسرا بتكلف وهدوء بينما التزم دياب الصمت  : 


- الله يسلمك يا رحمة  ،  عن اذنك لإننا راجعين تعبانين جدًا  . 


فتح دياب الباب وكادا أن يدلفا ولكنها عادت تستطرد بتلهف للحديث معهما خاصة وهي تشعر بالوحدة والملل  : 


- طيب قصي مش وحشك  ؟  معقول  ؟ 


زفرت يسرا بضيق من تعمدها استخدامها الصغير ليؤثر عليها لذا التفتت لها تجيبها بجدية بالغة  : 


- ربنا يباركلك فيه يا رحمة  ،  عن اذنك  . 


دلفت بعدها تتبع دياب وأغلقت الباب تزفر بقوة من تلك المتسلطة  ،  تعلم أنهما لا يريدان التحدث معها  ،  تعلم أنهما يتجنبانها ومع ذلك تلح للحديث معهما فلمَ تفعل هذا  ؟ 


ليتها ترحم ذاتها وترحمهما من هذا التعامل الجاف وتتوقف عن تلك الأفعال  . 


لاحظ دياب تجهم ملامح يسرا لذا وقف قبالتها وأمسك بكفيها يتحدث بابتسامة عاشق  : 


- احنا اتفقنا على إيه  ؟  مش قولنا مش هنسمح لحد يعكر مزاجنا  ؟ 


أومأت له فمال يقبل شفتيها قبلة ناعمة ثم ابتعد يسترسل  : 


- يالا تعالي ندخل ناخد شاور وننام علشان هصحى بدري أروح الشغل  . 


أومأت له بتفهم وتحركت معه نحو غرفتهما وهما يحاولان تجاوز ما حدث  . 


أما رحمة التي جلست تفكر وتبكي على ما وصلت إليه من ذل  ،  مهما حاولت التقرب منهما وجدت سدًا منيعًا سواء من يسرا التي تحقد عليها أو من دياب الذي تتمنى رجلًا مثله  ،  أو هو  . 


نظرت لطفلها الذي ينام في سريره الهزاز والذي ينشغل بالألعاب المعلقة لتفكر  ،  هل ستظل هكذا وحيدة دون قريب أو حبيب  ؟ أم هل تحاول مجددًا التواصل مع توماس  ؟ 


نفضت رأسها سريعًا فإن علم بها وبطفلها من المؤكد سينهي أمرهما  ،  لقد حذرها ويجب عليها أن تخاف منه بعدما رأته  ،  يجب عليها أن تجد رجلًا يحبها ويدللها ويعامل طفلها بحنان  . 


تفتقد وجود رجلٍ كثيرًا خاصةً مع تجنب الجميع لها حتى عائلتها  . 



❈-❈-❈


فجرًا  . 


تململت في نومها حينما شعرت بالخواء لذا نظرت جانبها فلم تجده فتعجبت ورفعت جسدها تنادي عليه بترقب  : 


- ثائر  ؟ 


لم يأتِها رد لذا قطبت جبينها وترجلت تخطو نحو الحمام تبحث عنه فلم تجده فزاد تعجبها وعادت تناديه بعلو ولكنه ليس هنا  . 


توغلها الخوف واتجهت تستل هاتفها لتحاول الاتصال به ولكنها وجدت منه رسالة نصية يخبرها أنه نزل يصلي الفجر وسيعود  . 


الأمر غريبًا بعض الشيء بالنسبة لها  ،  نعم سعدت كثيرًا بمواظبته على صلاته ولكن الآن لا تعلم أن وراء غيابه سببًا آخر لذا قررت الاتصال عليه لتتفاجأ بهاتفه مغلق فما كان منها إلا أن تتجه لتغتسل وتتوضأ وتصلي وتنتظره ليشرح لها  .


الصفحة التالية