-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 22 - 1 - الأحد 9/2/2025

 قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل الثاني والعشرون

1

تم النشر الأحد

9/2/2025


هناك شيء في الداخل، حركة خفية لا يراها أحد، لكنها تُشعر صاحبها بثقلها. كأن هناك طريقين، كلاهما مألوف، لكن أيهما ينبغي سلكه؟ لا إجابة واضحة، فقط ذلك الإحساس الذي يتردد بين الإقدام والتراجع، بين ما يبدو صحيحًا وما يبدو مرغوبًا.


الأمر ليس صخبًا، بل همسًا متكررًا، فكرة تعود كلما ظن أنها اختفت. ربما هو اختبار، أو مجرد لحظة عابرة، لكنها تترك أثرًا، كحجر صغير يحرك سطح الماء الهادئ.


تميم مدحت العسلي 


بقلمي عفاف شريف

❈-❈-❈

أجفلت وهي تعقد حاجبها بشدة، مستمعةً إلى نبرة صوته العالية، وظلت تناظره لعدة ثوانٍ، قبل أن تجيبه بهدوء وبساطة، وهي تتحرك قليلًا تجاهه: كنت في المستشفى.

وتابعت: زيارة لتميم، ابن أونكل مدحت، شريك بابا، لأنه عمل حادثة ومحجوز بقاله كذا يوم.


صمت لوهلة قبل أن يسألها بصوت خافت، خطير: تميم ده نفسه اللي قابلناه في الشركة بتاعة باباكي؟


أوْمَأَتْ له ببطء، ولم تتوقع الآتي أبدًا...


ابتداءً من ارتفاع حاجبه أكثر، ووجهه الذي ازداد تجهمًا واحمرارًا، كأنه على وشك الانفجار، وهو يقترب منها مرددًا بحزم وصوت أعلى: بتقولي إيه؟!


وتابع بصراخ: إنتِ اتجننتي يا فريدة؟ 

أكيد اتجننتي! لأن دي مستحيل أبدًا تكون تصرفات واحدة محترمة اوعاقلة حتي!


اتسعت عيناها، وكادت أن توقفه وتصيح ليكفّ عن تجاوز حدوده، لكنه تابع، ولم يُعطِها أي فرصة ليكمل بغضب: يعني إيه روحتي تزوريه؟ يعني إيه تروحي تزوري راجل غريب عنك من غير إذني؟!


ارتجفت، وعيناها تتسعان أكثر فأكثر، وهو يزداد قربًا ويهتف بغضب: في المستشفى؟ ولا في أي داهية؟ ما يتحرق، ولا يولع بجاز! 

إنتِ مالك؟ مالك إنتِ بيه؟! تعب واتحجز، مالك بيه؟! تقربيه إيه، ويقربك إيه؟!


قالها وهو يضرب الباب بيده بقوة وغضب.

انتفضت هي على أثره بفزع، تناظره بعيون متسعة، مستنكرة.


وظلا هكذا لعدة ثوانٍ، ينظران إلى بعضهما البعض بغضب واستياء، مهما اختلفت أسبابهما.


أما هو، فكان يكاد يمنع يده عنها بكل قوته كي لا يصفعها بقوة، وقبل أن ينطق بحرف آخر، دفعته هي بقوة إلى الخلف، وهي تصيح مثله بإنكار واستياء شديد: إنتَ أكيد اتجننت! 

 إزاي أصلًا تسمح لنفسك تقولي الكلام ده؟! أنا مش هسمحلك!"


ثم تابعت، وهي تنظر إليه بعينين يملؤهما الغضب: بس قبل أي حاجة، خليني أفكرك لو ناسي... إنك أول جوازنا قلتلي: روحي مكان ما تحبي، المهم أطمن عليكي. أنا مش متجوزك عشان أسجنك!


ثم أردفت بسخرية لاذعة: واضح فعلًا إنّي متاحة ليا أروح أي مكان أحب!

 اللي بتغلط فيه ده يكون تميم، ابن شريك بابا، ومن واجبي لما أعرف إنه في المستشفى، المفروض أقل تقدير أزوره!


صاح بها مرة أخرى برفض، جعلها تنتفض مرة أخرى، وتناظره بعيون حزينة: لأ! مش مفروض! ولا من حقك تروحي بدون إذني! إنتِ إزاي أصلًا تسمحي لنفسك تروحي لراجل غريب، وتكوني معاه في مكان واحد؟! إنتِ فاكرة نفسك فين؟! فاكرة متجوزة إيه؟! فكراني مش راجل؟!


