-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 20 - 2 - السبت 2/2/2025

  

  قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل العشرون

2

تم النشر السبت

1/2/2025



خرجت تحمل الباقة بين يديها، لتقابلها نظرات آسيا المستغربة.

قبل أن تتحرك هي خطوة لليمين، وعيناها لا تترك عيني الأخرى.

ضاغطةً بقدمها لتفتح سلة المهملات، وتحت أنظار آسيا المصدومة، تركت الزهور تسقط، قائلةً بحزن مزيف: أمم، أصل تميم مبيحبش النوع ده من الورد.

وتحركت بهدوء بعد أن حدجها مدحت بنظرات موبخة، وآسيا في مكانها تكاد تنفجر غيظًا.

مسّت ملك يدها بعد ما خرجت من المرحاض، قائلةً بهدوء: روحي إنتِ يا حبيبتي، وخلي بالك من نفسك.

كتم أنس الواقف خلفها ضحكته، حتى ملك أصبحت لا تريدها، خوفًا على مشاعر تميم.

نظرت لها آسيا بهدوء قبل أن تقول بثقة:

أنا فعلاً اتأخرت، لكن اكيد هاجي بكرة أطمن عليكم.

والتفتت لمدحت تناظره بهدوء، قبل أن تقترب مُقبلة إياه بسرعة على إحدى وجنتيه، قائلةً برقة:

"باي أونكل."

وغادرت بثقة تحت نظرات الجميع المنصدمة، تحديدًا مدحت، وهو يرفع يده حيث قبلتها، متنهداً بصمت وضيق.


❈-❈-❈


اقتربت آلاء منه تخرج منديلًا، مدّ مدحت يده لها، إلا أنها رفعت يدها تمسح وجنته بقوة حتى تأوه قائلًا بعبوس: إيه يا بنتي؟ هتقطعي وشي؟

ناظرته بضيق وهي تلقي المنديل في سلة المهملات، قائلةً باستنكار: إيه قلة الأدب دي؟ بوس ومياعة وعمالة تتسهوك.


اقترب حسام منهم قائلًا بهدوء:

خلاص يا آلاء، ويلا خدي بابا وملك وروحوا مع أمير وأنس.

عقدت حاجبها قائلةً برفض:

أروَّح؟ أروَّح فين؟ أنا هفضل هنا مع تميم لحد ما يقوم بالسلامة.


وقبل أن يوبخها، أكمل مدحت برفض هو الآخر: أنا مش هروح في حتة، خد إخواتك وروَّح إنت، أنا هفضل مع ابني لحد ما أطمن عليه.


قبل أن ينطق حرفًا واحدًا، انضمت ملك لهم قائلةً همسًا: أنا كمان هقعد مع تميم، مش هسيبه.


هز رأسه يطالعهم بهدوء قبل أن يلتفت لأمير المتحدث في الهاتف قائلاً بتساؤل:

وأنت مش حابب تقعد إنت كمان؟


طالعه أمير بحرج قائلًا وهو يحك رأسه:

الحقيقة لو مش محتاجيني ضروري، ممكن أروَّح يعني،

 وتابع مبررًا: عشان أكون مع الولاد في البيت، ومايفضلوش لوحدهم.

ناظره الجميع بغيظ، فالتفت يكمل حديثه بحنق.

والتفت حسام لهم قائلًا برد قاطع مشيرًا لوالده: حضرتك لازم ترَّوح، جسمك مرهق وتعبان، وكمان ضغطك مش مظبوط، محتاج تنام وتاخد الأدوية."

وتابع مشيرًا ل آلاء: وانتي تعبانه ومرهقة ومش بتنامي بقالك كذا يوم، وفي أربع عيال في البيت، من ضمنهم عيل بيرضع محتاجك.


