-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 20 - 1 - السبت 2/2/2025

  

  قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل العشرون

1

تم النشر السبت

1/2/2025




وفي زحام الأيام، أتوقف لبرهة، أتساءل: أين أنا من كل هذا الصخب؟ أهو عالمي الذي أعيش فيه، أم أنني مجرد عابر بين صفحات كتاب يكتبه القدر؟

أحيانًا، أشعر أنني أركض خلف شيء لا أراه، أبحث عن معنى وسط ظلالٍ تراقصني ثم تختفي. أُمسك بيدي أحلامًا صغيرة، بعضها يبقى، وبعضها يذوب كندى الصباح.


فريدة

❈-❈-❈

صمتٌ خيّم عليهم جميعًا،

ولوهلة، لو ألقى أحدهم إبرة،

لأحدثت دويًا عاليًا.


كان كلٌّ منهم ينظر إلى الآخر بتعجّب من تلك الفتاة،

تحديدًا لأنها غريبةٌ عنهم تمامًا.

لم تكن تشبههم بأي درجة،

ولا من أي اتجاه:

لا مظهر، ولا أي شيء.

وأيضًا، لا يعرفها أحدٌ منهم،

ولم يروها من قبل سوى في تلك اللحظة...


إلا مدحت، الذي شحبت ملامحه تمامًا،

وتجمّدت عيناه يطالعها بصدمةٍ أقرب إلى الذهول.

لقد تعرّف عليها،

فهي لم تكن المرة الأولى التي يراها فيها...


إنها آسيا، قريبة صفية، زوجة شوكت، شريكه.

أتت إلى الشركة أكثر من مرة وتعرّفت عليه.

المصيبة أنها قريبة فريدة،

الفتاة الوحيدة التي تمناها ابنه، تميم،

وخسرها بين لحظةٍ وأخرى...

خسرها بكل قسوة.


لماذا أتت؟

لماذا؟


نقل عينيه سريعًا نحو ابنه،

يطالعه بألمٍ لا يفارق قلبه المتعب،

ليجده يطالعها بشرودٍ صامتٍ حزين،

كأنه عاد حيث لا يجب أن يكون.


استند بظهره إلى المقعد،

شاعرًا بالتعب والحزن.


ما السبيل للخلاص من ذلك الحب؟

هو يريد أن يراه بخير،

لكن كيف، وكل الطرق تؤدي إليها؟

كيف له أن ينساها، وكل شيءٍ يخصها يظهر أمامه بتلك الطريقة؟


أطرق رأسه بصمت،

لا يجد ما يُقال.


فريدة...

هو أيضًا تمناها.

يعلم الله كم تمنى أن تكون زوجةً له،

لكنّه النصيب، ولا مفرّ منه.


لكن ما يحزن قلبه،

أن الأمور تخرج عن السيطرة.

فأصبح لا يريد في تلك اللحظة سوى أن تغادر تلك الفتاة سريعًا.


هو لا يريد أي شيء من طرف فريدة،

لا يريد الألم لقلب ابنه...


لكن كيف؟

وكلما ظنّ أن جرحه قد يلتئم،

عاد لينبش من جديد،

وبكل قسوة...


❈-❈-❈

وقف أنس يضع يده على فمه، يكتم ضحكة خافتة، يهز رأسه بيأس متسائلًا بحيرة:

متى تعرفت زوجته على تلك آسيا؟

 متى؟

فهو لم يتركها سوى للصلاة، وفي أضيق الظروف، لبضع دقائق، لبضع محادثات ضرورية.


أما تميم، فكان في وضع لا يُحسد عليه أبدًا، وهو يجلس على فراشه بوهن وشحوب، عاقد الحاجبين، ذامًّا شفتيه، متجهم الوجه، بعينين تطلقان شرارًا وغيظًا، يكاد أن يقذف ملك بأول شيء تطاله يده، علّها تُصاب بارتجاج في المخ، أو حتى تسقط أرضًا ويدق عنقها!


أي صديقة؟ أي زفت صديقة؟

والسؤال هنا يتردد في عقله بغيظ وحنق:

حتى أنتِ يا ملك؟ حتى أنتِ يا كلب البحر؟!

مِنكِ لله يا بعيدة، منكِ لله...

هو أنا ناقص؟!


احمرار بسيط، مزيف، طغى على وجه آسيا وهي تشاهد الصمت التام في الغرفة، والعيون المحدقة بها تراقبها بصمت، دون أي ترحيب، ولو من باب المجاملة.