كانت تقف أمامه، وصدرها يعلو ويهبط من شدة التوتر،وصوت خدش الباب الغاضب يصل إليها حيث تقف.

أغمضت عينيها بتعب،

وقبل أن تكمل حديثها، أطبقت فمها بقوة.


لن تنطق بأي شيء قد تندم عليه... عليها أن تتريث في كل كلمة.


كانت منذ بضع دقائق تفكر في كيفية إصلاح الوضع بينهما، لكن مع كل لحظة، كان الوضع يزداد سوءًا.


لذا، ردّت بهدوء قاطع: عمر... بغض النظر عن إهانتك الشديدة ليا، لكن خليني أقولك إن دي كانت زيارة مريض. أنا مكنتش بقابله في مطعم ولا بتفسح! أنا كنت بزور شخص اتعرض لكذا طعنة، وبقوم بواجب بسيط!


وعلى فكرة، أنا مشوفتوش فعليًا، وقت ما روحت كان نايم، فـ رجعت! يعني، معملتش أي حاجة فعلًا، ولا حتى نطقت معاه كلمة!"


ثم رمقته بنظرة غاضبة، قبل أن تضيف بحدة:

استريح، مراتك ست محترمة! لكن صريخك وزعيقك وغلطك فيا... شيء أنا مش هسمح بيه ولا هقبله!


شايف إني عملت حاجة غلط من وجهة نظرك؟ اشرحلي! فهمني!


لكن مش من حقك أبدًا تغلط فيا ولا في أخلاقي! لأن كلامك بيحمل معاني... مجرد التفكير فيها في حد ذاته إهانة ليا، وأنا مش قابلة اللي حصل ده!


مش أنا اللي أتعامل المعاملة دي! ولو إنت مش عارف قيمة مراتك، يبقى الغلط من عندك، مش من عندي!


راجع نفسك، واعرف إنك بتصلح الغلط بغلط!"


ثم ابتعدت سريعًا من أمامه، بينما وقف هو يناظرها بغضب... غضب يكاد يحرقها حيّة!


❈-❈-❈

دلفت إلى الغرفة التي تنام بها لوزة، وأغلقت الباب خلفها بهدوء.

فحقًا، يكفيها شجارٌ ونكد، يكفيها...


أسرعت لوزة خلفها، تصعد على الفراش، تجلس على ساقها، تتمسّح بها حزينة، هي الأخرى على صمتها غير المعتاد أبدًا.

كانت تنظر إلى الغرفة بعيون فارغة، صامتة.


الحقيقة، هي تحتاج إلى الكثير من النوم والهدوء،

ربما هي بحاجة إلى الكثير من الأشياء الأخرى،

لكن... والآن، فلتنم.

لربما تستيقظ لتكتشف أن ما تمرّ به ما هو إلا أحد أحلامها شديدة السوء.


تسطّحت على الفراش بهدوء، تضمّ لوزة، تنظر إليها قبل أن تهمس بخفوت حزين:

تظنّي العيب في مين فينا؟ فيَّا ولا فيه؟


تحرّكت وهي تشعر برنين هاتفها،

مدّت يدها، تحسّس بنطالها، تخرج هاتفها تراقب اتصال سارة ،

ولم تتردد وهي تفتح المكالمة،


ليقابلها وجه سارة المبتسم، والذي تبدّل في ثوانٍ متسائلًا بقلق: في إيه؟ وشّك أحمر كده ليه؟

انتي معيطه؟


لم تتحدث، لم تُبدِ أي رد فعل، لم تكن قادرة،

لذا تابعت سارة بتقرير: اتخانقتي مع عمر تاني، صح؟


أومأت لها فريدة بضعف وأسى،

طالتها سارة بحيرة،

علاقة فريدة وعمر تراها هي علاقة معقدة، بل كثيرة التعقيد،


لذا قالت بهدوء، محاولة التخفيف عنها: أولًا، استهدي بالله، حصل إيه؟ احكيلي.


تنهدت فريدة بإرهاق، قبل أن تقصّ عليها كل ما حدث.


صمتت سارة، قبل أن تتنهد قائلة بهدوء:

 لأني مش هخدعِك، هقول الحق، انتي غلطتي.


ناظرتها فريدة بصمت،

لتتابع بتأكيد: وهو غلط.

ببساطة، انتو الاتنين غلطانين.

انتي غلطتي إنك روحتي من غير ما تقوليله،

وهو غلط لما قالك كل الكلام الجارح ده.

بس من حد بره المشكلة تمامًا...