وأخيرًا وصل لملك قائلًا برفق:

وحضرتك يا ست ملك حامل في طفل مسؤول منك، محتاجك تكوني بخير. فببساطة، كلكم محتاجين راحة، وأنا اللي هفضل معاه، عشان أنا راجل وأخوه، ولو احتاج لحاجة أكيد أنا أولى أساعده بدل الممرض، وأنت يا بابا مش هتعرف لأنك تعبان، ولا إنتو الاثنين عشان مش هينفع.


وتابع سريعًا وهو يرى رفض أبيه قائلاً:

لو سمحتوا عشان خاطري، بجد أنتو محتاجين راحة، وصدقوني أنا هطمنكم، والصبح إن شاء الله تعالوا، وأنا هروح أخد شاور وأنام ساعتين وأرجع، ونعملها ورديات لحد ما تميم يقول بالسلامة.


صمت الجميع مضطرين، ف للحقيقة، حسام محق.

أتي أحمد نحوهم متجهم الملامح، ليبادره حسام قائلاً: إنت كمان يا أحمد، روح ارتاح، عشان لو حابب تيجي بكرة إن شاء الله، تكون قادر. ولو سمحتوا كلكم محتاجين الراحة.


كان يتوقع جدالًا آخر، لكن صمت أحمد أراحه وقلقه في نفس الوقت.


لكن مغادرة الجميع أغفلته عن سؤال.

وغادر الجميع بالفعل، وظل هو يقف مكانه يحرك رأسه بألم وتعب شديد قبل أن يلقي نفسه على المقعد، مخرجًا هاتفه ليتحدث مع زوجته الحبيبة.

فكم اشتاق لها.


❈-❈-❈

كانت تجلس بجانب شمس النائمة، تتطلع أمامها بصمتٍ كئيب. 

كم يوم مرَّ على وصولهم لمصر؟ وها هي تجلس هنا. 

لا يُسمح لها بأن تأتي للمستشفى خوفًا عليها وعلى الصغير،

 ولن تنكر حتى هي خائفة، بل مرتعبة. حتى بعدما أدلى تميم بشهادته بما حدث،

 يظل الخوف يحاوطها ويحاوط قلبها خوفًا عليه. 

حتى أنه أخبرها إذا أرادت أن تذهب لمنزل والدها، سيأتي ليوصلها بنفسه.

فهو لا يأمن أن تذهب بمفردها، تحديدًا في تلك الأوضاع المضطربة.

 إلا أنها رفضت، لأنها ببساطة تريد أن تكون بجانبه، لا بمنزل أهلها، ولا هنا بمنزل والده،


 

تنتظر عودته. هي تريد أن تكون بجانبه حتى يطمئن قلبها عليه.


تململت الصغيرة، وقبل أن تبدأ وصلة البكاء الطويلة. حملتها برفق، تهدهدها، تضمها لصدرها بحنان ورقة. 

وفِعلاً غفت شمس مرة أخرى، شاعرة بالراحة والسكينة. 

مر نصف ساعة حتى استطاعت وضعها بالفراش مرة أخرى. وضعتها برفق شديد،

وهي تجد هاتفها يرن. وكان حسام.

 حاوطت صغيرتها بالكثير من الوسائد خوفًا من أن تتحرك في نومها فتسقط أرضًا، 

قبل أن تأخذ الهاتف وتبتعد عنها قدر الإمكان لكي لا تستيقظ صغيرتها. رفعت الهاتف على أذنها، ليبادرها هو قائلًا باشتياق وحب: "وحشتني يا أم شمسي، وحشتني أوي". 


ابتسامة صغيرة شقت وجهها المتعب وهي تستمع إلى لقبها، ليست "حور" ولا "أم شمس"، بل "أم شمسة".

 لم تستطع منع نفسها من أن تهمس بشتياق هي الأخرى: "وحشتني أكثر،

 وحشتني أوي يا حسام بجد، طمِّنني عن تميم، عامل إيه؟ وأي وضعه دلوقتي؟

 

وهيخرج إمتى إن شاء الله من المستشفى؟"


تنهيدة متعبة خرجت منه وهو يمد ساقه بإرهاق قائلاً بخفوت: والله يا حور، محدش يعرف هو من ناحية عامل إيه، فالحمد لله ومن فضله علينا عدى مرحلة الخطر، لكن لسه هيفضل تحت الملاحظة كام يوم.