تنحنحت ملك بهدوء وابتسامة رقيقة، دون أن تلاحظ نظراتهم، وهي تقود آسيا للداخل برقة، قائلة:اتفضلي، آسيا، تشربي إيه يا حبيبتي؟ حاجة سخنة ولا باردة؟


عضّ تميم على شفتَيه، يكاد يُدميها، متمتمًا بغيظ وحنق،

 يكاد يجذبها من حجابها: والله ده إنتِ اللي باردة، ده أنا هشربك المر بشلموة!

 صبرك عليَّا يا أم البطيخ إنتِ، ده أنا هنفخك، استني عليَّا...


ابتسم لها ابتسامة صفراء، متابعًا إيّاها وهي تتجه نحوه، تمسد بطنها، تقترب، ترفع الهاتف، تطلب العصير بكل هدوء.

حرك يده بألم في الخفاء، يحاول ضربها أو قرصها، المهم أن يشفي غليل غضبه، إلا أنه لم يطالها ولم يستطع، للأسف.


لذا، تنهد تنهيدة مغتاظة، قبل أن يشتمها في سره بأبشع الألفاظ، وبكل هدوء... مؤقتًا فقط، إلى أن يسترد صحته إن شاء الله.

فلا طاقة له لغبائها في تلك اللحظة...

 فقط فليقم من هذا الفراش اللعين، 

وسيمسح بوجهها الأرضيات!


أغمض عينيه بتعب حقيقي، وبداخله يردد:

حسبي الله ونِعم الوكيل فيكم يا بعده، 

مِمِتش بالمطواة، هموت بالجلطة!


حدّقت ملك بالجميع بنظرة موبّخة، كي يكفّوا عن التطلع بالمسكينة آسيا.

أخفض كل من أحمد وأنس وحسام رؤوسهم، وأمير، بالجانب الآخر، يتحدث في الهاتف غير منتبه لهم أصلًا.


أما آسيا، فكانت تقف، تضم باقة ورد كبيرة إلى صدرها، وهي تقترب من تميم برقة، تضعها بجانبه، تميل عليه فعلًا، تكاد تسقط فوق حِجره، قائلةً بهمْس خافت: ألف سلامة عليك.


وأكملت بدلال هامس له هو فقط :سلامتك يا تيمو...


انتفضت بفزع على إثر شهقة عالية مستنكرة خرجت من آلاء، والتي لا تدري من اين ظهرت، قبل أن تردد بصدمة وحاجب يزداد ارتفاعه، بصوت عالٍ 

وهي تضرب على صدرها بقوة: تيمو؟!


ارتفعت الرؤوس سريعًا، تطالع آلاء باستغراب وعدم فهم، ينتقلون بأعينهم بينها وبين آسيا، التي أسرعت بالابتعاد عن جانب تميم، تنظر نحوهم بابتسامة مرتبكة، تبتلع ريقها بتوتر، متسائلة:

كيف سمعتها تلك؟!

فهي تكاد تكون همست بها!


رفعت يدها سريعًا، تعدل من خصلاتها بتوتر، وتميم يحدجها بنظرات شامتة، وبداخله يردد:


أحسن، أحسن!


اقتربت ملك من آلاء، تلكزها بقوة في خصرها بغضب وغيظ، قائلةً بضيق:

إيه الشهقة دي؟ خضّيتي البنت!


تأوهت الأخرى، تنظر لها متوعدة، قائلة من بين أسنانها: نجّاكِ مني إنك حامل، 

كان زماني أديتك بكوعي طلعته من زورك!


 مين دي يا بنت؟ إنتِ كنتِ قاعدة بتدعي لتميم، ولا بتتصاحبي على اللي رايح واللي جاي؟!"


وتابعت بتفكير:

ولا إنتِ شقطاها لتميم؟!


زمت ملك شفتيها بحرج، قائلةً بضيق:


بس، بس! إيه شقطاها دي؟ نقي ألفاظك شوية!"


حركت آلاء لسانها تشتمها، وهي تتمتم بتفكير، متفحصةً آسيا:

بس أنا مش مستريحة... الفار بيلعب في عبي!


فجأة، اندفع رأس حسام بينهم، قائلًا بهمس هو الآخر:  مين الـ... 