انتو الاتنين غلط.


هزّت فريدة رأسها بيأس، قبل أن تهمس ودموعها تسبقها بحزن: أنا مبقتش عارفة أعمل إيه...

أنا بحاول والله، وربنا يعلم، بس أنا بحاول لوحدي.

أنا بحاول في حياة مختلفة عني.

انتي عارفة... أنا كنت خايفة من خطوة الجواز، وصارحته بده.

فهمته إني مختلفة، إن الموضوع مش هيكون سهل،

إني لا بعرف أعمل أكل، ولا أكون ست بيت،

قلتله إني هتعلم وهحاول،

ووعدني هو إنه مش هيسيبني لوحدي،

هيمسك إيدي ويشدّني، يعلّمني،

عشان هو بيحبني...

بس أنا لوحدي يا سارة،

أنا بتعلم لوحدي،

ولما بغلط بيبين قد إيه أنا فاشلة.


ناسي إني بحفر في أرض جديدة عليّا،

بتعرف عليها،

نسي وعوده ليا،

وبيطلب مني فوق طاقتي.


قالتها بهمْس خافت،

صمتت، ليس لأنها لا تجد المزيد من الكلام،

بل لأنها تعبت من الكلام.


نظرت إليها الأخرى بحزن،

وكم تودّ في تلك اللحظة أن تكون بجانبها،

تضمّها إلى صدرها،

وتشدّد على يدها،

ليتها بجانبها حقًا.


لذا قالت بهدوء، وهي تنظر إليها بعطف:

 الموضوع بسيط يا فريدة، بجد، وأبسط من كده كمان.

انتو محتاجين تفهموا بعض،

محتاجين تقعدوا تفضفضوا وتخرجوا كل اللي في قلبكم،

انتو جواكم تراكمات من ناحية بعض،

هو عايز، وانتي عايزة،

هو شايف، وانتي شايفة،

كل واحد بيحفر في أرض مختلفة،

وفاكرين إنكم سوا.


قاطعتها قائلة بتعب:

– تظني إني ما حاولتش؟

حاولت، صدقيني حاولت.

كلامي كأني مش بقوله،

عمر مش شايف إني بحاول يا سارة.

أكبر دليل النهارده،

لو تعرفي... أنا راجعة مقرّرة أقعد وأتكلم معاه،

ونتناقش،

ونصلّح الوضع.

بس دايمًا أنا اللي بعمل...

ليه هو ما بيعملش؟


بصي، أنا مش عايزة أكون ظالمة أبدًا،

هو فعلًا تعبان جدًا في الشغل،

وطالع عينه فعلًا، بيتأخر أيام كتير جدًا عشان بيكون وراه شغل كتير،

عشان يوفّرلي حياة كويسة، مرفّهة على الأقل،

عشان يوصل ولو  لجزء من اللي كنت عايشاه .


وصدقيني، أنا مقدّرة ده، مقدّرة جدًا،

أنا بحب عمر،

معقول مش هزعل على تعبه أو أقدّره؟

بس من الجهة التانية...

الحاجات البسيطة اللي بنسبة لناس كتير عادية،

صدقيني صعبة أوي عليّا.


حاجات عمري ما تخيّلت إني أعملها،

يعني انتي عارفة التويلت؟ أنا بجد مش عايزة أعمله، بس هو زعق عليا قبل كده، واضطريت أعمله،

وكمان الأكل، بذات إني أمسك الفراخ أو اللحمة بإيدي،

أنا بقرف غصب عني،

هو مش فاهم إن كل ده غصب عني،

وإني بجد مش متعودة،

أنا عمري ما عملت أي حاجة من دول،

زي إني أعمل أكل كل يوم،

يكون في أطباق كتير في الحوض المفروض تتغسل،

وفي هدوم كمان، وتتحط  في الشمس،

أنا كل ده صعب أوي عليّا، والله صعب.


قالتها بعيون باكية، مرهقة ومتعبة،

قبل أن تتابع بتأكيد: بس أنا بعملها، عشانه، عشانّا،

عشان البيت ده، بيتنا،

وحياتنا.

أنا مش بعمل لنفسي، ولا ليه،

أنا بعمل لينا،

أنا عايزة ننجح،

بس حاسة إني بحاول لوحدي من الجهة دي،

أنا عايزة أحس إنه بيعافر في بيتنا هنا، معايا،

بيحقق وعوده ليا،

معقول ده مش من حقي يا سارة؟


هزّت سارة رأسها نافية، مجيبة برفق: لا طبعًا يا حبيبتي، حقّك طبعًا،

حقّك عليه وحقّه عليكي،

حقّكم على بعض تعافروا عشان بعض يا فريدة،

مهما حصل، لازم تتكلموا وتفهموا ليه بتوصلوا للنقطة دي،

مع كل خلاف، الفجوة بتزيد بينكم،

لازم نقاش، لازم بجد.