 الدكتور قال أقصى مدة أسبوع، بس برضه مش هيخرج غير وإحنا متأكدين أنه بخير، ف اهو مستنيين، 

المهم هو بس يقوم بالسلامة".

 رددت خلفه بحنان: "آمين يا حبيبي".

 وتابعت بتساؤل: "طيب عمو عامل إيه دلوقتي؟ كان تعبان إمبارح.

أجابها بهدوء: "هو جي عندكم دلوقتي، هو والاء وملك وأنس وأمير. 

عقدت حاجبها قائلةً باستغراب: هم راجعين الفيلا هنا؟. 

أجابها بهدوء: أيوة، محدش يقدر يكون جنب تميم غيري. أنتي عارفة البنات صعب، وبابا صحته مش هتستحمل، 

وأمير يعني مشغول، مش هينفع".

 أومأت بصمت، كانه يراها. وقبل أن تسأله متى سيعود،

 أتى صوته قائلاً بسرعة: معلش يا حور هقفل وأرجع أكلمك، الممرضة بتنادي عليا. 


وأغلق سريعًا.


وظلت هي محلها تنظر من النافذة بشرود. 

لتفيق بعدها من تفكيرها على استيقاظ ابنتها مرة أخرى، وتلك المرة تمامًا. تنهدت وهي تتوجه نحوها، تحملها بحنان، تقبّلها وتضمها لصدرها بقوة، قبل أن تتحرك بهدوء مغادرة الغرفة. يجب أن تعد لهم الطعام، لا يصح أن يناموا بدون أن يأكلوا. هي محل حسام


 وستشرفه.


❈-❈-❈


كانت تجلس على أحد الأرائك بالغرفة الكبيرة المخصصة للصغار. كانت معدة لهم خصيصًا كمساحة للعب،

 غرفة بمساحة ثلاث غرف تقريبًا. 

جهزها لهم تميم بتصميم خاص منذ حملها الأول، 

منذ أول لحظة تقريبًا علم بحملها. 

وقد كان يجهزها بدقة،

 وأصبحت تزداد حجمًا وإمكانيات أكثر بزيادة فرد جديد من الأحفاد. 

لكنّها لم تهتم يومًا بها، لم تردها أصلاً. 

فهي غرفة تملؤها الألعاب الخاصة بكل الأعمار،


 بداية من شمس وتميم حتى أبنائها. 

وهي لا تريد هذا لصغارها. تريدهم أن يروا المستقبل بعينها، تريدهم أن يكونوا مثلها هي وأمير، باسم يملؤه الفخر أينما ذهبوا.


ولا مجال للعب أبداً للوصول إلى هذا، أبدًا، أبدًا. 

هي تريد مستقبلًا لا وقت للعب فيه، فقط التقدم نحو الأمام.


رفعت يدها تضغط على رأسها بقوة،

 تكاد تصرخ بأعلى صوتها،

وهي ترى المشهد المكرر أمامها. 

هذا يركض وذاك يصرخ، حتى صغارها يلعبون مع آية وإيلا في أحد الألعاب الإلكترونية الجديدة،

 ويتشاكسون فيما بينهم. هزت رأسها بإرهاق، فهي وحدها معهم دون أي مربية.

 لم يرغبوا في وجود مربية بسبب الأوضاع الحالية، والتي قد تهدد بأمان الصغار.


 فأصبحت هي وحور مسؤولين مسؤولية كاملة عن عدد كبير من الأطفال في مختلف الأعمار. هي حتى لم تكن هي من تعتني بأطفالها، والآن مجبرة على هذا الوضع السيء جدًا.


وضعت يدها على أذنها وهي تسمع صوت صريخ عز المستمر بسبب ألعابه التي ينتشلها تميم الصغير منه. 