تركها معلقة، قبل أن يكرر عبارة آلاء بتأكيد، وهو يتفحص آسيا بدقة: أنا مش مستريح!


هزّت ملك رأسها بيأس...

فآسيا أصبحت على رأس القائمة السوداء...


 تبا!


❈-❈-❈

جلست بهدوء على مقعدٍ أصرت بوضعه بجانب تميم، تناظره بهيام، وعيونٌ براقة، قبل أن تلتفت إلى مدحت قائلةً برقة: "عامل إيه يا أونكل مدحت؟"

رفع رأسه يناظرها لعدة ثوانٍ قبل أن يرد بهدوء: الحمد لله حبيبتي.

ارتفعت العيون نحو مدحت بتساؤلٍ مستغرب، فكيف يعرفها؟

حتى ملك تساءلت باستغراب وهي تطالع آسيا:حضرتك تعرف آسيا يا بابي؟

أومأ لها مدحت بصمت، قبل أن يرد بتقرير: "آسيا تبقى قريبة شوكت.

اتسعت عينا كل من ملك والاء، وكلٌ منهما تناظر الأخرى بصدمة، قبل أن تردد ملك بصدمة: إيه؟

والتفتت تقول بتيه: آسيا!

ناظرتها الأخرى بابتسامه دبلوماسية، قائلةً برقة: مكنتش أعرف إن تميم يكون اخوكي  عرفت النهاردة بس، واستغربت أوي. صدفة غريبة، صح؟

عقدت ملك حاجبها باستغراب، والاء وحسام يقفان يناظرانها بيأس.

لتتحرك سريعًا مغادرة الغرفة بحدة وغضب، غضبٍ من نفسها.

ماذا فعلت؟ كيف فعلت هذا؟

كادت الاء أن تلحق بها، إلا أن أنس هز رأسه يخبرها أنه سيذهب، وخرج سريعًا يلحق بها.

وأخذت الاء تنظر في أثرهم بصمت، قبل أن تستغفر ربها، تقرأ المعوذتين، وتدعو أن يحفظهم الله.

أما آسيا، فكانت تشاهد مظهرهم المذهول بصمت، تحاول فهم ما يحدث.

إلا أنه لم ترد أن تشغل عقلها ، فعادت تصب كل اهتمامها على من لا ترى سواه.

وهي تبتسم مخاطبةً تميم: عامل إيه يا تميم؟ بقيت أحسن؟ متعرفش أنا قلقت عليك قد إيه!

ظل ينظر أمامه غير راغبٍ في الإجابة، غير راغبٍ في وجودها من الأساس.

هي…

 هي تعيد بداخله الكثير من الألم، الكثير. أكثر مما يتحمل.

إلا أنه التفت مجبرًا مرددًا بضيق: الحمد لله.

وصمت، وصمتت هي أيضًا.

ليس لعدم وجود الحديث، بل لتلك الأربع عيون المحدقة بها.

تريد بعض الخصوصية، لكن كيف، والاء وحسام يقفان أمامها بالجهة الأخرى يناظرانها بحاجب مرتفع، مراقبين لها؟

همس حسام بكآبه: قريبة فريدة.

وصمت، ليتابع بضيق: أنا مش فاهم حاجة، بس الوضع مش صح يا الاء. مش صح أبدًا. وأنا مش مستريح.

هزت الاء رأسها بتأكيد، قائلةً بيأس: وأنا كمان. أبدًا، أبدًا.

قالتها وعيونها تراقب الأخرى.

هناك أمر ما يحدث، هناك رائحة سيئة تفوح من تلك الآسيا.

رائحة عطنه.

❈-❈-❈


كانت تجلس على أحد المقاعد خارج غرفة تميم بصمت تام.

رفعت يدها تمسح دمعة يائسة، إلا أن يدًا أخرى سبقتها تمسحها بحنان شديد.

ولم تكن سوى يد أنس، زوجها وحبيبها ورفيق دربها.

رفعت وجهها نحوه تناظره بيأس صامت، لا تجد ما تقوله.

تنهد قبل أن يجلس بجانبها، يمسك يدها يشدد عليها برفق وحنان، ويضمها بقوةٍ إلى صدره.

لم تبكِ، وهذا ما أقلقه.

فملك قنبلة بكاء موقوتة، تنفجر في أي لحظة ولا يقدر على إيقافها.