السكوت والبعد وتكبير الدماغ عمرهم ما كانوا حل،

بالعكس، ده أسوأ حاجة،

وهيوصلكم لحِيط سدّ.


أنا عارفة قد إيه انتي زعلانة وقد إيه تعبانة،

بس صدقيني، هي أول فترة بتكون متعبة جدًا،

عشان الطرفين لسه بيتعودوا على بعض،

أنا مش ببرر أبدًا تصرفاته،

لكن مش هقدر أطلّعه الشرير،

لازم أكون منصفة،

وشخص عادل.


أنا بس عايزة أقولك:

أوعي تنسي، أنا جنبك، دايمًا،

دايمًا يا ريدة.


نظرت لها فريدة بعيون دامعة، قبل أن تهمس لها بألم:

– أنا موجوعة أوي يا سارة،

بجد، قلبي وجعني،

معقول مفيش طريقة أرتاح بيها؟

أكون سعيدة؟


قد إيه طلعت أمنية صعبة،

صعبة أوي.


قالتها، وأجهشت في بكاء شديد،

ولم ترَ عمر الواقف خارج الغرفة،

وقد استمع لآخر شق من حديثها.


❈-❈-❈

لم يعرف كم ظل خارج الغرفة يستمع إلى صوت بكائها.

بكاؤها يؤلمه.

لا يريدها أن تبكي، يريدها أن تفعل ما يريد فقط، أن تكون تلك الزوجة العادية، وأقل من العادية إن تطلّب الأمر.

لكنها لا تصل أبدًا، بل يشعر أنها تتراجع بخطواتها للخلف.


لم يتوقع أبدًا أن تكون الحياة بينهما بتلك الصعوبة، تخيّل أنها ستتعلم بسرعة ككل الفتيات والسيدات، لكن هذا لا يحدث.

لا هي تفهمه، ولا هو يفهمها.

كلاهما بعيد... بعيد للغاية.


هي لا تفهم طبيعة تفكيره، لا تشعر بما شعر به.

زمّ شفتَيه وهو يفكر... كيف تذهب إليه دون إذنه؟

حسنًا، حتى إن كانت أخبرته، كان سيرفض، ولن يقبل أبدًا،

لكن كان يجب أن تخبره، حتى لو رفض.


يجب أن يعرف عنها كل شيء، كل خطوة، هو زوجها، هذا حقه.

كيف يعود ولا يجدها؟


يتذكر وهو يقف حينها لعدة دقائق، ينظر للمنزل بغضب، لم يهاتفها، بل انتظر،

وكان انتظاره كهواء يشعل نيران غضبه أكثر.

كان يريد أن يرى ماذا تفعل وأين ذهبت،

فقد ظل ساعتين في انتظارها،

وفريدة لا تذهب للسوق وخلافه.


حينها، قفز إلى عقله سؤال شيطاني يهتف بعنف وتساؤل:

أكل يوم تخرج دون إخباره؟

ألا تراه رجلًا؟ رجلها؟

كيف تفكر بتلك الطريقة؟ كيف تنسى واجباتها تجاهه؟


حتى أتت، وببساطة أخبرته أنها ذهبت لرؤية ذاك الشخص،

وهو أصلًا لم يرتَح لهذا التميم، فانفجر بها،

وكانت تلك النتيجة... خلاف جديد، وفجوة جديدة.


لكنه على حق، وهي أيضًا.


التفت ينظر إلى الغرفة بضيق شديد، مستمعًا إلى صوت بكائها.

ولن يُنكر... يؤلمه،

والأكثر بؤسًا... هو عدم معرفته أبدًا ما هو الحل.


❈-❈-❈

أغلقت مع سارة بعد وصلة بكاء طويلة.

بكاء فقط... لا طاقة لها للمزيد من الكلام.

الحقيقة، هي حتى لا تريد البكاء، تريد أن تجد حلولًا لحياتها الزوجية التي لا تمت للاستقرار بصلة.

هي لا تريد أن ترى نفسها كما كان أبواها... في علاقة باردة لا يمسّها الدفء أبدًا.


نظرت للوزة التي تحاول لفت انتباهها، قبل أن تستمع إلى صوت جرس الباب.