لما في دورها يتحولون إلى أطفال عصابات مزعجين دون أي تربية أو أخلاق.


 أما في وقت حور، طبعًا الهدوء والأدب، مهذبين صامتين، لا صوت لهم. لماذا معها هي فقط؟ لماذا؟


وعند تلك الخاطرة، لم تجد نفسها إلا وهي تصرخ فجأة بعنف وعصبية شديدة: بس! بس!


اسكتوا! كفاية صريخ، كفاية! أنا تعبت، تعبت!.


انتفض الصغار، ومن بينهم أطفالها هي، يناظروها بعين خائفة مرتعبة، صامتين تمامًا، مراقبين ثورتها عليهم. 

تبع ذالك دخول حور المسرعة من الخارج،


تحمل شمس وتضمها إلى صدرها بصدمه وذهول. ظلت تناظرها لعدة ثوانٍ، 

قبل أن تقترب سريعًا من تميم الذي بدأ فعليًا في البكاء بشدة أثر عصبيتها، تضمه لصدرها قائلة برفق وحنان كبير: بس بس يا تيمو، مفيش حاجة خالص، بس بس. 

قالتها وهي تمسح على خصلاته الناعمة، إلا أنه ازداد بكاء. نظرت لابنتها المتوترة بدورها من بكاء تميم بحيرة، قبل أن تضمه معها، تهدئه حتى خف بكائه تدريجيًا. وهي تحاول ملاطفة الصغير عز أيضًا، 

مقتربة منه تقبله بحنان قائلة برفق للصغار آية وإيلا وحتى أبناء يارا: مفيش حاجة يا ولاد، هي بس طنط يارا بس مرهقة شوية ومحتاجة ترتاح. 

والتفتت لها، تناظرها قليلاً قبل أن تقترب منها قائلة بحزم هامس لكي لا يسمعها الصغار، رغم أنها هي الأصغر سنًا، إلا أنها لم تهتم


وقالت بحزم وعتاب: لو سمحتي يا يارا، لو مش حابة تقعدي مع الأولاد حقك طبعًا،


محدش يقدر يجبرك أبدًا. إحنا قاعدين بيهم مؤقتًا بس، لحد ما آلاء ترجع بالسلامة.


ومحدش غريب يجي بره. عادي جدًا تقولي مش عايزة. وحقك صدقيني محدش يقدر يلومك. بس مش من حقك تزعقي كده فيهم. دول أطفال في الأول والآخر أطفال. حتى بصي، ولادك اتفزعوا.


نقلت يارا عينيها نحو صغارها لتجدهم قد تركوا ألعابهم، ووقفوا يناظروها بعيون باكية. لتتابع حور قائلة بهدوء: روحي ارتاحي في أوضتك يا يارا، شكلك مرهقة وتعبانة، ومتقليش، أنا هقعد معاهم، أخلي بالي منهم.


أصلاً خلاص، آلاء والجماعة جايين في الطريق حسام لسه مبلغني.

 والتفتت للصغار تهدء من روعهم. ناظرتها يارا بغضب شديد، قبل أن تغادر الغرفة بسرعة وغضب، غضب واستياء منهم جميعًا،

 وخاصة المبجل زوجها.


❈-❈-❈


كانت مدحت يجلس في المقعد الخلفي في المنتصف تحديدًا، تنام آلاء على كتفه وملك على الآخر. كل منهم قد راحت في سبات عميق، أو هكذا ظن. 

فآلاء لم تنم أبدًا، بل أغمضت عينيها متهربة من الجميع.

 لا تريد أن يلاحظ أحدهم شرودها. لا تريد سوى أن تبتعد للكثير من الوقت، لكي تعيد تهيئة نفسها المتعبة والتفكير في القادم، والذي بكل تأكيد يؤلم قلبها.

 لذا أكملت تظاهر وظلت كما هي. 

وكم تتوق أن تنام فقط، الكثير من النوم والراحة، علها تصبح بخير.


الصفحة التالية