لذا سأل بهدوء ورفق: ملك؟


هزت رأسها بتعب قائلةً بحزن: آسيا اللي جوه دي، قريبة البنت اللي تميم كان بيحبها. البنت اللي إحنا جينا هنا عشان هو اتصدم وعرف أنها بقت متجوزة، وبعدها حصل اللي حصل. وأنا بكل غبائي حطيت ملح على جرحه، بدل ما أخفف عنه. زودت عليه يا أنس، أنا غبية... غبية.


قالتها وهي تضرب ساقها بقوة وغضب.


ضمها أكثر قائلاً برفق: أولًا، إنتِ مش غبية. يعني إنتِ عفوية شوية، وده مش عيب فيكي. إنتِ اتعرفتي عليها بحسن نية، وطالما متعرفيش، يبقى حصل خير. وادخلي اعتذري لتميم، وأنا متأكد وواثق إنه هيقبل اعتذارك.


صمتت متنهدة بضيق، إلا أنه تابع مفكرًا: "

بس تعرفي، حقيقي، غريبة الصدفة دي فعلاً.


هزت رأسها قائلةً بهدوء: "

هي بنوتة كويسة يا أنس والله، ومحترمة خالص. هي آه مش شبهنا، بس ده ما يقللش منها. أنا بس معرفش إيه الصدفة الغريبة دي.


أومأ أنس برأسه قائلاً بتأكيد: "

غريبة فعلاً... مريب أوي.


وأكمل ممازحًا: كأنه متدبر.


ولم يكن أحد يعلم أنها حقيقة.

❈-❈-❈

كانت تجلس بالقرب من فراشه، تطالُعهُ بعيونٍ متفحصةٍ شديدة الجرأة.

كل ثانيةٍ تحرك المقعد قليلاً حتى كادت أن تكون ملتصقة به.

وهو فعلاً لا يعيرها أي انتباه، بل مغمض العينين، لا يرىد أن يرى أحدًا من الأساس.

ظلت تناظره بضيق، لماذا لا تلفت انتباهه؟ ألا يراها؟ ولا يدري من هي؟

هي آسيا.

كيف له أن يتجاهلها بتلك الطريقة؟

حركت يدها ببطء، تريد أن تمس يده، إلا أن قاطعها دخول الممرضة قائلةً بهدوء:

لو سمحتم، هطلب منكم تتفضلوا، عشان أستاذ تميم محتاج يرتاح.

زمت شفتاها بغيظ تكاد تصرخ بها أنها لن تخرج، إلا أن قيام الجميع جعلها تتحرك بضيق.

فتح عيناه يزفر بقوةٍ متنفسًا الصعداء.

ولم يكن وحده، كان الجميع.

وكان وجود آسيا يطبق على أنفاسهم جميعًا.

تحركوا واحدًا تلو الآخر، إلا أن الاء ظلت واقفةً تناظرها بحاجب مرفوع، منتظرة خروجها.

وحينما وجدتها تطالعها بتعالي، ابتسمت لها ابتسامة صفراء قائلةً بحدة:

"اتفضلي."

حدجتها الأخرى بشرّ، قبل أن تتحرك مغادرة الغرفة.

ولم تنسَ أن تلتفت لتناظر تميم بابتسامة كبيرة مودعةً إياه، قائلةً بلطف:

"باي تميم."

ناظرت آلاء خروجها بتهكم، لتتحرك برقةٍ مصطنعةٍ تقلدها، قائلةً بزيف:

"باي تميم."

ناظرها تميم بعبوسٍ لم يقدر على المتابعة به، قبل أن يرجع رأسه للخلف ضاحكًا بقوة، حتى تأوه بالم.

أسرعت نحو تربت بهدوء على يده قائلةً بحنان: إنت كويس يا حبيبي؟

أومأ لها بصمت.

وقبل أن تتحرك لتلحق بالجميع، أمسك يدها قائلاً بهدوء: خدي الورد ده معاكي، متسبهوش هنا.

تقابلت عيناهم بحديثٍ صامت.

حديثٍ مؤلم.

حديث هي أكثر شخص قد يفهمه ويشعر به.

اخفضت عيناها بالألم، تناظره، قبل أن تتحرك متوجهةً حيث الورود، تمسكها برفق، متوجهةً للخارج، مغلقةً الباب خلفها برفق.

ولم تَرَ إغماض عينيه المتألمة،

 عائدةً حيث يجب أن يظل،

 للأبد.

الصفحة التالية