نظرت للساعة... لقد أتى الطعام.

فليفتح هو، وفكرت بغيظ: أصلاً هي ستخرج وتأكل، وليضرب رأسه في أكبر حائط!


❈-❈-❈

فتح الباب واستلم الطعام، نظر له بحيرة.

لقد جلبت وجبته المفضلة... السمك!

كيف له أن يتركها جائعة؟! ولم تنسه هي...


أخرج الطعام وجلب الأطباق، لكن تركه كما هو لكي لا يبرد.

وأخذ نفسًا عميقًا، قبل أن يتوجه للغرفة، مقررًا التنازل تلك المرة.

ففي النهاية... هي زوجته وبهجة حياته.

❈-❈-❈


فتح الباب فجأة، لتناظره بطرف عينها قبل أن تكمل اللعب مع لوزة التي رمقها بقرف، فردّت عليه النظرة بكل هدوء، وهي تكشّر مصدرةً عدة أصوات مزعجة.


اقترب منها وجلس أمامها، قبل أن يقول بهدوء ولين: هتفضلي زعلانة كده يا فريدة؟


ارتفع حاجبها بصدمة...

أفقد ذاكرته أم ماذا؟! لم يمرّ على خلافهما ساعة حتى!

أنسي ما قاله لها؟! لذا صمتت... صمتت، ووضعت حذاء في فمها لكي لا تتهور، وتترك لوزة عليه... تشوّه وجهه!


وهي تهز ساقها بعصبية، كان هو يناظرها، وعلى وجهه شبه ابتسامة متسلية، قبل أن يتابع بخفوت: أنا آسف.


انتفضت تنظر له، وهو يكمل: أنا آسف... بس عشان صوتي وكلامي اللي مكنش ينفع يتقال، مش عشان أبدًا رفضي على مروحك هناك.

إنتِ قلتي بره... أنا وإنتِ غلطانين، كنتِ مصدقة كلامك؟ يعني عارفة إنك غلطتي؟


نظرت له متذكرة حديث سارة، لذا قالت بجدية ونبرة أكثر خفوتًا: أنا مكنتش أعرف إن الموضوع هيضايقك أوي كده، لكن أيوة... أنا آسفة إني مقلتلكش إني عايزة أروح.


تنهد بصمت، ينظر لها وتنظر له، وكلٌّ منهما يريد أن يخرج من تلك الحالة المزعجة.

لذا، أمسك يدها مرددًا بضيق رغم كل شيء: مكنش ينفع تروحي يا فريدة، كنا في أضيق الحدود هروح معاكي، بس مرواحك لوحدك مش مقبول أبدًا بالنسبة لي.

بس تمام... عرفتي إني بضايق، أوعديني إنك متكرّريهاش تاني.


أومأت له بصمت، وتابعت هي بصوت مختنق: وكلامك ليا؟


ناظرها بحنان، قبل أن يقترب منها، مقبّلًا رأسها، قائلًا بأسف: أنا آسف... مكنش ينفع أقول كده، سامحيني، طلع في لحظة غصب عني.


ابتسمت له بصمت، ليبدّل مكانه حيث كانت تجلس لوزة التي غادرت الغرفة، ويضمّها إلى صدره.

وظلا هكذا إلى أن رفعت رأسها تهمس بخفوت صادق: اوعدني نحاول عشان بعض... أنا مش حابة اللي بيحصل أبدًا يا عمر، اوعدني نعافر سوا."


قبّل رأسها بحنان، وهو يقول مؤكدًا بحب: أوعدك.


وكان وعدًا تمنّى كلاهما أن يتم الوفاء به... من كل قلبهما.


❈-❈-❈


بعد قليل من الوقت، فضّل كلٌّ منهما قضاء بعض الوقت بهدوء وسكينة.


انتفض عمر سريعًا، لدرجة أن فريدة كادت تسقط أرضًا، وهو يقول بفزع: السمك!


تطلعت له لعده ثواني بعيون متسعة، وهي تصرخ بصدمة وهلع : لوزة!


وقام كلٌّ منهما يركض متعثرًا، فكان أول الواصلين عمر، الذي وقف فجأة، لتلتصق به فريدة، قبل أن تخرج رأسها من خلفه ببطء شديد ، وهي تناظر المشهد أمامها بيأس وعيون متسعة ذاهلة.


فهناك، على المائدة، للمرة التي لا تذكر عددها، تجلس لوزة بكل راحة، تأكل من أحد أطباق السمك الخاصة بهم!

الصفحة التالية